مشاركة

الفصل 7‬

مؤلف: سنة بعد سنة
كان وجه سيف متجهّمًا وقال بغضب: "ميرا! آمرك بصفتي ربّ هذا البيت أن تشربي الحساء!"

كانت تاليا قد أنزلت أمتعتها إلى الطابق السفلي وهمّت بالمغادرة.

فارتبك سيف، وخطا بخطوة سريعة نحو ميرا.

أمسك بوعاء الحساء، وضغط على فمها ليجبرها على الشرب.

قال: "لا أصدق أن وعاءً من الحساء يمكن أن يقتل أحدًا."

لم تستطع ميرا المقاومة، فاضطرّت لابتلاع وعاءٍ كامل من حساء الكستناء الحلو.

عندها فقط تركها سيف.

ضعفت قدماها وجلست على الكرسي متهاوية.

كانت تختنق، والدموع والمخاط يسيلان من وجهها وهي تسعل بلا توقف.

لم يلقِ سيف عليها نظرة، بل استدار ليلحق بتاليا.

وبعد أن هدّأها، كانت تاليا بعينين دامعتين تتكئ على صدره.

مرّ سيف بجانب ميرا وقال ببرود: "أرأيتِ؟ لم يحدث لك شيء، لماذا كل هذا التمثيل بالضعف؟"

كان حلق ميرا متورمًا لدرجة أنها لم تستطع الكلام، فخرج صوتها متقطّعًا: "اتصل بالإسعاف... أنقذني..."

تجهم وجه سيف وقال: "أنتِ على وشك أن تصبحي أمًّا، يجدر بك أن تكوني أكثر نضجًا."

ثم أضاف: "اعتذري لتاليا حالًا."

كان رأس ميرا يدور، حتى فقدت وعيها من الاختناق.

لم يتخيل سيف أن وعاءً من حساء الكستناء الحلو سيجعل حياة ميرا على المحك.

في سيارة الإسعاف، كان وجهه شاحبًا وجسده يرتجف.

قال بصوت مرتجف: "ميرا، لا تخيفيني أرجوك!"

تم نقل ميرا إلى غرفة الطوارئ، وبعد خمس ساعات خرجت أخيرًا.

خلع الطبيب كمامته وقال متنهّدًا: "لو تأخرتم بضع دقائق فقط، ما كان أحد ليستطيع إنقاذها."

ثم سأل: "ألا تعلمون أن المريضة لديها حساسية؟"

لم يجد سيف ما يقوله.

كان يعلم، لكنه أجبرها على شرب الحساء الذي كاد يودي بحياتها.

ندم بشدّة، وظلّ جالسًا بجانب سريرها حتى استيقظت.

كان حلقها لا يزال متورمًا ومؤلمًا.

أمسك سيف بيدها وقال: "حساسية الكستناء خطيرة إلى هذا الحد، لماذا لم تقولي ذلك حينها؟"

كيف لها أن تقول؟ هل كان عليها أن تركع وتتوسل؟

نظرت إليه ميرا بصمت، فشعر بالحرج وأدار وجهه بعيدًا.

رنّ هاتفه، تردّد قليلًا ثم أجاب.

قال بصوت منخفض: "ميرا بخير، لا تلومي نفسك، لا تبكي."

ثم ناول الهاتف لميرا: "تاليا تشعر بالذنب، وتريد أن تعتذر لك بنفسها."

قرّبت ميرا السماعة من أذنها.

لكن تاليا غيّرت نبرتها فورًا وقالت بسخرية: "ميرا، سمعت أنكِ كدتِ تموتين؟ سيف لم يقل لي سوى بضع كلمات قاسية، فبرأيك من الأهم في قلبه؟"

ثم تابعت: "كنت أعلم أنكِ تتحسسين من الكستناء، فعلت ذلك عمدًا. يمكنكِ إبلاغ الشرطة إن شئتِ، لكن للأسف لا تملكين دليلًا."

شدّت ميرا الغطاء بيديها، ثم رمت الهاتف بقوة على الأرض.

نهض سيف بغضب وقال: "ميرا! تاليا كانت تحاول الاعتذار، لماذا كل هذا العناد؟"

صرخت ميرا بكل ما تبقى لديها من قوة: "اخرج!"

