Share

الفصل566

Author: شاهيندا بدوي
كانت نور قد هدأت، لم تعد منفعلة، بل يكسوها الهدوء. بدا جليًّا أن سمير ظل قلقًا عليها طويلًا، فما عاد للكلمات الجارحة أثر، وتلاشت في هذه اللحظة كالدخان.

عانقته من خصره وقالت: "فلنقلل من مشاجراتنا مستقبلًا، وأي أمر بيننا فلنقله بهدوء، اتفقنا؟"

أجابها بصوت خافت: "حسنًا".

شعرت نور أن في نبرته شيئًا غريبًا، فسألته: "تجيب بكلمة واحدة فقط؟ أأنت غير سعيد؟"

ربّت على وجهها بحنو وقال: "لا، كيف أحزن، وقد وعدتِ بألّا نتشاجر؟"

حدّقت في عينيه ثم همست: "لكن إن فقدتَ الثقة بي، وإن كنتَ تفكر في الفراق، أفلا تكون كلماتي عبثًا؟"

طمأنها: "لا يمكن أن يحدث ذلك، لن نفترق".

سألته: "إذن لن تطلقني؟"

لطالما كان الطلاق بينهما ما يُثير الشجار.

وهي نفسها أصرت عليه بكل الطرق.

غير أنّها وقد رأت ما صنعه لأجلها، أدركت الأمر.

وفكرت أنّ الحال لم يبلغ السوء الذي تخيلته.

فربما لن تلقى رجلًا كسمير في المستقبل.

وهي نفسها كان يعز عليها فراقه.

والطفل في بطنها يحتاج إلى أب.

يحتاج إلى أسرة ينمو في كنفها لا إلى أم وحيدة.

ومع ذلك، أرادت أن تسمع موقفه صريحًا.

فلن تظل هي المبادرة بالدفء بينما يواجهها ببرود.

قال بصوت منخفض: "لن
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Locked Chapter

Latest chapter

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل582

    بدأت تتخيّل.تخيّلت كيف سيكون زفافها على سمير مهيبًا.وتخيّلت نفسها العروس الأسعد في هذا العالم.وفي تلك اللحظة، سُمعت خطواتٍ تقترب، فظنّت شهد أنها خادمة البيت، فقالت: "لا حاجة لمساعدتك هنا، انصرفي".لكن الخطوات لم تتوقف.عقدت حاجبيها بضجر، ونزعت القناع عن وجهها قائلة: "قلتُ لكِ لا أحتاجك..."رفعت بصرها، وحين أبصرت القادم، ارتجفت ملامحها بالدهشة، فأزالت القناع بسرعة، ثم وقفت بجدية وهي تتمتم: "أبي".ابتسم الرجل، وعيناه تتأملانها: "شهد، لم أركِ منذ زمن، كبرتِ وصرتِ آنسة جميلة".وقفت شهد واقتربت منه راكضة، ثم ارتمت في حضنه: "أبي، أخيرًا خرجت! لقد اشتقت إليك حد الموت!"كان الرجل قد ناهزَ الخمسين من عمره، أطول من شهد قليلًا، قوي برغم سنه، مد يده يربّت على شعرها بحنان: "تعبتِ كثيرًا في هذه السنوات".قالت شهد: "لم أتعب. ما مررت به لا يُقارن بتعبك، ثم إني الآن صرتُ نجمة، أملك هالة تحميني، لا أكتفي بإعالة نفسي فقط، بل أستطيع أن أعيلك أيضًا".ابتسم بعينين عميقتين وقال: "أعرف برّك، لكنني لست بحاجة لأن تعيليني، تجارتنا لم تنتهِ بعد، خروجي هذه المرة من أجل أن ننهض من جديد".شحبت ملامحها وهي تقول بق

