Share

الفصل 4

Author: ابراهيم العواضي
بينما كانت تتحدث، بحثت عن وضعية مناسبة ثم تمددت على الثلج.

وعندما هرع حازم إلى المكان، وجد ليلى مستلقية هناك، بينما كانت رهف مدفونة تحت الثلوج في أسفل الجبل.

أخبرته ليلى أن رهف لم تكن معها ولا تعرف أين ذهبت، فوقع حازم في الفخ، وأسرع بأخذ ليلى إلى المستشفى، تاركًا رهف وحيدة، مهجورة في قاع الجبل.

منذ أن شهدت وفاة والديها، نشأت داخل رهف رهبة غامضة من الوحدة، لكن حينها، كان حازم بجانبها دائمًا.

ولهذا السبب، جاءت معهم إلى هنا للتزلج؛ كانت ترغب في قضاء أكبر وقت ممكن بجانبه، حتى وإن كانت ليلى موجودة، فقد أرادت أن تحاول على الأقل.

لكنها لم تتخيل أبدًا أن ينتهي بها الأمر على حافة الموت في أعماق جبل جليدي.

عادت مشاعر اليأس من الحبس إلى ذاكرتها، ارتجفت لا إراديًا، واجتاحها الألم الجسدي والعذاب النفسي في آنٍ واحد، حتى بدأ العرق البارد يتصبب من جبينها.

فجأة، سحبها حازم بقسوة من سريرها: "أسرعي واعترفي بخطئك، هل سمعتِ!"

"لولاكِ، لما أصيبت ليلى بكسر في ذراعها والتواء في معصمها!"

"إن فقدت قدرتها على الرسم للأبد، فاستعدي لدفع الثمن!"

أدى عنفه إلى تمزق الجروح على جسدها، وسرعان ما تسربت الدماء من تحت ضماداتها، مبللةً ثوب المستشفى.

عندها فقط، لاحظ حازم أن إصاباتها لم تُظهر أي تحسن، بل بدت أسوأ مما كانت عليه.

استدار غاضبًا نحو خالد: "ما الذي يحدث هنا؟!"

"لقد استخدمنا أغلى الأدوية، ووفرنا لها أفضل رعاية، كيف لم تتحسن على الإطلاق؟!"

تفاجأ خالد للحظة، لكنه سرعان ما حاول التهرب: "ما-هذا... لا أدري! كنت أتابع حالتها وأعالجها يوميًا، والممرضات يمكنهن الشهادة بذلك!"

اغتنمت ليلى الفرصة وتظاهرت بالقلق قائلة:

"رهف، أعلم أنكِ غاضبة، لكن لا يمكنكِ إهمال علاجك."

"إن واصلتِ التصرف بهذه الطريقة، ألا تعلمين كم هذا يقلقني ويقلق أخي حازم ؟"

استشاط حازم غضبًا: "رهف! أنتِ حتى لا تهتمين بصحتك، لا فائدة منكِ!"

"إذا واصلتِ هذا العناد، فسوف أنسى أمر الزواج منك!"

لكنه لم يكن يعلم أن خالد لم يعالج رهف أبدًا، بل كان يتعمد كشف جراحها وتعذيبها كل يوم، مستمتعًا بمعاناتها.

أما الأدوية المستوردة التي طلبها حازم خصيصًا لها، فقد كان خالد يسرقها ويبيعها خارج المستشفى لجني المال.

نظرت رهف إليه، كانت على وشك الدفاع عن نفسها، لكنها ابتلعت كلماتها بصمت.

لا جدوى من الحديث، لن يصدقها على أي حال.

بعد مغادرته غرفة المرضى، كان حازم لا يزال غاضبًا.

لابد أنه دلل رهف أكثر مما ينبغي طوال هذه السنوات، حتى أصبحت بهذا الطبع السيء!

ولكن رغم غضبه، لم يستطع كبح قلقه عليها.

كلما ازداد عنادها، كانت تؤذي نفسها أكثر، وهذا ما كان يؤلمه حقًا.

كانت ليلى تراقب تعابير وجهه عن كثب، وبمجرد أن رأت تردده، اقترحت بحذر:

"الأخت رهف عنيدة جدًا، ولا تدرك أخطاءها. إن أردنا تغيير سلوكها، لماذا لا نلغي الزفاف مؤقتًا؟"

"مستحيل."

