Share

الفصل 2

Author: سيد أحمد
في ظُلمة اللّيْل، عادت سارة بمفردها إلى الحمام.

البخار المتصاعد من الماء الساخن أدفئها، ففركت عينيها المتورمتين وسارت إلى غرفة ثم فتحت الباب ليظهر أمامها غرفة الأطفال المُزينّة بدفء.

بدأت تلمس الجرس الصغير برفق، حينها دَوّى صوت صندوق الموسيقي بأرجاء الغُرفة، وكانت الإضاءة في الغرفة خافتة مُصفرّة. فعلى الرغم من أن المشهد كان دافئًا للغاية، إلا أن دموع سارة لم تتوقف عن الانهمار.

ربما هذه هي عقوبتها، لأنها لم تحمِ طفلها جيدًا، لذا قرر القدر أن يسلُبها حياتها.

تسلقت سارة سرير الطفل الذي يبلغ طوله مترًا ونصف، ولفت نفسها كشكل يشبه الجمبري الصغير، كانت دموع عينها اليسرى تتدفق إلى عينها اليمنى ثم تنزل على خدها، مما جعل بطانية الأطفال التي تحتها مبللة.

تمسكت بدُمية بشدة وهمست: "أعتذر يا طفلي، إنها خطيئة أُمك، لم أحمِك بشكلٍ جيد، لا تخف سأتي إليك قريبًا."

بعد موت طفلها، كانت حالتها النفسية دائمًا غير مستقرة، كزهرة جميلة تذبُل بمرور الوقت.

نظرت إلى الظلام اللامُتناهي وفكرت أنه إذا تركت المال لوالدها، فسوف تتمكن من العثور على طفلها.

في صباح اليوم التالي، قبل بزوغ الفجر، كانت سارة قد ارتدت ملابسها ووجهت نظرها إلى شهادة الزواج التي يظهر فيها وجهها المبتسم بوضوح. في غمضة عين مضت ثلاث سنوات فقط.

أعدت فطورًا مُغَذٍّ، وعلى الرغم من أنها لا تستطيع العيش طويلاً، فهي ترغب في العناية بوالدها قدر المستطاع.

حينما أوشكت على الخروج، تلقت مكالمة من المستشفى، "يا سيدة سارة، إن السيد رشيد تعرض فجأة لأزمة قلبية، وتم نقله إلى غرفة الطوارئ."

"سأكون هناك على الفور!"

هرعت سارة إلى المستشفى، ولم تنتهِ العملية الجراحية بعد. كانت تنتظر خارج غرفة العمليات، طاويةً يديها معًا. حيث قد فقدت كل شيء، والأمل الوحيد لها هو أن يبقى والدها بخير.

سلّمتها الممرضة حزمة من الفواتير، "يا سيدة سارة، هذه هي تكاليف علاج الطوارئ والجراحة للسيد رشيد."

نظرت سارة إلى التفاصيل، ووجدت أن التكلفة تصل إلى مئات الآلاف.

تكاليف علاج والدها الشهرية تصل إلى خمسين ألفًا، حيث كانت تعمل ثلاث وظائف لتغطية هذه التكاليف و بالكاد تستريح.

و بعد دفع تكلفة نفقات هذا الشهر إلى المستشفى، لم يتبقِ في بطاقتها سوى خمسة آلاف، فكيف ستغطي تكلفة الجراحة؟

إضطرت سارة إلى الاتصال بأحمد، وكان صوته يملؤه البرود: "أين أنتِ؟ إنتظرتكِ نصف ساعة."

"حدثت مشكلة طارئة هنا ولا أستطيع المغادرة."

"سارة، هل تستمتعين؟" ضحك أحمد ببرود : "كنتُ أتساءل لماذا فجأةً تصرفتِ بشكلٍ مختلف ولفقتِ مثل هذه الأكاذيب الواهنة، هل تظنينني غبيًا؟"

لقد ظن هذا الرجل أنها كانت تكذب بالفعل، وأوضحت سارة قائلة: ” لم أكذب عليك، في الماضي كنت أنا التي لم ترغب في ذلك، ظنًا مني أن لديك نوايا مريرة حتى تعاملني بهذه الطريقة، لكنني أرى الآن بوضوح، إن عقد الزواج هذا لم يكن ضروريًا منذ فترة طويلة، لقد طلقتك طواعية، فلم آتِ بسبب تعرُض أبي لنوبةٍ قلبية مما لزم إجراء عملية جراحية ......“

"هل مات؟" سأل أحمد، وشعرت سارة بشيءٍ غريب، كيف لأحد التحدُث بهذا الأسلوب؟

"لا بل إنه في مرحلة الطوارئ. يا أحمد، إن تكلفة الجراحة تتجاوز العشرة ملايين، هل يمكنك أن تعطيني المال الآن؟ أعدك أنني سأوقع على وثيقة الطلاق."

