Se connecterمن هذا الذي جاء في هذا التوقيت؟لم يكن لها أي صديقة في مدينة الشمال، ولم تطلب وجبات أو أى توصيلات.وحين فتحت الشاشة، ظهرت لها ملامح وجه مألوف.إنه أحمد.كيف استطاع الوصول إلى هذا المكان؟ هل يملك أنف كأنف الكلاب؟قالت: "أخي، أحمد جاء، سأخرج لأرى ما الأمر.""حسنًا".لقد كان بينهما اتفاق مسبق، ولا يمكن أن يكون قد لحق بها لأجل تلك المسألة، مما يجعل الأمر واضحًا، لقد حدث شيء ما.فهو في النهاية لن يؤذيها، وبمجرد رؤيته ستعرف كل شيء.فتحت سارة الباب، "ما الذي..."قبل أن تكمل، جذبها أحمد بقوة إلى حضنه، وعناقه الحار أربكها قليلًا، "هل تناولتَ دواءً خاطئًا؟"قال: "سارة حبيبتي، المهم أنكِ بخير، كان هاتفكِ مغلقًا، بحثتُ عنكِ يومًا كاملًا."عندها فقط أدركت سارة أن الهاتف الذي اعتادت التواصل به مع أحمد كانت قد أغلقته قبل إجراء العملية خشية أن يزعجها أحد.قالت: "في الواقع... لقد اختفيتُ يومًا واحدًا فقط، لا داعي لكل هذا."لم تستوعب سارة تمامًا ما الذي كان يشعر به أحمد، لكنها حين أحسّت باهتزاز جسده الخفيف، انطفأ الذهول عن وجهها.قال: "سارة حبيبتي، هل تعلمين ما معنى الخوف من الفقد؟ لقد تجرّعتُ ألم خسارت
ابتسم محمود ابتسامة خفيفة وقال: "صحيح، لقد كدنا ننسى أن السيدة سارة أجرت العام الماضي تلك العملية القلبية التي ما زال الجميع يشيد بها حتى اليوم، وبهذا حتى لو كان عمار قد وجد الطبيب سمير قبلنا فما زال لدينا احتمال كبير للفوز".قال أحمد: "إن كان عمار قد استعدّ مسبقًا، فالأرجح أن الطبيب سمير عنده الآن، لكنه بالتأكيد لن يكشف أوراقه سريعًا حتى لا يثير الشك، وغدًا صباحًا فقط سيأتي به".قال محمود: "إذن عليك يا سيد أحمد الإسراع للبحث عن سارة، ونحن سنستغل فارق التوقيت هذا".قاد أحمد سيارته متوجهًا إلى الفندق، فسارة في مثل هذا الوقت يفترض أن تكون نائمة.لكن ما إن دخل الغرفة حتى وجدها خالية تمامًا، ولم يكن فيها أدنى أثر لسارة.حتى آثار جنون الليلة الماضية ما زالت كما هي.هناك شيء غير طبيعي.فبِحَسَب طباع سارة، حتى لو أرادت المغادرة، فلن تترك ثيابها مبعثرة على الأرض هكذا، بل كانت سترتب كل شيء قبل خروجها.لم يتبقَّ سوى احتمال واحد، أنها غادرت على عَجَل.اتصل أحمد برقمها، لكنه كان مغلقًا، ولم يستطع الوصول إليها.كيف اختفت فجأة هكذا؟ ولماذا رقمها الذي قيل إنه دائمًا متاح، أُغلق الآن؟ولكي لا يثير است
عندما وصل أحمد إلى المستشفى كان وجه الطبيب عصمت شاحبًا للغاية.قال أحمد: "يا سيد عصمت، كيف أصبحت حالته؟".هز الطبيب عصمت رأسه وقال: "الوضع غير مطمئن، فقد ذهب إليه جميع الأطباء الأبرز دوليًا، والطلقة أصابته فوق القلب مباشرةً في موضع شديد الخطورة، وإن لم ننزعها فسيظل محافظًا على أنفاسه، أمّا إن نُزعت بطريقة غير دقيقة فسيموت في الحال، وهو الآن في غيبوبة".سأل أحمد: "من الذي هاجمه؟".رد الطبيب عصمت: "لا نعلم بعد، إنقاذ حياة كاظم هو الأولوية القصوى الآن، وقد وصل عمار قبل قليل".قال أحمد ببرود: "في حالة كاظم الآن، قدوم عمار لن يغير شيئًا".قال الطبيب عصمت: "هذا صحيح، ولكن هناك أمر آخر يجب أن تعرفه، هناك شخص واحد آخر في العالم يمكنه إجراء هذه العملية، عليك أن تجده قبل عمار، فإذا أنقذتَ كاظم فسيصبّ ذلك في مصلحتك في الانتخابات بدرجة كبيرة".سأل أحمد: "من هو؟".قال الطبيب عصمت: "إنه جرّاح القلب الأسطوري سمير".عقد أحمد حاجبيه وقال: "لكن ألم يتقاعد منذ سنوات؟ أين سنجده الآن؟".قال الطبيب عصمت: "حتى لو لم نجده، علينا أن نجده خلال يومين فقط، فأنا لا أستطيع تأجيل وضع كاظم أكثر من ذلك، وأنت وعمار في
