"ها، الآن اعترفت؟ لماذا كنت تبررين قبل قليل؟""صحيح، يا فوفو، لو حصل لجدي أي مكروه، فلن نغفر لك أبدا."صرخت جنى غاضبة متهمة، بينما ليان ما زالت تتكلم بنبرة باكية.لكن في تلك اللحظة، بدا وكأن أي صوت لم يعد يصل إلى أذن فادية. جسدها كله انكمش، واتكأت على صدر مالك، ورأسها يغلي كأنه يموج بالأفكار المتداخلة."هذه حفيدة اعترف بها الشيخ حديثا… يا صغيرة، ما اسمك؟""فوفو…""فوفو…"صوت الشيخ ظل يتردد داخل رأس فادية، مصحوبا بالكثير من المشاهد الخاطفة.في الصور، كان وجه الشيخ حانيا، ونظراته مليئة بالحنان والدلال.ومع تغير المشاهد، بدأ الصداع في رأسها يزداد سوءا.وسرعان ما أخذ وجهها وجسدها كله يتصبب عرقا باردا.كان مالك أول من شعر بحالتها الغريبة.فلمس جبينها، فارتد خائفا من حرارة جسدها الملتهبة: "فوفو، ما بك؟"وصلها صوته خافتا عبر الضباب.ما الذي أصابها؟"أنا…" بالكاد نطقت فادية بحرف واحد، قبل أن تزداد غشاوة وعيها.شعرت أن أحدهم رفعها بين ذراعيه، والظلال تهتز أمام عينيها، حاولت جاهدة أن تراها بوضوح.وبصعوبة، فتحت عينيها فرأت أخيرا شيئا واضحا."الأخ يوسف…" كان يوسف يحدق بها بقلق شديد.بينما أحدهم كا
بعد سلسلة من الأسئلة، بدأت الكثير من الأمور تتضح."بما أن الآنسة الزهيري غادرت، وكان الشيخ الهاشمي لا يزال هناك، فهذا يعني أن من دفعه لم تكن هي."قال أحدهم وسط الحاضرين مدافعا عن فادية.لكن في اللحظة التالية، بدأت ليان تبكي قائلة: "ومن يثبت أنها لم تعد إلى هناك مرة أخرى؟"وكان هذا الاحتمال قائما بالفعل."لم تعد.""لم تعد."قال مالك ورامي بصوت واحد تقريبا.وتحت أنظار الجميع المليئة بالشك، تبادلا نظرات سريعة، ثم بادر مالك بالقول: "لقد خرجت قبل قليل لاستقبالي، وبقيت معي طوال الوقت، حتى سمعنا صراخا قادما من الحديقة الخلفية.""صحيح، فوفو خرجت لتستقبلني، وبقينا معا منذ ذلك الحين دون أن نفترق."وأردف رامي مؤكدا.كلاهما كان يشهد لفادية، لكن في كلامهما بدا وكأنهما يتنافسان على أمر آخر.وحين استعاد الجميع ما حدث، تذكروا أن الاثنين بالفعل بجوارها طوال الوقت."إذن يبدو أن الآنسة الزهيري حقا لم تعد إلى هناك."وبهذا ظهر أن التهمة لم يكن وراءها دليل، وبعد شهادة الاثنين، ازداد وجه لولو كآبة.كانت تريد التمادي أكثر، لكنها لم تجد منفذا.وانفجرت بالبكاء: "جدي، إن مات..."في تلك اللحظة، كان عقل فادية ممتل
"أنا... أنا أيضا رأيت.""نعم، وأنا أيضا رأيت الجد مع الآنسة فوفو على جسر الرواق."...بدا الأمر وكأن شهادة فادية لم تعد ضرورية، فكل النظرات المسلطة عليها كانت تحاول اتهامها بأنها هي المذنبة التي دفعت الشيخ الهاشمي.ارتسمت على وجه ليان خالدي لمحة انتصار.فالمطلوب أساسا هو موت الشيخ الهاشمي، وبهذا تمكنت من تحقيق غايتها.أما الآن وقد صار مصيره معلقا بين الحياة والموت، فإن إلصاق التهمة بفادية سيكون أفضل بكثير.قبضت ليان على يدها بإحكام، واندفعت نحو فادية."أنت! هل يعقل أنك أنت؟! جدي كان يعاملك بكل محبة، كيف قسوت عليه بهذا الشكل؟!"حدقت ليان بها بعنف.وكأنها تريد أن تفرغ غضبها الذي تراكم من قبل، حين أصر الشيخ الهاشمي على أن تظل فادية المديرة الإبداعية لمجوهرات الهاشمي، فأمسكت بها دفعة قوية.تجمدت فادية من الدهشة، ولم تستطع صد هذه القوة.تراجعت خطوات إلى الوراء لكن جسدها فقد التوازن وكاد يسقط أرضا.وفي اللحظة الحرجة، امتدت ذراع قوية تمسك بها من خصرها وترفعها بخفة، لتجد نفسها في حضن دافئ.وقد تعرفت على صاحب العطر الذي يحيطها.وفي الوقت ذاته، كان رامي قد اقترب منها بدوره، ممسكا بمعصمها بقوة كم
