Share

الفصل 647

Author: سيد أحمد
قبل أن ترى السيدة ناريمان، كانت سارة تتخيلها في قلبها كشيطانة مجنونة، لكن حين التقت بها وجهاً لوجه، اكتشفت أنها كانت مخطئة.

لم تكن سوى إنسانة مسكينة لم تنل الحب طوال حياتها.

قالت لها سارة بلطف: "أنتِ لستِ حمقاء، إنما أنتِ عنيدة أكثر من اللازم".

ورغم أن سارة قد فقدت ذاكرتها، فإنها استطاعت أن تتعاطف مع السيدة ناريمان، وكأنها هي نفسها قد فعلت مثل ذلك في ماضيها.

ابتسمت السيدة ناريمان بأسى وقالت: "المعنى واحد، أنا في الماضي لم أكن أهلاً لأن أُسمى أماً، حتى بلغت هذا العمر وبدأت أفهم بعض الأمور، أما أنتِ فأكثر حظاً مني، لأنكِ نلتِ حبَّه كاملاً بلا نقصان، ولهذا السوار فأنتِ الأجدر بارتدائه".

فتحت سارة عينيها بدهشة وقالت: "إذن أنتِ لا تعارضين علاقتنا؟"

أجابت بهدوء: "ولماذا أعترض؟ أنتما متناسبان جداً، لكن مع ذلك لدي ما أود أن أذكركِ به، أحمد هذا الشاب وإن كان متميزاً، فقد نشأ في عائلة مثل عائلتنا، وهذا جعله يحمل عيوباً خطيرة في شخصيته، ربما لا يلحظها الغرباء، لكن من يقترب منه سيراها بوضوح".

تنهّدت ثم تابعت: "ذلك الطفل يفتقر إلى القدرة على الحب، أما أنتِ فمختلفة، سمعت أنكِ نشأتِ في عائلة يغمرها ا
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Locked Chapter

Latest chapter

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 652

    حين رأى سارة وأحمد أن كليهما لا يُبديان رغبة في إنجاب الأطفال، شعر بالعجلة في داخله، غير أنّه أدرك أنّ هذه أمور لا يمكن فرضها بالقوة، فإن لم يكن لدى صاحبيها رغبة حقيقية فلن يجدي الضغط نفعًا.فاختار أن يُغيّر الموضوع بطريقة حكيمة.قال مبتسمًا: "حسنًا، لا تُنجبان إن لم تريدا ذلك، لكن إذا حسبنا الوقت فموعد ميلادي قد اقترب، ومنذ رحيل جدتكم لم أحتفل بعيد ميلادي قط، وهذا العام أنتم جميعًا هنا، فليكن احتفالًا بهيجًا، وستتكفل سارة بتنظيمه هذه المرة."تسارعت أنفاس سارة وهزّت رأسها بسرعة وقالت معتذرة: "هذا لا يصح أبدًا، فالسيدة ناريمان موجودة، ولا يجوز أن أضع نفسي مكانها وأتجاوز دورها بصفتها صاحبة الدار، ثم إنني وافدة جديدة ولا أفهم الكثير في هذه الأمور، ولن أُحسن القيام بها."كان الجد وجدي يرغب في إقامة احتفال كبير بعيد ميلاده، ولم يكن الأمر مجرد دعوة لعشاء عائلي بسيط، بل يتطلب التحضير من دعوة الضيوف إلى ترتيب كل التفاصيل الدقيقة، وهذا ما يجعله أمرًا بالغ الصعوبة. فعائلة أحمد عائلة مرموقة وكبيرة، وأي خلل ولو بسيط قد يُثير سخرية الناس.قطّب أحمد حاجبيه وقال: "جدي، هل من الضروري إقامة حفل عيد ال