اسودّ وجه سيف وقال ببرود: "لقد استأجرت ممرضة لتعتني بك، خذي وقتك لتفكّري بهدوء."

ثم التقط الهاتف المحطم وغادر الغرفة.

في اليوم نفسه، وقّعت ميرا على إخلاء المسؤولية وغادرت المستشفى.

عادت إلى "البيت" الذي أمضت خمس سنوات في بنائه بعناية، وقلبها مثقل بالحزن.

كل شيء في الفيلا، من اختيار الموقع والديكور، إلى الأثاث وسلّة المهملات، كان من اختيارها.

في وسط غرفة الجلوس كانت صورة زفافها مع سيف، يبتسمان فيها بسعادة.

لكن حين حسبت الأيام، أدركت أن تاليا كانت حاملًا في تلك الفترة بالذات.

تناولت ميرا المزهرية على الطاولة ورمتها بقوة نحو الصورة.

تحطّم الإطار الكبير وسقط على الأرض مثيرًا غبارًا كثيفًا.

هرعت مربية المنزل على الصوت، فأشارت إليها ميرا قائلة: "أنا والسيد سيف سنلتقط صورًا جديدة، احرقي هذه."

ثم أضافت: "احرقي كل الصور التي تجمعني بالسيد سيف في هذا البيت."‬
استمر في قراءة هذا الكتاب مجانا
امسح الكود لتنزيل التطبيق

أحدث فصل

  • حب لا ينتهي، لكنه لن يعود أيضا   الفصل 26‬

    الفصل 26‬"والآن، لنرحب بعروسنا لهذا اليوم—ميرا الشهابي!"فُتحت أبواب قاعة الحفل ببطء، وانبعث منها شعاع ضوء ساطع.انطلقت موسيقى الزفاف، وتقدّمت ميرا حاملة باقة الزهور نحو جمال.كانت هذه المرة الثانية التي تظهر فيها ميرا بكامل أناقتها، أما المرة الأولى، فقد انتهت بخسارة مؤلمة.وهذه المرة أيضا، لم تكن واثقة تمامًا من قدرتها على نيل السعادة.في تلك اللحظة، راودها خاطر بالهرب.على المسرح، كانت أصابع جمال ترتجف بتوتر واضح."ميرا!"وعند طاولة عائلتها في الصفوف الأمامية، كان والداها يحدّقان بها ودموع الفرح تملأ أعينهما، وبجانبهم أقارب عائلة الشهابي، وزملاؤها وأقرب صديقاتها.لوّحوا لها بأيديهم وهم يبتسمون قائلين: "مبروك!"توقفت ميرا في مكانها مذهولة، وانهمرت دموعها دون أن تشعر.حاول المقدم أن يحثّها على التقدّم، لكن جمال أوقفه بإشارة من يده.عدّل جمال ربطة عنقه، وسار بخطوات ثابتة نحو عروسه.قال بصوتٍ مفعم بالصدق:"ميرا، أعلم أن في نفسك كثيرا من القلق، لكن أريد أن أقول لك، لا تقلقي."رفعت ميرا رأسها لتنظر إلى وجهه المليء بالإخلاص.وخُيّل إليها مشهد الفتى ذي القميص الأبيض أيام الثانوية، الذي كان

