Share

الفصل7

Author: عامر الأديب
غطّيتُ عينيّ المُلتهبتين بالمناديل، وأخذت نفسًا عميقًا، بلا رغبة في النظر إلى من يجلس بجانبي.

ظهر والدي فجأة، وقال بصوت مليء بالاحترام والتواضع: "سيد سو الثاني، عذرًا لإزعاجك، تلك هي مقاعد الضيوف الكرام، من فضلك تفضل بالانتقال قليلًا."

لكن الرجل الذي نُادى عليه بسيد سو الثاني رد بنبرة هادئة واضحة تعلو عليها هيبة: "لا حاجة لذلك، سأجلس هنا."

كان والدي يهم بالرد، لكن حينها دعا مقدم الحفل كبار العائلتين للصعود إلى المنصة، اقتربت سهى بسرعة وسحبته بعيدًا.

رفعتُ نظري، وهدأتُ نفسي، وقبل أن أُعيد المناديل لمَن معي، جاء صوت من مكبر الصوت: "نرجو من الآنسة جيهان، شاهدة الزواج اليوم، الصعود إلى المنصة."

أضاءت الأضواء فجأة، ولم أكن مستعدة لذلك.

ساد الصمت المفاجئ في القاعة التي كانت تعجّ بالضجيج، وأدركت أن جميع الحضور مذهولون ومستغربون، بعضهم يشفق عليّ، وبعضهم ينتظر لن يرى كيف ستسير الأمور.

فشددتُ من ظهري، وارتديت درعي الذي لا يُقهَر، وقمت لأصعد المنصة.

عاد الضجيج مرة أخرى، بل وزادت التعليقات السلبية.

"سمعنا من قبل أن نزار البردي يُفضل ابنته الصغرى، ويتعامل بصرامة مع الابنة الكبرى من زوجته السابقة، والآن رأينا ذلك بأعيننا!"

"من يمنع الابنة الكبرى من أن تكون ناجحة وجميلة؟ لا بد أن تلك الزوجة الثانية تحسدها، وهي تزرع الشكوك في أذنه طوال الوقت، فكيف لا يتحول الأب ضدها؟"

"وأب؟ كما يقول المثل: "مع زوجة جديدة، يأتي زوج جديد" هذا حتى أسوأ من الأب."

"صحيح! التحيز شيء شائع، لكن أن تساعد الابنة الصغرى في سرقة زوج الابنة الكبرى؟ هذا ما لم نسمعه من قبل!"

"هاهاها، بالنسبة للسيد فارس، لا فرق، المهم أن يُتزوج بأي واحدة من البنات، فهو العريس المثالي."

كان الضيوف يتبادلون الحديث بسخرية وتهكم، وضحكهم لم يتوقف.

لم أشعر بالخجل، فهناك من أمامي أسوأ بكثير، لا يحق لأحد أن يسخر مني.

على المنصة، حمل المقدم الميكروفون، وبعد الخطب العاطفية، بدأ الحديث بالموضوع: "نبدأ الحفل رسميًا، وندعو الآنسة جيهان شاهدة الزواج لإلقاء كلمة التهنئة."

نظرت إلى الميكروفون الذي وُضع أمامي، ترددت قليلًا، ثم رفعت يدي لأمسكه.

نظر فارس ونورهان إليّ نظرة سريعة، ثم أزاحا بصرهما ليتبادلا النظرات بينهما، مشاعرهما عذبة، وحبهما متبادل كأنهما في عالم من العشق والود.

في تلك اللحظة، توقف الألم في قلبي فجأة، وغمرني شعور قوي بالرغبة في الانتقام.

تقدمت خطوة إلى الأمام ممسكة بالميكروفون، ووجهت وجهي بثبات، وقلت بصوت واضح: "اليوم هو يوم سعيد، وأنا فخور للغاية بأن أكون شاهداً على زواج أختي العزيزة وأسبق خطيبي السابق المتأخر، أتمنى لهما حياة مليئة بالحب والود تدوم طويلاً، وأن يكونا متحابين وموحدين إلى الأبد، وأن يرزقا بذرية صالحة قريباً. وبالنيابة عن العروسين، أتقدم بجزيل الشكر لكل الضيوف الحاضرين، وأتمنى لكم جميعاً السعادة في بيوتكم وتحقيق كل أمانيكم."

