Share

الفصل 5

Author: ياسمين البحار
غادر سامي المالكي وهو يسحب منال العدناني.

وقفت خارج الباب مسنودةً على الحائط، بالكاد أستطيع التنفس.

رنّ الهاتف بصوت تنبيه رسالة نصية، كانت منال العدناني هي من أرسلتها.

"لقد فزت."

"انتظري وشاهدي، سأنتزع منك كل شيء، قطعةً فقطعة."

ألقيت نظرة، ثم أغلقت الهاتف، واستدرت ودخلت المنزل القديم.

تم إفراغ جميع الأثاث القديم، وكانت الأرض متعرجة ومليئة بالحفر، وفي زاوية الشرفة وضعت عدة دلاء من طلاء الجدران غير المفتوح، وكان لونها وردياً تفضله منال العدناني.

كانت الغرفة فارغة تماماً، ولم يترك فيها أي شيء.

الشرفة العائمة في غرفة نومي المفضلة حطمت بالكامل، ومفرش المائدة ذو الزهور الذي أحبه رمي في كومة القمامة، والستائر التي اخترتها أنا وسامي المالكي بعناية كانت مكدسة وحيدة في سلة المهملات بالأسفل.

لا أحد يهتم بها.

درت في الغرفة مراراً وتكراراً، وأخيراً استوعبت الواقع.

ألقيت نظرة أخيرة على هذا المنزل الذي كان لي يوماً ما، ثم غادرت دون أن أنظر إلى الخلف.

عدت إلى الفيلا، وبينما كنت أنظر إلى الأثاث فيها، تذكرت ما قالته منال العدناني ذات مرة.

اتصلت بشركة التدوير الفني بأقصى سرعة، وأفرغت جميع الأثاث الذي ذكرته منال العدناني واحداً تلو الآخر.

في آخر أيام حياتي، لا أريد أن أتأثر بأي شيء بعد الآن.

بعد أن غادرت شركة التدوير الفني، كان الوقت قد أصبح متأخراً من الليل.

كنت أتعرق بغزارة وأنا مستلقية على السجادة، وشعرت براحة لم يسبق لها مثيل.

أصبح التقويم على الحائط أرق يوماً بعد يوم، وأصبحت حالتي النفسية أكثر هدوء.

مع تزايد جرعات المسكنات التي أتناولها، أصبحت أقضي أياماً أقل في وعيي الكامل.

ولكن فجأة في أحد الأيام، تحسنت حالتي المعنوية.

اتصلت بساعي البريد، وسلمته مظروفين.

أحد المظروفين كان مرسلاً إلى سارة، ويحتوي على بعض وصاياي، وقائمة بالممتلكات المسجلة باسمي.

والمظروف الآخر كان مرسلاً إلى سامي المالكي، وهو عبارة عن اتفاقية طلاق كنت قد وقعت عليها مسبقاً.

حتى لو مت، سأقطع كل علاقاتي به.

لم يرغب أي منا في رؤية الآخر، لذلك لم تكن هناك حاجة للقاء وجهاً لوجه.

علاوة على ذلك، كنت أعلم أنه سيوقع حتماً.

بعد الانتهاء من كل هذا، جلست في الفناء أستمتع بأشعة الشمس.

كان الطقس جميلاً، وتحسنت حالتي المزاجية كثيراً.

نظرت إلى وجهي الشاحب، وقررت أن أضع بعض أحمر الشفاه.

أثناء بحثي عن أحمر الشفاه في غرفة النوم، عثرت بالصدفة على دفتر مذكراتي القديم.

كان منسياً في عمق الدرج، وقد تغطى بطبقة من الغبار.

فتحت دفتر المذكرات، وكان مسجلاً فيه قصة حبي أنا وسامي المالكي.

من بداية المشاعر المتبادلة، ثم اعترافه الخجول، وبعدها سنوات الجامعة السعيدة، ثم تأسيس العمل وإنشاء الشركة، وتوسيعها وتطويرها...