رفض حازم بلا تردد.

كل ما أراده هو أن تصبح رهف أكثر طاعة، لكنه لم يفكر أبدًا في تركها.

في كل مرة ينظر إلى خاتم خطوبتهما المطابق، مهما كان غاضبًا، يجد نفسه غير قادر على القسوة عليها.

وفوق ذلك، عندما تذكر الإصابات المروعة التي رآها قبل قليل، شعر بوخزة ألم في قلبه.

لقد عانت كثيرًا بالفعل، ولم يكن قادرًا على إيذائها أكثر.

ليلى لم تستسلم، لكن عندما التقت أعينهما، أخفت استيائها بسرعة، ثم قالت بصوت خافت حزين:

"لكن إن استمرت الأمور هكذا......" لن تكوني الوحيدة المتضررة، بل سيُؤلملك هذا أيضًا.

تردد حازم للحظة، لكنه هز رأسه في النهاية:

"الخطوبة تمت بقرار من كبار العائلة، لا يمكن إلغاؤها بهذه السهولة."

"انتهى الحديث، هذا قراري."

لمعت نظرة شريرة في عيني ليلى ، لكنها سرعان ما تظاهرت بالضعف، ثم تمايلت قليلًا وكأنها على وشك السقوط.

"ما الأمر؟! هل تؤلمك يدك؟!"

أسرع حازم بالإمساك بها قبل أن تنهار، ثم حملها بذعر نحو غرفة الطوارئ:

"أين الأطباء؟! أحدهم يأتي بسرعة!"

Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • ‎الحب الذي تأخر طويلاً   الفصل 21

    مرت بضعة أشهر حتى تمت الخطبة بين رهف وعبد الرحمن.في ذلك اليوم، بعد أن رأت حازم يغادر، شعرت رهف بمزيج من القلق والغضب، فقررت أن تأخذ عبد الرحمن إلى العيادة.قالت رهف وهي تعالج الجروح بعناية: "انظر إلى هذه الجروح......"ثم أضافت بشيء من اللوم: "لماذا كنت متهورًا هكذا؟""كيف أمكنك أن تؤذي مثل هذه الوجه الوسيم؟" أكمل عبد الرحمن وهو مبتسم، وضع ذقنه في كف يدها، وأضاف: "إذا كان ذلك سيجعلني أكسب تعاطفك، فإن هذه الضربة قد أتت بفائدة."خجلت رهف واحمرت وجنتاها، ثم نظرت إليه بغضب طفولي قائلة: "أنت دائمًا كثير الكلام."لكن مع ذلك لم تستطع إخفاء قلقها وقالت: "لا تفعل ذلك مجددًا، لا أريد أن أراك تتألم فهذا يؤلمني أيضًا.""حسنًا." أجاب عبد الرحمن وهو يبتسم، وأضاف بجدية: "أعدك، لن تقلقي عليّ مطلقًا بعد الآن."أقاما حفل زفافهما رسميًا في بداية الصيف.تحت أمطار الزهور المتساقطة، سارا معًا وسط تصفيق الحضور وتمنياتهم الطيبة."أنا متوتر جدًا." قال عبد الرحمن وهو يبتسم بينما عينيه تلمعان بالدموع: "رهف، في الواقع، أنا كنت أحبك منذ فترة طويلة.""لم أتخيل أبدًا أنني سأتمكن من الزواج من الشخص الذ

