เข้าสู่ระบบقالت يارا بدهشة: "ماذا؟ ماذا حدث؟"أطرق رامي رأسه، وعيناه ممتلئتان بالحزن، ثم قصّ عليها ما حدث له في صغره.بعد أن أنهى حديثه، خيم الصمت على يارا، وتبدلت نظراتها إلى دهشة يكسوها الأسى.لماذا يجب أن يكون والده قاسيًا إلى هذا الحد؟"الآن فهمتِ، أليس كذلك؟" كم من المآسي يمكن لأسرةٍ تعيسة أن تورثها لمن بعدها. لذلك غيّرت رأيي، سأقبل بالزواج كما يريد، لقد قلت كل ما لدي، سأغادر الآن."ثم استدار ليغادر.نهضت يارا بسرعة وأمسكت بكمّه قائلة: "رامي، هل ستقبل ترتيب والدك فقط لأنك تخاف من أن يؤذيني؟"استدار رامي وابتسم لها بلطف وقال: "يارا، لا تحمّلي نفسك أي عبء، هذا قدري، وأنا سأستسلم للقدر. أعلم أنكِ سترحلين قريبًا، لذا أريدك أن تبتعدي قدر الإمكان، من الأفضل ألا نلتقي مجددًا، فربما تكون هذه آخر مرة نرى فيها بعضنا."خفق قلب يارا بعنف، وكأن بعض المشاعر انفجرت في عقلها.قالت بانفعال: "لا، لن تكون هذه آخر مرة نلتقي فيها، لا تكن متشائمًا هكذا."حين رأى رامي دموعها تتلألأ، مد يده برفق يمسحها وقال بصوت متهدّج: "أرجوكِ، لا تبكي... لا أطيق رؤيتك هكذا، لقد بكيتِ كثيرًا من أجل الآخرين، لا أريد أن تبكي من أجل
قالت يارا: "حسنًا، أعدك، تكلّم بسرعة."كانت فضول يارا يزداد أكثر فأكثر.فكر رامي قليلًا، ثم قال: "ألم يظن والدي من قبل أننا على علاقة؟ فلو أنّ...""رامي!" قاطعته يارا فجأة، ونادت اسمه بصوت مرتفع.حين سمعت ذلك، قد فهمت تمامًا ما كان يحاول قوله."لا تقل لي إنك تريد أن نتزوج؟!"رأى رامي ردّ فعلها الكبير، فتوقّف في منتصف الجملة، وابتلع ما كان سيقوله.قال بخفوت: "لقد وعدتِ ألا تغضبي مني، فاعتبري أنكِ لم تسمعي شيئًا."نظر إليها برجاء صادق، كطفلٍ جائعٍ يفتقد الدفء، يثير الشفقة.حين رأت يارا رامي بهاتين العينين اللامعتين، رق قلبها علي الفور.تنهّدت يارا، وقالت برقة: "رامي، لست غاضبة، لكن كيف فكرت في طريقة كهذه؟ إنها متهوّرة جدًا، نحن صديقان فقط.""أعرف، كنت أفكر في زواجٍ صوري بيننا، لكني خفت أن ترفضي، ولذلك كنت مترددًا، وربما ما كان عليّ أن أقول ذلك، أعتذر، ما كان ينبغي أن أفكر في هذه الطريقة، اعتبري أنني لم أقل شيئًا."حين رأت يارا ملامحه المفعمة بالأسى، أدركت كم هو مضطرب في تلك اللحظة. فرفعت يدها وربتت على كتفه برفق قائلة: "سنفكر في حل آخر معًا."كانت فكرة الزواج من رامي لا تُصدَّق بالنسبة
بما أن هذا ما أخبرها به عاصم بنفسه، حتى لو ابتعد رامي عن عائلة شاهين، فلن يتركه عاصم وشأنه، بل سيقلب حياته جحيمًا، وحتى لو أراد رامي السفر إلى الخارج، فسيمنعه أيضًا من ذلك.تساءل رامي بحيرة: "يارا، هل قال لك شيئًا؟"أومأت يارا برأسها: "نعم، لقد طلب مني أن أقنعك بالزواج، لكن الآن لا أعرف ماذا أفعل، إن تزوجت، فستتزوج امرأة لا تحبها، وإن لم تتزوج، فسيدمّر والدك حياتك."مهما كان اختياره، فلن يجد السعادة.قال رامي بحزم: "لقد اتخذت قراري، لن أتزوج، حتى لو فقدت كل شيء لا يهم، لقد عشت حياتي كلها تحت السيطرة، ولا أريد أن أستمر في العيش على هذا النحو بعد الآن."لم تستطع يارا أن تتصور كيف سيتحمل رامي السقوط من الجنة إلى الجحيم.كان والده مهووسًا بالسيطرة، ولا بد أنه سيفعل شيئًا مؤلمًا، ربما يدسه في التراب، وحينها إن لم يتحمل رامي هذا الفارق النفسي، فماذا لو حدث له مكروه؟قالت يارا فجأة وكأنها تذكرت شيئًا: "صحيح، هدف والدك فقط أن يجعلك تتزوج، كما قال إنه إن كانت لديك حبيبة فلن يتدخل، ماذا عن هالة؟ ألست تحبها؟ إن تزوجتها فستجد سعادتك ولن تفقد كل شيء، أليس هذا حلًّا مثاليًا؟"هزّ رامي رأسه بسرعة وقا
