Share

‫الفصل 3‬

Author: المرأة الحادة القلم
نادت رنا عليه مرات كثيرة، حتى بدا في صوتها ضيق واضح، عندها فقط أعاد نظره بتردد وبطء.

كنت أظن أن لقائي بكريم في المطعم سيكون آخر ما يجمعنا قبل سفرنا إلى الخارج.

لكن في الليلة نفسها التي قدمت فيها استقالتي رسميًا من عملي كمساعدته، تلقيت مكالمة فيديو منه.

كان الأمر غريبًا إلى حد أنني كدت أقطع الاتصال فورًا، لكنني تماسكت بصعوبة وضغطت على خيار الصوت فقط.

جاء صوته يحمل نبرة استياء واضحة:

"لماذا حولتِها إلى صوت فقط؟"

أجبته بلا اكتراث:

"لم أضع مكياجا، وليس من المناسب أن أظهر في مكالمة مرئيّة."

في الحقيقة، ما إن قلتها حتى ندمت، لأنّ المرأة دائما ما تتجمّل لمن تحبّ، فكلامي بدا كما لو أنّني أردتُ أن أُعجبه.

ابتسم كريم فعلاً، وبدا مسرورًا فجأة.

"نحن زوجان منذ زمن، أليس كذلك؟ ما الذي لم أرك فيه بعد؟"

كان صوته يحمل شيئًا من الدعابة التي جعلتني أنفر، فسألته ببرود:

"هل هناك أمر تود قوله؟"

استشعرَ الرجل بحدسه نبرةَ الجفاء في صوتي، فاعتدل في جلسته بعد أن تخلّى عن ملامحه المتكاسلة، وسألني:

"سمعت من قسم الموارد البشرية أنكِ استقلتِ؟"

أجبت بـ"نعم" قصيرة، دون نية للتوضيح.

ساد الصمت للحظة.

قال بنبرة فيها مزاح، لكنها بدت محاولة يائسة لملء الفراغ:

"ربما كان ذلك أفضل، فبدل أن تكوني سيدة الرئيس التنفيذي، اخترتِ أن تكوني مساعدة! أليس هذا تعبًا بلا طائل؟ لكن بصراحة، دوامك في الشركة كان غريبًا فعلا، لا أراكِ كثيرًا في المكتب، ومع ذلك أدفع لك راتبك كل شهر، حتى صار الناس يتهامسون أنك محسوبة عليّ، ويقولون إنني أوظف المقربين فقط."

قاطعته بنفاد صبر:

"ألا يجدر بك أن تكون الآن مع رنا؟"

تمتم دون أن يتمالك نفسه وقال:

"ليس بيني وبينها شيء، فلماذا أكون معها؟"

ثم سكت فجأة، وكأنه تذكّر أنني لم أعد سوى زوجته السابقة.

شعر كريم في تلك اللحظة بشيء من الارتباك وقال:

"الطلاق... كان خطئي. كنت أخشى أن يتحدث الناس عن رنا بسوء لو لم ننفصل..."

أومأت برأسي.

نعم، رنا لا يجب أن تُمس بسمعتها، أما أنا، فليكن نصيبي السخرية وأحاديث المجالس.

ازداد صوتي برودة:

"إن لم يكن هناك شيء آخر، فسأنهي المكالمة."

"انتظري!" قالها بسرعة، بنبرة متوترة.

"في الثاني عشر من الشهر ذكرى زواجنا، وهناك حفلة غنائية لرامي البدر، أعلم أنك ترغبين في الذهاب، سأرافقك، لنذهب معا ونستمع إليها، ما رأيك؟"

للحظة راودتني رغبة في إخباره بالحقيقة كلها، لكن قبل أن أنطق، جاء صوت رنا من بعيد عبر الهاتف:

"كريم، نسيت المنشفة، هل يمكنك أن تحضرها لي؟"

لم يُجب كريم على الفور، بل ظلّ يحدّق في شاشة هاتفه حيث يظهر اسمي، وقد بدا عليه شيء من الحيرة والتردّد.