رد عليها ساخرًا : "يا سارة، يجب أن تعرفي أنني أكثر مَن يتمنى موت والدكِ، المال يمكنني تقديمه ولكن فقط بعد توقيع الحصول على شهادة الطلاق."

سمعت سارة إشارة إنشغال الهاتف حتى أصبحت في حالة من عدم التصديق الكامل، فهي تتذكر عندما كانت تواعد أحمد، كان يحترم والدها، لكن مشاعر الكراهية التي سمعها في المكالمة الأخيرة لم تكن تحتوي على أي جزء من المزاح. هل يريد وفاة والدها؟ لماذا؟

تذكرت حادثة إفلاس عائلة سارة قبل عامين، وبدأت الأمور تتضح.

كيف يمكن أن تكون هذه مصادفة؟

ربما كان إفلاس العائلة بسببه، ولكن ما الذي فعلته عائلة سارة له حتى تستحق ذلك؟

لم يكن لديها الوقت للتفكير كثيرًا، فكان الأمر العاجل هو جمع مبلغ الجراحة والذي يُقدر بمئات الملايين. فُتحت غرفة العمليات، وهرعت إلى الطبيب حسن، "كيف حال والدي؟"

"يا سيدة سارة، لا داعي للقلق، إن السيد رشيد نجا بفضل الله، ولكن حالته النفسية ضعيفة جدًا، لذا يجب ألا يتعرض لأي ضغوط أو صدمات."

"فهمت. شكراً لك أيُها الطبيب حسن."

والدها لا يزال في حالة غيبوبة. فسألت سارة المُمرضة، "كيف حدثت أزمة قلبية مُفجأة لوالدي وهو في حالةٍ جيدة؟"

أجابت المُمرضة بسرعة: "كان السيد رشيد في حالةٍ مزاجيةٍ جيدة مؤخرًا، وقال إنه يريد تناول بعضًا من زلابيا الجمبري، فقررت الذهاب لشراء الطعام من مطعم الحرير وعندما عدت، كان قد تم نقله إلى غرفة الطوارئ، يا سيدة سارة، الأمر كله خطأي!"

"قبل أن ترحلي، هل التقى والدي بأي شخص؟"

"لم يكن هناك أي شخص قبل مغادرتي، كان السيد رشيد في حالةٍ طبيعية، فقد أخبرني بالفعل أنكِ تُحبين كعكة الجزر المُقدمة من مطعم الحرير، لذا طلب مني شراء واحدةً لكِ، لم أكن أتوقع حدوث مثل هذا."

شعرت سارة أن الأمر ليس بهذه البساطة، فأمرت المُمرضة بالعناية الجيدة بوالدها، ثم أسرعت إلى محطة الممرضين للاستفسار عن سجل الزيارات.

"يا سيدة سارة، لم يكن هناك أي زيارات للسيد رشيد هذا الصباح." أجابت الممرضة.

"شكرًا لك."

"بالمناسبة يا سيدة سارة، هل تم تسوية تكاليف السيد رشيد؟"

حاولت سارة إخفاء إحراجها، "سأقوم بالدفع الآن، عُذرًا على التأخير."

خرجت من محطة الممرضين واستأجرت سيارة اُجرة متوجهةً إلى مكتب السجل المدني ، ولكن لم يكن هناك أي أثر لأحمد.

اتصلت سارة بشكلٍ عاجل بأحمد، "أنا في مكتب السجل المدني، أين أنت؟"

"في الشركة."

"أحمد، هلّا يمكنك الحضور الآن لتسوية إجراءات الطلاق؟"

ضحك أحمد ببرود: "أيًا تظُنين هو الأهم؟ العقد الذي سأوقعه بقيمة مئات الملايين أم أنتِ؟"

"يمكنني الانتظار حتى تنتهي من توقيع العقد، أتوسل إليك يا أحمد، إن والدي يحتاج إلى لمال بشكلٍ عاجل."

