قال والد منار: "أتظنين أن سمير ما زال مسكينًا كما كان في الماضي؟ ذاك كان سمير في الماضي، أما سمير في الحاضر فيتولّى دفة مجموعة القزعلي، نحن نعيش في الخارج، لكن عليكِ فقط أن تنظري إلى أهل المدينة، جميعهم يراعون مكانته، حتى إبراهيم القزعلي لا يجرؤ أن يقول أكثر من كلمتين أمامه".سكتت والدة منار عاجزةً عن الرد، ثم انفجرت باكيةً: "هل سنقف مكتوفي الأيدي ونرى منار تتألم؟ لو كان الأمر كذلك، فليتني أنا من يتألم عوضًا عنها!"كانت منار ابنتهما، ومن الطبيعي أن يفكِّرا في كل السبل لإنقاذها.غير أنّ والدها يحمل فوق كتفيه مجموعة العامري بأسرها، أفواهًا تنتظر قوتها، فلا يملك أن يتجاهلهم.ولا بدّ أن يتأنّى في تدبيره.أدلت نور بأقوالها في مركز الشرطة. وأُثبت أنّ التسجيل الصوتي لم يُفبرك. لا وجود لجريمة مثالية في هذا العالم.ومهما عطّلت منار الكاميرات لتمحو آثارها، فإن كل عبثٍ سينكشف لا محالة.حيث كُشف أنّ سائقها ساعدها في تعطيل كاميرات المراقبة.فلما استُدعي السائق للتحقيق، ظهر الحقّ.كادت منار تنهار وهي تجلس في غرفة الاستجواب، وصرخت تطلب محاميًا وتلتمس لقاء والديها!أدّت نور ما عليها، فلم تعد تبالي ب
"هيَّا، تعالي معنا يا آنسة منار".أدرك الشرطيون أنّ منار تتظاهر بالضعف كي تفلت من المسؤولية. فساروا وفق القواعد، غير عابئين بالمجاملات.رفضت منار الانصياع، فاضطر الشرطيون إلى استخدام القوَّة.أرسلوا شرطيتين لرفعها عن السرير.ازدادت فزعًا، فبكت قائلة: "لا أريد، لا أريد الذهاب إلى مركز الشرطة! أمي، أنقذيني، لا أريد الذهاب!"تشبثت الأم بابنتها وهي تقول: "اتركوا ابنتي، لا تلمسوها!"لكن شرطيَّا آخر أبعدها عنها.حُملت منار وهي تصرخ، وحين لم تجد جدوى من أمها، التفتت إلى أبيها قائلة: "أبي، أنقذني! لا أريد السجن، أرجوك أنقذني!"اُقتيدت الفتاة.وقف والدها يتألم، لكن الشرطة أصرت، ونور لم تتراجع، فاشتعل غضبه وخاطبها بوجه متجهم: "آنسة نور، ألا تنوين حفظ ماء وجهي ولو قليلًا؟"أجابته: "سيد العامري، أفهم حبك لابنتك، لكنك بحمايتها هكذا لا تنقذها، بل تؤذيها. ستبقى جاهلة بخطئها وبثمنه حتى تأتي الكارثة، وحينها لن يجدي الندم. أتظن نفسك قادرًا على حجب السماء بيدك؟"سألته وهي تحدِّق به.هل سيندم يومًا إذا قتلت ابنته حقًا إنسانًا، ولم يعد المال يجدي في حل الأمر؟ لقد دلّلها وأطاعها أكثر مما ينبغي.قال الشرطيو
وجَّه سمير نظره العميق نحو نور؛ خشي أن تُظلم في البداية. كان سيقف إلى جانبها، سواءٌ أكانت قد دفعت منار أم لا. إن أراد آل العامري زجَّها في السجن، كان ليستميت في تهديدهم ليُخرجها. ولما طلبت منه نور أن يصمت، لزم الصمت طوال الوقت. استعاد طمأنينته حين رآها تواجه الموقف وحدها.أخذ الشرطي مسجل الصوت، وحدّق في والدة منار وابنتها وقال: "إن ثبتت الواقعة، فهذه تُعد جريمة شروع في قتل. صحيح أن أحدًا لم يُصب بأذى، لكنكِ ستُحاكمين!"رأت والدة منار أن الشرطي يميل إلى نور، فاتهمته قائلة: "أيها الضابط، لم تقوموا بالتحقيق بعد! هذه المرأة هي المشبوهة، لا علاقة لهذا بابنتي! أنتم تتسترون عليها! هل تستسهلون ظلمنا لأننا في الخارج معظم الوقت؟ هذا تجاوز للحدود!"ضاقت ملامح الشرطي غضبًا وردّ بحدة: "أتشككين في نزاهتنا؟"كان والد منار قد استوعب أن الموازين انقلبت، وأدرك أن التسجيلات المزورة مهما بلغت دقتها لا تخلو من ثغرات، وأن جرأة نور على تسليم التسجيل تكاد تحسم صحة كلامها. فاختار أن يكبح جماح الموقف، وألا يصطدم بالشرطة. بدّل ملامحه إلى ودٍّ، وجذب زوجته إلى الوراء جاعلًا إياها تسكت، وقال: "سيدي الضابط، زو
