الفصل 2

حدقت ليان بقوة في تلك الصورة، بعينين حادتين وهادئتين، وكأن نظراتها الحادة تكاد تثقب الصورة.

حقا، لقد كانت عمياء، لم تحسن التمييز بين الناس.

كان هادي زوجها، وكانت نورهان صديقتها المقربة، وكانا هما اللذان تعهدا دائما بأن يردا لها الجميل، لكنهما طعناها في ظهرها دون رحمة.

إنها تكون عشيقة بهذا القدر من الوقاحة، بل وتتفاخر بذلك أمام الزوجة الشرعية... حقا، لم تر شيئا كهذا من قبل.

كانت ليان فتاة متعالية بطبيعتها، وحتى وإن كانت عائلة الكمالي قد أصبحت تحت سيطرة الآخرين، فإنها ما زالت الابنة الوحيدة لعائلة الكمالي.

نورهان لم تكن سوى تابعة صغيرة كانت تتبعها في الماضي، وتبتسم وتتحايل عليها.

قامت ليان بحظر جميع وسائل الاتصال المتعلقة بنورهان.

لأنها كانت تعلم من لا يفتح بابا للشر، لا يدخل إليه.

وهادي هو من فتح الباب للشر.

لانتظار هادي، لم تتناول العشاء، واكتفت بتناول مسكنات الألم التي وصفها لها الطبيب.

كانت الساعة على الجدار تشير إلى الساعة الحادية عشرة.

أعادت ليان الاتصال بهادي من رقمها الجديد، لكنه لم يرد.

تمام الساعة الثانية عشرة.

مع صوت إدخال الرقم السري، فتح الباب.

كانت ليان متكئة على الأريكة، تمسك بكوب ماء دافئ، ولم ترفع رأسها بعد.

فجأة.

ألقى بها شخص ثلاث ملفات على وجهها.

مرت أطراف الأوراق على زاوية عينيها، مما جرح بشرتها البيضاء.

وفي النهاية سقطت عند قدميها، لكنها لم تشعر بالألم، فقد كانت تشعر أن حياتها قد تحللت تماما.

"من سيهتم بحالك إن كنت على حافة الموت؟ وقعي!"

كان صوت الرجل هادئا، وكلماته واضحة، لكنه كان يحمل استنكارا.

انحنت ليان لالتقاط الملفات الثلاثية التي سقطت على الأرض.

رفعت عينيها نحوه.

بعد عام من الغياب، لم يتغير شيء فيه، بل أصبح ملامحه أكثر وسامة، وأسلوبه أكثر هيبة.

لقد كانت سنة من العنف النفسي البارد، ولم يكن لذلك أي تأثير عليه.

كان يرتدي معطفا أسود.

وهو هدية عيد ميلاد كانت قد أهدته إياها. ويبدو أن العنف البارد لم يجعله يرمى المعطف بعد.

"هل أنت مريضة أم ماذا؟ عمن أنت صامتة هكذا؟ ليس لدي سوى خمس دقائق، فسري توقيعك سريعا!"

اتسعت تجاعيد الغيظ على حاجبيه الوسيمين، وقال بنفاد صبر وهو يسرعها، ثم أخرج قلمه من جيب بدلته ووضعه أمامها.

حتى في لحظة الطلاق، صار مستعجلا إلى هذا الحد، ولم يبق لها سوى خمس دقائق.

حدقت ليان فيه بلا رمش": هادي، أخبرني بسبب خيانتك لي وخيانة عائلة الكمالي."

ابتسم هادي بابتسامة ساخرة، وارتفعت زوايا شفاهه بشكل متعال، قائلا: "والدك لقد احتضر، وأنت ما تزالين هنا متعالية؟"

"لو لم يكن هناك أنا، ولا عائلة الكمالي، لما كنت اليوم كما أنت." اكتشفت ليان أن هذا الرجل لغز، مليء بالتناقضات.

إن كان لا يهتم بها، فلماذا يرتدي المعطف الأسود الذي اشترته له؟

وإن كان يهتم بها، فلماذا مارس عليها سنة من العنف البارد، ودفعها للطلاق، وألقى عليها الكلمات القاسية؟

لم تستطع فهمه.

وبينما كان يبدوا وكأنه انفجر من الغضب، اقترب منها بسرعة، وأمسك برقبتها بشدة: "من منحك الشجاعة لتتحدثي معي هكذا؟"

رأت في عينيه كراهية عميقة، كما لو كان يريد تمزيقها إلى أشلاء.

شحب وجهها، رغم الألم الشديد، حبست دموعها، وقالت بسخرية: "يتيم، تم تربيته بيدي ليصبح كالثعبان الذي يلدغني."

"لا يولد الإنسان يتيما!" بدت عروقه بارزة.

كانت هذه الجملة ثقيلة جدا على قلبها لدرجة أنها نسيت كيف تتنفس. "إذا كيف ماتت عائلتك؟"

غلف البرود ملامحه، وبرزت العروق على ظهر يده:"اصمتي!"

كانت تسعل بشدة، وتكافح من أجل التنفس، لكنها لم تستطع التخلص من يده التي كانت تكاد تخنقها.

دائما ما يحب الإنسان أن يعاند قدره، وعندما يكتشف أن لا فائدة من ذلك، يدرك أخيرا أن لا جدوى من مجابهة المصير.

أغمضت عينيها بيأس، وتوقفت عن المقاومة، وقفزت دمعة حارقة من عينيها، سقطت على يد الرجل التي كانت تتزين بساعة باهظة الثمن.

دفعها بقوة فسقطت على الأريكة.

وألقى أوراق اتفاقية الطلاق مجددا على وجهها : "وقعي، لا أريد تكرار كلامي!"

رفعت وجهها، تنظر إليه بنظرة جادة، وقالت بصوت مختنق: "يا هادي، إذا جاء يوم وفقدتني إلى الأبد، ومت، هل ستبكي علي؟" كان هذا الجواب مهما جدا بالنسبة لها، مهما إلى حد الألم.

توقفت ليان قليلا، تحدق في ملامحه دون أن ترمش:“ هل ستظهر في جنازتي؟”