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل581

    "اخرس!" قالت نور بغضبٍ جارف: "كيف تستطيع أن تتفوه بمثل هذا الكلام؟ لقد أخطأت في نظرتي إليك!"لم يُحوِّل سمير رأسه ليتفادى الصفعة، بل تلقاها بجمود.احمرّ خدّه، وانفرجت شفتاه عن ابتسامةٍ باردة شرسة، قبل أن يعود بنظره إليها.ازداد الجليد عمقًا في عينيه، وضحك بسخرية قائلًا: "إن كان هذا كفيلًا بأن يجعلك تيأسين مني، فليكن... فلستُ أنا الرجل الصالح لك!"ارتجفت نور، وانقبض قلبها من شدّة الحزن.لم تصادف في حياتها رجلًا أكثر قسوةً منه."إن كان هدفك من كل هذا أن تُرغمني على التوقيع، فقد نجحت! هذا الزواج لستَ أنت وحدك من يريد إنهاءه... بل أنا أيضًا!" أمسكت بالقلم، وقّعت اسمها بلا تردّد على أوراق الطلاق، ثم دفعتها نحوه بعنف قائلة: "اخرج! فورًا! اغرب عن بيتي!"لم يتغيّر وجه سمير، وكأن غضبها لم يلامسه.أما المحامي فسارع إلى التقاط الأوراق كمن يُنقذ كنزًا ثمينًا.قال المحامي لسمير: "سيد سمير، لقد تم الأمر".أومأ ببرودٍ، ونهض واقفًا، جمّد ملامحه القاسية، ومضى بخطوات واسعة خارج الفيلا دون أن يلتفت إليها.حين غادروا، انهارت نور على الأريكة، تنهَج بتعبٍ وقد استنزفت كل طاقتها.قبضت بيديها حين رأت ظهره يبتع

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل580

    حتى لو وُلد الطفل، فلن يحظى من أبيه سوى بالصدّ.خيرٌ له أن يكبر بلا أب، على أن يعيش في كنف رجل كهذا.ساد الصمتُ والبرود الفيلا.جلست نور ساعات طويلة.تذكَّرت الكثير من الأمور، تذكَّرت شبابها، منذ دخلت المجتمع، وعملت مع سمير في الشركة ذاتها، ثم أصبحت زوجته، سنوات وهي تتلقى الإهمال بصمت، لكنها لم تفقد صبرها، حتى حين قررت أن تتركه لتحقق له مراده ليلحق بحبيبته الأولى، عاد ليجرّها إلى دوامة عاطفته.وكأن الرب يسخر منها، منح قصتها نهاية مأساوية.لم يُعطها نهاية مثالية البتَّة.هل سيتطلقان حقًا هذه المرَّة؟لكن لماذا بقي لديها بصيصٌ من الأمل؟ ظنت أنه لن يطلِّقها.انتظرت، وانتظرت، حتى عاد آخر الليل.عاد مسرعًا، كأنّ الغاية فقط لقاء عابر.ما إن عاد حتى جلس قبالتها، وقد أحضر معه محاميًا.حدّقت به نور، فرأت البرود القديم ذاته، كأنهما عادا إلى أيام زواجهما الأولى.لم يوجه لها نظرة، فتح المحامي ملفًا، وأخرج منه ورقة، ووضعها على الطاولة، وقال وكأنه ينهي مهمة: "سيدة نور، هذه اتفاقية الطلاق بينك وبين السيد سمير، الشقة التي تسكنينها قرب القناة التلفزيونية أصبحت لكِ، لقد اشتراها السيد سمير لك، وستنالين م

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل579

    سمعت شهد الكلام، فلم تستوعب في البداية.أيعقل أن سمير لا يعرف أن نور حامل؟أم أن خلف الأمر سببًا آخر؟لكن عيني سمير لم تتغيرا، ظلّتا غارقتين في برود قاتل، كأنّ كل ما يخص نور لم يعد يعنيه.علّقت نور أملها على الطفل، لعلّه يجذب قلبه إليها.لكنها كانت تحلم.فحين يقسو الرجل حقًّا، لا يُعَدّ الطفل شيئًا.بل ليتها ما أخبرته.انقطع آخر خيط تشبثت به، ومات قلبها تقريبًا.مالت شهد على سمير، فقطعت شجارهما تقول: "نور، لا تُجهدي نفسك، لو أنكِ أنهيت الحمل منذ البداية، لما وصلتِ إلى هذه المذلة اليوم".استرجع سمير بصره، واضطرب نَفَسه قليلًا، لكنه قسا وقال ببرود مطلق: "لنذهب، لا حاجة للردّ عليها، يمكنها أن تتفوه بأي كلامٍ من أجل لقب حرم السيد سمير".ومضى الاثنان مبتعدين.لم يلتفتا.وعند مرورها، دفعت شهد كتف نور بفخر.تراجعت نور خطوة إلى الوراء، فأمسكتها إيمان بسرعة، وهي ترمق ظهرهما بحنق، وتقول: "كيف يمكن أن يكونا بهذه القسوة؟ تلك الثعلبة، هي السبب! لا بد أنها أوهمت الأخ سمير بشيء، أختي، نحن..."أدركت نور ما ستقوله إيمان، كانت ستقول إن سمير تغيَّر بشكلٍ سريع ومفاجئ، فقاطعتها تقول بابتسامة يائسة: "لا فائ