"إذا مات، سأدفع تكاليف جنازته."

قال هذا ثم أغلق الهاتف، وعندما حاولت الاتصال به مرةً أخرى، كان الهاتف مغلقًا.

كانت الأمطار تتساقط بغزارة كشبكة كبيرة تحاصر سارة حتى صعُب عليها التنفس.

جلست تحت محطة الحافلات تتأمل الشارع المزدحم، وشعرت بالندم. لو لم تكن قد توقفت عن الدراسة بسبب الحمل لكانت قد حصلت على شهادتها الجامعية الآن، وبمؤهلاتها وتعليمها لكان مُستقبلها مُشرقًا.

لم يكن أحد يتوقع أن تفلس عائلة سارة فجأة، وأن أحمد الذي كان يعاملها ككنز ثمين سيغير رأيه فجأة، وأنها ستخسر كل شيء في ليلةٍ واحدة.

قبل عام، أخذ أحمد كل مجوهراتها وحقائبها الثمينة، وكان الشيء الثمين الوحيد الذي تمتلكه هو خاتم زواجها، فخلعته وعزمت على دخول متجر مجوهرات فاخر.

راقبها البائع، وهي ترتدي ملابس بسيطة ومبللة، وقال: "يا سيدتي، هل لديكِ فاتورة أو إثبات شراء؟"

"نعم." تظاهرت سارة بعدم رؤية نظرات البائع، ووضعت الفاتورة في يده بقلق.

"حسنًا يا سيدتي، نحتاج إلى إرسال الخاتم للتقييم، هل يمكننا إخباركِ بالنتيجة غدًا؟"

أجابت سارة بشفاه جافة، "أنا بحاجة ماسة إلى المال، هل يمكن أن يتم التعامل مع الأمر بشكلٍ عاجل؟"

"حسنًا، سأبذل قصارى جهدي، انتظري قليلاً يا سيدتي…"

وقبل أن يأخذ البائع الخاتم، حينها أمسكت يد ناعمة وباهتة الغطاء، "هذا الخاتم جميل، سأشتريه."

رفعت سارة رأسها ونظرت مُشمئزة : صفاء!
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Comments (20)
goodnovel comment avatar
Hussein Al_Mandalawi
السلام عليكم
goodnovel comment avatar
Kahlid Bob
جميله ...️ ...
goodnovel comment avatar
yosaf ApdQall
عاملين ايه
VIEW ALL COMMENTS

Latest chapter

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 834

    في تلك الليلة لم يغمض لسارة جفن تقريبًا، ظلت طوال الوقت في حالة قلق وتوجس.كانت تخشى أن يقتحم حسني الباب في أية لحظة، وفي الوقت ذاته يساورها القلق بشأن حاله وما قد يكون قد أصابه.بينما كانت السفينة بأكملها غارقة في أجواء الصخب والمرح، لم يكن هناك سوى سارة وحدها تحرس تلك البقعة الصغيرة من السكينة.جلست على الأرض، عانقت ركبتيها بيديها، وراحت تحدّق في القمر البارد المعلّق خارج النافذة، ولم يبق لها في هذه الدنيا سوى ضوءه رفيقًا.كان قلبها مضطربًا، تعود بها الذكريات إلى كل ما مرّت به طوال الطريق، لتكتشف أن حياتها لم تكن سوى عبثٍ وسخريةٍ قاسية.تساءلت في أعماقها ما الذنب الذي اقترفته لتُحرَم من طفلها، وتعيش كل يوم في مطاردةٍ وهروبٍ لا يجرؤ صاحبه على الظهور في النور؟حتى أنها فكرت، لو أن هذا الباب دُفع في هذه اللحظة، ماذا يمكنها أن تفعل؟والجواب كان واضحًا، لا شيء.الفارق بين قوتها وقوته شاسع كالسماء والأرض، وإن أراد أن يغتصبها فلن يكون أمامها سوى الخضوع.ومن أجل طفلها لم يكن مسموحًا لها أن تفكر في الموت، بل عليها أن تنقش هذه الليلة المذلة في أعماق روحها إلى الأبد.الهرب لم يكن خيارًا ممكنًا.

