Share

الفصل 7

Author: اليمامة المباركة
فووو!

خطٌّ من سَنا ذهبيٍّ اندفع من بلدةِ النماءِ حتى لامسَ كُللَ السحاب!

فهَبَّ عبدُ الرقيب برأسه، وكاد يُبصرُ طيفًا في ثوبٍ أبيض يركبُ السيفَ ويمشي في الهواء!

فتغيّر لونُه تغيّرًا شديدًا.

"ركوبُ السيفِ طيرانًا… سالِكٌ في مرتبةِ التأسيس!"

فأخرجَ بُرهانُ الزاهري رقعتينِ منقوشتينِ من التعويذ، فلصقهما بذاتِه.

فصارتا حِجابًا ذهبيًّا يُظلّه ويُطوّقه.

وانفرجت سَمْتُه، فاضطجعَ على الأرضِ يقهقه.

"هاهاهاها، يا لخسيس! يا لخسيس! لن تستطيعَ قتلي!"

"إذا التقينا ثانيةً سلختُ جِلدَك يقينًا!"

فأخذَ عبدُ الرقيب نَفَسًا طويلًا، ووازنَ بين العاقبةِ والمنفعة، ثم آثرَ الانصراف…

ولو شاءَ كسرَ ذلك الحاجزَ لاستطاع، غيرَ أنّه يُضَيِّعُ فيه وقتًا طويلًا.

وهو إلى الآن لم يدخلْ في طور التهذيب، ومواجهةُ صاحبِ مرتبةِ التأسيس مَهونُها الهلاك!

فأدخلَ أفلاسَه في حِجرِه، وأخذَ بميّاسةَ من خصرِها.

وفي صيحتِها، حملَها ووثبَ إلى ظهرِ فرسٍ، واندفعَ نحوَ طريقِ الدار.

ورأى ذلك السالِكُ، فلمّا أبصرَ بُرهانَ مثخنًا ازورّ لونُه.

وكان بُرهانُ كالمتشبّثِ بقَصَبِ نجاةٍ يصيح: "يا شيخَ آلِ زاهر… أَ… أنقِذْني…"

"وذاك… ذاك الخسيس… نُرجِئُ أَخْذَه قليلًا."

فحملَه الرجلُ القصيرُ، ومضى راكبًا السيفَ.

وأمّا أولئك الحرّاسُ فموتُهم وحياتُهم عندَه سواء.

وانطلقَ الاثنانِ يعدوانِ في الفلاة، فوجدتْ ميّاسةُ طمأنينةً لا تُدرَكُ علّتُها.

ومع أنّها أوّلُ مرّةٍ تركبُ، فقد أمِنتْ ما دامت في حِجرِه.

ورفعتْ طرفَها خِلْسَةً إليه، وهمستْ في قلبِها.

"كيف لم أرَهُ قبلُ بهذه الملاحة…؟"

وخَفَقَ قلبُ الفتاةِ هوًى، أمّا عبدُ الرقيب فعضّ على نواجذِه وفي عينيه معنى مُبهَم.

علمَ أنّ الفرصةَ سانحة، لكن… ومع ميّاسةَ لا يَخاطر.

وزفرَ، وعادَ فِكْرُه، فإذا هو ينتبهُ إلى شحوبِها وإغفاءتِها الثقيلة.

وحينئذٍ رأى أنَّ معصمَها لا يزالُ يسيلُ دمًا!

وقد أرخى الليلُ سدولَه، ولا مَساغَ إلى الجبلِ في هذه الساعة.

فلم يجدْ بُدًّا من أن يُؤويها إلى غارِه السِّرّي ليلةً.

طَقْ طَقْ!

طَقْطَقَة الحطبِ في الغارِ الصغير يتردّدُ، وهو موضعُ سكونِه في بعضِ الأوقات.

وهو له كالوطَن، غيرَ أنّه فقيرُ العُدّة فالغارُ أفقَر.

وفرشَ عليها حصيرًا، وإذا بالمطرِ يهطِلُ خارجَ الغارِ، ويشتدُّ شيئًا فشيئًا.

وكان رذاذًا، فما انقلبتْ العينُ حتى صارَ دَفّافًا مُنْهَمِرًا.