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 651

    لو استطاع أحمد أن يعرف من كلام الجد أي خبر عن مصير السيدة شادية لكان ذلك أفضل ما يكون، إذ سيوفر عليه عناء البحث هنا وهناك كما لو أنه يبحث عن إبرة في كومة قش.انتفخ أوداج الجد وحدّق بعينيه وهو ينفخ لحيته قائلًا: "من هي السيدة شادية التي تتحدث عنها؟ أنا لا أعرف إلا جدتكَ تلك السيدة العظيمة، إياك أن تفترِ عليّ يا هذا، لو سمعتني أتكلم عن فتاة أخرى، لقامت الليلة من نعشها لتصفّي الحساب معي."قال أحمد: "جدي، أنا لا أمزح معك، لقد أمسكتَ للتو بيد سارة وصرختَ شادية، ها تلك السيدة شادية."أطلق الجد شخيرًا ساخرًا وقال: "أما زلتَ كلما كبرتَ رجعتَ إلى الوراء؟ وتصدّق كلام رجل كبير مختل الذهن! إن قلتُ لك إني رأيتُ البطل ألترامان الخارق، هل ستصدق ذلك أيضًا؟"ساد صمت قصير جعل أحمد يبتلع أنفاسه.كان الجد في شيخوخته أكثر مرحًا بكثير مما كان عليه في شبابه، يتحدث ويفعل الأمور وكأنه عجوز مُتصابي، حتى أن أحمد وجد صعوبة في مجاراته.سرعان ما ملّ الجد من مجادلة حفيده، فمدّ يده وأمسك بكف سارة.ثم قال: "سبق أن قلتُ لكما أن تعودا إلى هنا، فما الذي يعجبكما في مدينة الشمال؟ انظري إلى جبالنا وهوائنا وبحرنا، هنا الزهور

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 650

    سارعت سارة إلى التوضيح قائلة: "الجد وجدي، أرجوكَ أن تُفيق، أنا سارة، لستُ تلك الفتاة التي تتوهمها."حدّق بها الجد وجدي طويلاً، ثم شدّ على معصمها بقوة أكبر.ثم قال بلهجة قاطعة: "مستحيل، أنتِ بالضبط هي، أنتِ شادية، لا تحاولي خداعي، أيّ سارة!"سارة لم تعرف كيف ترد، شعرت بالذهول، وقالت في سرّها: ما خطب هذه العائلة؟ من الصغير إلى الكبير وكأنّ عقولهم جميعًا ليست على ما يرام!وفي اللحظة التي لم تكن تعرف فيها ما عليها فعله، ظهر أحمد بخطوات سريعة، ومدّ يده ليبعد أصابع الجد عن يدها قائلًا: "جدي، هذه زوجتي، لقد اختلطت عليك الأمور مجددًا."لكن الجد وجدي صاح بغضب: "أيّ هراء هذا؟ كيف تكون هي زوجتك؟ ثم من سمح لك أن تناديني بالجد؟ ليس لي ابن أصلًا، فكيف يكون لي حفيد؟"نظر أحمد إلى جده بعينين يملؤهما الأسى، فمنذ صغره كان الجد قاسيًا في تربيته، لكنّه كان يمنحه الحب الكافي أيضًا. والآن وهو يرى الرجل الذي كان يومًا سيّدًا صارمًا في عالم التجارة، يتحوّل إلى شخص لا يتعرّف حتى على أقرب الناس إليه، شعر أحمد بألمٍ عميق في صدره.مدّ الجد وجدي يده من جديد نحو سارة قائلاً بلهفة: "أخيرًا وجدتكِ يا شادية."ارتبكت

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 649

    حلّ فجر يومٍ جديد، واستيقظت سارة على أصوات العصافير خارج النافذة.كانت أشعة الشمس الدافئة تنسكب فوق السرير الكبير الناعم، ففركت عينيها قليلًا، لتقع أنظارها على بضع عصافير ملوّنة تقف فوق أعمدة الشرفة الحجرية.بعضها يغرّد، وبعضها الآخر ينشغل بترتيب ريشه، وحين ينعكس المشهد مع زرقة السماء وصفاء الغيوم البعيدة، بدا العالم كله وكأنه مغمورٌ بلطفٍ وهدوء.رمشت سارة بعينيها مرات متتالية، وبقيت في حالة شرودٍ لبضع ثوانٍ قبل أن تدرك أنها قد وصلت بالفعل إلى بلدٍ آخر. كان مناخ هذا المكان معتدلًا، رطبًا على مدار العام، وغنيًّا بالنباتات الكثيفة، على خلاف مدينة الشمال التي يغلب عليها الجفاف والبرودة في معظم الأوقات. أعجبها هذا الجو كثيرًا، وحين نزلت من السرير وذهبت لتغسل وجهها.راودها شعور غريب كلما وقفت أمام هذه الفيلا الفخمة؛ وكأنها أميرة تعيش داخل قلعة، فالثراء الذي تنعم به عائلة أحمد بدا وكأنه لا حدود له.ما إن فتحت باب غرفتها لتخرج، حتى وجدت صفوفًا من الوجوه الباسمة تستقبلها بصوت واحد: "صباح الخير يا سيدة سارة."ارتبكت سارة قليلًا، إذ فاجأها ذلك الصوت العالي المتناغم، ولما رفعت بصرها رأت عاملاتٍ