  • حب لا ينتهي، لكنه لن يعود أيضا   الفصل 25‬

    وقف سيف مزهوا بنفسه، وأشار للجميع أن يلتزموا الصمت.قال: "حضوري اليوم دون دعوة، فقط لأقدّم تهانيّ للسيد جمال بمناسبة زواجه السعيد."ظلّ جمال محتفظا بهدوئه وأناقة تصرّفه، تاركا سيف يتصرّف بجنون.تابع سيف: "لديّ هنا بعض الصور، أودّ أن أريها لعائلة العروس وأصدقائها."ثم أخرج هاتفه، وأظهر صورا له مع ميرا في وضع حميم.ابتسم جمال بلطف وقال: "السيد سيف، شاشة هاتفك صغيرة، ما رأيك أن نعرض الصور على الشاشة الكبيرة؟"ضحك سيف بسخرية: "فكرة رائعة."وبعد أن انتهى الموظفون من إعداد الجهاز، ظهرت صور سيف على الشاشة الإلكترونية الضخمة خلفه.قال سيف بنبرة انتصار: "هل المرأة في الصورة هي عشيقة السيد جمال التي يلتقيها خفية عن خطيبته؟ ما تفسيرك يا سيد جمال؟"أطلق جمال همهمة باردة وقال: "المرأة في الصورة، هل تعرفها يا سيد سيف؟"قال سيف: "بالطبع! إنها زوجتي."ضحك جمال بصوت عال: "لكن حسب علمي، زوجتك القانونية اسمها تاليا الحيدري، وليست المرأة التي كنت ألتقيها."تفاجأ سيف بأن جمال يعرف هذه التفاصيل، فسارع لتبرير نفسه:"نعم، أنا متزوج من تاليا رسميا، ولكن ذلك فقط لأنها كانت بحاجة إلى المساعدة عندما سافرت إلى الخ

  • حب لا ينتهي، لكنه لن يعود أيضا   الفصل 24‬

    في الليلة التي سبقت الزفاف، استخدمت ميرا ذريعة "لا يجوز للعروس والعريس أن يلتقيا قبل الزفاف" لطرد جمال من غرفتها.قال جمال من خلف الباب بنبرة متوسلة: "زوجتي، سننام معًا غدًا على أي حال، دعيني أدخل الليلة فقط."أغلقت ميرا الباب بإحكام.قالت بحزم: "لا، هذه عادة متوارثة. لو سمحت لك بالدخول، سيكون ذلك نذير شؤم."وما إن سمع كلمة نذير شؤم حتى وافق فورا.وأضاف بأسى: "لكنني أشتاق إليك كثيرا، ماذا أفعل؟"تنهّدت ميرا ورفعت عينيها إلى السماء قائلة: "جمال، لم نفترق إلا منذ خمس دقائق فقط!"لم تكن ميرا تتخيل أبدًا أن جمال يمكن أن يكون عاشقا مفرط التعلق إلى هذا الحد.غادر جمال على مضض، فيما تمددت ميرا على السرير دون أن يغمض لها جفن.غدًا ستتزوج من جمال، ورغم أن الأيام الماضية كانت مليئة بالسعادة، إلا أن الزواج يختلف تمامًا عن الحب، وما زال القلق يساورها.وفوق ذلك، بعد أن خذلها سيف، لم تعد تملك الجرأة لطلب مسامحة والديها.كانت تعرف أن مائدة عائلتها في حفل الغد ستبقى خالية، فغياب بركة الأهل والأصدقاء ترك في قلبها غصّة.حاولت أن تقنع نفسها بالرضا، فهي محظوظة بالزواج من جمال.وبينما كانت غارقة في أفكارها

  • حب لا ينتهي، لكنه لن يعود أيضا   الفصل 23‬

    كانت ميرا تفكّر في أن مسيرة جمال المهنية تفوق مسيرة سيف بأكثر من عشرة أضعاف، كما أن ارتباطاته الاجتماعية أكثر بكثير.ولذلك لم تكن تضع أي أمل عليه، ولا على حفل الزفاف الذي يوشك أن يقترب. قالت لصديقتها المقرّبة: "إنه مجرد زواج بلا أساس من المشاعر."لكن جمال كان حاضرا في كل تفصيل من تفاصيل التحضيرات للزفاف.اختار بنفسه مكان الحفل، وأشرف على كل تفاصيل الديكور الداخلي.فهو خريج أكبر جامعة للفنون في أوروبا، جامعة النور للفنون والتصميم، ويحمل دكتوراه مزدوجة في تصميم المعارض وإدارة الصناعات الإبداعية.حتى خاتم الزواج صمّمه خصيصا، قطعة فريدة لا مثيل لها.أما فستان الزفاف، فقد منحها كامل الاحترام والمشاركة في اختياره.وكان هذا الفستان بذيل السمكة تحديدا من أعماله عندما كان طالبا في مرحلة الماجستير.جلس جمال على أريكة منخفضة، وساقاه الطويلتان لا تجد مكانا مريحا.كانت عيناه، كعيني ثعلب، تتجولان بجرأة على جسدها، تحملان رغبة واضحة لا تخفى.شعرت ميرا بالحرج من نظراته، فسحبت الفستان إلى أعلى قليلا وقالت: "ألا يعجبك شكله؟"نهض جمال واقترب منها، ووضع يديه على كتفيها وأدارها برفق.في المرآة، انعكس وجه م