ثمّ إنَّ ذلك السالِكَ صاحبَ التأسيسِ لم يَطْلُبهما، فسَكَنَ شَدْوُ عبدِ الرقيب قليلًا.

وكان وجهُه في ضوءِ النارِ يلوحُ ويَخْفُتُ، وطرفُه شاردٌ؛ يريدُ قتلَ بُرهانَ عاجلًا.

ولكنَّه لا يرضى أن يُصيبَ التي بينَ يديهِ أذًى.

"إذا واتتِ الأقدارُ… قتلْتُه لا محالة!"

وبينما هو في شتاتِ الفِكْرِ إذا بأنينِ امرأةٍ من خلفِه.

"أمْ…!"

فنهضَ إلى ميّاسةَ وقالَ خافتًا: "أفَقْتِ؟"

فلمّا رأتْ معصمَها معقودًا بالرباطِ احمرَّ وجنَتانِها.

وقد انحلّتْ حمرةُ اللطمةِ، غيرَ أنّ الخدَّ لا يزالُ محمَرًّا.

وهواءُ الليلِ في الغارِ يَدْفُقُ ببردِه، فاقشعرّتْ ميّاسة.

فلمّا رآها تضمُّ منكبيْها وتدنُو منه تَبَسَّم.

وكانتْ جائعةً باردةً، فزمّتْ شفتيها وقالتْ تَسارُّه: "يا فاسق! لولا أولئكَ لكنتُ في بيتي الآن!"

فضحكَ وقال: "الآنَ عَرَفْتِ الفاسقَ حقًّا ممّن هو دونهُ سُخريةً؟"

فاحمرّتْ وجنتاها وأدارتْ له عينَيْها.

وكان عبدُ الرقيب اليومَ في عينِها غيرَ الذي كان، ودارَ في رأسِها قولُه:

"إنّها زَوْجي الآتية."

ووارَتْ وجهَها بين رُكْبَتَيْها، تتّقدُ خدّانِها — أمن وهجِ النارِ ذاك أم من شيءٍ سواه؟

فلمّا رآها على هذا البردِ أخرجَ جرّةَ الشرابِ ودفعَها إليها وقال لِينًا:

"اشربي قليلًا لتدفئي جسدَك."

فلم تملكْ أن قالت: "ألستَ تريدُ أن تصنعَ بي… شيئًا؟"

فسعلَ مُحْرَجًا وقال: "كُفّي عن هذا الظنّ…"

"إنّي أُقوّي جسمي بالمصارعة، وأنتِ إن لم تشربي أُصِبْتِ بالزُّكام."

فقالتْ مُتشدّدةً: "إذًا… اشربْ أنتَ أيضًا."

فشربَ مُكرَهًا؛ وهو لا يشربُ عادةً — فصارَا يشربانِ ويسعلانِ.

وما هي إلّا لحظاتٌ حتى احمرّتِ الوجوهُ، وبحرارةِ الشرابِ دَنَوَا شيئًا فشيئًا…

وانطبقتِ الشِّفاهُ على غيرِ قصدٍ، وسرى نَفَسٌ حارٌّ وجوٌّ مُوارٍ في الغارِ الضيّق.

"أمْ…!"

وعلى الجبلِ كانتْ العمّة لُبابَة ومُنْجى الودوديّ قد أشْفَقا حتى كادا يطيشان، غيرَ أنّ شيخًا عادَ من الجبلِ يضحكُ ويدخّنُ ويشرب.

"كفى يا مُنْجى الودوديّ؛ لا بأس المطرُ حَبَسَ الصبيّين يعودانِ غدوةً."

ولكن مُنْجى الودوديّ أرسلَ صوتًا باردًا يقدحُ شررًا!

"إنْ تجرّأ الغلامُ صنعتُ به القتل!"

"ولِمَ منعتَني أن أبطش؟ مرتبةُ التأسيس… أهونُ عندي من قتلِ نملة!"

وابتسمَ سُهيلٌ الغامض؛ لم يظنَّ أن مُنْجى الودوديّ يُسِرُّ إليه بالكلام، ولكنْ هكذا يفعلُ القلق.

