لقد كانت تتجول أمام البرج منذ وقت طويل، مترددة فيما إذا كان عليها الصعود."فوفو؟"فجأة دوى صوت خلفها، فالتفتت فادية تتبع مصدر الصوت، لتلتقي بعينين تبدوان "ودودتين".لم تتوقع جنى أبدا أن ترى فادية تأتي إلى هنا.منذ ذلك اليوم في المستشفى حين أعلنت فادية أنها قطعت كل صلة بـعائلة الهاشمي، لم تطأ قدماها المكان، فما الذي جاء بها اليوم؟بفضول كبير تقدمت جنى نحوها: "فوفو، هل جئت لأمر ما؟"رغم أن فادية لم تتذكر هذه المرأة أمامها، إلا أن ملامحها أوحت بأنهما تعرفان بعضهما.أما ماهية العلاقة…ابتسمت فادية ابتسامة خفيفة وأومأت لها، كنوع من التحية، لكنها لم تجب عن سؤال جنى.حتى فادية نفسها لم تكن تعرف لماذا جاءت.هذا التصرف جعل جنى تتوقف للحظة."آه، ما أحمقني، من الطبيعي أن من يأتي إلى هنا يكون لديه عمل، هيا نصعد معا." قالت جنى وهي تمسك بذراع فادية بقرب ودفء، وكأنهما صديقتان حميمتان.فادية التي كانت مترددة في الصعود، لم تتمكن في النهاية من مقاومة فضولها نحو ذاكرتها، فدخلت المصعد معها.في المصعد، تلقت جنى اتصالا هاتفيا.كان المتصل هو رئيس الخدم.ينقل إليها رسالة من الشيخ الهاشمي بأن ليان ستنضم إلى مج
ليان شحب وجهها قليلا.الشيخ الهاشمي أدرك شيئا ما، فتنحنح بخفة وهو محرج، وقال: "هه، هههه، لولو، لم أقصد هذا، أنت ابنة روبو، وعائلة الهاشمي بدأت أساسا من تجارة المجوهرات، ثم توسعنا في مجالات أخرى. لديك موهبة تسري في دمك من العائلة، وإذا تم تدريبك جيدا فلن يقل إنجازك عن أي أحد."شعرت ليان في قلبها بلمحة من الحماس فورا.فالكلام وصل إلى هذا الحد، ومن الطبيعي أن يقوم جدها من ناحية الأم بتوفير الظروف المناسبة لرعايتها.لكن الشيخ الهاشمي، بعد أن أنهى كلامه، عاد لينظر في رسومات التصميم.ليان تمتمت في نفسها وهي تتذمر بصمت، فهي اليوم جاءت بهذا التصميم لتصل إلى هدفها مهما كلف الأمر.فتنهدت وقالت: "لقد تعلمت التصميم، لكن طوال الوقت لم تتح لي فرصة تدريب جدية، ولا فرصة حقيقية. جدي وأمي أشخاص مميزون، أما أنا… لو كان هناك مكان أتمرن فيه وأصقل مهارتي، فأنا واثقة أني سأرث موهبة جدي."المعنى الضمني أنها تريد منصبا.حتى رئيس الخدم الواقف بجانبهم فهم الأمر.لكن وجه الشيخ الهاشمي أصبح فجأة أكثر صرامة.ليان شعرت بقبضة في قلبها، فهي تريد دخول مجموعة الهاشمي، لكن لو سبب ذلك كره الشيخ لها، فسيكون الثمن فادحا."ج
جنى ذكية وماكرة، أما ليان فلا يمكنها مجاراتها في الدهاء.ردة فعل ليان كانت كافية لتفهم جنى أن بين حادثي السير هذين رابطا مؤكدا.هي لم تكن تتوقع أصلا أن تحصل على الحقيقة من فم ليان، فلو أرادت الحقيقة يمكنها أن تكلف أحدا بالتحري.الآن فادية هي العدو المشترك لهما، وإذا أرادت جنى النيل منها، فليان بصفتها الوريثة الوحيدة لعائلة الهاشمي ستكون سلاحا حادا يمكنها استخدامه.لذا، وبعد لحظة المواجهة القصيرة، خففت جنى من حدتها وقالت بابتسامة لطيفة: "لقد سمعت للتو أن فوفو تعرضت لحادث سيارة، ونحن أختان، أليس من المفترض أن نهتم بها قليلا؟""طبعا، يجب أن نهتم بها." ردت ليان وهي تشعر ببعض الارتباك، تخشى أن تحاول جنى التحقيق في تفاصيل الحادث.حتى لو حاولت جنى ربط الحادثين، فإن ليان كانت قد أعدت مسبقا مبررات لتبرير الأمر.لكن درء المشاكل خير من الوقوع فيها.ثم سمعت جنى تتنهد قائلة: "الاهتمام بها سأوكله إليك، لدي الكثير من الأمور الآن، لكن عليك أن تنقلي إليها اهتمامي أيضا."ابتسمت جنى ابتسامة عريضة في وجه ليان، ونظرت إلى ساعتها، وكأنها تذكرت موعدا مهما.ثم استعجلت توديعها ومغادرة المنتجع بسرعة.ليان ظلت تح