  • حب لا ينتهي، لكنه لن يعود أيضا   الفصل 22‬

    أسرعت تاليا في ترتيب نفسها، وابتسمت ابتسامة تظنها ساحرة.اقتربت منه، وقد انكشف جزء من صدرها.قالت بدلال: "السيد جمال، هل أنت من أنقذني؟ هل عليّ أن أُكافئك بنفسي؟"لكن السكرتير تحرك بسرعة، وأمسك ياقة ثوبها وسحبها جانبًا.جلس جمال، وقال بصوتٍ مائل إلى الكسل:"أأنتِ؟ وهل تظنين نفسكِ جديرة؟"تبدّل لون وجه تاليا.صحيح أنها ليست بجمال ميرا، لكنها تُعدّ فتاة لطيفة الملامح.فكيف يراها جمال بهذه الصورة المُهينة؟جلست مجددًا إلى المائدة وقالت: "قل لي، ماذا تريد مني أن أفعل؟"وعدها جمال بخمسة ملايين، مقابل أن تأخذ ريما من دار الرعاية الاجتماعية، وترحل معها بعيدًا.سألها: "من هو والد ريما الحقيقي؟"كان جمال يريد استغلال تاليا، هذا العنصر غير المستقر، ضد سيف، وكان لا بد أن يُمسك بخيط يُقيّدها.فمن يدري ما الذي قد تفعله هذه المرأة المجنونة إن فقدت السيطرة؟عضّت تاليا على شفتيها ولم تُجب.قال جمال بهدوء: "سكرتير، أعد الآنسة تاليا إلى مكانها."لكن مكانها في كلامه لم يكن العودة إلى العاصمة، بل إلى قبو فيلا سيف.كانت قد حُبست هناك سبعة أيام، تعيش على طعام الكلاب، وتتعرض بين الحين والآخر لضربٍ مبرح من سي

  • حب لا ينتهي، لكنه لن يعود أيضا   الفصل 21‬

    استيقظ سيف في الصباح الباكر على خبر سار.لقد حصل على بطاقة دعوة زفاف جمال.تأمل البطاقة المصنوعة من الذهب الخالص، والمطعّمة في وسطها بحجر ياقوت أزرق كامل.وقال بابتسامة خفيفة:"يبدو أن الحصول على بطاقة الزفاف لم يكن بالأمر الصعب، إذن عائلة الكيلاني ليست بتلك الغموض الذي يتحدث عنه الناس."ثم أضاف:"الغريب أن البطاقة تحمل اسم العريس فقط، دون ذكر اسم العروس."لكن سيف لم يهتم كثيرًا بمن تكون العروس، فهي في النهاية لا بد أن تكون ابنة إحدى العائلات الثرية المعروفة.ثم التفت إلى مساعده وسأله: "هل تم تجهيز كل شيء؟"أومأ المساعد برأسه مؤكدًا.كانت ميرا قد تحدّت معارضة والديها في عائلة الشهابي، وفسخت خطوبتها لتتزوج بسيف.ومنذ ذلك الحين، لم يعد لها في هذا العالم من تعتمد عليه سواه.ولو كان هناك شخص يمكن أن يتولى أمرها بعده، فسيكون جمال.ضحك سيف وقال بسخرية: "حفل زفاف أمير الأعمال في مدينة الهان لن يخلو من وسائل الإعلام، وحين تُكشف الفضيحة، سنرى كيف سيجرؤ على الاقتراب من ميرا بعد ذلك."ثم أضاف: "وحينها، لن تجد ميرا أحدًا تلجأ إليه سواي."كانت حساباته دقيقة وواثقة.ثم أمر مساعده قائلا: "اليوم هناك

فصول أخرى
استكشاف وقراءة روايات جيدة مجانية
الوصول المجاني إلى عدد كبير من الروايات الجيدة على تطبيق GoodNovel. تنزيل الكتب التي تحبها وقراءتها كلما وأينما أردت
اقرأ الكتب مجانا في التطبيق
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status