لكن في هذه اللحظة، شعرت بالذعر يتسلل إلى قلبها."جدي... جدي..." همست جنى بصوت منخفض.لكن صوتها غطى عليه صوت آخر."جدي، ماذا جرى لك؟" ليان كانت تبكي وهي تجثو بجانب الشيخ الهاشمي، ملتصقة به وهي تصرخ بحرقة: "كيف حدث هذا؟ جدي، استيقظ، أرجوك يا جدي..."كانت كلماتها متقطعة، تكاد تختنق من شدة التأثر.لكن حركة هزها لجسد الشيخ الهاشمي أوقفت من الطبيب، "الآنسة لولو، لا يمكن تحريك الشيخ الهاشمي، اطمئني قليلا، ما زال هناك تنفس ونبض."كان الطبيب يحاول تهدئتها.لكن ملامحه الجادة أظهرت بوضوح أن وضع الشيخ الهاشمي سيء جدا."ما زال حيا..." رفعت ليان رأسها مشدوهة.يوسف أشار إلى الخادم ليساعد ليان على النهوض وإبعادها قليلا.لكن بكاءها لم يتوقف، وهي ما تزال تردد "جدي" بملامح حزينة تثير الشفقة.وصلت سيارة الإسعاف سريعا ونقل الشيخ الهاشمي.وقبل أن يلتحق يوسف بالسيارة، تقدم مالك بخطوات سريعة: "انقلوه إلى مستشفى الصفاء، سأطلب منهم تجهيز كل شيء فورا."نظر يوسف إلى مالك بعينين مليئتين بالامتنان، ولم يرفض اقتراحه.مستشفى الصفاء يتفوق في التجهيزات وكفاءة الأطباء، وهو الأفضل في مدينة الياقوت.تحركت سيارة الإسعاف، و
حاولت فادية أن تطمئن زوجها الوسيم وهي تواجه نظرته القلقة قائلة: "لا بأس."لكن رغم كلماتها، فإن ذلك الألم الذي شعرت به في اللحظة السابقة لم يمح القلق من قلبها.ذلك القلق ظل يثقل على صدرها، حتى ابتسامتها بدت متكلفة.لاحظ مالك ملامحها المتوترة، فوضع كفه الكبير على يدها الموضوعة على ذراعه قائلا: "أنا معك."ومادام هو بجانبها، فلن يسمح بحدوث أي خطر لفادية.تبادل الاثنان النظرات، ثم سارا معا باتجاه قاعة المبنى الرئيسي.ظهرهما المتماهيان وقعا في عيني رامي، فشعر بغصة حادة.عبس رامي وعلق قائلا: "حقا… إنهما لا يليقان ببعض!"وفي طيات كلماته، كان يقصد أن مالك لا يستحق فادية.استعاد في ذهنه كلماتها قبل قليل، خفض نظراته لتستقر على يد رقيقة كالعاج.هل ذلك هو التوافق المثالي بين الرجل الفذ والمرأة الجميلة؟هو وياسمين، لم يكونا يوما هكذا.طرد أفكاره المتشابكة، ثم تقدم بخطواته داخل البوابة وتتبع أثر الظلين المتقدمين.وفي القاعة.التفتت الأنظار جميعا إلى الضيفين اللذين قدما فجأة.الذين لم يعرفوا هويتهما، بمجرد النظر إلى هيئتهما يعرف أن هويتهما ليست عادية.أما من عرفهما، فخشع أمامهما ولم يتجرأ على الاقتراب
"إذا كان لا يمكن تفسيره، فلا داعي للتفسير."التقت عينا الشيخ الهاشمي بنظرة فادية.كان يدرك في أعماقه أن فادية قد فقدت ذاكرتها، ومهما كان شوقه لمعرفة شيء منها، لا يمكنه التسرع.بل إن ذلك أشعل بداخله بريق أمل جديد.فقط إن استعادت ذكرياتها السابقة، قد يعرف عندها صلتها بهذه الرسمة الغامضة.الشيخ الهاشمي نفسه شعر بالغرابة.فهو بالفعل يستطيع أن يصدق، بل يجب أن يصدق المبرر الذي قدمته لولو.لكن في عقله الباطن، لم يستطع منع نفسه من الرغبة في الاستكشاف.ومن بعيد، كانت ليان تنظر إلى الاثنين الواقفين فوق الجسر، وشعور الخطر يزداد في قلبها.المسافة بينها وبينهما بعيدة، فلم تستطع سماع أي كلمة تقال.لكن لمجرد رؤية الشيخ الهاشمي يمسك بيد فادية وكأنه يفحصها بعناية، استطاعت أن تفهم مدى اهتمامه بها."هاه... حقا إنها رابطة دم!"قالتها ليان بابتسامة ساخرة.والآن، لم تستطع الاقتراب، فاكتفت بالمراقبة من بعيد.وفجأة، بدت فادية وكأنها تلقت مكالمة هاتفية، تبادلت بضع كلمات مع الشيخ الهاشمي ثم غادرت الجسر مسرعة تتجه نحو الفناء الأمامي.أما الشيخ الهاشمي فظل في مكانه على الجسر.منتظرا عودتها.وبينما كان يراقب خطوات