ارتسمت ابتسامة جانبية على شفتيه، تكشف عن شر دفين بلا أي مواراة."تسألينني أين أنا؟ هل تريدين المجيء للبحث عني؟" وصل صوت ضحكة منخفضة من الرجل إلى أذن ليان.من غير الممكن أن تكون ليان قد قصدت البحث عنه.لكن هذه اللحظة، كانت بحاجة إليه."أريد أن أراك."تعمدت ليان أن تستخدم نبرة صوت رقيقة متدللة، كالطعم في انتظار أن تبتلعه السمكة.تخللت لحظة صمت الطرف الآخر من الهاتف، ثم تبعها ضحكة ساخرة: "ها… هاها، تريدين رؤيتي؟ ألا يكون هذا فخا نصبته لي بانتظاري هناك؟ أم علي أن أصدقك، أنك تشتاقين إلى جسدي؟"ظهرت في ذهن ليان صور مشوشة مثقلة بالخجل،فشدت قبضتها خفية."سأعطيك عنوانا، تعال، حينها سأكون لك، لن تحتاج أن تسقيني شيئا، سأفعل كل ما تريد، وإن لم تأت، فسأعتبرك جبانا."لم تعد ليان تلتفت الكلام.فهذا الرجل، في كل لقاء، كان يحبسها بين يديه على السرير.وهي واثقة أن جسدها كان بالنسبة له إغراء.وفعلا، انبعثت من ضحكته نبرة الشهوة: "العنوان… انتظريني!"وأغلق الهاتف.ظهر العنوان سريعا على هاتف الرجل.أمسك عجلة القيادة، يتأمل العنوان ببطء وسخرية: "حبيبتي لولو، لم يخطر ببالك أنني وصلت منذ زمن، أليس كذلك؟!"ومن
يتحقق لها كل ما تتمناه…شعرت فادية بقلبها يهتز.كل كلمة سمعتها جعلتها تدرك مقدار حب الشيخ الهاشمي لابنته.في تلك اللحظة، تمنت لو أن ربى ما زالت على قيد الحياة، لعل الأب وابنته يجتمعان حقا وجها لوجه.ربى الخالدي…ظل الاسم يتردد في عقل فادية.وفجأة تذكرت تلك الجدة التي التقتها قبل قليل، وشعرت بقوة خفية في قلبها تدفعها لأن تفعل شيئا ما.لكن ماذا يمكن أن تفعل؟بين شرودها لم تنتبه لتلك النظرات الحاقدة المسلطة عليها.يتحقق لها كل ما تتمناه…هاه!عضت ليان على شفتيها بغضب خفي.فادية تحقق لها كل ما تريد، أما هي؟هي من ستصبح الشخص الذي تتحقق له كل أمانيه كل ما يطلب يتحقق، وأما فادية…نظرت إليهما نظرات حادة كالخنجر، وبعدما كانت قد استعجلت العودة لتستعيد بريقها، التفتت وغادرت.انطلق ضحك الشيخ الهاشمي العالي المليء بالحيوية خلفها.من الواضح أن حالته الصحية في السابق لم تكن بخير، بل كانت متدهورة، حتى أن ليان ظنت أنه بعد سقوطه من على جسر الممر، إن لم يمت فالجسد لن يقوى بعد ذلك.لكن ما لم تكن تتخيله أن حالته الجسدية والذهنية في الفترة الأخيرة ازدادت حيوية ونشاطا."الوصية…"إن كان الشيخ الهاشمي يريد حق
حتى إن الشيخ الهاشمي، الذي تداخلت عليه الذكريات في هذه اللحظة، ربما نسي ذلك الأمر.حينما حدثت القطيعة بين ربى الخالدي والشيخ الهاشمي، كان ذلك في الذكرى السنوية الأولى لعودتها إلى عائلة الهاشمي، واليوم الذي اتفق فيه الأب وابنته على الاحتفال معا.يوسف وجنى لم يعرفا سوى بوقوع هذه القطيعة، لكن لم يكونا يعلمان أنها جرت في هذا اليوم تحديدا.حتى علاء لم يكن يعلم.لكنه استنتج الأمر من سلوك والدته، التي كانت عام في مثل هذا اليوم كل تمتلئ بالنقمة، ومن خلال ما جمعه من تلميحات واستفسارات من هنا وهناك أدرك الحقيقة.وكان من قبيل الصدفة أيضا.فقد اتفقت ليان مع الشيخ الهاشمي، بل وطلبت منه مساعدتها.ولكن كيف يعينها؟فالشيخ الهاشمي لم يتذكره، حتى إن عدم طرده من المنتجع يعد أمرا جيدا في حد ذاته.هو، "الحفيد غير المعتبر"، لا يستطيع عادة أن يتفوه بكلمة أمام الشيخ، فكيف له أن يوجهه أو يحركه؟لكن حين يكون الأمر مرتبطا بـ "ربى الخالدي"، يختلف الوضع.هو لم يفعل سوى أن ذكره قائلا: ألم تنس ما هو هذا اليوم؟ فلم ينتظر منه أن يوضح شيئا، إذ تذكر الشيخ الهاشمي على الفور الاتفاق الذي كان بينه وبين "ربى".وفي تلك اللحظ