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل578

    ثبتت نور بصرها على سمير، وسألته بصوت مبحوح: "أحقًّا ما يُقال؟"غاصتا عينا سمير العميقتان في برود قاتم، وحدّق في وجهها المتحطم، لكنه ظلّ صامتًا.تابعت نور تسأله: "هل أنتَ مرتبطٌ بشهد؟ قل لي، أهو صحيح؟ أنا لن أصدق أحدًا غيرك!"لكنه ظل صامتًا.احمرّت عينا نور بالدمع، وهي تحاول التمسك بخيط رفيع من الأمل، وقالت: "لو أنك قلت لي الآن إن كل ما رأيته كذب، لن أحاسبك. حتى لو رأيتك معها، حتى لو رأيتُها ممسكة بذراعك، سأقول إن لك عذرًا، وسأصدقك أنت، لكن لماذا لا تتكلم؟ تكلَّم، أعطني ذرة أمل!"كلما تكلمت، انكسر قلبها أكثر.بدا وأن مشهد طلبه لها للزواج، وأن حبه، لم يكن إلا سرابًا.خيالًا هي نسجته، والآن جاء وقت الاستيقاظ، وتقبل حقيقة أنه لا يحبها.عاشت لحظات من السعادة حقًا. صدقت أن الرجل الذي أحبّته سرًّا لسنوات قد اختارها في النهاية، ظنت أن تعبها كل هذه السنوات لم يذهب سدى.كانت تظن ذلك حقًا.لكن لماذا اليوم تغيّر كل شيء؟انهمرت دموعها على وجنتيها، وقد شعرت باليأس، وقلبها يتمزق كما لو أن سكاكينًا تُغرس فيه.قبض سمير كفّيه حتى ارتعشا، يكتم غليان صدره. لم يرد أن يرى دموعها، دمعة واحدة منها كانت تكفي

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل577

    أدارت نور رأسها وقالت: "أهو سمير؟"لمعت عينا إيمان بالذهول وهي تحدق في نور التي لم تستطع أن تصدّق، فسألتها لتتأكد. تغير وجه إيمان، وهاجت غاضبة: "يا له من رجل خائن! ظننتُ أن سمير سيكون مختلفًا، لكن اتضح أن كل الرجال في هذا العالم سيئون!"غاب سمع نور عن إيمان التي كانت تلعن وتسب، ووجهت بصرها من جديد إلى شهد وسمير.رأت شهد تشبك ذراعها بذراع سمير، وكأن علاقتهما عادت كما كانت.كأن كل شيء عاد إلى نقطة البداية.لم تستطع نور الحركة، كأن جذورًا نبتت لأقدامها.خرج الاثنان من المتجر، وكانت شهد تقول: "شكرًا لك يا سمير، أهديتني حقيبةً باهظة الثمن".فالأشياء التي تهواها المرأة إذا أهداها إياها الرجل الذي تحب، تصبح عندها في قمة السعادة. ولم تكن شهد استثناءً.قال سمير بصوت منخفض: "لا مشكلة، المهم أنكِ تحبينها".سألته شهد: "أحقًا ستلبي لي كل ما أحب؟""نعم."قالت بنعومة: "أنت تعاملني بشكلٍ جيد، لم أخطئ حين اخترتك، أنت أكثر رجلٍ يعاملني بحب، سأنتظرك... سأنتظر حتى تتطلّق، سأنتظر..."لكن كلماتها انقطعت حين اصطدما فجأة بنور.توقفت الأقدام.رفعت شهد بصرها نحو نور التي بدا على وجهها الانكسار، وارتسم على شفتي

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status