وبعد قليل، سمعت صوت غادة قادم من المدخل، " هل نامت؟"
لم يرد عاصم، بل رفعها بين ذراعيه برشاقة،
فضربت كتفه متصنعة بعض الخجل وقالت له،
" ماذا إن لو لم تنم بعد، لم أنت متحمس هكذا"
" لم أنتِ خائفة، لقد أعطيتها جرعة قوية، حتي وإن لم تنم، فسوف تعتقد أنها تحلم"
كنت اعتقد في البداية هذا الحليب الدافئ هو حليب اهتمام وسعادة، ولكنه في الحقيقة لم يكن سوي ستار لإخفاء خيانة هذين الوضيعين.
بدأت غادة تتنهد بأنفاسها.
" سمعت أن ذلك الفتي المشلول من عائلة هاشم سوف يعقد قرانه وقد دعاني لحضور مأدبة القران، ياله من مضحك، مَن تلك البائسة التي قررت أن تضيع حياتها معه"
زاد عاصم من قوة وهو يرد:
"يا لها من نظرة ضيقة ! مجرد حمل لقب زوجة وريث عائلة هاشم، يجعلها ترتقي لمكانة لا تُقدر بثمن؛ لا أدري من هي المحظوظة التي ستنال هذا الشرف."
" هل سنذهب سويًا إلى الحفل؟"
" أنتي تحلمين، المدعوون لتلك الحفلة كلهم من طبقة راقية، كيف ستذهبين لهناك، سوف آخذ معي ابنه عمتك فقط."
فاستدارت غادة وابتعدت عنه،
" ولن تشعر بالعار إن اصطحبت تلك العمياء للحفل، كيف لك أن تصطحب إمرأة لن تسبب لك إلا إعاقة طريقك إلى حفلة مرموقة كهذه !"
" سمعت أن تلك العروس من الإسكندرية وأنا ايضًا من الإسكندرية، فلابد من أن بيننا لغة مشتركة، سوف أساعدك في بناء علاقة معهم"
تأمل عاصم كلامها، ورأي أن كلامها معقول، فاومأ رأسه بالموافقة.
" حسنًا، سوف اصطحبك أنتِ"
وفي تلك اللحظة، رفع رأسه، فالتقت عيناه بعينيّ اللتين كانتا تراقبانه من داخل الغرفة.
ولكن أغلقت عيناني بسرعة.
أندهش عاصم لما حدث،
" أنا متأكد من أنني أغلقت الباب جيدًا، كيف فُتح مرةً أخري؟
"ما الذي يهمك إن كان الباب مُغلقًا أم لا، لابد وأنها الآن نائمة كالميت؟"
" لا تهتم بأمرها، أريدك أن تبقي معي أكثر."
لم يلبث صوتهما أن تلاشى وسط أصوات أخرى أشد قذارة.
ولم ينقضي ذلك الصوت، إلا عندما بدأ ضوء الصبح يتسلل إلى الغرفة.
لم أنم تلك الليلة بأكملها، وكانت الوسادة قد غرقت بالدموع،
عاصم، لطالما كنت تفعل كل هذه الحيل الخبيثة لتستهزئ بي، حسنًا، سوف أجعلك تدفع ثمن هذا.
وحين سمعت صوتهما قد استيقظا، قمت من على السرير.
وعندما خرجت من الغرفة، تعثرت من شئ ما، فتظاهرت بأنني أتحسسه بيدي لأعرف ماذا يكون، فنهض عاصم بسرعة من الأريكة وجاء إلي،
" نانسي، ماذا حدث؟ لماذا لم تناديني حين أردتي النهوض؟"
فجاء صوت غادة الحاقد من الخلف وهي تقول،
" مجرد تعثر بسيط، لم كل هذا القلق"
"اُصمتي! كل هذا بسبب فوضويتكِ."
" أنا...."
نظر إليها عاصم نظرة حادة، فأغلقت فمها
بالمناسبة، الشئ الذي تعثرت به، لم يكن سوي ملابس غادة الداخلية التي نزعها عاصم بيديه الليلة الماضية
وحين لاحظ عاصم ذلك، رفعني بسرعة بين ذراعيه ووضعني على كرسي السفرة، ثم بدأ بإطعامي بلطف.
لكن لمساته كانت تجعلني أشعر بالقرف، ومع ذلك تظاهرت بالهدوء وتصرفت بصمت.
"عاصم، هل تلقيت دعوة وليمة القران الخاصة بأسرة هاشم؟"
" هل ستذهبين؟"
فتغيرتملامحه،
" نانسي، حفل زفافنا سيكون بعد خمسة أيام فقط، هل يمكن أن تطيعيني وتبقين في المنزل، ولا تخرجي حتي لا يصيبك مكروه، وإلا فكيف ستكونين أجمل عروس."
كلماته كانت رقيقة، لكن وجهه كان يعكس اشمئزازه الواضح مني.
يا لها من مفارقة ساخرة!
أين ذهب عاصم الذي كان يعتني بي بحب وحنان في الماضي؟
تناولت قطعة من البسكوت، ثم تساءلت بصوت كله دهشة وكأنني لا أعرف،
"أتساءل مَن ستكون العروس التي ستتزوج ذلك الشاب المشلول"
"لا أبالي من ستكون، ولكنها محظوظة من أي امرأة أخرى، مجرد لقب زوجة وريث عائلة هاشم كفيل بجعلها تتربع على القمة."
"برأيك، لو كنت أنا العروس، هل سيتمكنون من علاجي؟ هل سيعيدون لي بصري؟"
"هاهاها! حتى لو كان هاشم مشلولًا، فهذا لا يعني أنه سيقبل الزواج من عمياء!"
لكن ما إن خرجت الكلمات من فمه، حتى أدرك خطأه، فسارع إلى التراجع قائلاً:
"آسف، نانسي! لم أقصد ذلك، سأواصل البحث عن طبيب يعالجك!"
إذا، هذه هي حقيقة ما يدور في ذهنه؟
وبعد أن غادر عاصم مسرعًا، اقتربت غادة مني.