كل هذا... من فعله؟لا تدري لماذا، لكن فادية خطرت في ذهنها صورة لرجل يرتدي مئزرا ويعمل بانشغال في المطبخ، ولم يكن يظهر منه سوى ظهره.وقبل أن يوشك ذلك الظهر على أن يلتفت نحوها، فجأة، قفز إشعار جديد على هاتف فادية.صوت الإشعار كاد يجعلها تسقط الهاتف من يدها، فتحت الرسالة لترى مضمونها.「أشتاق أن أضمك بين ذراعي.」أحست فادية بطنين في رأسها، وبقيت جامدة لثلاث ثوان، ثم ما لبثت أن شعرت بحرارة مفاجئة تغمر وجنتيها.هذا الرجل...هل هو دائما صريح هكذا؟تنفست فادية بعمق، وبعد لحظات هدأت أعصابها وجلست لتتناول الفطور الذي تركه مالك لها.كانت تظن أن الطعم سيكون عاديا، لكنه جاء على غير توقعها تماما، ملائما لذوقها.بعد الفطور، بدأت فادية تتجول في البيت، تحاول من خلال ما حولها أن تستعيد شيئا من ذكرياتها السابقة.رن الهاتف، فنظرت إلى اسم المتصل على الشاشة.ليان...مجرد رؤية هذا الاسم أيقظ في قلبها نفورا لم تعرف سببه، فلم تكن ترتاح لهذه المرأة.لكنها مع ذلك أجابت على المكالمة.بمجرد أن فتحت الخط، جاءها صوت امرأة تقول: "أختي..."صمتت فادية.كانت ليان تتصل اليوم كي تختبر كم تعرف فادية عن حادث السيارة، وقد رتب
في تلك الليلة، عادت فادية إلى برج الصفاء الملكي.الإحساس بالأمان الذي منحها إياه هذا المكان المألوف، جعلها تغفو سريعا.لكن في منتصف الليل، استيقظت وهي تشعر بحرارة خانقة.وما إن استعادت وعيها قليلا، حتى أحست بذراع طويلة ملتفة حول خصرها، فكادت بشكل غريزي أن تنتفض جالسة.أشعلت مصباح السرير، ورأت رجلا نائما بجوارها، فكادت أن تركله خارج السرير من المفاجأة.لكنها ما إن رفعت قدمها، حتى فتح مالك عينيه بتثاقل.رأى نظرة الذهول على وجهها، فربت بيده الموضوعة على خصرها على بطنها وقال: "استيقظت؟ هل رأيت كابوسا؟"هذا الاحتمال جعل مالك يستعيد بعض الوعي.كان على وشك تهدئتها من شعور الخوف والوحدة بعد الكابوس، لكنه سمع سؤالها الحاد: "ماذا تفعل نائما هنا؟"عندها استفاق تماما، وأدرك أنه جاء خلسة، فمر في عينيه بريق ارتباك.لكن... أليسا زوجين أصلا؟"نحن زوجان، أينما تنامين أنام،" قال وهو يجذب فادية نحوه ويجعلها تتمدد مجددا.ثم شد ذراعه حولها بإحكام.فهو في الأيام الأخيرة كان ينام في السيارة، حتى أصبحت أطرافه تؤلمه.أما الليلة الماضية، فعندما احتضن فادية وشم عبيرها، كان ذلك أول نوم هانئ له منذ مدة.وحسم أمره
لم تستطع هي أيضا كبح فضولها، يا ترى ما هو سر هذا اليوم، حتى أن عائلتي الراسني والهاشمي في عاصمة الدولة حضروا معا.قالت بابتسامة: "كنت مارة بالمكان، فقلت أطل لأرى أحدث تصاميم حفلات الزفاف لديكم، وأختار أنسب المجوهرات التي يمكن تنسيقها معها."لكن رغم كلامها، كان عقل جنى مشغولا بمالك وفادية.ومع ذلك، انتظرت حتى أنهت الأمر الرسمي، ثم سألت بطريقة وكأنها عابرة: "أي فستان زفاف اختاره الراسني الثالث؟ قد أتمكن من تقديم بعض النصائح لاختيار المجوهرات المناسبة."المصممة، حين سمعت ذلك، شعرت وكأنها ربحت كنزا.ففتحت فورا التصاميم على الكمبيوتر: "الآنسة الهاشمي، انظري، هذا فستان الزفاف الذي طلبه الراسني الثالث. لم يتم الانتهاء منه بعد، لكنه سيكون مطابقا تقريبا لهذه الصورة. برأيك، أي المجوهرات تناسبه أكثر؟"لكن كلماتها جعلت ملامح جنى تتغير قليلا.فستان الزفاف الذي طلبه مالك لم يكتمل بعد؟ إذا ذلك الذي كانت ترتديه فادية قبل قليل ليس هو نفسه.فما الغرض إذا من هذا الفستان؟ابتسمت جنى وقالت مجاملة وهي تختبر ردة الفعل: "رائع! هذا التصميم لا يستطيع إتقانه إلا أنتم. ليس غريبا أن يختار الراسني الثالث إسناد فستا