  • ‎الحب الذي تأخر طويلاً   الفصل 20

    كان حازم حزين وقلق بشدة على رهف، حتى أنه لم يعد يذهب الى شركة العنزي التجارية منذ عدة أيام.عندما علم والده بالأمر، انفجر غضباً وأمر فوراً بإحضار ابنه الذي لم يعد يعرف كيف يتصرف.عندما عاد حازم إلى منزل عائلة العنزي، وجد والديه جالسين في الصالة في صمتٍ تام، ولم ينطقا بحرف. صرخ والد حازم بصوتٍ حاد حينما رأه قائلًا: "تعال هنا!"مشى حازم بوجهٍ خالي من التعبير، حتى صفعه والده بقوة.تحرك رأس حازم بسبب الصدمة وسقطت منه الدماء.شعرت والدته بالذعر فأسرعت نحو ابنها."إذا كنت تريد أن تتحدث، فتحدث فقط، لماذا ضربته؟"كانت تنظر أم حازم إلى زوجها بتوبيخ، ثم نظرت الى حازم.لكنها صُدمت عندما نظرت إليه عن قرب.صاحت بدهشة: "لأري ما بك...... كيف يمكن أن يحصل هذا؟" "حازم، ماذا أصابك؟ من ضربك على وجهك؟"لم تحتمل والدته أن ترى ابنها في هذه الحالة، فبدأت في التذمر والغضب: "ألا يوجد قانون في هذا البلد؟""سأذهب لأتحدث مع هؤلاء الناس!""توقفي!"لكن والد حازم ضرب الطاولة بيده، وصرخ في وجها وقال: "في هذا الوقت، ما زلتِ تثيرين المشاكل!""هذه الحالة التي وصل إليها حازم بسببكِ، أنتِ من دللتهِ هكذا!

  • ‎الحب الذي تأخر طويلاً   الفصل 19

    في تلك اللحظة، كانت عيون حازم مليئة بالحزن والعناد، وكأنه على وشك أن ينكسر في أي لحظة.سحب حازم يد رهف بقوة، وسألها بحرقة وقال: "رهف هل حقاً لا تشعرين بأي شيء؟""هل نسيتِ يا رهف كل الذكريات بيننا؟"حركت حازم جعلت رهف تخاف، فتحركت قليلاً ثم هزت رأسها برفض.بدأ الغضب في عيون حازم يزداد، امتلأت عيونه بالجنون."ماذا عن الانهيار الجليدي؟" قال حازم ذلك ليجعل رهف تتذكر، حتى إنه لم يتردد في كشف الذكريات المؤلمة."هل نسيتِ كيف تسببت ليلى في دفعك أعلى الجرف الجبلي، وتسببت في إصابة شديدة في ساقيك؟ هل نسيتِ هذه الحادثة؟""ماذا؟" تفاجأت رهف، وبدأت تحاول الإفلات من قبضت حازم. واصل حازم وقال: "ليلى كانت السبب في دفعك من قمة الجبل، وتركتكِ عالقة في الثلوج لسبعة أيام."كلما تحدث حازم أكثر، كلما زادت مشاعر رهف تعقيداً."رهف تعرضت ساقيكِ لتجمد شديد، وبعد ذلك تمت مشاهدة ليلى وأخوها في محاولة إخفاء ما جرى حيث قاما بتعذيبكِ، ثم حاولوا إرسالك إلى الخارج، هل تتذكرين هذا؟"كان وجه رهف مشوشاً مملوءاً بالحزن ثم قالت: "ولكن، كيف وصلتُ إلى هنا؟"حازم صمت للحظة ثم قال بصوت خفيف: "أنتِ...... أنتِ قفزت."

  • ‎الحب الذي تأخر طويلاً   الفصل 18

    بعد فترة قصيرة، تلقت رهف رسالة نصية حازم."رهف، هل يمكننا أن نلتقي؟""أنا أعرف أنني كنت قاسيًا عليكِ في الماضي، لم يكن يجب أن أتصرف معكِ بتلك الطريقة......""لكنني الآن أدركت خطئي، أرجوكِ امنحيني فرصة أخرى، حسنًا؟"قرأت رهف رسائل حازم المتتابعة، كانت مندهشة حيث شعرت أيضاً بشيء غريب في قلبها.رغم أنها لا تملك أي ذاكرة واضحة عن حازم، إلا أن هناك شعوراً غريباً في أعماقها يشير إلى أنها ربما كانت تعرف هذا الرجل من قبل.ومع التفكير في تلك الفجوة في ذاكرتها، أصبح شعورها بالشك يزداد قوة.كان عليها أن تلتقي به لتكتشف الحقيقة.لذلك، قررت أن ترد على رسالته: "لنلتقي."قال عبد الرحمن حين لاحظ أن رهف كانت على وشك الخروج: "ماذا هناك؟ أين ستذهبين؟ هل تحتاجينني لأوصلك؟"ردت رهف: "لا داعي للتعب، أنا...... ذاهبة لرؤية شخص."شعرت بالقليل من الريبة عندما رأت نظرات عبد الرحمن اللطيفة.ماذا لو غضب بسبب ذلك؟لكن عبد الرحمن بمجرد أن رأى اضطراب مشاعرها، أدرك فورًا من هو الشخص الذي ستلتقي به.عبد الرحمن تنهد قليلا وقال: "هو ذلك الرجل من اليوم الذي رأيناه في الأمس، أليس كذلك؟"لقد تحقق من معلو