في كل صفحة، كتبت الكثير من الكلمات، كنت أقرأها بتأنٍ، ولم أستطع منع ابتسامة من الظهور على شفتي.

ولكن كلما تقدمت في الصفحات، قلت الكلمات، حتى لم يبق في النهاية سوى جملة واحدة – "لن يعود اليوم أيضاً".

ألقيت نظرة على التاريخ، لقد كان ذلك منذ عدة سنوات.

ومنذ ذلك اليوم لم أعد أحتفظ بعادة التدوين، ونسيت معها دفتر المذكرات هذا.

جلست أمام المكتب، ترددت لثوان، ثم أمسكت بالقلم مجددًا.

عندما انتهيت من الكتابة، كان المساء قد حل بالفعل.

بدأت بطني تؤلمني مرة أخرى بشكل خفيف، فتناولت بمهارة بضع حبات من مسكن الألم.

تمددت على السجادة، وبدا أن مفعول الدواء قد بدأ، خف الألم تدريجيًا، وشعرت بجسدي يصبح أخف أيضًا.

في غفلة، رأيت سامي المالكي في الثامنة عشرة من عمره يركض نحوي.

كان الثلج يتساقط بغزارة، أنفه محمر من البرد، لكنه كان يبتسم دائمًا.

مد يده نحوي، وعيناه تلمعان.

نظرت إليه، ووضعت يدي في كفه، ثم ركضت معه نحو عمق الثلج.
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • قمر في حطام العمر   الفصل 19

    في لمح البصر، حلّت ذكرى زواجهما مجددًا.عاد سامي المالكي ومعه الكعكة التي حجزها مسبقًا إلى المنزل، لكنه وجد المنزل خاليًا.بحث في كل أنحاء المنزل لكنه لم يجد أثرًا لليلى الأحمدي.اجتاحته مجددًا وحشة الفقد، واستعد سامي المالكي للاتصال بالشرطة في حيرة، لكن صوت تحطم الأطباق جاء من المطبخ.هرع سامي المالكي إلى المطبخ، ليرى ليلى الأحمدي وعيناها حمراوان متورمتان."زوجي، لقد أصبت بالسرطان."قبل أن يفتح سامي المالكي فمه، غرق المحيط بالظلام، وظهرت ليلى الأحمدي مجددًا من اتجاه آخر.وهذه المرة، كانت نحيلة جدًا.نظرت إليه وعيناها مليئتان بالبرود: "سامي المالكي، هل من الممتع أن تخدع نفسك هكذا؟"رنّ في رأس سامي المالكي صوت طنين.في اللحظة التالية، نظرت إليه وذرفت الدموع."سامي المالكي، آسفة، لن أسامحك هذه المرة.""لأنني، لم أعد أحبك حقًا."غاصت الأرض بسرعة، ومد سامي المالكي يده بيأس محاولًا الإمساك بها، لكنه شاهدها تبتعد عنه شيئًا فشيئًا وعيناه مفتوحتان على مصراعيهما.أحاط به خوف الفقد، كافح بيأس، ثم فتح عينيه مجددًا.وهذه المرة، لم يتبق حوله سوى السماء وشاهد القبر والغابة.اتضح أن كل ما حدث للتو كا