ها! إن كنتم تريدون سماع التهاني، فأتمنى لكم أن ترزقوا بأولاد صالحين قريباً، هل ستتحقق أمانيكم؟

لم أنتهِ من كلامي حتى بدأ الحضور يهمسون فيما بينهم.

ثم بادر بعضهم بالتصفيق والهتاف: "رائع! ممتاز جداً! أكبر المستفيدين من هذا الزواج هو السيد نزار! مبروك للسيد نزار!"

"مبروك، مبروك!"

كان هذا الكلام واضحاً بسخرية موجهة لأبي.

بدت على وجه أبي علامات الضيق، فرفع يده ليشير للحضور بأن يمنحوه بعض الاحترام، وألا يثيروا الضجة.

سهى، وهي في حالة من الغضب الشديد وبتعبير شرس على وجهها، صرخت قائلة: "جيهان، ألا تخجلين من نفسك؟"

"ليس أنا من خطف زوج الآخرين، فأين الخزي؟" رددت بثقة وأنا مستعدة لنزول المسرح بعد أن أسلم الميكروفون.

لكن نورهان أخذت الميكروفون، ورفعت من مستوى السخرية والفكاهة في هذا الحفل.

قالت فجأة: "أختي، انتظري قليلاً."

استدرت لألتفت إليها.

حررت نورهان يد فارس، وتقدمت نحوِّي، أمسكت بيدي وعادت بي إلى وسط المسرح.

"في الحقيقة، أكثر شخص أشكرها اليوم هي أختي. لقد شُخّصتُ بمرض عضال، ولن أعيش طويلاً. أكبر أمنياتي في حياتي أن أتزوج الرجل الذي أحبّه أكثر من أي شيء، أخي فارس."

Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • بعد الخيانة... وجدت حبي الحقيقي   الفصل100

    من باب الأدب، ورغم أنني لا أطيق هذه العائلة في قلبي، إلا أن الطرف الآخر يبقى من كبار السن، فابتسمت قائلة: "مرحبًا خالتي."قالت ليلى: "جيهان، هل يعقل أنك فعلًا على علاقة بسُهيل؟ ألا يعرف أنك مطلقة؟ بهذه الخلفية... الأمر أصلًا لا—"قاطعتها جُمانة قائلة: "أمي، أي طلاق؟ هي وأخي لم يطلقا بعد! ولو كانت الآن مع السيد سُهيل، فهذا يعني خيانة زوجية!"كانت جُمانة تنطق بكلماتها وشفاهها مزمومة، وعلى وجهها مزيج من الاحتقار والغضب، ثم بدأت تتمتم بامتعاض: "ما الذي حصل لسُهيل؟ كيف وقع في غرامها... غير الجمال، لا أعرف ما الذي تملكه أصلًا."لم أنطق بكلمة واحدة، لكن فجأة وُجهت إليّ تهمة "الخيانة"، فلا يسعني إلا أن أضحك بمرارة.قلت: "جُمانة، العقل نعمة عظيمة، من المؤسف أنك لا تملكينها. من الذي خان الآخر بيني وبين أخيك؟ هل تريدين أن تسألي أي شخص هنا لتعرفي؟"تلك الفضيحة التي شهدها الجميع في تلك الليلة، حين تحوّلت زفافي إلى مسخرة علنية، أصبحت حديث المدينة بأكملها، فهل نسي الناس ما قالوه عن أن عائلة الهاشمي قد فقدت ماء وجهها بالكامل؟والآن، يتجرؤون على قلب الحقائق؟كانت جُمانة بسيطة وساذجة، وما إن واجهتها برد

