تعود الضغينة بين أمير ومنى إلى والدة سامح.كانت والدته معروفة في العاصمة بأنها عشيقة تقوم بإغواء النساء المتزوجات.استغلت حملها بسامح لترفع من مكانتها، ثم دفعت والدة أمير إلى الموت.لم يكن عمر أمير حينها يتجاوز الخامسة، ولكنه شهد بعينيه والدته تقفز من فوق المبنى، لتسقط أمامه مباشرة، ويتناثر دمها على وجهه.ومنذ ذلك الحين، تغيرت طباع أمير الذي كان مطيعًا وحسن السلوك، فأصبح قاسي القلب منذ صغر سنه، حتى أنه حاول خنق سامح وهو في مهده.خشيت والدة سامح أن يودي أمير بحياة طفلها، فأرسلته إلى عائلة الفاروق، وأوكلت رعايته إلى مدبرة المنزل، التي كانت صديقتها آنذاك.لا يمكننا أن نقول عن والدة سامح أنها كانت شخصاً سيئاً، لأنها أخذت ابنة أخيها، التي توفي والداها، وقامت برعايتها وتعليمها بنفسها.ولا يمكننا أن نقول عنها أنها كانت شخص جيد، لأنها أجبرت أمير على أن يصبح ابنًا لها، كما أجبرته أيضًا على أن يناديها بـ"أمي"، وكان أمير منذ صغره يتعرض لضرب مُبرح من والده.كان أمير لا يزال طفلاً صغيرًا، فلم يقو على مقاومة والدة سامح، فصب جام كراهيته المكبوتة على منى.كان يعرف أن منى بريئة، فأراد حينًا قتلها، وأرا
غدا وجه أمير شاحبًا، حتى كاد أن يصبح شفافًا، وتسللت ذكريات الماضي المؤلمة إلى ذهنه، مما جعله يرتجف خوفًا."منى، لم... لم أكن أعلم أنكِ أحببتني يومًا، كنت أظن أنكِ ستغادرين مع رجل آخر في تلك الليلة، أنا..."كانت كلماته مضطربة لدرجة أنه عجز عن الكلام، فتقدم محاولاً عناقها، وراغبًا في توضيح أمر الضغائن والمشاعر المتشابكة التي مرا بها في شبابهما.أراد أن يخبرها بأنها كانت ستموت إن لم يُستأصل رحمها، وأراد أن يوضح لها أنه لم يكن من أرسل أحدهم لإلقائها في البرية المقفرة.لكن منى نظرت إليه ببرود، وقالت: "أمير، هل تعلم كيف نجوت خلال تلك السنوات العشر في الخارج؟ لم أتمكن من البقاء صامدة على قيد الحياة إلا بسبب كرهي لك. كنت أفكر كل يوم في أن أجعلك تقع في حبي، ثم أنتقم منك بقسوة."ألم تخطط عشر سنوات من أجل هذه اللحظة؟!تجمد أمير في مكانه، وعلى الرغم أن المسافة بينهما كانت على بعد خطوات، إلا أنه شعر في هذه اللحظة أنهما بعيدان للغاية.أخذ يحدق فيها بشدة، ولكنه لم يعد يرى أي أثر لحبه في عينيها، ولا حتى حبًا زائفًا.لقد كانت عزيزته منى تسعى حقًا للانتقام منه فقط.كل تلك اللحظات الحميمية، وكل كلمات الح
انهمرت الدموع على وجهها وحرقت قلب أمير، وبدأت يداه المطويتان خلف ظهره ترتجفان.قبض أصابعه بإحكام في راحة يده وسار نحو منى، لكنه أُوقف فجأة من قبل لينا ومريم اللتين اندفعتا من الفيلا.أمسكت مريم منى، ناظرةً إلى الجرح على وجهها، بينما وقفت لينا أمامها تحميها، وهي تحدق في أمير بعبوس."دكتور أمير، ماذا تفعل بحق السماء؟"لينا لم تستطع أن تفهم تصرفه، فهو من الواضح أنه يهتم بمنى، فلماذا يقوم بضربها؟تجاهل أمير لينا، وعيناه الحمراوان الداكنتان مثبتتان على منى، تائهًا وعاجزًا.أما منى، التي كانت ما تزال تمسك بوجهها، فقد كانت تنظر إليه هي الأخرى، وقد تلاشت كل مشاعر التظاهر من عينيها، ولم يتبقَ سوى خيبة أمل.بعد أن تبادلا النظرات للحظة، تحدثت منى أولًا: "أمير، طوال هذه السنوات، حين قلت إنني أحبك، وأريد الزواج منك، كنت أكذب. أنا لا أحبك، ولا أريد الزواج بك..."كان وجه أمير الوسيم شاحبًا بشكل ملحوظ: "ماذا قلتِ..."أخفضت منى يدها، فكشف وجهها المتورم بشدة، ثم شدّت زاوية فمها الممزقة بابتسامة ساخرة وقالت: "في الماضي، أنت من جرحتني، أما الآن فأنا من جرحك، وهكذا نكون متعادلين، لقد انتهى كل شيء بيننا."و
