تزوجت سارة من أحمد لمدة ثلاث سنوات، ولكنها لم تستطع التغلب على حبه السرّي لعشر سنوات. في يوم تشخيصها بسرطان المعدة، كان يرافق حبه المثالي لإجراء الفحوصات لطفلها. لم تثر أي ضجة، وأخذت بجدية ورقة الطلاق وخرجت بهدوء، لكن انتقمت منه بشكل أكثر قسوة. اتضح أن زواجه منها لم يكن إلا وسيلة للانتقام لأخته، وعندما أصابها المرض، أمسك بفكها وقال ببرود: "هذا ما تُدين به عائلتكم ليّ." فيما بعد، دُمرت عائلتها بالكامل، دخل والدها في غيبوبة إثر حادث بسيارته، حيث شعرت بأنها لم تعد لديها رغبة في الحياة، فقفزت من أعلى مبنيِ شاهق. ." عائلتي كانت مدينة لك، وها أنا قد سددتُ الدين" أحمد الذي كان دائم التعجرُف، أصبح راكعًا على الأرض بعيون دامية، يصرخ بجنون ويطلب منها العودة مرةً بعد مرة...
View Moreكانت إقامتها على هذه الجزيرة تُشعرها بالطمأنينة، وكأن روحها المثقلة وجدت أخيرًا بعض السكينة.ومهما كان السبب، فهي الآن لا ترغب في الرحيل.فتحت عينيها وهي تراقب السماء تتحول من السواد إلى البياض، حيث بدأ الأفق يكتسي بلون الفجر الباهت، وتجولت بهدوء في أرجاء الجزيرة.استقبلها الجميع بلطف، ودعوها بحفاوة لتناول الإفطار في بيوتهم، معربين عن امتنانهم لما قدمته لهم من مؤن.كان حمدي قد استيقظ قبلها، جالسًا عند الشاطئ يرسم مستخدمًا أدوات التلوين التي اشترتها له.ملامح وجهه الوسيم كانت تغمرها السعادة، وقال بحماسة: "سيدتي سارة، هل أعجبتكِ؟"لم يكن الفتى قد خضع لتعليم أكاديمي في الرسم، لكنه كان يملك موهبة فطرية فريدة.هزّت سارة رأسها بإعجاب، وقالت بلطف: "رسمك جميل جدًا".بمثل هذه الموهبة، لو أُتيح له التعلم، فمستقبله سيكون باهرًا بلا شك.قال الفتى، وعيناه تتألقان بالأمل: "هذا لأنكِ علمتني جيدًا، سيدتي، هل ستبقين على الجزيرة دائمًا؟"همهمت سارة بإجابة غامضة، حتى هي نفسها لم تكن تعرف إلى متى تستطيع البقاء.لا تدري من الذي سيصل أولًا: أحمد أم الموت.قال حمدي فجأة وهو ينظر إلى وجهها: "وجهكِ شاحب، وفي ا
لم تعد قادرة على تمييز ملامح وجهه، ومع ذلك، شعرت أن ذلك الرجل كان يبتسم.وبعد أن أنهى حديثه، التفت ببرود نحو محمود وسأله: "أما زالت قارب النجاة غير جاهزة؟"لم يكن ليدع سارة تفلت من بين يديه، وما إن أنهى كلماته، حتى خيم الظلام على عينيه، ثم سقط جسده فجأة على الأرض.بعد كل هذه الأيام من السهر المتواصل، دون طعام أو راحة، ومع الحمى الشديدة، لم يكن انهياره مفاجئًا.نظر محمود إلى القارب الذي بدأ يبتعد شيئًا فشيئًا، ثم تنهد، وقد خيم عليه الحزن.سيدتي... اهربي!رغم أن القارب قد ابتعد كثيرًا، ظلت كلمات أحمد ترنّ في أذنها، كأنها محفورة في وجدانها، وجسدها لا يزال متجمدًا، بلا حرارة، وكأن الحياة قد سُحبت منه.جلست على الأرض، ملتفة حول نفسها، كمن سُحب منه الروح، شاردة النظرات، خاوية القلب.اقترب جلال منها، وجثا على ركبتيه أمامها، ثم ناولها كوبًا من شاي الحليب، لم يكن فيه إلا القليل من الدفء، ثم قال لها: "إن كنتِ خائفة، يمكنني أن أعيدكِ".ارتشفت سارة رشفة صغيرة، فتسللت حلاوة الشراب إلى قلبها، وبدّدت بعضًا من الغمام الذي يخيم عليها.قالت بصوت خافت، واليد التي تمسك بالكوب ترتجف: "لا أريد العودة". بدت
في تلك اللحظة، خرجت سارة من النفق الأرضي المجاور، وما إن رأت المركز التجاري وقد أُغلق من جهة الدخول وبقي فقط المخرج، حتى أدركت أن أحمد لم ينوي تركها وشأنها.كان من المؤكد أنه يعتقد الآن أنها لا تزال داخل المركز تتسوق، فأصدر أوامره بإغلاقه فورًا في محاولة لقطع طريقها والقبض عليها. لكنه لم يكن يعلم أنها قد بدّلت مظهرها منذ زمن وغادرت من خلال ممر الطوارئ الأمني.سارت إلى المكان الذي اتفقت فيه مع جلال، وتوجّهت إلى السوق القريب من الميناء لتشتري ما تحتاجه.في الجانب الآخر، واصل أحمد بحثه عنها طويلًا دون أن يعثر على أي أثر لها، لكن رغم الغضب الذي كان يعتمل في صدره، استمر في تفحّص كل لقطة مراقبة لم ينتبهوا لها من قبل، حتى لمحها أخيرًا في زاوية عند أحد التقاطعات.ورغم أن ما ظهر لم يكن سوى ظهرها، إلا أنه تعرّف إليها على الفور، كما لاحظ الرجل الذي يسير بجانبها، والذي بدا قريبًا منها بشكل لافت.في لحظة انفجارٍ غاضبة، سدد أحمد لكمة قوية إلى شاشة المراقبة حطمها تمامًا.اهتز المكان من صوت تحطّم الشاشة، وارتعد الموظفون المحيطون به، في حين أسرع محمود إلى جانبه وهو ينظر إلى يده التي نزف ظهرها دماً، وق