  • قمر في حطام العمر   الفصل 18

    ظل هو على هذا الحال حتى المساء.لأنه لم يرغب في العودة إلى ذلك المنزل الفارغ بدون ليلى الأحمدي، تجنب سامي المالكي تفتيش الموظفين.حتى حلول الليل، عاد هو مرة أخرى إلى شاهد القبر.مقبرة منتصف الليل تهب عليها رياح المساء العليلة، وكل مكان يفوح منه شعور بارد ومخيف.لكن سامي المالكي لم يشعر بالخوف إطلاقًا.لأن هنا دفن الشخص الذي يشغل تفكيره ليل نهار.استلقى بجانب شاهد القبر، يمسح برفق على شاهد القبر البارد.شعر هو براحة بال لم يشعر بها من قبل.مع هبوب نسمات المساء، غرق سامي المالكي في نوم عميق.عندما فتح عينيه مرة أخرى، وجد سامي المالكي نفسه مستلقيًا على السرير.أشعة الشمس الدافئة تنساب إلى داخل الغرفة، وجميع الأثاث المحيط يذكره بأن هذا هو منزله.متى عاد هو؟كان يتذكر بوضوح أنه بقي في المقبرة...جاء صوت خطوات من خارج الباب، وبعد ثوانٍ قليلة، فتح باب الغرفة.والشخص القادم، كانت ليلى الأحمدي!ليلى...ألم تمت هي...؟نظر سامي المالكي إلى الشخص الذي أمامه بعدم تصديق، وجلست ليلى الأحمدي بجانبه وهي تبتسم."ما بك، ألم تعد تعرفني؟ تعبيرات وجهك هذه وكأنك رأيت شبحًا."أومأ سامي المالكي برأسه، ثم هز رأ

  • قمر في حطام العمر   الفصل 17

    خلال هذه الفترة، كان سامي المالكي يحاول الاتصال بها باستمرار.كانت تعرف أنه يريد أن يرى ليلى، لكنها رفضته في كل مرة.لكن سارة لم تتخيل أبدًا أن سامي المالكي سيستخدم الشرطة للتواصل معها في النهاية.صداقتهما لسنوات عديدة جعلتها لا تستطيع أن تكون قاسية تمامًا، ففي النهاية كانت تخشى أن يتسبب سامي المالكي حقًا في إحداث مشكلة كبيرة.عندما رأت سارة أن الوضع ليس خطيرًا، استدارت لتغادر.لكنها سمعت صوت "دوم" ثم جثا سامي المالكي على ركبتيه.كان رأسه منكسًا، وكتفاه يهتزان باستمرار."سارة، أرجوك... أرجوك... خذيني لرؤيتها..."لم ترى سارة سامي المالكي بهذا القدر من التذلل قط، وفي النهاية، لان قلبها الذي كان صلبًا.في اليوم الذي ذهب فيه لرؤية ليلى الأحمدي، ارتدى سامي المالكي بدلة خصيصًا.كانت هذه هدية التخرج التي أهدته إياها عندما تخرجا للتو.اشترى باقة كبيرة من أزهار الأقحوان، وذهب في الوقت نفسه إلى صالون الحلاقة لتصفيف شعره.على طول الطريق، التزما الصمت كلاهما.سارت السيارة لمدة ساعتين، ثم توقفت في مكان ذي طبيعة خلابة.نظر سامي المالكي إلى بوابة مقبرة الروضة، وتجمد في مكانه.لقد رأى هذا المكان بوضوح

  • قمر في حطام العمر   الفصل 16

    "انظروا، ألم أقل إنه لن يتمكن من التحكم بنفسه؟!""ليس لأنه مغرم جدًا، بل لأن النساء من حوله لا يروقن له!""ولكن، سامي المالكي، عليك أيضًا أن تغير ذوقك، ألا تمل من النساء من نوع زوجتك دائمًا؟""لكن طالما صديقنا يحب، يمكننا أن نجد لك أي عدد من النساء اللواتي يشبهن زوجة أخينا..."دوت ضحكة الرجل الصاخبة في الغرفة الخاصة، وشعر سامي المالكي بموجة غضب تشتعل في داخله.دفع الفتاة بعيدًا بقوة، ثم أمسك عنقها وخنقها وضغطها على الطاولة.انقبض كفه العريض شيئًا فشيئًا، مما جعل وجنتي الفتاة تحمران بشدة.كانت الفتاة تقاوم باستمرار، محاولة التحرر من قبضته."سامي المالكي، توقف حالاً! سيقع قتيل!"هرع عدة أشخاص لسحبه بعيدًا عنها، وعندما رأت الفتاة ذلك، هربت زاحفة على ركبتيها من الغرفة الخاصة.ألقى سامي المالكي نظرة باردة على الجميع."أنا أحذركم، أي منكم يجرؤ مرة أخرى على الإساءة لزوجتي، فلن أسامحه!""وأيضًا، إذا تجرأ أحد على استخدام هذه الأساليب الوضيعة مرة أخرى، فلا تلوموني على قسوتي!"نظر الجميع إلى بعضهم البعض، لا يعرفون ماذا يفعلون."هه، من أجل امرأة عجوز، يا له من تصنع!"بين الحشد، تمتم أحدهم بكلمة بص