ونَقَرَ مِبْسمَه وقالَ هادئًا: "أمضي إلى الشيخِ لُبيدٍ لألعبَ معه جولةً، ثم هلمّ إليّ."

وفي شرقيّ قرية السَّعد المديد، شجرةُ سَمُرٍ عتيقةٌ ذاتُ قرونٍ.

وتحتها سُهيلٌ في ثوبٍ رماديّ، وبيده مقعدٌ صغيرٌ، يمشي الهوينا حتى بلغَ الظلّ.

والمطرُ لا يقعُ عليه قَطْرة!

وشيخٌ وَسيمُ الطَّلعةِ جالسٌ يلعبُ وحدَه.

فلمّا رآه تبوّقَ له تحيّة.

"أتممتَ طعامك؟"

فلم يُجِبْه سُهيل، بل قالَ ساكنًا:

"يا شيخَ لُبيد، هذه آخرُ جولةٍ أُؤانِسُكَ فيها اليوم."

ثمّ وضعَ بيضةً بيضاءَ على الرقعةِ، ورفعَ رأسَه وقالَ:

"أمّا مُنْجى الودوديّ، وأمّا الشيخُ الذي في غربيّ القرية — فقد عرفتُهما."

"غيرَ أنّك أنتَ وحدك حيّرتَني — ثماني سنينَ وأنا لا أهتدي لِحقيقَتِك."

"مَن أنت؟ ما اسمُك ونسبُك؟"

فابتسمَ الشيخُ، ووضعَ بيضةً سوداءَ بإزاءِ البيضاء.

"أنا؟ شيخٌ قعيدٌ لا أَحَدَ له."

"وأمّا الاسمُ… فلُبيدُ بنُ ناصر."

فعقَدَ سُهيلٌ حاجبَيْه وتمتم: "لُبيدُ بنُ ناصر… لم أسمعْ به، ليس إذًا من العِظام."

يا لهُ من ترفُّع!

ولم يَبْقَ لسُهيلٍ شَبَهٌ بشيخٍ يأكلُ على أبوابِ الناس.

طَخّ!

فإذا بالسوداءِ تتفتّتُ بإشارةٍ من غِمدِ سيفِه، وقالَ بسلامٍ باردٍ:

"مَن كنتَ ومهما كان اسمُك فمادمتُ هنا فلن تمسَّ حفيدي، ولن تقدر!"

هَمْهمة!

وفي اللحظةِ التالية التأمَتِ السوداءُ المنكسرةُ وعادتْ كأن لم تكن.

والشيخُ كأنْ لم يشعرْ بوعيدِ سُهيل، فقال هادئًا:

"أأقدرُ أم لا — لا بُدَّ من التجربةِ، أليس كذلك؟"

فابتسمَ سُهيل، وحكّ رأسَه بغمْدِه، ونهضَ يقول:

"فالآنَ إذًا؛ أخشى غدًا أن أشغلَ فلا أفرغ."

واختفى الشخصانِ في طرفةِ عين.

وما لَبِثَا حتى رجعا إلى موضعِ الشجرةِ — هذا وراءَ ذاك.

ورفعَ الشيخُ النحيلُ المدخّنُ رأسَه قليلًا، ولمّا رأى القادمَ قال:

"يا مُنْجى الودوديّ، أنصحُك أن تنظرَ في هذه الجولة!"

وكان مُنْجى الودوديّ فلمّا سمعَ ذلك وثبَ إلى الرقعةِ، ولمّا نظرَ تغيّرَ لونُه.

"يبدو أنَّ الشيخَ سُهيلًا يريدُ أن يُصَرّحَ اليوم…!"

وبينما هما ساكتانِ إذا بالفضاءِ أمامَهما يَتَلوّى قليلًا.

وخرجَ سُهيلٌ من شَقٍّ في الفضاء، ثوبُه مُخْتَلٌّ، ووجهُهُ على طمأنينتِه المعهودة.

وضيّقَ مُنْجى الودوديّ عينَيْه، ولمعَ في نظرِه نورٌ لمّا وقعَ على الغِمدِ الأسود.

