كيف يحوّل المخرج قصه قصيره إلى فيلم قصير؟

أحب تحويل كلمات مكتوبة إلى صور متحركة، ولهذا أحب هذا التحدي. أول ما أفعله هو قراءة القصة عدة مرات بصمت، ليس لأبحث عن حبكة فقط بل لأستخرج النبض العاطفي تحت السطور: ما الذي يبقى في الفم بعد القراءة؟ ما المشهد الذي لو صورته سيعطي الناس نفس شعور القارئ؟ هذه الخطوة التفكيرية تحميني من تغيير جوهر القصة أثناء التكييف.

بعد ذلك أبدأ بتحويل الفكرة إلى نص سينمائي مُقتضب. في فيلم قصير لا مكان لكل التفاصيل، لذلك أختصر الحكاية على المحور الدرامي الأكثر وضوحاً. أقرر زاوية السرد (هل سأبقي الراوي الداخلي أم أخرج كل شيء إلى الصورة؟) وأبني مشاهد مركزة تخدم الفكرة بدلاً من سرد تاريخ كامل للشخصيات. أكتب حوارات قِصَر ونقاط إرشادية للمونولوجات الداخلية إن احتاجت القصة إلى ذلك.

من هنا ينتقل العمل إلى اللغة البصرية: أشاور مصوِّرَي الإضاءة والمونتير والمصمم الفني لصياغة رموز متكررة تُحمل معنى، وأستخدم الإيقاع البصري والموسيقى والصمت كأدوات سرد. أثناء التصوير أكون مرناً؛ كثير من أفضل اللحظات تظهر أثناء البروفات أو بسبب اختيار ممثل يضيف بعداً جديداً. وأخيراً، أثناء المونتاج أقطع بلا رحمة كل ما لا يخدم النبض الأساسي، لأن قوة الفيلم القصير تكمن في اقتصاده ووضوحه. هذا الطريق يجعل القصة المكتوبة تتنفس على الشاشة بدون أن تفقد روحها الأصلية، وبالنهاية أشعر بمتعة غريبة كلما نجح الفيلم في نقل نفس الارتعاشة الأولى التي شعرت بها أثناء القراءة.

أرى أن الجو العام يحدد كل شيء منذ البداية؛ القرار بشأن النغمة —هل ستكون كئيبة، طريفة، حالمـة— يؤثر على كل قرار لاحق. لذلك أول ما أفعله هو بناء قائمة مراجع بصرية وصوتية: صور، ألوان، أصوات، حتى عمل فني أو مقطع أنيمي أو أغنية يمكن أن تلهم اللمسة البصرية.

أحب العمل بوضوح اقتصادي: لقطة تطول فقط إذا كانت تضيف معنى، وحوار يُستخدم باقتضاب. في التوجيه أطالب الممثلين بأن يلعبوا الحالة الداخلية بشكل مرئي وبسيط، لأن الشاشة لا تحتمل شروحات طويلة. كما أحرص أثناء المونتاج على خلق تناغم بين الصورة والصوت والصمت؛ الصمت يمكن أن يكون أقوى من أي تعليق.

بالمحصلة، تحويل قصة قصيرة لفيلم قصير عندي يعني الحفاظ على مركز عاطفي واضح، واستخدام كل عنصر بصري وصوتي لتقوية ذلك المركز. النهاية التي تتركني أفكر بها لوقت طويل هي التي أطمح لصنعها، وهذا ما يدفعني إلى إعادة الصياغة مرات ومرات حتى أجد الإيقاع المناسب.

أشعر أن أهم خطوة هي معرفة ما الذي يجعل القصة خاصة قبل أي شيء آخر. أحاول تحديد الثيمة المركزية أو الصورة الرمزية التي تعطي القصة هويتها، ثم أعمل على تصميم فيلم صغير يكرس كل لقطة لخدمة تلك الثيمة. بالنسبة لي، التكييف يعني قطع كل الحشو والحفاظ على النبض.

عملياً أبدأ بتحويل القصة إلى سيناريو مؤلف من مشاهد قصيرة وواضحة، أرافق النص بلوحات قصصية سريعة (ستوري بورد) لتجريب الإطارات والإيقاع. هذه المرحلة تساعدني على رؤية أي مشهد ليس له مبرر بصري أو درامي. لأن وقت الفيلم محدود، أكون صارماً في اختيار المشاهد: مشهد واحد قوي يعادل خمسة مشاهد متوسطين.

التعاون مع الممثلين والمصور والمونتير يصبح محورياً بعد ذلك. أستخدم تدريبات تمثيل صغيرة لاكتشاف تفاصيل يسهل تجاهلها على الورق، وأمنح المونتير حرية إيجاد الإيقاع الصحيح. الصوت والموسيقى غالباً ما يملآن ما لا يستطيع الحوار قوله، لذلك أخوض تجارب صوتية مبكرة. أحياناً أعود إلى المؤلف الأصلي لأعرف حدود التغيير المقبول، وأحياناً أترك العمل يأخذ مساره الخاص طالما لم يخن الفكرة الأساسية. النتيجة عندما تنجح تكون تجربة مكثفة ومباشرة تؤدي رسالتها بسرعة، وهذا ما يجعل الأفلام القصيرة متعة حقيقية بالنسبة لي.