Share

الفصل 10

Author: سيد أحمد
ظلت سارة تتجول لنصف يوم في الضريح قبل أن تغادر، لم يكن لديها وقت للحزن والأسى، فاستمرت في التحري عن الصور التي حصلت عليها.

فمعظم اتصالات أبي بالنساء كانت مع العاملات بالشركة، وبينما أوشكت البدء مع موظفي الشركة، تلقت مكالمة هاتفية.

كانت المكالمة من صامد، ألا وهو الطفل من المنطقة الجبلية التي كان أبي يرعاها، فكان صوته قلقًا بعض الشيء:”يا آنسة سارة، لقد عدت للتو إلى الصين حينها سمعت خبر إصابة السيد رشيد بمرضٍ خطير، هل هو بخير؟

”أشكرك على اهتمامك، لا يزال والدي في المستشفى يتلقى العلاج“.

”حقًا، لماذا يختبر الله شخصًا صالحًا مثل السيد رشيد هكذا؟ في ذلك الوقت، لولا كفالته وإخراجه لنا من الجبل، لما كان بإمكاننا أن نحظى بالحياة التي نعيشها اليوم؟

ومضت فكرة في ذهن سارة، لقد بدأ رشيد في رعاية الأطفال من المناطق الجبلية الفقيرة للذهاب إلى المدرسة منذ سنوات عديدة، إذا كانت زهرة قد اختُطفت وبيعت في أعماق الجبال، أيُعقل أن يكون هذا هو السبب في لقائها بوالدها؟

”أخي صامد، هل تعرف الطلاب الذين يرعاهم والدي؟“

"لقد كنتُ أتصل بهم من أجل السيد رشيد، معظمهم يعرفون بعضهم البعض، إلا حينما غادرت البلاد في السنوات القليلة الماضية فانقطع اتصالي بهم، إذا احتاجت الآنسة سارة إلى أي مساعدة، بغض النظر عما إذا كانت مساعدة مالية أو طاقة، بغض النظر عن مدى صعوبة الأمر، سأفعل ذلك."

التقطت سارة شعاعًا من الأمل وقالت على الفور: ” لدى صورة هنا، هل يمكنك مساعدتي في معرفة ما إذا كان هذ الشخص ساعده والدي من قبل؟"

”حسنًا يا آنسة سارة.“

أرسل لها صامد بعض المعلومات بعد نصف ساعة من إرسال سارة للصورة.

كان للفتاة في الصورة عينان لامعتان وأسنان بيضاء، وفي الواقع كان هناك تشابه بنسبة سبعين بالمئة مع الفتاة الصغيرة التي على شاهد القبر، خاصةً زوج عيونها تشبهان أحمد.

هذه الفتاة تدعى أسماء من جبل قاحل، بدأ رشيد في رعايتها منذ اثني عشر عامًا، كانت نتائجها مُمتازة منذ الصغر وفي المدرسة الثانوية هناك العديد من الجامعات العليا داخل البلاد وخارجها قدمت إليها المنح الدراسية ولكنها اختارت البقاء داخل البلاد للدراسة.

ربما كانت هي الشخص الذي كانت تبحث عنه، طلبت سارة على عجل من صامد الخروج.

المقهى.

وصل صامد في الوقت المناسب، كانت سارة قد قابلته لمرةٍ واحدة قبل عشر سنوات، عندما كان لازال شابًا صغيرًا، على عكس الآن حيث أصبح بالفعل الرئيس التنفيذي لشركة مُدرجة في البورصة، يرتدي بدلة وحذاءً أنيقًا، بدا وكأنه من عِليَةُ القَوْم

حتى لو كانت عائلة سارة مفلسة، إلا أنه ما زال يناديها باحترام، ”هل انتظرت الآنسة سارة لفترةٍ طويلة“.

”لقد وصلت للتو أيضًا، أخي صامد، لن أُراوغ، هل ما زلت على اتصال مع أسماء؟

”في الماضي كنتُ على اتصال بها، وبعد أن غادرت البلاد قلّ اتصالي بأصدقائي في الوطن، وبالحديث عن ذلك لم أكن على اتصال بها منذ عامين“.

”هل تعرف كيف حالها الآن؟“.