"وأينَ الشيخُ الذي يدعى لُبيدَ بنَ ناصر؟"

فأشارَ سُهيلٌ إلى الرقعةِ وقال: "أَرَأيتُما؟"

فأومأ مُنْجى الودوديّ، وقالَ زَكوانُ قِشوان مبتسمًا:

"سواءٌ نظرنا أم لم ننظر — فما الشأن؟"

فلم يُجِبْ سُهيل، ووضعَ الغِمدَ على مِيزَرِه رويدًا، فإذا بروحِ العالمِ تضطربُ كأنّها غليان!

ومع قبضتِه الوهميّة، أخذتْ عُرْوَةُ سيفٍ ذهبيٍّ قانٍ تتكوّنُ قليلًا قليلًا.

وتيبّسَ الشيخُ النحيلُ في مكانِه كأنّ قوّةً خفيّةً كبّلَته!

وانحدرَ العَرَقُ باردًا من جبينِه.

ووضعَ سُهيلٌ يدَه اليمنى على العروةِ، فوثبَ بأسٌ مروّعٌ إلى كبدِ السماءِ.

وبدا الفضاءُ — في دائرةِ عشرةِ آلافِ ذراع — غيمًا وصواعق!

"بِئسَ شيوخُ القِدَم — ما أملَلَكم…"

"ألا ينفعُكم كلامي؟"

"أتريدونَني أن آتيَكم في حَوْزِ الغموض؟"

"أما كان يكفيكم أن تُبقُوا ظلًّا في مقامِ التمثُّل؟"

وخرَّ زَكْوانُ ساجدًا، ويَبْلَعُ ريقَه عُسرًا، وفي عينَيْه رُعْب.

ورأسُه ملزوزٌ في الأرضِ لا يملِكُ دفعًا، ولا هِمّةَ له على مقاومة!

"ألتمسُ… سِعَةَ صدرِكم؛ أفارقُ إقليمَ الصَّيفِ الأكبرِ الساعة!"

فانطفأ السيفُ النورانيُّ في الغِمدِ شيئًا فشيئًا، وابتسمَ سُهيلٌ وقال: "هكذا يكونُ الرأي~"

"أنا رجلٌ أُقنعُ بالحُجّة، وأُحِبُّ أن يُذعِنَ الناسُ للُّطف؛ والبطشُ أبغضُ إليّ."

فقال مُنْجى الودوديّ: "وأينَ لُبيدُ بنُ ناصر؟"

فهزَّ سُهيلٌ كتفَيْه، وعلّقَ الغِمدَ وقالَ مُتَمْتِمًا:

"قتلْتُه."

"أبى أن يسمعَ القولَ."

فشهقَ مُنْجى الودوديّ، حتى كادَ نَفَسُهُ ينقطع.

ثمّ التفتَ إليه سُهيلٌ وقالَ:

"أنفقتَ جهدًا جسيمًا في استقراءِ الأقدار، وسبقتَ موعدَك خمسَ عشرةَ سنةً لِتلقاني."

"فأيَّ طريقٍ تختار؟"

وارتجفَ قلبُ مُنْجى الودوديّ؛ فما عرفَ حقيقةَ الشيخِ إلى الآن.

ونفخَ نفسًا كَدِرًا وقال:

"أَدَعُ الأمر؛ فهنا ميّاسة."

"وأُحبُّ هذا الغلامَ عبدَ الرقيب؛ لا أدخلُ بينكما."

"ولكن أسألُك: ما تلك الذخيرةُ؟"

فنظرَ سُهيلٌ إليه نظرةً طويلةً، ولم يقلْ شيئًا.

فقطّبَ مُنْجى الودوديّ حاجبَيْه، ثم تنفّسَ وقالَ ويداهُ وراءَ ظهرِه:

"دعْها؛ لا أنازعُ عليها — نُهاجرُ غدًا أو بعدَه."

فهزَّ سُهيلٌ رأسَه وقالَ ضاحكًا: "أَخَشيتَ أن يختطفَ حفيدي ابنتَك؟"

وانقبضَ طرفُ فمِ مُنْجى الودوديّ، لا يَقبَلُ ولا يَنفِي، وقالَ صريحًا:

"سَيَعسُرُ عليهما أن يلتقيا بعدَ اليوم؛ أُغْمِضُ عينيَّ الآنَ وأتحمّلُ الخَسارَة."