  • بعد الخيانة... وجدت حبي الحقيقي   الفصل99

    لكن الآن، وبحضور إياد، لم يكن من المناسب الحديث، فلم يكن أمامي إلا أن أبحث عن فرصة أخرى.وحين رأى سُهيل مدى إحراجي، سارع إلى إنقاذ الموقف قائلًا: "هيا بنا، الضيوف وصلوا تقريبًا، والحفل على وشك أن يبدأ."تبعتُ سُهيل إلى قاعة الحفلات، وكانت فرصة أخرى لأعيد تعريف نفسي على معنى النفوذ الحقيقي.ففي "حديقة البردي"، هناك مبنى مستقل مكوّن من ثلاث طوابق على الطراز الغربي، يحوي قاعة حفلات كبيرة، وغرفة مؤتمرات متعددة الوظائف، بالإضافة إلى نادٍ للترفيه، وقد بُني هذا المبنى بمعزل عن المبنى الرئيسي للحديقة، لضمان خصوصية المالك بدرجة كبيرة.وكانت كامل أرجاء المبنى مزينة بذوق رفيع وبأسلوب متواضع، حتى أبسط قطعة ديكور فيه تُعد تحفة فنية يمكن اقتناؤها.وفي تلك اللحظة، كانت قاعة الحفلات تعج بالحضور، يتبادلون الحديث والضحكات، ومظاهر التهذيب والثقافة واضحة على وجوههم.وحين تجولت بعينيّ قليلًا، لمحت بعض الوجوه المألوفة ممن كثيرًا ما يظهرون في نشرات الأخبار، من الشخصيات السياسية البارزة، مما يُظهر مدى سطوة عائلة البردي.وما إن عاد سُهيل، حتى أسرع إليه السيد فوزي وهمس في أذنه، فعلمتُ أنه مشغول هذا اليوم، فابتس

  • بعد الخيانة... وجدت حبي الحقيقي   الفصل98

    "وكيف ستفسّرين الأمر؟""سأقول إنه لا شيء بيننا، أنني لم أنم معك، وأنت كذلك لم تنم معي.""فتاة تخرج لتشرح شيئًا كهذا، ألا يبدو أنني عديم الرجولة أكثر؟""هذا..." شعرت بالانهيار، وبلغت درجة من الحرج لا تُحتمل، "فماذا نفعل إذًا؟"وبينما نحن غارقَين في هذا المأزق، فجأة دوّى صوتٌ من الخلف: "سُهيل، قالوا إنك خرجت خصيصًا لاستقبال ضيف مهم، من هي تلك الشابة الرفيعة التي استدعت كل هذا الاهتمام؟"نظرتُ نحو مصدر الصوت، فإذا بشخص يقترب من خلف سُهيل، طويل القامة، مهيب الطلّة، على وجهه ابتسامة خفيفة.ولم يكن سُهيل قد استدار بعد، لكن ملامحه ازداد تعقيدًا."حقًا... نتحدث عن الشيطان، فيأتي على الفور." تمتم بهذه الكلمات.شعرتُ بتقلّص في حدقتيّ.ماذا؟! هذا هو إياد؟أنا لا أعرفه.ففي النهاية، عائلة إياد تقف على قدم المساواة مع عائلة سُهيل، أما عائلتي ناصر، فهي من طبقة مختلفة تمامًا، لا تلتقي بهؤلاء في العادة.كما أن دائرتي الاجتماعية يغلب عليها الفتيات، ولا أعرف الكثير عن أبناء العائلات الثرية أو ورثة الجيل الثاني.استدار سُهيل ورفع يده بأناقة، يقدّمني قائلًا: "هذا هو صاحب السيارة ذات الرقم 66688، إياد. إيا

  • بعد الخيانة... وجدت حبي الحقيقي   الفصل97

    "لا، لا، ليس كذلك—" لوّحتُ بيدي بسرعة، وواصلت السير إلى الأمام، لكنني لم أتمالك نفسي من النظر إلى سُهيل عدة مرات.كنت في داخلي أُصلّي ألا يكون إياد هو من قاد تلك البنتلي تلك الليلة.لكن للأسف، صلاتي لم تُستجب.لاحظ سُهيل أن ملامحي مضطربة، وكأن لديّ شيئًا أود قوله، فتوقف قليلًا وسأل: "هل التقيتِ إياد مؤخرًا؟"بمجرد أن قال ذلك، فهمت كل شيء تمامًا.آه— تمنيت لو أستطيع أن أختفي من الوجود، وألا يراني أحد مجددًا."ذاك... هل السيد إياد قال لك شيئًا؟" وبعد لحظات من الارتباك، قررت أن أواجه الموقف بصراحة.ضاقت شفتا سُهيل قليلًا، ومرت على وجهه الوسيم النبيل نظرة تحمل شيئًا من الإحراج والغموض."أتعنين—حين قلتِ في شجارك مع فارس إنكِ نمتِ معي، بل ونمتِ كثيرًا؟"قدمي انزلقت فجأة، وكدت أن أقع."انتبهي!" لحسن الحظ، سُهيل أمسك بي في الوقت المناسب.احمرّ وجهي بشدة، وكأن النار اشتعلت في جسدي كله، وما إن وقفت بثبات وأنا أستند على ذراعه حتى أسرعت بإزاحة يده."السيد سُهيل، أنا آسفة... في تلك اللحظة كنت في قمة الغضب من فارس، وقلت ذلك دون تفكير، لم أتوقع أبدًا أن تكون المصادفة سيئة إلى هذا الحد، وأن يسمع صديقك