”لقد عدت للتو أيضًا إلى الصين منذ بضعة أيام، لم أسمع بما حدث لعائلتكِ من أصدقائي، فأنا و أسماء لسنا على دراية ببعضنا البعض، فقد تواصلت معهم فقط من أجلكِ يا سيدتي سارة.“

أخذ صامد رشفة من قهوته لترطيب حلقه و أكمل قائلًا : “ولكن بما أنها كانت وصية الآنسة سارة، عندما جئت إلى هنا اتصلت بها وكذلك بدائرة أصدقائها، لسوء الحظ كانت الأخبار التي وصلتني أنها ماتت بالفعل، يا إلهي، إنه حقًا أمرٌ مؤسف، كانت درجاتها ممتازة جدًا، فكان ينبغي أن يكون لها مستقبل مُشرق إن لم تمت“.

”كيف ماتت؟“

”السبب الدقيق للوفاة ليس واضحًا تمامًا، سمعت أنها اُنتشلت من البحر.“

عبست سارة، كانت هناك العديد من الشكوك حول الأمر، حيث كانت زهرة تبلغ من العمر ست سنوات تقريبًا عندما اختُطفت، يجب أن تكون لديها ذكريات.

بما أن والدها كان يرعاها، لماذا لم تطلب المساعدة؟ عندما جاءت إلى هذه المدينة لماذا لم تعد إلى عائلة الفارس؟

وسؤالًا لآخر ما هي علاقة موتها بوالدي؟

”هل كان أبي طيبًا معها؟“ سألت سارة بتردد.

”لقد كانت حياة أسماء هذه حقًا بائسة، فقد توفي كلا والديها في سنٍ مبكرة جداً، وقد تم قبولها في هذه المدينة بمفردها، وقد اعتنى بها السيد رشيد دائماً، ويقال أنه بسبب شخصيتها المنعزلة كانت تتعرض للتنمر من قبل زملائها في المهجع، حتى أن السيد رشيد استأجر لها شقة صغيرة خصيصاً فقط لجعل دراستها تسير بسلاسة.“

وضع صامد فنجان قهوته جانبًا،” لماذا تشعر الآنسة سارة بالفضول تجاه أسماء؟

”أريد فقط معرفة سبب وفاتها وعدم تركها تموت عبثًا.“

سارة قد خططت في الأصل للحصول على عشرة ملايين بعد طلاقها من أحمد، ومغادرة هذا العالم بعد إنتهاء الاهتمام بشؤونها الخاصة

والآن كان لديها فكرة أخرى، وهي أن تصحح اسم والدها وتنتقم لعائلتها.

إذا لم يخبرها أحمد، فسوف تتحري بنفسها وستكون قادرةً دائمًا على اكتشاف الحقيقة.

فكر صامد للحظة وأخرج بطاقة عمل من مِحفظته،” يا آنسة سارة، إنه صديقي، محقق خاص مشهور جدًا، إذا أردتِ معرفة أي شيء، يمكنه مساعدتك.“

”شكراً لك يا أخي صامد.“

”لا داعي للشُكر يا آنستي، فبعد كل شيء، قد عرفتُ أسماء لفترةٍ من الوقت، آمل أيضًا أن تمت ميتة كريمة، حاليًا أنا متواجد في البلاد، يمكن للآنسة سارة الاتصال بي إذا كان هناك أي شيء، لا يزال لدي اجتماع لاحقًا، لذا لن أزعجك.“

”اعتنِ بنفسكِ.“

اتصلت سارة بالمحقق الخاص الذي أخبرها له، وأرسلت معلومات الشخص، وجددت نشاطها.

عندما عادت إلى المستشفى، استدعاها الطبيب المعالج، الطبيب طارق، إلى مكتبه.

شعرت سارة بشعورٍ سيء وقالت بقلق:”أيُها الطبيب طارق، كيف حال والدي؟ متى سيستيقظ؟

”يا آنسة سارة، عليكِ أن تكوني مستعدة نفسياً، على الرغم من نجاح العملية الجراحية لوالدك، إلا أنه قد تعرض لحادث سيارة قبل ذلك، والآثار اللاحقة للمرض تدُل على عدم وجود أي علامة لاستيقاظة، فمن المحتمل أنه ...... لن يستيقظ لبقية حياته.“

شعرُت سارة بالألم في قلبها، وارتجفت يدها للغاية والتي تحمل الكوب الذي يستخدم لمرةٍ واحدة.

نظر إليها الطبيب طارق بتعبير متأثرًا إلى حد ما، وتنهد بلا حول ولا قوة قائلًا:”يا آنسة سارة لا داعي لأن تثبطي من عزيمتكِ أيضًا، أنا فقط أقول أن هناك هذا الاحتمال، إذا كان والدكِ يستطيع أن يستيقظ في نهاية هذا الشهر، فلا توجد مشكلة كبيرة“.