فلمّا انصرفا جلسَ سُهيلٌ وحدَه وأخذَ بيضتينِ سوداوَيْنِ من الرقعة.

ولوّحَ بيدِه فعادَ الكونُ صافيًا كأن لم يكنْ شيء.

وقالَ وهو مُشَبِّكُ اليدَيْن تحتَ السَّمُرَة: "هكذا بالحُسنى أملكُ القلوب!"

"لا جرمَ أنّكما عرفتُما المَسْلَكَ…"

ثم رفعَ طرفَه إلى السماءِ، وأَخَذَ بالحِسابِ وقالَ في نفسِه:

"قَرُبَ الأمر… وما بقيَ فطريقٌ لا بدَّ أن يخطوه الغلامُ وحدَه."

وفي صبيحةِ الغد.

عادَ عبدُ الرقيب وميّاسةُ، بينهما ثلاثُ أذرع، هذا أمامَ ذاك.

ولقيتهما لُبابَة بالعتاب، ثم رقّ قلبُها لِجرحِ ابنتِها.

وأمّا ما ضاعَ من متاعٍ فهَيِّن؛ وكان مُنْجى الودوديّ يشربُ من شرابِ عبدِ الرقيب، فلا يَسْتَسيغُه كيفما شرب.

خَشْخَشَةٌ.

وكزتْ لُبابَة ظهرَ مُنْجى الودوديّ وقالت: "إن لم تُرِدْه فلا تُريقْه! يا مُضيّع!"

فقعدَ على العتبةِ وقالَ مُتجهّمًا: "هَه! شرابٌ مُرّ!"

فأحمرّتْ ميّاسةُ، وسكَتت؛ ولولا قليلٌ…

ودخلَ عبدُ الرقيب فقال صريحًا: "يا جدّي، نزلتُ اليومَ… وقتلتُ رجالًا."

فلم يَظُنَّ سُهيلٌ أن يُقِرَّ من فوره فأومأ برأسِه.

"حسنٌ — حيثُ تجبُ القبضةُ فلتكنْ، وحيثُ يجبُ القتلُ فليكن."

"لكن… لا بُدَّ من بيّنةٍ تُبَرِّرُ القتلَ وتُريحُ الضمير."

"فإن أنتَ أسرفتَ على الناسِ قتلًا، لأَقْطَعَنَّكَ بيدي! أسمعتَ؟!"

فأطرقَ عبدُ الرقيب جِدًّا.

وقال سُهيلٌ له رفيقًا: "هَلُمَّ — إلى الدارِ الخلفيّة!"

فإنّ الطريقَ إلى البقاءِ طويلٌ طويلٌ — وأمورًا لا يمشي فيها عنه أحد، ولا أقدرُ أن أظلَّهُ عمري كلَّه.

ولولا هذا — فكيف يَليقُ أن يُنْسَبَ إليّ؟

Patuloy na basahin ang aklat na ito nang libre
I-scan ang code upang i-download ang App