  • بعد الخيانة... وجدت حبي الحقيقي   الفصل96

    درتُ أمام المرآة عدة مرات، وكنت راضية تمامًا عن مظهري.رنّ هاتفي، وعندما نظرتُ إلى الشاشة، كان المتصل سُهيل."ألو، السيد سُهيل.""جيهان، سيصل السائق إلى أسفل المبنى بعد نحو عشر دقائق.""حسنًا، أنا قد انتهيت من الاستعداد تمامًا، وسأهبط حالًا." أجبت بخفة، ثم أضفت بخجل: "أشعر بالإحراج لأنك كلّفت من يوصلني، لقد أتعبتك.""لا بأس، الطريق الجبلي خطر في الليل، وبما أنني من دعاك، فلا بد أن أضمن سلامتك."كان دائمًا دقيقًا ومراعيًا، لا يترك شاردة أو واردة دون اهتمام.بعد أن أنهيت المكالمة، وضعت الهاتف في حقيبة اليد، ثم أضفت أحمر الشفاه وكريم الأساس، وتأكدت من أن كل شيء على ما يرام، ثم غادرت المنزل.طوال الطريق، كنت في قمة السعادة، يتملكني التوتر والترقّب في آنٍ معًا.في تلك اللحظة، كنت قد نسيت تمامًا كل ما دار في نفسي من حسابات سابقة.ولم أعد أهتم ما الذي تسعى عائلة البردي من ورائه باقترابها مني.كل ما أردته هو أن أرى وأتعلّم، أختبر أجواء هذه الحياة، وأرى سُهيل.نعم، ومن يدري؟ ربما أستطيع أن أفتح بابًا لعقد صفقة مع عميل VIP.بعد ساعة، وصلت الراية الحمراء L5 إلى "حديقة آل البردي".قال السائق: "الآ

  • بعد الخيانة... وجدت حبي الحقيقي   الفصل95

    أدركت الأمر فجأة، لا عجب أن مظهره يبدو شاحبًا ومنهارًا، ووجهه يميل إلى الشحوب."جيهان، ساعدي نورهان، رجاءً… كل ما حدث في الماضي كان خطأنا نحن، هل أستطيع أن أعتذر لك؟ فقط تحلّي ببعض الرحمة واذهبي إلى المستشفى، وساعديها…"تقدّمت سهى فجأة، وأمسكت بيدي بقوة، فكان تصرفها المفاجئ كافيًا لإخافة باغو، فقفز واختبأ خلفي.تعمّقت تجاعيد جبيني، ونظرتُ إلى سهى وأنا أبتسم ببرود في داخلي."يا للغرابة… لم أكن أظن أنني سأسمع اعتذارك في هذه الحياة." لم أستطع كبت سُخريتي."أنا أعتذر لك، جيهان، افعلي بي ما تشائين، فقط اذهبي وأنقذي نورهان، فهي في النهاية أختك، إنها حياة إنسان…" بدأت دموع سهى تنهمر، ويبدو أنها بالفعل لا تطيق فراق ابنتها.من منظور أم، هي بلا شك أم صالحة، ونورهان كذلك محظوظة بها.لكنّ عقلي لا يزال محتفظًا ببعض المنطق: "ما دامت حالتها ميؤوسًا منها، فإن نقل الدم لإطالة حياتها يومًا أو يومين لا معنى له، فلماذا نجرّ من هم على قيد الحياة إلى هذا العذاب؟"كنت أقول الحقيقة.حين أصيبت أمي بسرطان في مرحلته الأخيرة، وقبل وفاتها، خضعت لنقل دم أيضًا، لكن الفائدة كانت ضئيلة للغاية.لم يكن سوى نوع من التخفي

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status