قلت بوجه جامد: "اذهب الآن."

عندها نهض ببطء، لكنه لم يغلق الخط بعد.

"ريما، انتظريني لحظة، سأعود حالًا."

أنهى كلامه ثم سار نحو الحمام.

وكما توقعت، سمعت صوت قبلة خافتة بينه وبين رنا، تلاه أنين مكتوم، ثم أُغلق باب الحمام بقوة.

ابتسمت بسخرية وأنهيت المكالمة.

في تلك اللحظة، دعتني نورا بحماس إلى الذهاب إلى الملهى الليلي للرقص.

وضعت الهاتف دون تردد، ونهضت ممسكة بذراعها.

ما زال في هذه الدنيا أشياء كثيرة يمكن أن تُسعدني، كنت سابقًا لا أرى إلا هو، أما الآن، فلماذا أرهق نفسي من أجل رجل أصبح من الماضي تماما؟

مرت الأيام من دون كريم بسرعة، ولمّا انتبهت، لم يتبقَّ سوى أيام قليلة على سفري.

ورغم أننا لم نتواصل، إلا أنني سمعت من نورا بعض الأخبار عنه وعن رنا.

يُقال إنهما تشاجرا بشدة، حتى إنه ترك الحفل غاضبًا أمام الجميع دون أن يراعي صورتها.‬
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • حين انتهى الحب السابع‬   ‫الفصل 10‬

    هكذا فقط يجب أن يكون الحب.على الرمال الوردية في جزر الياقوت، أضاءت ثلاثمائة مصباح كريستالي الشاطئ الخاص كأنه نهار صاف.كنت أرتدي فستان الزفاف الأحدث من فيرا وانغ، أنظر إلى نفسي في المرآة، أكثر هدوءا ونضجا مما كنت عليه قبل ثلاث سنوات.قالت مصففة الشعر بخفوت: "الآنسة الطائي، هناك سيّد في الخارج..."فقاطعتها نورا بحدّة: "قولي له إن العروس لا تستقبل أحدا."توقفت أصابعي عن ترتيب الطرحة: "هل لا يزال كريم في الخارج؟""منذ ليلة البارحة وهو راكع عند مدخل الشاطئ."قلبت نورا عينيها وقالت: "يهدد بأنه لن ينهض ما لم يركِ، حاول الأمن إبعاده ثلاث مرات بلا جدوى."نظرت من خلال النافذة الزجاجية الضخمة، فرأيت الرجل تحت المطر الغزير، وكان مبللا حتى العظم، وقد تمزق بنطاله الفاخر من احتكاكه بالرمال المرجانية الخشنة، والدم يسيل من ركبتيه.أبعد المظلة السوداء التي حاول الحارس تغطيته بها، كأنه يريد أن يغتسل بالمطر من كل ما أثقله.دخل وائل فجأة وهو يحمل جهازًا لوحيًا.على الشاشة ظهرت بيانات الانهيار اللحظي لأسهم مجموعة الدليمي — قبل نصف ساعة فقط، كانت مجموعة العنزي القابضة قد أنهت شراء آخر سبعة بالمائة من أسهم

  • حين انتهى الحب السابع‬   ‫الفصل 9‬

    أخرج هاتفه من الحقيبة، وشغّل مقطع فيديو.في الصورة، كانت رنا تقف أمام نافذة مستشفى للأمراض النفسية، وجهها متورم ومشوّه بسبب آثار الأدوية الطويلة الأمد، تحدّق إلى الخارج بعينين خاليتين من الحياة.قال بصوت بارد: " أجبرتها على بيع جسدها، ثم أدخلتها المستشفى للأمراض النفسية."تحدّث كريم على عجل: "أنتِ تكرهينها، لذلك جعلتها تدفع الثمن...""أتظن أنني تركتك بسبب رنا؟"ابتسمتُ فجأة."سأقول لك——""لم أعد أهتم، تماما كما لم أعد أهتم بك منذ زمن."أمسك وائل بيدي في اللحظة المناسبة، وتشابكت أصابعنا.رأيتُ نظرات كريم تتركّز على يدينا المتشابكتين، كأنّها لسعته نار.قلتُ بهدوء: "سنتزوج الشهر القادم، وآمل أن تتمنى لنا السعادة حينها."عند سماع ذلك، أشرق وجه وائل، الذي عُرف دائما برزانته، كطفل صغير غمرته السعادة.أما شفاه كريم فبدأت ترتجف، وفجأة اندفع نحوي كمن يغرق، وأمسك بذراعي بقوة."لا... ريما، لا تفعلي! لا يمكنكِ الزواج منه! لقد وعدتِني بأنكِ ستحبّينني إلى الأبد!""أرجوكِ، لا تتركيني، لا تتزوجي غيري!"نظرتُ إليه وقلتُ بهدوء:"قبل سبع سنوات، عندما طلبتَ الطلاق لأول مرة من أجل رنا، كنتُ أنا أيضاً راكعة