رفعت سارة عينيها رماديتين وبصوتٍ مختنق قالت :” إذا لم يتمكن من الاستيقاظ سيصبح في حالة ثُبات، أليس كذلك؟“.

”هذا صحيح، لذا آمل أن تكون الآنسة سارة مستعدة نفسيًا في أقرب وقت ممكن وأن تُخطط للمستقبل“.

كان الطبيب طارق يعلم أنه لم يكن من السهل عليها أن تكسب المال، ولم يكن هناك حاجة لإنفاق المال على شخصٍ مات إكلينكيًا .

وقفت سارة واضعة يديها على الطاولة وقالت بحزم: ”لن أتخلى عن والدي مهما كانت النتيجة، فأنا أعتقد أن معجزةً ستحدث“.

خرجت سارة من المكتب وهي في حيرة من أمرها، لم تكن تتوقع أن تسوء الأمور إلى هذا الحد، إذا لم يستيقظ والدها في حياته، فلن يستطع قول الحقيقة مُطلقًا

ويجب ألا تموت بهذه السهولة!

هرعت إلى قسم الأورام، وكان باسل قد انتهت للتو من تشخيص حالتها عندما اقتحمت سارة المكان.

”يا زميلي الأكبر، ساعدني.“

رأت باسل وجهها مليء بالذعر، وجذبت زاوية معطفه، كما لو كانت طحلب عائم وجدته في وسط البحر تتوسل كلمة بكلمة، ”يا زميلي الأكبر، سواء كان علاجًا كيميائيًا أم عمليةً جراحية، أود أن أعيش لفترةٍ أطول ......“

فقط على قيد الحياة يمكنها معرفة الحقيقة، يمكنها قدر الإمكان مرافقة والدها لفترة من الوقت.

لم يكن باسل يعرف ما الذي حدث لها ليعطيها الأمل في البقاء على قيد الحياة، كطبيب، كان سعيدًا.

”حسنًا، سأرتب لكِ المرحلة الأولى من العلاج الكيميائي على الفور.“
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Comments (198)
goodnovel comment avatar
Oum Adam
أين التكملة
goodnovel comment avatar
jedlibesma.enit
le reste ?
goodnovel comment avatar
Khadija Balliwech
انكم تضحكون على الناس فمن الأول يجب معرفة انا يجب أن ندفع لقاء تتمة القصص فالعرب كلهم ماديون وأصحاب للحيل للاسف
VIEW ALL COMMENTS

Latest chapter

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 834

    في تلك الليلة لم يغمض لسارة جفن تقريبًا، ظلت طوال الوقت في حالة قلق وتوجس.كانت تخشى أن يقتحم حسني الباب في أية لحظة، وفي الوقت ذاته يساورها القلق بشأن حاله وما قد يكون قد أصابه.بينما كانت السفينة بأكملها غارقة في أجواء الصخب والمرح، لم يكن هناك سوى سارة وحدها تحرس تلك البقعة الصغيرة من السكينة.جلست على الأرض، عانقت ركبتيها بيديها، وراحت تحدّق في القمر البارد المعلّق خارج النافذة، ولم يبق لها في هذه الدنيا سوى ضوءه رفيقًا.كان قلبها مضطربًا، تعود بها الذكريات إلى كل ما مرّت به طوال الطريق، لتكتشف أن حياتها لم تكن سوى عبثٍ وسخريةٍ قاسية.تساءلت في أعماقها ما الذنب الذي اقترفته لتُحرَم من طفلها، وتعيش كل يوم في مطاردةٍ وهروبٍ لا يجرؤ صاحبه على الظهور في النور؟حتى أنها فكرت، لو أن هذا الباب دُفع في هذه اللحظة، ماذا يمكنها أن تفعل؟والجواب كان واضحًا، لا شيء.الفارق بين قوتها وقوته شاسع كالسماء والأرض، وإن أراد أن يغتصبها فلن يكون أمامها سوى الخضوع.ومن أجل طفلها لم يكن مسموحًا لها أن تفكر في الموت، بل عليها أن تنقش هذه الليلة المذلة في أعماق روحها إلى الأبد.الهرب لم يكن خيارًا ممكنًا.