Pinakabagong kabanata

  • مغيب الأرواح، والكفن المسلول، والسيّاف الأعمى   الفصل100

    عادَ فِتْيانُ طائفةِ سيفِ الصَّيْفِ الأكبرِ فقصّوا في القاعةِ العُظمى ما كانَ في قصرِ الحُلْمِ العُلويّ من أمرٍ لا يخفى ولا يُوارى. وكان في المجلسِ شيوخُ الذُّرى كافّةً، ومعهم السَّيّدُ لُكانُ بنُ كَرَّامَ، وناظر السُّنن على الأحكامِ قُدامةُ بنُ نُعمانٍ. ووقفَ نُعيمُ بنُ تَيْمٍ دونَ الدَّرَجِ إلى جانبِ عبدِ الرقيبِ وأصحابِه. ووجِلَ قلبُ عبدِ الرقيبِ — وقد أفنى من سائرِ الرُّقَع أربعَ طوائفَ — إذ فيمن هلكَ ذوو جذرٍ مَلِكيٍّ، وخشيَ أن تثورَ الثّأراتُ. فأشارَ لُكانُ بنُ كَرَّامَ بيدِه وقال: "لا تَهَبوا؛ إنّما هلكَ نفرٌ من التلاميذ." وقال: "ما كانَ في الحَوْزِ فإلى الحَوْزِ يُرَدّ؛ وقد سُنَّ هذا منذُ ألفِ عام." وقال: "فمن قَدَرَ عليكم فليَقْهَرْكم في الداخل؛ ومن قصّرَ فليس لهُ على أحدٍ طريق." وقال: "إنْ جاءوا، جاؤوا؛ وأنتم على سكونِكم، فالزَموا السُّقيا من العلمِ والزَّادَ من الرياضة." فسُرَّ عبدُ الرقيبِ سرورًا شديدًا، إذ رأى ظهرَ الطائفةِ أصلبَ من الحديدِ المَطروق. وانصرفَ القومُ، ونُعيمُ بنُ تَيْمٍ يضحكُ ملءَ فيه، فلمّا أحسَّ بنَفَسِ عبدِ الرقيبِ أغزرَ ولم يرَهُ قد عبرَ طورَ ال

  • مغيب الأرواح، والكفن المسلول، والسيّاف الأعمى   الفصل 99

    لعلّها صنائعُ تلامذتِهم هم أنفسُهم. قال رجلٌ من طائفةِ سيفِ أُلوفِ الخالدين ساكنُ الملامحِ متبسّمًا: "يُرى أنّ أوفَرَ الغنيمةِ هذه المرّةَ نحنُ أبناءَ الطوائفِ القلائل." "غير أنّي لا أدري أيَّ البيوتِ سيفقدُ تلامذةً." قهقهتْ امرأةٌ من رَواقِ سيفِ الأُفُقِ الأُرجوانيّ وقالت: "وبكلِّ حالٍ لن يكونوا أبناءَ رَواقِ سيفِ الأُفُقِ الأُرجوانيّ." "وبعدّةِ أولئك من طائفةِ سيفِ الصَّيفِ الأكبر، فالظاهرُ أنّهم توارَوا في الحَوْزِ الخفيّ فسَلِموا." ولكنّهم مكثوا طويلًا فلم يخرجْ من أيِّ طائفةٍ أحدٌ. ضحكَ حُذيفةُ الحَكيم مُسَلِّيًا وقال: "هاه… هاها، لا بأس، لقد انصرفَ المُشوِّشون، ومن ثَمَّ فالظَّافرونَ يَخْلُصونَ للكنوزِ في الداخل." "أليسَ هذا مألوفًا؟ فلا تَهلَعوا." فهزَّ القومُ رؤوسَهم باسمين؛ إذ جَرَتِ العادةُ في مثلِ هذا الأوان أن يُقَلِّبَ الفائزونَ المغانمَ في الداخل. وما إن حلّقَ قومُ طائفةِ سيفِ الصَّيفِ الأكبر في الجوِّ حتى قال عبدُ الرقيبِ خافتًا يحثّ: "يا شيختَنا غَيْثَ اللُّجّيّ، هل نزيدُ السُّرعةَ؟ فلنَنْصرفْ حالًا!" وكانتْ غَيْثُ اللُّجّيّ بعدُ غارقةً في غُمومِ مصرعِ رَباب،