  • حين انتهى الحب السابع‬   ‫الفصل 8‬

    كان يحدّق في الشاشة التي كانت تعرضني وأنا أُصافح أحد مسؤولي وزارة التجارة في دولة أجنبية، تتحرّك حنجرته بعصبية واضحة.قال ببرود: "أخبروا قسم المالية أن يرفعوا فائدة الأسهم المرهونة للبنك بمقدار نقطتين إضافيتين."حين اخترقت الطائرة الخاصة من فئة الصقر طبقة الستراتوسفير، كنتُ في صالة التنفيذيين في فندق الجمال أوقّع على استلام طرد خاص.فتحتُ التغليف المبطّن بالرغوة، فظهرت سبع شهادات زواج مذهّبة، وإلى جانبها سبع شهادات طلاق داكنة، تتلألأ بسخرية تحت الضوء.بينها وُجدت بطاقة صغيرة أرسلتها نورا من الوطن:「قال إنه إن جمع هذه كلَّها، فسيجعلك تعودين إليه. 」ضغطتُ زرّ النداء برفق، ولما جاء النادل ابتسمتُ قائلة: "من فضلك، استخدم آلة التمزيق للتخلص منها."حين وجدني كريم، كنتُ أجلس في مقهى مع شريكي المحتمل في الزواج، وائل العنزي من مجموعة العنزي القابضة.في بيت الزجاج على الجادة الخامسة في مدينة النور، كان وائل يُدير أطراف أصابعه على حافة فنجان القهوة ببطء.على مدى ثلاث سنوات، ذلك الإمبراطور في صفقات الاستحواذ، الذي يطلق عليه في شارع المال لقب "الذئب المجنون"، لم يُظهر صبره هذا إلا أمامي فقط.قال به

  • حين انتهى الحب السابع‬   ‫الفصل 7‬

    "أنتِ الآن، فورًا، غادري البلاد!"أخرج هاتفه واتصل بالحراس الشخصيين."تعالوا حالًا، وخذوا الآنسة رنا إلى المكان الذي تنتمي إليه."استبد الذعر برنا تمامًا."لا يمكنك أن تفعل بي هذا يا كريم! أنا أحببتك كثيرًا—"لكن ما أجابها كان صوت الباب البارد وهو يُفتح.حملها حارسان بملابس سوداء وجرّاها إلى الخارج، وصدى صراخها تلاشى في ظلمة الليل.وقف كريم في مكانه، ينظر إلى وعاء الحساء المقلوب على الأرض، ثم انحنى ببطء.انتشرت رائحة حساء لحم الضأن بالخضار في الهواء...تمامًا كالشخص الذي لن يعود أبدًا.عندما هبطت الطائرة على مدرج بلدٍ غريب، نظرت من النافذة إلى المناظر المجهولة، وشعرت كأنني في عالم آخر.ما إن خرجت من الممر حتى رأيت ظل والدي المنحني قليلًا.ذلك العملاق التجاري الذي كان يومًا رمز القوة والطموح، أصبح اليوم شعره أبيض تمامًا، وعيناه احمرّتا حين رآني.حين قررت مجموعة الطائي الانتقال إلى الخارج للتوسع، بقيت في الوطن لأتزوج كريم، متحدّية والدي، بل وقطعت علاقتي به.ومنذ ذلك اليوم، لم أرَ عائلتي منذ ست سنوات."أبي..."ارتميت في حضنه ودموعي تخنق صوتي."ابنتك كانت عاقّة، تركت العائلة من أجل رجل خسي

