الفصل 8‬

استجابت المربية فورًا وبدأت بجمع الألبومات وإطارات الصور، فكوّمتها جميعًا على عشب الفناء.

فتحت ميرا عدة زجاجات من النبيذ الأحمر الذي كان سيف يحتفظ به بعناية، وسكبته فوقها.

ثم صبت لنفسها كأسًا، وقدّمت للمربية كأسًا آخر.

ارتطمت الكأسين بصوتٍ حاد، كأنه صدى لانكسار خمس سنواتٍ من المشاعر.

أشعلت ميرا الولاعة وألقتها في كومة القمامة المتراكمة.

وفي وهج النار، رفعت رأسها وشربت ما تبقى في الكأس حتى آخر قطرة، بينما انحدرت دموعها إلى ياقة قميصها.

كانت البقية هدايا سيف التي أهداها لها على مر السنين: حقائب، فساتين، ومجوهرات.

جمعتها ميرا كلها وعرضتها على منصة بيع المستعمل، وعدّلت حساب التحويل ليكون باسم دار الرعاية الاجتماعية.

تلقى سيف اتصالًا من مساعده: "زوجتك عرضت كل ما أهديتها للبيع على الإنترنت."

تغير وجهه بسرعة وارتدى ملابسه على عجل.

وفي الطريق، ظل يتصل بميرا مرارًا، لكنها لم ترد على أي مكالمة.

القلق والاضطراب جعلاه يضغط على دواسة السرعة، متجاوزًا أكثر من إشارة حمراء.

وقبل أن تتوقف السيارة تمامًا، اندفع إلى داخل الفناء.

كانت ميرا جالسة على الكرسي الهزاز، تمسك بكأسها، وحول قدميها زجاجات فارغة مبعثرة.

كانت وجنتاها محمرتين، تدندن بلحنٍ لا يعرفه.

تنفس سيف الصعداء أخيرًا، ثم اقترب منها وجثا عند قدميها.

"ميرا، لماذا لم تردي على الهاتف؟ لقد أخفتِني بحق."

التفتت إليه ببطء، وحدقت في وجهه: "ولماذا خفت؟"

مدّ يده يلامس وجهها الساخن وقال: "ظننتك غاضبة مني، وأنك اختبأتِ لتتجنبي رؤيتي."

وبتأثير الخمر، سألت ميرا ما كان يثقل قلبها.

"سيف، هل هناك ما تخفيه عني؟"

انقبض قلبه، وأطرق رأسه مترددًا طويلًا.

ثم رفع عينيه وقد ارتسمت عليه ملامح البراءة والطمأنينة.

"بالطبع لا، نحن زوجان، لا أسرار بيننا."

تجاوزته ميرا بنظرها نحو الرماد المتناثر غير بعيد، وفي تلك اللحظة التي اختار فيها سيف الكتمان مجددًا، انطفأت آخر شعلة في قلبها.

لاحظ سيف القشرة على كفها، فسألها: "ميرا، ما الذي أصاب يدك؟"

أرادت أن تقول: "بفضلك." لكنها اكتفت بـ: "عضّها كلب."

أسرع سيف بإحضار صندوق الإسعافات، وجثا على الأرض ليعقم الجرح ويضمده.

"أنت دائمًا مهملة هكذا، لا أدري كيف ستتدبرين أمورك بدوني."

ابتسمت ميرا بمرارة.

كانت تظنه المظلة التي تحميها من العواصف، لكنها اكتشفت أنه هو مصدرها.

قال وهو يلف الضماد بإحكام: "بالمناسبة، سمعت من المساعد أنك بعتِ كل الهدايا التي قدمتها لك."

أجابت بهدوء وهي تحول نظرها عنه: "ليست شيئًا مهمًا، كلها قديمة، أردت فقط أن أبدلها."

ربط سيف الضماد بعقدة محكمة وبحذر، ثم قال: "إذا لم تعجبك، تخلصي منها. سأشتري لك غيرها، لا تقلقي."

ثم وقف وضمها إلى صدره، وهمس قرب أذنها:

"ميرا، يوم الإثنين أريد أن أقيم حفلة ترحيب لريما."

ولما لم تجبه، تابع قائلاً:

"ألستِ من تمنّى دائمًا الذهاب إلى عُمان في منطقة جنوب غرب الإقليم لمشاهدة النجوم؟ بعد الحفلة سنسافر نحن الثلاثة لنراها معًا، ما رأيك؟"

يبلغ ارتفاع جبل الخضرة في عُمان أكثر من ألفي متر، وهو مكان مثالي لمراقبة السماء.

لطالما رغبت ميرا في الذهاب إليه.

لكنها تلقت بالأمس رسالة من بريطانيا تقول:

"السيدة ميرا الشهابي، نأسف لإبلاغك أن النجمة الزرقاء المسجلة باسمك سيهوِي خلال ثلاثة أيام."

كانت تظن أن حبّهما لا ينكسر، لكنه كان مثقوبًا منذ زمن.

وكانت تظن أن نجمتها لن تسقط، لكنها على وشك الأفول.

أبعدها سيف قليلًا وقال: "ميرا، إن لم تكوني مرتاحة، يمكننا إلغاء الحفلة..."

أفاقت ميرا من سُكرها وقالت بهدوء:

"عمّ تتحدث؟ بالطبع سنقيم الحفلة، وسأتولى تنظيمها بنفسي."

امتلأت عينا سيف بالدهشة والفرح، وضمها مجددًا.

"كما تشائين يا ميرا، لدي أيضًا مفاجآت أخرى لك."

كان يخطط في ذلك اليوم أن يسلمها رسميًا شهادة الزواج ذات الصلاحية القانونية، ليصبحا منذ تلك اللحظة زوجين بحق.‬