لكن كيف يمكن أن تلمس ثياب ذلك الرجل جسد الحفيدة الحقيقية لعائلة الهاشمي؟لحسن الحظ أن بكاءها جعل ذلك الرجل يتردد في الاقتراب منها.بالطبع، لم ترض ليان بالهزيمة.في نظرها، مظهرها هذا مخز للغاية، ولعله السبب وراء انزعاج ابن عمتها منها.علاء، ذلك الفتى المدلل في العاصمة، والمحاط دائما بهالة مجموعة الهاشمي، من الطبيعي أن تكون له طباع وغضب.وهي مقتنعة تماما أنه غاضب، لذلك لم يتدخل لمساعدتها.حدقت ليان في علاء بثقة، مؤمنة أن مظهرها الدائم المستعطف سيرق قلبه في النهاية.وبالفعل، أغمض علاء عينيه لوهلة.ورغم أن جبينه ما زال معقودا، إلا أنه تحرك أخيرا.فشعرت ليان براحة طفيفة في قلبها، مترقبة أن يواسيها علاء ليخفف عنها حرجها ووضعها البائس. أما هي، فلم يكن أمامها سوى الاستمرار في تمثيل صورة المظلومة الضعيفة.مد علاء يده وساعدها على الوقوف.كادت ليان بخفتها الوهمية أن تقع في حضنه، لكنه أمسكها بثبات ومنعها.“شكرا لك يا ابن عمتي.” همست ليان بعينين يملؤهما الامتنان.لكن في اللحظة التالية، أفلتها علاء سريعا، والتقط معطف الرجل من يده.جمدت ليان في مكانها.قبل أن تفكر حتى، كان علاء قد لف المعطف حول خصرها
لكن في هذه اللحظة، بدا ذلك الصوت كأنه ضحكة شيطان يهمس في أذنها.وكان موضع تمزق الفستان بالضبط عند الفخذ."هه..." لا يعرف من الذي أطلق ضحكة خفيفة.نظرت ليان باتجاه الصوت، فرأت فادية فقط، ولم تر جنى التي كانت تقف على مسافة غير بعيدة خلف فادية.فالضحكة كانت من جنى.لكن من الواضح أن ليان ألقت باللوم على فادية.عضت ليان على أسنانها، وامتلأ وجهها بالحرج.لم تكن تريد أن تضحك فادية عليها.ولم يكن في قلبها سوى فكرة واحدة، تريد أن تقف على قدميها بنفسها، وكأن ذلك وحده ما يمكن أن يكون ردا على تلك الضحكة المهينة.لكنها لم تكن تعلم، أنها حين فكرت بذلك فقد خسرت بالفعل.حاولت أن تنهض بسرعة، لكنها استعجلت واضطربت حركتها.تمزق...ارتفع الصوت واضحا، وانشق القماش عند ساقها كما لو أن سيل جارف اندفع فجأة، فامتدت الشقوق نحو الأعلى بتمزق صادم.وازداد قلب ليان اضطرابا مع كل صوت، وازدادت حركاتها ارتباكا.وحين يدخل القلق في قلب المرء، فيما يجيه يكون أسوأ بلا ريب.تمزق... تمزقات متتالية...لم يتوقف الأمر عند الموضع الأول، بل حتى الناحية الأخرى عند الخصر تمزقت بسبب قوة حركتها.وفي الهواء، صار الجو أكثر غرابة وإحرا
كانت ليان في أبهى زينتها، لم تر فادية، لكنها رأت الشيخ الهاشمي بوجه تغمره البشاشة.نجمة عيد الميلاد…صاحبة عيد الميلاد اليوم لم تكن سوى هي نفسها!بمجرد أن فكرت ليان أن الشيخ الهاشمي قد أعد كل هذا خصيصا لها اليوم، غمرها شعور بالفخر والرضا، بل بدأت تخطط كيف ستتباهى بهذا أمام فادية.كي تفهم فادية أن قرابة دموية تبقى قرابة دموية في النهاية.ففادية لم تكن سوى من تم التعرف عليها بالخطأ، أما هي، فهي الحفيدة الحقيقية لعائلة الهاشمي.وبعد أيام طويلة من التمثيل والخداع، وحتى ليان التي كانت تعرف الحقيقة، بدأت ليان في أعماق نفسها تصدق أنها حفيدة هذه العائلة.من البديهي، كل شيء يجب أن يكون لها، من الاهتمام إلى المحبة، وكل الأنظار.ارتسمت ابتسامة متألقة على شفتيها، وضعت يدها عن قصد على ذراع علاء، وسارت برشاقة خطوة تلو الأخرى.لكن عيني علاء التقطتا أولا فادية.رغم أنه لم ير سوى جانب وجهها، وهي واقفة هناك، مع هبوب النسيم البحري القريب، تمايلت خصلات شعرها في الهواء.توقف علاء مذهولا لوهلة.أما فادية، فظلت لا تزال واقفة مذهولة، غارقة في الدهشة.نجمة عيد الميلاد؟من؟ هي؟لكن هذا ليس عيد ميلادها اليوم، أك