  • حين انتهى الحب السابع‬   ‫الفصل 6‬

    كان صوته أجشًّا، وعيناه حمراوان كأنّه أدرك أخيرًا أنّ هذه المرّة، أنا فعلاً لم أعد أريده.عاد كريم إلى المنزل بخطوات آلية، وما إن فتح الباب حتى استقبله عبير الطعام المألوف.رائحة حساء لحم الضأن بالخضار العذب، الطبق الذي كانت ريما تتقنه أكثر من أي شيء آخر.خفق قلبه بقوة، ومرّ في عينيه بريق من الفرح الجامح.قال بصوت مرتجف: "ريما؟ عدتِ؟"اندفع نحو المطبخ متعثر الخطوات، تغمر عينيه البهجة والتوق، لكنّ ملامحه تجمّدت في لحظة حين رأى من هناك، وتلاشت ابتسامته شيئًا فشيئًا.ليست هي.كانت رنا ترتدي منامة حريرية بيضاء، تقلب الحساء في القدر ببطء. وحين رأته، أشرقت ابتسامة حلوة على وجهها.قالت بلطف: "عدت يا كريم؟"تلاشت كلّ التوقّعات في لحظة.تجمّد وجه كريم وتبدّل لونه إلى البرود.قال ببرود واضح: "ألم تعودي إلى بلدك؟"لقد تذكّر بوضوح أنّه هو من أوصل رنا بنفسه إلى الطائرة.قالت بابتسامة خفيفة: "عدت من جديد."وضعت الملعقة جانبًا، وتقدّمت نحوه بخطوات هادئة، وأصابعها الرقيقة لامست صدره."كريم، لم أستطع فراقك... أريد أن أكون معك.""هذه المرة، لن أرحل."رفعت رأسها وعيناها تتلألآن بإصرار لا يلين."لنتزوّج."

  • حين انتهى الحب السابع‬   ‫الفصل 5‬

    "وداعًا، يا زوجي السابق."أغلقت الهاتف بحسم، ثم أطفأت الجهاز تمامًا.بينما كنت أستمع إلى هدير محركات الطائرة، شعرت أخيرًا بأن الغبار قد سكن، وأن روحي تحررت.كان كريم واقفًا في منزل نورا، ممسكًا بالهاتف الذي انقطع الاتصال منه، وعيناه شاردتان.كان صوته مبحوحا، كأنّه يُصارع مشاعر يريد إخفاءها."إلى أين ذهبت؟"احتضنت نورا ذراعيها وسخرت قائلة:"الآن فقط تذكرت أن تسأل؟""لقد رحلت.""...رحلت؟ ماذا تعنين؟""إلى أين ذهبت؟!"رفعت نورا كتفيها وابتسمت بمكر."هل تظن أنني سأخبرك؟"تجمدت نظرات كريم فجأة، وبرود صوته كان كحد السيف: "نورا، ليس لدي وقت لألعابك.""أوه، السيد كريم، يبدو أنك بدأت تفقد أعصابك؟"دارت بعينيها ثم تقدمت نحو الباب وفتحته بقوة."اخرج، مكاني ليس مفتوحًا لك."بقي كريم واقفًا في مكانه، وجهه متقلب بين الغضب والذهول."اتفقنا أن نعيد زواجنا اليوم، لا يمكنها أن تختفي هكذا.""إعادة زواج؟"وضعت نورا يدها على فمها بطريقة مبالغ فيها وضحكت بسخرية."يا سيد كريم، هل تظن أن عقد الزواج بطاقة نقاط من السوبرماركت؟ تجمع سبع مرات لتحصل على جائزة؟"تقلصت حدقة كريم فجأة، كأن كلماتها أصابت جرحًا دفينًا

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status