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 833

    كان وعي أحمد ينهار مرة بعد مرة على حافة الانفجار، عيناه قد احمرّتا بالدم، ورغم ذلك قاوم آلام جسده وقال بصوت متحشرج: "لا حاجة".قال الطبيب بجدية: "سيدي، تحت تأثير الدواء ستبقى في هذه الحالة، وإن لم تجد متنفسًا فقد يتفاقم الأمر، نصيحتي أن تجد امرأة، فهذا الحلّ مباشر وآمن بلا آثار جانبية".حدّق أحمد فيه بعينين داميتين، حتى شفتاه الرقيقتان قد انفتحتا من شدّة العضّ حتى سال الدم، ثم أجاب بصوت منخفض أجشّ: "قلتُ لا داعي! أعطني الدواء".تنهد الطبيب بمرارة، وكأنه يواجه ثورًا عنيدًا.ثم قال: "حسنًا، لكنني لا أتحمل مسؤولية أي مضاعفات، وحالتك لن تكفيها حقنة واحدة، بل تحتاج إلى اثنتين".ضغط أحمد على أسنانه وقال: "أعطِها لي".حين اخترقت الإبرة جلده ببطء، أغلق أحمد عينيه بإحكام، ولم يسيطر على فكرة واحدة تتردد في ذهنه.لقد كاد يؤذيها مجددًا.في غرفة أخرى مهيّأة بأجواء خادعة، تحيطها المرايا من كل جانب لتكشف الجسد من كل زاوية.كانت امرأة تتمدد فوق السرير، إنها رغدة التي حاولت إغواء أحمد وفشلت.ظنّت أنها اصطادت سمكة كبيرة، لكنها لم تدرك أنها وقعت في شِباك حوت قاتل، وحش لا يرى في الشيطان سوى لعبة.قبل قليل

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 832

    لم تستطع سارة أن ترى ملامح وجهه، لكنها شعرت بجسده وهو يتألم بشدّة، فسألته بخوف: "إذًا أنت..."أجابها بصوت مبحوح: "سأتدبّر أمري بنفسي."وقد وصلت الأمور إلى هذا الحد، فبقاؤها أكثر من ذلك معناه أنها تُعطيه الفرصة بيدها.انزلقت سارة بخفة إلى غرفتها، وأسرعت تغلق الباب بالمفتاح، ولم تكتفِ بذلك، بل حركت الطاولة والكراسي لتسندها إلى الباب خشية أن ينفلت منه زمام نفسه.بعد أن أنهت ما فعلت، جلست على الأرض تتنفس بصعوبة من شدّة الإرهاق.مدّت أصابعها تتحسس الموضع الذي قبّلها فيه منذ قليل، وفي الحقيقة، كانت قد استغرقت في ذهولها آنذاك حتى إنها لم تشعر بالكثير.إنها المرة الأولى في حياتها التي تُقبَّل فيها من رجل آخر، والإحساس غريب ومُربك.الأغرب من ذلك أنها حين لامست يداه جسدها لم ترتجف كثيرًا، بل بدا وكأن جسدها قد اعتاد على لمسته منذ زمن بعيد.ومضت في ذهنها صور قديمة تجمعها بأحمد، فانتفضت بسرعة، وغسلت وجهها بماء بارد، ثم شربت كوبًا كبيرًا من الماء لتطفئ النار المشتعلة في صدرها.تمتمت في سرّها فلنترك له الليلة... عسى أن يجد خلاصه.تمدّدت بجوار طفلتها، وقلبها يخفق بقوة كما لو أنها سارقة تتوجّس من انكشا

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 831

    ذلك الرجل الشامخ بدا في تلك اللحظة متشبّثًا بها برقةٍ وضعفٍ، فارتجف جسد سارة ارتجافًا خفيفًا، وقد أدركت كم تفوقها قوّته بدرجاتٍ شاسعة.في مثل هذا الوضع كانت تعلم جيدًا أن إثارة غضبه أكثر من اللازم سيجعل رغبته في السيطرة أعنف، وعندها لن يكون هناك سبيل للرجوع.أخذت نفسًا عميقًا، واستغلت بقايا عقله التي لم تزل صامدة، وبدأت تكلّمه بهدوء محاولة إقناعه: "يا حسني، أي أمر آخر يمكنني أن أساعدك فيه، إلا هذا الأمر فأنا لا أستطيع."قال بنبرة مضطربة: "لا تستطيعين؟ هل ما زال قلبك معلّقًا بذلك الرجل؟"كان أحمد قد بلغ حدود انهيار عقله، ومع ذلك كان يتجلّد قهرًا لرغبات جسده، محاولًا أن يستغل هذه اللحظة ليعرف حقيقة ما يختبئ في أعماق قلبها.فهي إن رفضت أن يلمسها أحد، فهل هذا يعني أنها ما زالت تحبّه هو؟قطّبت سارة حاجبيها وقالت بصرامة: "لا، لقد تطلّقنا، وصرت حرة في نفسي، ولا شأن له بي بعد الآن."لمع في عيني أحمد بريق خافت من الخيبة، وقال: "إن كان الأمر كذلك، فلماذا لا أكون أنا؟ يا سيدتي، يمكنني أن أتحمل مسؤوليتكِ، وأن أرعى ابنتكِ كأنها ابنتي، وأعدكِ أنني لن أخذلكِ أبدًا."توقف قليلًا ثم أضاف: "حتى إن لم تر