"هل أنتَ أبلة؟ لقد أخبرتك بكلمةِ السر، كان يمكنك أن تدخل مباشرة وتنتظرني، لماذا تنتظر في الأسفل؟"ابتسم رامي بابتسامة دافئة، وقال: "أنتِ لستِ في البيت، وليس من اللائق أن أبقى في منزلك، ذلك بيتك."كان يدرك حدود التعامل بدقّة ولباقة.قالت يارا بلا حيلة: "يا لك من أبله! تذكّر، بيتي بيتك، يمكنك الدخول متى شئت، ولا تفعل هذا مجددًا، ماذا لو كان الشتاء والثلج يتساقط في الخارج؟"؟ هل كنت ستقف هنا تنتظر بتلك الحماقة؟"أومأ رامي برأسه، وقال: "نعم."كان يبدو فعلًا ساذجًا بعض الشيء، لكنّ ملامحه شديدة الوسامة، فيبدو كأنه أبلة وسيم، مما يُضفي عليه جاذبية معاكسة.تنهدت يارا بيأس، تفكّر في التناقض الغريب بين الرجال؛ فبعضهم يبلغ غاية الخسّة، وآخرون أقصى الطيبة."ما الذي جرى هنا؟" رفعت يارا يدها، ولمست شفتيه برفق، فوجدت أنهما جافتان ومتشققتان، بل ويسيل منهما الدم.حركة بسيطة كهذه جعلت عيني رامي تتلألآن، وهزّ رأسه قائلًا: "لا شيء، ربما مرّ وقت طويل ولم أشرب ماء."قالت: "أحمق، مرّ وقت طويل ولم تشرب ماء؟ ألا تشعر أنتَ بنفسك؟ فمك جف حتى سال منه الدم.""لا بأس." مع أنّ يارا كانت توبّخه، إلا أنّ هذا من اهتمام
صعدت يارا إلى السيارة بمساعدة سهير.كانت صامتة جدًا، جلست يارا صامتة في المقعد الأمامي، حتى إنها نسيت أن تربط حزام الأمان، ورغِبَت سهير في أن تربط لها الحزام بيدها، ثم انطلقت بالسيارة.سهير ساقَتِ السيارة لعدة دقائق، ولم تتحدثا كلتاهما، ونظرت إلى يارا عدة مرات، وفي قلبها بعض القلق، وأخيرًا لم تَسْتَطِع أن تصمت، فقالت: "أنا أعرف أنّ الخطأ خطئي، لم يكن يجب أن آخذك إلى هناك، لم أكن أظن أنّ كريم سيقوم بـ...""أمي." قاطعتها يارا بقولها: "هذا لا يدخل ضمن مسؤوليتك، وأنتِ أيضًا لم ترغبي في ذلك، لا بأس، لقد اعتدتُ على هذا."وحين رأت سهير تعابير يارا الهادئة، استطاعت أن تتخيّل كم مرة تألّمت.ليس الإنسان متبلّدًا بطبعه، بل لأن كثرة التجارب علّمته أن لا قدرة له على التغيير، فاستسلم للعجز، وعلم أن لا قدرة له على التغيير، فأُصيب بالعجز.فكّرت سهير قليلًا، ثم قالت: " في مسألةِ حملِكِ، لا تخبريه بها، أنا أتراجع عن كلامي السابق، لأني الآن فجأة أشعر أنه لا يستحق أن يعرف."شعرت يارا بوخزة في قلبها، وقالت: "أمي، هل ترين ذلك فعلًا؟"أجابت سهير بـ"نعم"، ثم قالت: "هو لا يستحق أن يكون أبًا، وستجدين من هو أفضل
كان كريم على وشك أن يرد على سهير، لكنّه تذكّر شيئًا فالتفت نحو رنا، وامتلأت عيناه بجفاء ثقل، ثم قال: "حسنًا، سألقاك الليلة."ردت سهير: "حسنًا، إذن هكذا، ولا تنس ما قلته وأنت ثمل البارحة. أنا أساعدك هنا، فلا تفوّت الفرصة، ولا تكرر الخطأ، سأغلق الخط الآن."لو لم يكن هذا ابنها البيولوجي لَمَا قالت كل هذا الكلام.هي لا تذكرُ الأحمقِ بما يُفيد؛ أنتَ أحمق، فتُترك أحمقًا، لكنها مع ابنها البيولوجي تبلّغُه أنه أحمق ويجب أن يتغيّر.سهير على وشك أن تغلق الهاتف، فتدخل كريم بسرعة: "أمّي، البارحة لم يكن يجب أن تستخدمي هاتفي لإرسال تلك الرسائل إلى رنا.""لقد أرسلتها، ماذا تريد أن تفعل؟"صحيح أن استعمال هاتف غيرك لإرسال رسائل أمر خاطئ، لكن سهير تبرّر فعلها بلا خجل.تنهد كريم، وقال: "تلك الرسالة، حتى لو أرسلتِها فليس لها معنى.""إن لم يكن لها معنى فلماذا تسألني؟""أريد فقط أن تعرف رنا أنها لم تُرسَل منّي، لا يمكنني أن أرسل لها رسالة مثل تلك.""فماذا سترسل لها؟" سألت سهير: "رسائل حبّ؟""أمّي، توضّحت الصورة الآن، سأنهي المكالمة الآن، عليّ البقاء مع رنا." ثم أوقف المكالمة.خاف أن يطيل الكلام فيغضب رنا، فح