ما إن انبلج الفجر حتى أخذ هاتف أحمد يهتز بلا توقف.كان يهمّ بالعودة إلى النوم، لكنه ما إن رأى أنّ المتصل هو الطبيب عصمت حتى جلس فورًا.فهذا الرجل لا يتصل إلا عند الضرورة.قال بخفوت وهو ينظر إلى من تستريح بين ذراعيه: "يا سيد عصمت، ما الذي حدث؟".جاءه الصوت من الطرف الآخر: "ذاك الشخص… أُصيب".انطفأ أثر النعاس من عيني أحمد كليًا، وقال: "متى حدث هذا؟ ولماذا لم يصلني أي بلاغ؟".قال الطبيب عصمت: "قبل نصف ساعة، وقد جرى التعتيم على الخبر الآن".قال أحمد: "سأتوجه إلى هناك فورًا".أنهى الاتصال، ثم نظر إلى سارة التي فتحت عينيها نصف فتحة، فقبّل شفتيها بخفة وقال: "يا حبيبتي سارة ، سامحيني، عليّ أن أتعامل مع أمرٍ عاجل".كانت سارة تعرف طبيعة عمله وتقلباته، فأومأت بهمهمة خفيفة ثم استدارت وأكملت نومها.نظر أحمد إلى وجهها الهادئ فضحك بخفوت.لو كان هذا في الماضي، وكانت لديه مهمة فجراً، لما استطاعت سارة أن تغفو ثانية، بل كانت ستنهض فورًا لتودّعه ويمتلئ وجهها بالقلق.خرج أحمد على عجل.وما إن همّت سارة بالغوص مجددًا في الحلم حتى رنّ هاتفها.كان رقمًا مجهولًا، فأجابت قائلة: "مرحبًا؟".وجاءها الصوت: "إنه أنا"
لم تتجه السيارة إلى المنزل، بل توقفت أمام فندق.ما إن صعدت سارة إلى المصعد حتى سألت: "إلى أين تأخذني في مكان كهذا؟".مسح أحمد طرف أنفها بإصبعه وقال: "كنتُ قليل الصحبة لكِ في الماضي، كُنّا زوجين لكننا لم نكن حتى مثل أي حبيبين عاديين، وكل ما لم نفعله آنذاك يا سارة، أريد أن أفعله معكِ الآن".انسكب الضوء المتلألئ من السقف فوق عيني أحمد المفعمتين بالحنان، وسمعت سارة دقّة قلبها بوضوح.كان يبدو مختلفًا قليلًا.وفي اللحظة التالية رأته ينحني نحو أذنها ويتمتم بصوت منخفض: "ألا تظنين أنّ الطابق المئة قد يكون… أكثر إثارة؟".قالت سارة: "....."يا له من رجلٍ وغد.جرّها بلا حياء خارج المصعد.وفور صدور "طن" خافت عند انفتاح الباب، وجدت سارة نفسها تُدفع إلى الداخل.وما إن دخلت حتى تجمّدت أمام المنظر.كان الجناح كلّه مُزيّنًا بالورود، والسجادة مكسوّة بطبقة سميكة من بتلات الورد، ورائحة الورد تملأ المكان.قالت متلعثمة: "أنت…".لكن أحمد دفعها برفق نحو الحمّام قائلًا: "أزيلي هذا الوجه، فكلما قبلتكِ شعرتُ وكأني أخونكِ".لم تستطع سارة أن تمنع ضحكتها، فهذا الرجل دقيق بشكل غريب.أزالت مكياجها واغتسلت سريعًا، ثم و
بدأت سارة تُدرك قليلًا ما كان يشعر به أحمد، فرفيق طفولته الأقرب مات بسببه، وترك له قبل رحيله وصيّة يحمّله فيها مسؤولية رعاية صفاء.وكانت صفاء امرأةً تعرف كيف تُثقل على الآخرين وتلوّح بالمَنّة كلما سنحت لها الفرصة، ومع ذلك فلو وضعت سارة نفسها مكانه لما كانت واثقة بأنها ستتصرف خيرًا منه.فلو لم تكن قد استنزفت صبر أحمد حتى آخر قطرة، فهل كان سيتخلى عنها ويتركها لنفسها؟وحين ذُكر ذلك الاسم، ضحك أحمد بسخرية باردة قائلًا: "حين يخرج هذا الاسم من فمكِ أشعر بالغثيان، فالذي له فضل عليّ هو سالم، وليس أنتِ يا صفاء، وفضله عليكِ أنتِ قد استهلكتِه حتى آخر رمق".وأردف وهو يحدّق مباشرة في عينيها: "منذ اليوم الذي دفعتِ فيه سارة من فوق السفينة، كنتِ تستحقين الموت".ثم أغلق النافذة، وانطلق محمود بالسيارة فورًا.هوت صفاء بكل ما بقي فيها من قوة نحو الأمام، وسقطت على الثلج، ومدّت يدها تستجدي: "أحمد، لا تتركني، أنا أرجوك، أنا أعترف بخطئي، حقًا أعترف".تقدّم توفيق خطوة بعد خطوة حتى وقف خلفها، ثم انحنى رافعًا إياها بين ذراعيه، وهمس في أذنها بنبرة مُنخفضة: "لماذا يا تُرى ألا تتعلمين الدرس أبدًا؟"صرخت: "لا، ابتعد