  • قمر في حطام العمر   الفصل 15

    بعد أن أنهى سامي المالكي أمور منال العدناني، أخذ إجازة طويلة.ولأنه لم يتمكن من تقبل حقيقة مغادرة ليلى الأحمدي، اختار سامي المالكي أن يغرق نفسه في الكحول."لو أنني علمت بإصابتها بالسرطان مبكراً، لكان أفضل.""لو أنني لم أنجرف وراء إغراء منال العدناني، لكان أفضل.""لو أن..."جلس في مقصورة البار، يشرب الخمر بغضب وحسرة.لم يعد سامي المالكي يدري كم يوماً لم ينم فيها.لم يعد هناك أثر لليلى الأحمدي في المنزل، مما جعله لا يطيق البقاء فيه.المنزل القديم الذي استعاد وضعه الأصلي، لم يعد هو نفسه أيضاً.أراد أن يخدر نفسه بالكحول ليخفف من عذابه وشوقه.ومع ذلك، وبعد أن شرب زجاجات لا حصر لها، لم يثمل، بل ازداد وعياً.لقد أدرك بوعي أنه لم تعد هي بجانبه.ابتسم سامي المالكي بمرارة وتناول زجاجة أخرى، ثم نهض لطلب النادل.لكنه ما كاد يخرج حتى اصطدم برجل.عبس الآخر وشتم، وكان على وشك أن ينفجر غضباً لكن وجهه تغير بعد أن اكتشف هوية القادم."المدير المالكي، يا لك من مفاجأة، لم نرك منذ زمن!"رفع سامي المالكي رأسه وهو يترنح.ضيّق عينيه وهو ينظر إلى الآخر، وبعد فترة أدرك أنه المدير زياد الذي اعتادوا على اللعب معه.

  • قمر في حطام العمر   الفصل 14

    وهي راكعة، زحفت نحو سامي المالكي.شدت معصمه بقوة، وتوسلت إليه بحرقة وعيناها مليئتان بالدموع.لكن سامي المالكي ظل غير متأثر.أخرجت منال العدناني ورقة بسرعة من جيبها، وعرضتها أمام سامي المالكي وهي تصرخ بقوة:"أيها المدير المالكي، أنا حقًا أعرف أنني أخطأت، سامحني من أجل هذا الطفل!""ألم تكن ترغب دائمًا في إنجاب أطفال؟ انظر، سنرزق بطفل قريبًا!""العائلة الصغيرة المكونة من ثلاثة أفراد التي طالما حلمت بها، على وشك أن تتحقق...""ها!" سخر سامي المالكي ببرود، وأمسك بذقن منال العدناني بقوة، حتى ترك علامات أصابع زرقاء وبنفسجية على وجهها."من قال إني أريد تكوين عائلة من ثلاثة أفراد معك؟""الصورة التي أطمح إليها، لطالما كانت تضم ليلى الأحمدي فقط.""أما أنت، فبالنسبة لي، مجرد أداة."بعد أن أنهى كلامه، ألقى بيد منال العدناني ببرود.سقطت منال العدناني على الأرض بلا قوة، مشتتة الذهن."أتذكر أنني قلت لك مرارًا وتكرارًا أن تتذكري مكانتك، لكنك نسيت كل ذلك، بل وأقدمت على إيذاء زوجتي من ورائي.""بما أن الأمر كذلك، فعليك أن تتحملي العواقب المترتبة على ذلك!""أما بالنسبة للطفل، فوالدته قد ماتت، لذلك لم يعد لد

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status