الفصل 24

قالها طارق بصوتٍ خافتٍ.

لكن هند لم تلقِ له بالًا، بل صعدت الدرج متجاهلة وجوده تمامًا.

نظر إليها طارق بعينين يملأهما الغموض، تابع خطواتها وهي تتلاشى عند نهاية الدرج. جلس في الأسفل لبعض الوقت، قبل أن ينهض متجهًا نحو غرفة النوم .

دفع الباب بيده بهدوء، فلم يجد أحدًا في الداخل، لكن صوت المياه المتدفقة من الحمام أفصح عن وجود هند تستحم بالداخل .

شعر طارق بحرارة تجتاحه، ابتلع ريقه ،و أرخى ربطة عنقه قبل أن يلتقط رداءًا من الخزانة ويذهب إلى حمام آخر ليغتسل هو أيضًا.

عندما عاد، صادف خروج هند من الحمام.

كانت قد نسيت أن تأخذ ملابس النوم، وشعرها شبه مبلل، وجسدها ملفوف بمنشفةٍ تصل بالكاد إلى أسفل فخذها.

بشرتها البيضاء الصافية كالحليب.

عنقها الطويلة وكتفاها الرشيقتان المكشوفان .

ناهيك عن المناطق المغطاة بالمنشفة، فقد أثارت في مخيلة طارق ذكريات جعلته يتوقف للحظة.

تقابلت أعينهما، ثم أسرعت هند وأشاحت بنظرها بعيدًا، توجهت إلى خزانة الملابس. وهي تبحث عن ملابسها، قالت ببرود:

"سأنام الليلة في غرفة الضيوف."

"هند !ماذا تعنين بذلك؟" رد طارق بصوتٍ مثقلٍ بالغموض.

أجابته بسخرية وهي تشتم في أنفاسه رائحة خفيفة للكحول منبعثة منه:

"لا شيء، فقط أريد أن أترك لكما المجال."

كانت السخرية ترتسم على شفتيها، لكنها لم تستطع إخفاء الألم خلف كلماتها.

اقترب منها طارق، متكئًا على إطار الباب وقال:

"هل غضبتِ لأنني طلبت منكِ أن تشربي كأس لتحية لخلود؟"

رفعت هند حاجبيها بحدة قائلة:

"ألا يحق لي أن أغضب؟"

لكن غضبها لم يكن فقط بسبب تلك التحية، بل كان أعمق بكثير.

كان يؤلمها ذلك الاحتفاء الذي يظهره أصدقاؤه تجاه خلود وكأنها شيء ثمين يستحق الحماية.

نظر إليها طارق بثقة مفرطة وقال:

"عاجلًا أو آجلًا، ستناديها 'أختي '. لماذا كل هذا التوتر؟"

ردت عليه ببرودٍ قائلةً:

"اطمئن. بعد الطلاق، لن أنادي شخصًا تدخل كطرف ثالث بلقب أخت مطلقًا."

ساد الصمت للحظة، لكن ملامح طارق سرعان ما تحولت إلى جدية، واقترب منها بخطواتٍ واثقة وقال:

"هند! لا تتوقعي مني أن أترك الأمر يمر بسهولة. إن كنتِ تعتبرين خلود طرفًا ثالثًا، فما تفسيركِ للرجل الذي كان ينتظركِ عند باب الاستوديو؟"

تجمدت هند غير مستوعبة كيف وصل النقاش الي هذا الحد .

رد طارق بنبرة حادة:

"هل هو عشيقكِ؟ منذ عودتي من السفر، وأنتِ ترفضينني باستمرار. أخشى أنكِ قد قررتِ بالفعل أمر الطلاق منذ فترة طويلة."

شعرت هند بالغضب يتصاعد داخلها، لكنها كتمته وقالت بسخرية:

"تخمينك مثير للضحك."

"لِمَ لا تقولين الحقيقة؟ هل تنوين الحفاظ علي نفسكِ لأجله هو ؟"

كان صوته ساخرًا وباردًا، وكأن كل كلماته تُغرز خنجرًا في قلبها.

في تلك الليلة، شعرت هند وكأن قلبها قد تحطم تمامًا، فلم تجد أي طاقة للجدال معه. أغمضت عينيها وقالت بهدوء:

"لتظن بي ما شئت. أنا متعبة وأريد أن أرتاح."

بينما كانت تستدير لتغادر الغرفة، أمسك طارق بمعصمها فجأة قائلاً:

"نامي هنا في غرفة النوم الرئيسية، وسأذهب أنا إلى غرفة الضيوف."

لكن قبضته كانت قوية، فسقطت فجأة بجواره .

مدّ ذراعيه بسرعة لاحتضانها ومنعها من السقوط.

"هل أنتِ بخير؟" سألها بقلق.

ردت وهي تهز رأسها:

"أنا بخير."

لكن فجأة، انزلقت عنها المنشفة ، تاركةً جسدها مكشوفًا.

شعرت هند بالصدمة، واحمرت خجلًا . حاولت تغطية نفسها بسرعة وهي تقول بذعر:

"لا تنظر!"

علت طارق ابتسامة خبث وقال :

"وكأنني لم أرَ من قبل."

بينما كانت هند مرتبكة محاولة تغطية نفسها، تجمد هو في مكانه، حيث لفتته تفاصيل جسدها. توقف عند تلك اللحظة، شعر بأن أنفاسه تتسارع، وصوته يختنق في حلقه.