  • مغيب الأرواح، والكفن المسلول، والسيّاف الأعمى   الفصل98

    هُم! وقفَ شيوخُ الطوائفِ الستِّ في الساحةِ ووجوهُهم مشوبةٌ بالتوتّر. فكلُّ دخولٍ إلى الحَوْزِ الخفيِّ يجرُّ قتلى وجَرحى من التلاميذ. فضحكَ شيخٌ أحدبُ القامةِ من بابِ السَّبعِ أوتار خافتًا وقال: "لِمَ تُبدونَ الكآبةَ هكذا؟" "وهذه المرّةُ ونحن نرقبُ تموّجَه ليس الحَوْزُ بالعنيفِ، ولعلّهُ لا خطَرَ فيه." "وأرى… أنكم قد بالغتم في التهيّب." فتبسّمَ ساخرًا رجلٌ أَوْحَدُ العينِ من أبناءِ سيفِ أُلوفِ الخالدين في رداءٍ أبيض وقال: "هَه، ومن لا يدري أنّ الخطرَ بعدَ الدُّخولِ ليس من الحَوْزِ نفسِه؟" "غيرَ أنّ الستَّ قد اصطلحتْ منذُ قديمٍ: في الحَوْزِ — النفسُ مسؤولةٌ عن نفسِها." "فلا يَضِقْ صدرُ أحدٍ عندئذٍ، فيضحكَ الناسُ منه سِرًّا." ثمّ لم يملكْ طرفُهُ أن يرمقَ غيث بطرفٍ مُوارٍ. فرمقَهُ غيث اللُّجّيّ ببرودٍ وقالَ يردُّ: "يا حُذيفةَ الحَكيم، أتُلمِّحُ إلى طائفةِ سيفِ الصَّيفِ الأكبر؟" "لا أدري من أينَ لك الجرأةُ كي تُلاسنَني بهذا التلوين!" "لو حضرَ نُعيمُ بنُ تَيْمٍ اليومَ أكنتَ لتقولَ هذا؟" "ولئن لم يَقلَعْ لك عينَك الأُخرى لَأعدُّكَ صُلبَ الحظِّ." فارتجفَ وجهُ حُذيفةَ وأشارَ إليهِ

  • مغيب الأرواح، والكفن المسلول، والسيّاف الأعمى   الفصل 97

    امتدَّ الوِشاحُ الناموسيُّ الملوَّنُ جُنُونًا، فأحاطَ بأنور وقيسِ القُنَنِ في لَحْظَةٍ واحدة! "اعملوا! اقتلوهم!" وفي طَرْفةِ عينٍ اندفعتْ بُروقُ السيوفِ طاعنةً إلى الملتفَّيْنِ! فجأةً! وعلى صخرةٍ على بُعدِ نحوِ مائة ذراع تجلّتْ فجأةً هيئةٌ واحدة! وانفجرَ زئيرٌ غاضبٌ صادحٌ! "أتجترئون؟!" فلمّا بلغَ الصوتُ أسماعَ تلامذةِ الجهاتِ الثلاثِ اضطربتْ قلوبُهم وارتعدوا! "عَجِّلوا الضربَ! قد أتى!" طائفةُ سيفِ الصَّيفِ الأكبر — عبدُ الرقيبِ الليثي! ومشهدُهُ آنفًا وهو يُنازِلُ سبعةً وحدَهُ لا يَغْلِبُهُم ما يزالُ حاضرًا للأذهان. وفوقَ ذلك فكلُّ من في الساحةِ يُحِسُّ أنّ نَفَسَهُ اليومَ أضخمُ ممّا كانَ قبلُ! وفي لَحْظَةٍ انغرزتْ سيوفٌ عدّةٌ بعنفٍ في الوِشاحِ الملوَّن! وتحطَّمَتِ الصخرةُ تحتَ قدمَيْ عبدِ الرقيبِ، وانفجرتْ في الجوِّ هسيساتُ الرعدِ الدقيق! وأصحابُهُ من خَلْفِه يَجْهَدونَ في قَطْعِ الوِشاحِ فلا يَنْفَعُ، فلم يجدوا إلّا صَدَّ القومِ. ومع ذلكَ نفذتْ أربعُ سيوفٍ فغرزتْ في الوِشاحِ دفعةً! فَلَفَّ أنور السَّويّ جسدَهُ وحمى قيسَ القُنَنِ بظهرِه. ونفذتْ ثلاثُ سيوفٍ مُجتازةً، وأ