سارعت هالة بسرد تفاصيل عثورها على الطفل، بينما كانت ملامح القلق تزداد عمقًا بين حاجبي أحمد، فسألها بنبرة مشددة: "عدا عنه، ألم تري أحدًا آخر؟"هزّت رأسها بسرعة: "لا، حين وجدته كان يبكي بحرقة، وفي يده بالون هيليوم... آه، وكان يصرخ: أمي، أمي"!أمه؟كان فارس يرفض دومًا مناداة صفاء بـ"أمي"، إذًا فالشخص الذي يقصده لا يمكن أن تكون إلا سارة.وفي تلك الأثناء، كان محمود قد سبقه بالتحقيق، فسارع إلى تقديم تقريره: "يا سيدي الرئيس أحمد، لقد راجعت تسجيلات المراقبة، السيدة سارة هي من أوصلت الطفل بالفعل، وقد تعمدت أن تتركه في طريق هالة المعتاد عند ذهابها للتسوّق، كي تعثر عليه".سأله أحمد فورًا: "وهل كان معها أحد؟""لا، لم يظهر سواها"."تابعوا التحري".لم يستطع أحمد كتم حيرته، أيمكن أن تكون صفاء على حق؟ هل خططت سارة بنفسها لاختطاف فارس؟ولكن، إن كانت تسعى لابتزازه، كيف تعيده دون أن تطلب شيئًا؟لكن نفى الفكرة في الحال، ووجد القلادة المصنوعة من اليشم التي هادته بها لا تزال معلّقة حول عنق فارس.ولو كانت تنوي إيذاءه، لكانت فعلت تلك الليلة، ما حاجتها لأن تفتعل اختطافًا؟إذًا فليست هي.ولكن، لماذا لم يؤذها ال
في البداية، كان أحمد يظن أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد فعل متهور من عصابة خاطفين؛ لكن مع مرور الأيام، ازداد القلق في قلبه، وبدأ يخشى أن يكون وراء ذلك أحد أعدائه.كان أكثر ما يرعبه هو أن يظهر ذات يوم صندوق أمام بابه، وفيه جثتها أو جزء من جسدها أو جسد فارس.الوضع الآن يشبه إلقاء حجر في الماء، ثم انتظار الصدى الذي لا يأتي، لا أحد يعلم ما يجري في الأعماق.الصبر والعقلانية، وهما أكثر ما كان يفتخر بهما أحمد، انهارا تحت وطأة القلق والانتظار؛ لم يجرؤ على النوم، فكلما أغمض عينيه، تحوّلت ذكرياته الدموية القديمة إلى صور سارة وفارس، وكأنهما ضحايا ذلك الماضي.وفي اليوم السابع، انهار أحمد كليًا، فقد أستمر أيامًا متتالية دون طعام أو شراب، ولا حتى دون راحة أو نوم، أعاد خلالها مشاهدة تسجيلات المراقبة مرارًا حتى احمرت عيناه، ومع ذلك، لم يُفلح أي من رجاله في جلب خبرٍ مفيد.في صباح ثاني أيام العيد، عثر محمود عليه مغمًى عليه داخل الحمّام، فأسرع بالاتصال بالطبيب المنزلي.لم يتوقع أحد أنه في تلك اللحظة بالذات، كانت سارة قد عادت خفية إلى مدينة الشمال، حاملةً فارس بين ذراعيها.ظن فارس أنها أحضرتْه لمكان جديد ل
لم ينسَ جلال أن يشتري أيضًا طقم ملابس جديد لفارس.كان الأطفال جميعًا في قمة سعادتهم، يركضون ويهتفون بفرح: "حلّ العيد! حلّ العيد!"لم تكن سارة تتصور أن احتفالها بهذا العام سيكون على جزيرة نائية، محاطة بأشخاص غرباء.وفي حضنها الطفل فارس.بعد أن انتهوا من تناول عشاء ليلة العيد، ومع حلول الظلام، تجمع الأطفال لإطلاق الألعاب النارية، حتى فارس، وُضِعَت في كفيه الصغيرتين عصايتان من شرارات الزينة.في الأيام الأخيرة، التقطت سارة له العديد من الصور، حتى نفدت طاقة هاتفها.لكن جلال، لحسن الحظ، كان قد اشترى شاحنًا يعمل بالطاقة الشمسية، فشحن الهاتف سريعًا.وفي اللحظة التي ضغطت فيها على زر الكاميرا، ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها.في تلك اللحظة، نسيت مرارة أسرها على يد أحمد، لم ترغب سوى بأن تطلق لنفسها العنان وتفرح بلا قيود."سيدتي سارة، تعالي وشاركي في إطلاق المفرقعات"!"حسنًا".بانفجار عالٍ، انطلقت مفرقعة في السماء، متفتحة بألوانها الزاهية، وتحت تلك الأضواء، أشرقت وجوه الأطفال ضاحكة بسعادة.غير أن الفرح في الجزيرة لم يكن له مثيل في قصر منزل أحمد."طاخ"!تحطّم منفض السجائر على الأرض، تناثرت رماده بي
Comments