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 833

    كان وعي أحمد ينهار مرة بعد مرة على حافة الانفجار، عيناه قد احمرّتا بالدم، ورغم ذلك قاوم آلام جسده وقال بصوت متحشرج: "لا حاجة".قال الطبيب بجدية: "سيدي، تحت تأثير الدواء ستبقى في هذه الحالة، وإن لم تجد متنفسًا فقد يتفاقم الأمر، نصيحتي أن تجد امرأة، فهذا الحلّ مباشر وآمن بلا آثار جانبية".حدّق أحمد فيه بعينين داميتين، حتى شفتاه الرقيقتان قد انفتحتا من شدّة العضّ حتى سال الدم، ثم أجاب بصوت منخفض أجشّ: "قلتُ لا داعي! أعطني الدواء".تنهد الطبيب بمرارة، وكأنه يواجه ثورًا عنيدًا.ثم قال: "حسنًا، لكنني لا أتحمل مسؤولية أي مضاعفات، وحالتك لن تكفيها حقنة واحدة، بل تحتاج إلى اثنتين".ضغط أحمد على أسنانه وقال: "أعطِها لي".حين اخترقت الإبرة جلده ببطء، أغلق أحمد عينيه بإحكام، ولم يسيطر على فكرة واحدة تتردد في ذهنه.لقد كاد يؤذيها مجددًا.في غرفة أخرى مهيّأة بأجواء خادعة، تحيطها المرايا من كل جانب لتكشف الجسد من كل زاوية.كانت امرأة تتمدد فوق السرير، إنها رغدة التي حاولت إغواء أحمد وفشلت.ظنّت أنها اصطادت سمكة كبيرة، لكنها لم تدرك أنها وقعت في شِباك حوت قاتل، وحش لا يرى في الشيطان سوى لعبة.قبل قليل

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 832

    لم تستطع سارة أن ترى ملامح وجهه، لكنها شعرت بجسده وهو يتألم بشدّة، فسألته بخوف: "إذًا أنت..."أجابها بصوت مبحوح: "سأتدبّر أمري بنفسي."وقد وصلت الأمور إلى هذا الحد، فبقاؤها أكثر من ذلك معناه أنها تُعطيه الفرصة بيدها.انزلقت سارة بخفة إلى غرفتها، وأسرعت تغلق الباب بالمفتاح، ولم تكتفِ بذلك، بل حركت الطاولة والكراسي لتسندها إلى الباب خشية أن ينفلت منه زمام نفسه.بعد أن أنهت ما فعلت، جلست على الأرض تتنفس بصعوبة من شدّة الإرهاق.مدّت أصابعها تتحسس الموضع الذي قبّلها فيه منذ قليل، وفي الحقيقة، كانت قد استغرقت في ذهولها آنذاك حتى إنها لم تشعر بالكثير.إنها المرة الأولى في حياتها التي تُقبَّل فيها من رجل آخر، والإحساس غريب ومُربك.الأغرب من ذلك أنها حين لامست يداه جسدها لم ترتجف كثيرًا، بل بدا وكأن جسدها قد اعتاد على لمسته منذ زمن بعيد.ومضت في ذهنها صور قديمة تجمعها بأحمد، فانتفضت بسرعة، وغسلت وجهها بماء بارد، ثم شربت كوبًا كبيرًا من الماء لتطفئ النار المشتعلة في صدرها.تمتمت في سرّها فلنترك له الليلة... عسى أن يجد خلاصه.تمدّدت بجوار طفلتها، وقلبها يخفق بقوة كما لو أنها سارقة تتوجّس من انكشا

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 831

    ذلك الرجل الشامخ بدا في تلك اللحظة متشبّثًا بها برقةٍ وضعفٍ، فارتجف جسد سارة ارتجافًا خفيفًا، وقد أدركت كم تفوقها قوّته بدرجاتٍ شاسعة.في مثل هذا الوضع كانت تعلم جيدًا أن إثارة غضبه أكثر من اللازم سيجعل رغبته في السيطرة أعنف، وعندها لن يكون هناك سبيل للرجوع.أخذت نفسًا عميقًا، واستغلت بقايا عقله التي لم تزل صامدة، وبدأت تكلّمه بهدوء محاولة إقناعه: "يا حسني، أي أمر آخر يمكنني أن أساعدك فيه، إلا هذا الأمر فأنا لا أستطيع."قال بنبرة مضطربة: "لا تستطيعين؟ هل ما زال قلبك معلّقًا بذلك الرجل؟"كان أحمد قد بلغ حدود انهيار عقله، ومع ذلك كان يتجلّد قهرًا لرغبات جسده، محاولًا أن يستغل هذه اللحظة ليعرف حقيقة ما يختبئ في أعماق قلبها.فهي إن رفضت أن يلمسها أحد، فهل هذا يعني أنها ما زالت تحبّه هو؟قطّبت سارة حاجبيها وقالت بصرامة: "لا، لقد تطلّقنا، وصرت حرة في نفسي، ولا شأن له بي بعد الآن."لمع في عيني أحمد بريق خافت من الخيبة، وقال: "إن كان الأمر كذلك، فلماذا لا أكون أنا؟ يا سيدتي، يمكنني أن أتحمل مسؤوليتكِ، وأن أرعى ابنتكِ كأنها ابنتي، وأعدكِ أنني لن أخذلكِ أبدًا."توقف قليلًا ثم أضاف: "حتى إن لم تر