لبّى والد منار رغبتها، وقال: "أيها الضباط، هل يمكن أن نتحادث في الخارج؟ آنسة نور، فلتخرجي رجاءً، فوجودك غير مرحب به هنا!"نظرت نور إلى منار، فرأت تمثيلها للضعف الذي يناقض التغطرس الذي أظهرته عند الرصيف.كانت نور تدرك تمامًا أن منار تتصنع الضعف وتتمسكن، لتوهم الجميع بأنها الضحية، فقهقهت بسخرية وقالت: "أأنتِ خائفةٌ مني أم تخافين أن أفضحكِ؟ أم تظنين أنني سأعجز عن فعل أي شيءٍ بمجرد أن تتصنعي دور الضحية على سريرك؟"راودت منار بارقة أمل، إذ لا دليل ضدها، وجراحها أفدح من نور، فظنت أن بمقدورها تضليل الجميع.غير أن القلق أطبق على صدرها خوفًا من أن تُكثر في الكلام فتفضح نفسها.فهذه أول مرة ترتكب فيها مثل هذا الفعل. كل ما أرادته أن تنقضي هذه الأزمة سريعًا، وأن تسجن نور فتستريح.تشبثت بيد أمها وهي تقول: "أمي، أمي، أرجوكِ أطرديها فورًا، لا أريد رؤيتها بعد الآن!" أرادتها أن تخرج فحسب، حتى يهدأ قلبها.وما إن أنهت كلماتها حتى انطلق تسجيلٌ صوتي يقول: "لقد اكتشفتُ أنكِ لعنتي، بوجودكِ لا أحصل أبدًا على ما أريد، ولن يتحقق ما أريد إلا بزوالكِ من هذا العالم....""لا أحد هنا غيري، ولا توجد كاميرات مراقبة، و
تحدثت منار والدموع تنهمر من عينيها، وشدت يد والدتها، وبدت وكأنها خائفةٌ من نور للغاية.فأثار ذلك غريزة الأمومة لدى والدتها، فضمّت ابنتها إلى صدرها، وحدجت نور بنظرات مليئة بالكراهية وقالت: "أيُّ حجة ستتذرعين بها الآن؟ ابنتي شهدت عليكِ، أنتِ من حاولتِ إيذاءها! يا لكِ من امرأة خبيثة، غرت من ابنتي لأنها متفوقة، أليس كذلك؟"وتطلع والدها إلى سمير وقد بدا واثقًا، وأطلق ضحكة ساخرة قائلًا: "ابنتي أفاقت، ولن تفلت من العقاب! إبقاء هذه المرأة ذات القلب السام إلى جوارك لن يجلب لك سوى المتاعب يا سمير!"وبينما هم يتحدثون، وصل رجال الشرطة إلى المكان.نظرت إليهم والدة منار وكأنها تراهم المنقذين، فأسرعت نحوهم وشدت ثيابهم قائلة: "أيها الضباط، أخيرًا وصلتم! هذه المرأة آذت ابنتي، أسرعوا بالقبض عليها وزجّها في السجن قبل أن تضرّ بغيرها!"لكن الشرطة لن تحكم دون تحقيق، فسأل الضابط الحاضرين: "من أبلغنا بالحادث؟"فوقفت نور وقالت بثبات: "أنا من أبلغت".أخرج الضابط قلمه وبدأ يدون، ثم سأل: "ما أخبرتِنا به في الهاتف سمعناه، لكن أرجوكِ أعطينا التفاصيل لنتمكن من التحقيق!"بدأت نور بسرد الأحداث وهي تنظر إلى منار بلا خو
قالت سالي، عاجزةً عن كبح غضبها لما رأت تلك المرأة تجادل بغير منطق: "ألم تسمعي نور تقول إنها أيضًا سقطت في البحر؟ تجعلين ابنتكِ الضحية، بينما نور هي الضحية الحقيقية! لم نتهم ابنتكِ، وأنتِ تقلبين الحقائق وتتهمين نور أولًا!"قالت والدة منار: "ابنتي لا يمكن أن تؤذي أحدًا! من يرقد على السرير الآن؟ ليست نور، إذن هي من آذت ابنتي! لن أصدق أبدًا أنها سقطت عرضًا في البحر! لعل نور ادعت السقوط لتخفي جريمتها!"أيقنت أن نور دفعت ابنتها إلى البحر غيرةً منها.بوسع نور أن تكذب كما تشاء، إذ لم يرَ أحدٌ الحادثة.قالت سالي: "أنتِ حقًا عنيدة! فلنبلغ الشرطة، فلتكشف الشرطة الحقيقة!"أجابت والدة منار بعجرفة: "حسنًا، فليحققوا في الأمر! أود أن أرى كيف ستتمكن من التمثيل!"نظرت نور إليها بثبات وقالت بهدوء: "لقد أبلغتُ الشرطة بالفعل، وسيصلون بعد قليل، وسينكشف كل شيء!"لم ترتبك والدة منار، بل ابتسمت ساخرًة لمّا رأت ثقة نور: "اطمأننتِ لأن الأدلة معدومة! فقد تحققتُ ورأيت أن كاميرات المراقبة في ذلك المكان معطلة منذ أيام! سيفشل تحقيق الشرطة، لكن أيًا يكن، سأجد مئة طريقة لأرسلكِ إلى السجن إنصافًا لابنتي!"سمع سمير كلامه