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 830

    كانت تلك المرأة الملعونة قد خشيت أن يرفض الانصياع، فزادت من جرعة الدواء، ظن أحمد أنه لو صبر قليلًا لانتهى مفعوله.لكن العكس هو ما حدث، إذ أخذ أثر الدواء يتضاعف بسرعة أكبر، والإحساس يشتد بقوة، حتى شعر أن عقله يطفو، وجسده يحلّق وكأنه عالق فوق الغيوم.أنفاسه الحارة انسابت قرب أذن سارة، فجعلتها ترتجف باضطراب.قالت وهي تحاول المقاومة: "لا، هذا لا يجوز، أنا..."لكنها لم تكمل، فقد باغتها الرجل، والتصقت شفتاه بشفتيها بلا أي إنذار.دوم دوم دوم.خفق قلبها بعنف، وصداه يتردد في صدرها.صحيح أنها لم تُحب إلا أحمد، ورغم أنهما مطلّقان الآن وهي امرأة حرة، لا يقيّدها شيء.إلا أنها لم تفكر يومًا أن تربطها علاقة برجل آخر.كان ذلك القبلة المفاجئة كالصاعقة، أغضبتها وأذهلتها، وبعد لحظة من الصدمة بدأت تفيق وتقاومه.قالت باضطراب وهي تحاول التملص: "يا حسني، أفق قليلًا، أنا..."لكن جسده كان أشبه بفرن مشتعل، يطوّقها تمامًا، مانعًا إياها من الإفلات.تمتم بصوت خافت مبحوح: "فات الأوان."ثم أضاف قرب أذنها: "لم أعد أستطيع التوقف... سامحيني."منذ البداية، حين لم تكن سارة قريبة، كان قادرًا على كبح نفسه.لكن وصول الأمور

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 829

    استغل أحمد فارق طوله، فمدّ يده ليغطي زر الإضاءة ويمنع سارة من تشغيله.لم يكن يريد لها أن ترى حالته المرهقة في تلك اللحظة.قال بصوت منخفض: "يا سيدتي، لا تقلقي، أنا بخير فعلًا، اذهبي ورافقي ابنتكِ مارية."لكن كلما ازداد تستره، ازداد قلق سارة، فأيقنت أن إصابة ما لحقت به، وأنه يخفي الأمر كي لا يقلقها.ومع أنه كان يحول بينها وبين تشغيل الضوء، إلا أنها في لحظة توتر مدّت يدها تتحسس جسده.كان أحمد يزداد كبتًا وضيقًا حتى كاد يجن، فخفض صوته قائلًا: "لا تلمسيني."قالت بحدة: "إذن قل لي ما الذي حدث لك بالضبط؟"أجابها باقتضاب: "لا شيء."لكن سارة لم تصدقه، فقد كان يتصبب عرقًا، ولا بد أن إصابته خطيرة، وإلا لما سال منه العرق بهذا الشكل من شدة الألم.لكن أين موضع الجرح؟راحت تتحسس بعشوائية، فلم يصبر هو أكثر، وفجأة أمسك بها بعكس حركتها وضغطها على السرير الفردي المجاور.سقطا معًا، وشعرت سارة فورًا أن السبب ربما أنه فقد الكثير من الدم ولم يعد قادرًا على الوقوف بثبات، ولم يخطر ببالها اتجاه آخر مطلقًا.قالت بلهفة: "يا حسني، أين أصبتَ؟ قل لي بسرعة."انسكب صوتها القلق قرب أذنه، يثير بداخله قشعريرة خفيفة.ظل أح

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status