  • مغيب الأرواح، والكفن المسلول، والسيّاف الأعمى   الفصل 96

    كان عبدُ الرقيبِ مُصابًا بالخَدَرِ، مُتَصَلِّبَ الجسدِ مُلقًى على المذبح؛ وتورَّمتْ عروقُ جبينِه وتصبَّبَ العَرَقُ الباردُ، وأصابعُه تتحرَّفُ ملتويّةً، وألمٌ كأنّ سكِّينًا يَشُقُّ الأحشاءَ شوّه ملامحَه. وتجلّدَ عن الوجعِ فشرعَ يُجري سِفرَ الرعدِ المُؤدِّبَ في تسعِ دَوراتٍ، فإذا الخيوطُ البرقيّةُ الدِّقاقُ في جوفِه تُسحَبُ شيئًا فشيئًا إلى حقلِ الطاقة. وكانتْ لَذْعاتُها تُفني الصبرَ، فعضَّ على نواجذِه وهدرَ خافتًا: "قُوَى الرعدِ الحقيرةُ — صَيِّرْنِيها صِرْفَ جوهرٍ!" "دَوِيّ!" ومع جريانِ البرقِ في الجسدِ تحوَّلَتِ الأقواسُ الصغارُ إلى خيوطٍ من القوّةِ الروحيّةِ شديدةِ الكثافة. "دَوِيّ!" ثمّ طَقَّ طَقًّا خفيفًا، فارتخى جِسمُه، وابتسمَ هامسًا: "الطبقةُ الثانيةُ عشرة!" واتّسعَ حقلُ الطاقةِ فوقَ ما كانَ بثلاثةِ الأعشار، حتى كأنّهُ لُجَّةٌ واسعة. وبعدَ بُرهةٍ نهضَ، فرأى التُّرسَ الناموسيَّ قد صارَ جُرْحًا على جُرْحٍ لا وَهَجَ له. وههنا تذكّرَ أن ينظرَ ما في خاتمِ الحفظ؛ فإذا فيه بيضةٌ أُرْجوانيّةٌ بقدرِ رأسِ إنسانٍ، ساكنةٌ تطفو، قد غُلّفتْ بقِشورٍ كاللُّبانِ الصُّنْبُريّ لونُ

  • مغيب الأرواح، والكفن المسلول، والسيّاف الأعمى   الفصل 95

    نظرَ عبدُ الرقيبِ إلى موضعِ الإدراجِ على معراجِ نقلٍ، فوضعَ التميمةَ اليشبيّةَ التي بيده. هُمّ! فأومضَ المعراجُ بضوءٍ خافتٍ ولم يتبدّلْ شيء، فلمّا رأى مواضعَ إدراجٍ أخرى عَلِمَ الأمر. وفي لَفْتةٍ أدرجَ ستَّ عشرةَ لُجَيْنةً روحيّةً في المعراجِ، فتلألأ الرسمُ ولم يتحرّك. "أإلانةُ المعراجِ تستوجبُ لُجينًا من المنزلةِ الوسطى؟" قَقْ قَقْ! وحقًّا، لمّاعَ الضياءُ فاختفى خيالُ عبدِ الرقيبِ من الحجرةِ لِوَقْتِه. طَقْ طَقْ قَقْ قَقْ! وما إن فَتَحَ عينيه حتى أيقظتْهُ لَذْعاتٌ في سائرِ جسدِه. فرأى نفسَه قائمًا على مِذْبحٍ عتيق! وحولَهُ تنتشرُ الصواعقُ إلى الآفاق؛ وخيوطُها الدقيقةُ إذا لامستْهُ أرجفتْ بدنَه. ورفعَ طرفَهُ فإذا فوقَ المذبحِ كأنّه غديرُ رعدٍ. وفي وسطِ الغديرِ شيءٌ كأنّهُ يَجْذِبُ قوى الرعودِ إليه. وإذا روحُ السيفِ تظهرُ ببطءٍ في هذهِ الساعة! ومعلومٌ أنّ ظهورَها يستهلكُ قُوًى جمّةً، فلا تُبدي ذاتَها هيّنًا. فقالَ عبدُ الرقيبِ: "ما هذا الشيء؟" قالتْ وهي تُثبّتُ طرفَها في صواعقِ قلبِ المذبحِ هامسةً: "كيفَ يظهرُ هذا في عالمِ الأرواحِ البشريّة؟" فقالَ مُقْعِدًا حاجبَيْه: "

Higit pang Kabanata
Galugarin at basahin ang magagandang nobela
Libreng basahin ang magagandang nobela sa GoodNovel app. I-download ang mga librong gusto mo at basahin kahit saan at anumang oras.
Libreng basahin ang mga aklat sa app
I-scan ang code para mabasa sa App
DMCA.com Protection Status