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 648

    لقاء سارة بحماتها جرى بسلاسة لم تكن تتوقعها، وبعد أن ودّعت السيدة ناريمان، ظلّت سارة تحدّق طويلاً في ذاك السوار الجميل، الذي بدا أكثر أناقة وجمالاً بعد أن مرّت عليه السنوات وصقلته الأيام.لم ترتده في معصمها، بل كانت تتأمله بدقّة، وفي أعماقها إحساسٌ غامض يهمس لها أن هذا الشيء لا ينبغي أن يكون ملكاً لها.قال أحمد بصوته المفاجئ خلفها: "هل أعجبكِ؟" فقفز قلبها من الخوف، إذ كانت مستغرقة في النظر إليه حتى إنها لم تشعر بوجوده.أجابت بهدوء: "نعم، إنه جميل."مدّ أحمد يده وأخذ السوار قائلاً بلطف: "دعيني أضعه لكِ."لكن سارة ابتعدت بعفوية: "لنرتديه في وقت آخر، مثل هذه الأشياء النفيسة لا تُلبس إلا في المناسبات المهمة، أما في حياتي اليومية فلست معتادة على ارتداء المجوهرات، كما أنها ليست عملية بالنسبة لي."توقف أحمد لحظة، ثم أخفى ما يدور في قلبه ولم يعلّق على حقيقتها.ابتسم بخفة: "حسناً، كما تشائين."ورغم أنهما يعيشان معاً صباحًا ومساءً، إلا أنّ سارة ما زالت لا تحمل له سوى قدرٍ من المودّة، لا يصل إلى الحب.بل إن أحمد كان يشعر أحياناً وكأنها تتعمّد التهرّب منه.لكنه فكّر أن أمامهما الكثير من الوقت، وأن

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 647

    قبل أن ترى السيدة ناريمان، كانت سارة تتخيلها في قلبها كشيطانة مجنونة، لكن حين التقت بها وجهاً لوجه، اكتشفت أنها كانت مخطئة.لم تكن سوى إنسانة مسكينة لم تنل الحب طوال حياتها.قالت لها سارة بلطف: "أنتِ لستِ حمقاء، إنما أنتِ عنيدة أكثر من اللازم".ورغم أن سارة قد فقدت ذاكرتها، فإنها استطاعت أن تتعاطف مع السيدة ناريمان، وكأنها هي نفسها قد فعلت مثل ذلك في ماضيها.ابتسمت السيدة ناريمان بأسى وقالت: "المعنى واحد، أنا في الماضي لم أكن أهلاً لأن أُسمى أماً، حتى بلغت هذا العمر وبدأت أفهم بعض الأمور، أما أنتِ فأكثر حظاً مني، لأنكِ نلتِ حبَّه كاملاً بلا نقصان، ولهذا السوار فأنتِ الأجدر بارتدائه".فتحت سارة عينيها بدهشة وقالت: "إذن أنتِ لا تعارضين علاقتنا؟"أجابت بهدوء: "ولماذا أعترض؟ أنتما متناسبان جداً، لكن مع ذلك لدي ما أود أن أذكركِ به، أحمد هذا الشاب وإن كان متميزاً، فقد نشأ في عائلة مثل عائلتنا، وهذا جعله يحمل عيوباً خطيرة في شخصيته، ربما لا يلحظها الغرباء، لكن من يقترب منه سيراها بوضوح".تنهّدت ثم تابعت: "ذلك الطفل يفتقر إلى القدرة على الحب، أما أنتِ فمختلفة، سمعت أنكِ نشأتِ في عائلة يغمرها ا

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status