  • ‎الحب الذي تأخر طويلاً   الفصل 17

    قررت اليوم رهف أن تتأنق بشكل خاص.لقد اقتربت نهاية العام الجديد وقد دعاها عبد الرحمن للذهاب معه لمشاهدة فيلم في ليلة رأس السنة. بالطبع، كانت رهف تدرك نواياه جيدًا، خاصةً أنها بدأت تشعر بميل لهذا الرجل ذو الشخصية الهادئة واللطيفة.كلما قضت وقتًا مع عبد الرحمن، شعرت بالاسترخاء والراحة، كان هذا الشعور بالأمان غريبًا عليها فقد مر وقت طويل منذ أن شعرت بذلك بعد وفاة والديها.بدأت الشوارع في المساء تضيء بأضواء النيون.كانت الأجواء مفعمة بالحيوية والزينة تملأ الأرجاء، كان العشاق يمشون وهم ممسكين بأيدي بعضهم البعض. لتتناسب مع الأجواء، اختارت رهف فستاناً طويلاً بلون خمري مع معطف صوفي، مظهرها كان يجمع بين الأناقة والجاذبية.بدأت الثلوج تتساقط برفق، وتطايرت حبات الثلج في الهواء؛ مدّت رهف يدها بشكل لا إرادي لالتقاط بعض من حبات الثلج، وفجأة شعرت بظل فوق رأسها.لقد كان عبد الرحمن، كان يتعامل معها برفق حيث قام بتعديل وشاحها وأمال المظلة نحوها."آسف، هل انتظرتِ طويلاً؟"ابتسمت رهف وأجابته برقة: "لا، ليس كثيرًا"نظر إليها الرجل بإعجاب حقيقي في عينيه: "رهف، أنتِ جميلة جدًا اليوم."ردت رهف:

  • ‎الحب الذي تأخر طويلاً   الفصل 16

    رهف وجدت عملاً في محل بيع الزهور بالقرب من منزلها حيث كانت تعمل في تنسيق الزهور، ورغم أن الأجر لم يكن مرتفعًا، إلا أنها كانت تستمتع به كثيرًا. حيث كانت سعيدة بمشاركة مفهوم الجمال مع الجميع، خلال فترة عملها في محل بيع الزهور تعرفت على العديد من الأصدقاء.قالت رهف بابتسامة وهي تدخل المحل: "صباح الخير يا هند."على الفور أعطت لها المديرة صحنًا من الكعك الساخن: "تعالي جربيها، لقد صنعتها بيدي اليوم."بعد أن انتهت من تحضيرات العمل اليومي، تلقت رهف طلب توصيل. لكن ما فاجأها هو أن العنوان كان بجانب منزلها مباشرة.أحضرت باقة من الزهور إلى منزل العميل وضغطت على جرس الباب."آسف، سأكون هناك في لحظة." جاء صوت رجل شاب من خلف الباب، فتح الباب واستلم الشاب الوسيم الزهور من يدها."شكرًا…... لماذا أنتِ هنا؟"توقف فجأة، وعبرت لهجته عن دهشة شديدة.رفعت رهف رأسها بنظرة حائرة وأدركت أن هذا الوجه يبدو مألوفًا لها."أنت…...؟" بدأت رهف في فحص ذاكرتها، ثم تذكرت فجأة هذا الوجه الذي كان متعلقًا بطفولتها."أنت عبد الرحمن، أليس كذلك؟ الآن تذكرتك!"ابتسم عبد الرحمن وهو يقدم لها كوبًا من الشاي: "كنت

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status