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 830

    كانت تلك المرأة الملعونة قد خشيت أن يرفض الانصياع، فزادت من جرعة الدواء، ظن أحمد أنه لو صبر قليلًا لانتهى مفعوله.لكن العكس هو ما حدث، إذ أخذ أثر الدواء يتضاعف بسرعة أكبر، والإحساس يشتد بقوة، حتى شعر أن عقله يطفو، وجسده يحلّق وكأنه عالق فوق الغيوم.أنفاسه الحارة انسابت قرب أذن سارة، فجعلتها ترتجف باضطراب.قالت وهي تحاول المقاومة: "لا، هذا لا يجوز، أنا..."لكنها لم تكمل، فقد باغتها الرجل، والتصقت شفتاه بشفتيها بلا أي إنذار.دوم دوم دوم.خفق قلبها بعنف، وصداه يتردد في صدرها.صحيح أنها لم تُحب إلا أحمد، ورغم أنهما مطلّقان الآن وهي امرأة حرة، لا يقيّدها شيء.إلا أنها لم تفكر يومًا أن تربطها علاقة برجل آخر.كان ذلك القبلة المفاجئة كالصاعقة، أغضبتها وأذهلتها، وبعد لحظة من الصدمة بدأت تفيق وتقاومه.قالت باضطراب وهي تحاول التملص: "يا حسني، أفق قليلًا، أنا..."لكن جسده كان أشبه بفرن مشتعل، يطوّقها تمامًا، مانعًا إياها من الإفلات.تمتم بصوت خافت مبحوح: "فات الأوان."ثم أضاف قرب أذنها: "لم أعد أستطيع التوقف... سامحيني."منذ البداية، حين لم تكن سارة قريبة، كان قادرًا على كبح نفسه.لكن وصول الأمور

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 829

    استغل أحمد فارق طوله، فمدّ يده ليغطي زر الإضاءة ويمنع سارة من تشغيله.لم يكن يريد لها أن ترى حالته المرهقة في تلك اللحظة.قال بصوت منخفض: "يا سيدتي، لا تقلقي، أنا بخير فعلًا، اذهبي ورافقي ابنتكِ مارية."لكن كلما ازداد تستره، ازداد قلق سارة، فأيقنت أن إصابة ما لحقت به، وأنه يخفي الأمر كي لا يقلقها.ومع أنه كان يحول بينها وبين تشغيل الضوء، إلا أنها في لحظة توتر مدّت يدها تتحسس جسده.كان أحمد يزداد كبتًا وضيقًا حتى كاد يجن، فخفض صوته قائلًا: "لا تلمسيني."قالت بحدة: "إذن قل لي ما الذي حدث لك بالضبط؟"أجابها باقتضاب: "لا شيء."لكن سارة لم تصدقه، فقد كان يتصبب عرقًا، ولا بد أن إصابته خطيرة، وإلا لما سال منه العرق بهذا الشكل من شدة الألم.لكن أين موضع الجرح؟راحت تتحسس بعشوائية، فلم يصبر هو أكثر، وفجأة أمسك بها بعكس حركتها وضغطها على السرير الفردي المجاور.سقطا معًا، وشعرت سارة فورًا أن السبب ربما أنه فقد الكثير من الدم ولم يعد قادرًا على الوقوف بثبات، ولم يخطر ببالها اتجاه آخر مطلقًا.قالت بلهفة: "يا حسني، أين أصبتَ؟ قل لي بسرعة."انسكب صوتها القلق قرب أذنه، يثير بداخله قشعريرة خفيفة.ظل أح

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status