"أي نوع من النساء أنا بالنسبة لك؟"رفعت منى رأسها وسألت الرجل الأطول منها بتحدٍ: "أنت لا تُعطيني اسمًا، ولا تُعطيني مكانة، ولا يُمكنك الزواج بي. فأي نوع من النساء أنا بالنسبة لك؟ شريكة فراش؟ أداة للمتعة؟ أمير، أخبرني، ما نوع هذه العلاقة؟"شحب وجه أمير، وتقدم نحوها وعانقها مجددًا، ضاغطًا رأسها إلى صدره: "منى، سأجد طريقة للزواج منكِ، فقط انتظريني قليلًا، حسنًا؟" رأت منى الذعر والقلق في عيني أمير، كما لو كان يخشى أن تتركه.عرفت منى أنها نجحت، لكن بقيت خطوة أخيرة——وهي إرسال أمير إلى الجحيم!هدأت منى بين ذراعيه، وسألته ببرود: "كيف ستتزوجني؟"بعد ثوانٍ من الصمت، أجاب أمير دون تحفظ: "سأترك عائلة أبو النور، واقطع كل علاقتي بهم."ثم رفع ذقن منى ونظر إليها مباشرة: "منى، سأتزوجكِ، فقط لا تقبلي شكري."دفعت منى أمير برفق بعيدًا، وعندما رفعت عينيها لتنظر إليه، لم يعد في نظراتها أي أثر للحب المصطنع، بل امتلأت بالكره فقط.رفعت شفتيها الجميلتين المشرقتين وابتسمت ابتسامة خفيفة: "لكنني لا أريد الزواج بك، لا، في الحقيقة، لم أفكر يومًا في الزواج بك."انقبض قلب أمير، مع أنه خمّن نوايا منى، إلا أنه لم يُصد
اندهشت منى: "السيد، السيد أنس..."كيف ظهر على الهاتف؟!أخذت لينا الهاتف بسرعة وقالت في السماعة: "أغلق الخط الآن، وسنتحدث لاحقًا." وعندما كادت أن تضغط على زر الإغلاق، بدا رد فعل الرجل على الخط سريعًا: "انتظري حتى أعود، ثم سنحاول مرة أخرى."ضحكت منى بخفة: "لينا، أعتقد أنني سأنتظر حتى تجربا أنتما أولًا، ثم أعدّ لكِ دواءً جديدًا."احمر وجه لينا وأغلقت الهاتف بسرعة، وبينما كانت على وشك توبيخ منى، سمعت صوت مريم المستلقية على الشرفة:"تجرب ماذا؟ أريد أن أجرب أيضًا!"عندها لم تستطع منى كتمان ضحكتها أكثر، وابتسامتها المتسعة فاقت شمس السماء سطوعًا.بينما أمير الواقف عند السور الأبيض، رأى ابتسامة منى، فلانت ملامحه الجديّة قليلاً.رفعت لينا يدها على جبينها، معبرةً عن عجزها عن الكلام، وعندها رأت أمير خارج الفيلا، سارعت بدفع منى."ما الخطب؟"تبعت منى نظرة لينا ونظرت إلى السياج، ولما رأت ذلك القوام الممشوق والوجه الوسيم، تجمدت ابتسامتها.أخفت ابتسامتها، وفكرت لبضع ثوان، ثم قالت للينا: "سأذهب لرؤيته، نتحدث لاحقًا."خرجت منى بخطى سريعة من الفيلا، واقتربت من أمير، لترتسم على وجهها البارد ابتسامة مصطنع
كانت مريم جالسة على سجادة يوغا في غرفة المعيشة، تمسح العرق عن جبينها بمنشفة وهي تسأل لينا: "من هو؟"لم تلتقِ مريم بأمير من قبل، لذا بطبيعة الحال لم تكن لديها أدنى فكرة عن هويته، فأوضحت لينا: "إنه شقيق منى..."تذكرت أن منى قالت إن أمير شقيقها اسميًا فقط، لكنه ليس قريبًا لها بالدم، وأن علاقتهما معقدة للغاية.نظرت مريم إلى لينا نظرةً خاطفة، وبدا التوتر واضحًا في عينيها: "هل يُعقل أن شقيق منى معجبًا بكِ؟"في هذا الوقت المتأخر من الليل، يأتي باحثًا عن لينا؟ لا تبدو نيته سليمة، وإن علم أنس بذلك، فربما يكسر عظامه.ابتسمت لينا، وأخذت الحليب من الخادمة، وناولته لمريم: "أمير هو رجل منى، لا تُفكري كثيرًا."كادت مريم أن تختنق وهي تحتسي الحليب: "كح كح كح... ماذا قلتِ؟!"أليسوا إخوة؟!بعد أن انتهت لينا من مزاح مريم، استدارت وخرجت من الفيلا مبتسمة."دكتور أمير، ما الذي جاء بك إليّ في هذا الوقت المتأخر؟"كان أمير يدخن في الخارج، وحين رآها تخرج، أطفأ سيجارته وسحقها بيده، ثم رماها في سلة القمامة."هل منى عندكِ؟"لم يكن لدى منى الكثير من الأصدقاء؛ والمقربين منها هما لينا ومريم.بحث أمير عن منى لما يقارب