Share

الفصل2

Author: جنى رائد
(لايكا)

بعد خمس سنوات...

صرخت مشرفتي، السيدة تيريزا، بصوتٍ حادّ وهي تقذف المنشفة نحوي: "نظّفي الأرض أيتها الكلبة الكسولة! أريدها تلمع كالمرآة! لم تُنجزي أي شيء، والألفا ورفاقه سيعودون إلى القطيع في أي لحظة الآن، تحركي!"

اصطدمت المنشفة بوجهي وسقطت على الأرض، ثم داسَت السيدة على المكان الذي انتهيت لتوّي من تنظيفه، تاركةً آثار أقدامها وهي تغادر الغرفة غاضبة.

أمسكتُ بالمنشفة مجددًا لأكمل عملي. قبل خمس سنوات، كنتُ سأبكي من الإهانة إن شتمتني هكذا ورمت المنشفة علي، أمّا الآن فقد اعتدت الامر. لم يعد الأمر يؤلمني كما في السابق، لم يعد هناك ما يؤلمني حقًا.

لم تُحبني مشرفتي منذ اليوم الأول، في نظرها، أنا لست منافسة بل كائنٌ لا يستحقّ أن يظهر أمامها، مجرّد أوميغا ضعيفة. كانت دائمًا تقول إني قبيحة، وإن ابنتها أجمل مني، وإنها ستكون رفيقة الألفا العائد.

اليوم كان يوم عودة الألفا ورفاقه بعد سنواتٍ من الغياب الطويل. في قطيع الجبابرة، حين تبلغ مجموعة ألفا المستقبل سن الثامنة عشرة، يُؤخذون مع بعض المحاربين إلى مكانٍ مجهول لتلقّي تدريبٍ صارم، محرومين من كل متع الحياة، وبدون رفيقات، إذ يرون أن الرفيقة تشتت انتباههم، وهم لا يريدون أي تشتيتٍ للانتباه إن أرادوا الإبقاء على قوة عشيرتهم. ولا يعودون إلا بعد موت الألفا السابق، وقد مات منذ خمسة أيام فقط.

حين انتهيت من تنظيف الجزء الذي وكلتني مشرفتي به، توجهت إلى كوخها، حيث كانت تشرف على المستذئبات اللواتي سيضاجعهن المستذئبون العائدون. لم أكن مهتمة بالتعليمات، لكن العرف كان يفرض أن تتلقى كل ذئبة غير مرتبطة تعليمات عن شكل الألفا ومحاربيه.

كانت الفتيات مصطفّات في أربع صفوف حينما وصلت. وقفتُ في آخر الصف، متمنية ألَّا يلاحظني أحد.

لكنني لم أكن يومًا موضع تجاهل في هذا القطيع منذ وصولي. قالت إحداهن باستهزاء وهي تغطي أنفها: "هممم، أشمّ رائحة أوميغا ملعونة هنا". فضحكت الأخريات وغطَّين أنوفهن مثلها.

تجاهلتُها. صرتُ معتادة على مثل هذه الإهانات، لم تعد تخترق جلدي كما كانت تفعل سابقًا، بل تبقى على السطح، وتُشعرني أني قبيحة وقذرة.

همست أخرى: "هل يُفترض بها أن تكون هنا أصلًا؟ لن يلتفت الألفا ورفاقه إلى أوميغا ضعيفة وملعونة مثلها".

"اصمتن!" دوى فجأة صوت السيدة تيريزا، فخَيّم السكون على المكان. قالت: "كما تعلمن، محاربونا المستذئبون سيعودون اليوم". بدأت الفتيات يتهامسن ويتضاحكن، فسارعت السيدة في إسكاتهن: "أعلم أنكن متحمّسات للقاء محاربينكن الأوائل، لكن هناك قواعد يجب أن تلتزمن بها، أولًا، إن كانت إحداكن تعلم أن لديها رفيقًا بالفعل، فلتغادر المكان".

صمتت الفتيات في الصف، واستدارت كل واحدة منهن لتنظر إلى الأخرى. أما أنا فلم أنظر إلى أحد، وظلّت عيناي مثبتتين على الأرض، لأنني لم أمتلك الجرأة لملاقاة نظر زميلاتي.

أكملت: "إذا اكتشفتِ من هو رفيقك، فعليك مغادرة هذا المكان فورًا، فهذا التمرين ليس لكِ. وإذا كنتِ تعرفين من هو وقررتِ البقاء هنا، فستكون هناك عواقب وخيمة عند اكتشاف الأمر".

عندما لم يتحرك أحد، تابعت: "ثانيًا، ستُوزعين على سيدك. ستعملين لأجله، تنظفين خيمته وتؤدين مهامه، لكن ذلك السيد لا يملككِ. يمكنكِ مضاجعة أي محارب كما تشائين، وعندما يقترب منكِ محارب لا ترغبين فيه، عبري عن ذلك وابتعدي، لن يجبركِ على شيء، ولا تتحدثي عن ذلك مرة أخرى."

"لا تتعلقي بمحارب ليس رفيقكِ، لأنه عندما يجد رفيقته، سيتجاهلكِ على الفور. أنتن بالنسبة لهم لا شيء، لا يرون فيكن سوى رفيقات متعة. ليس لديهم انجذاب لكنّ، فلا تتجاوزن الحدود. لا تتصارعن على أي محارب، سواء كان الألفا المستذئب أو البيتا أو أي محارب آخر تجدن أنه أكثر جاذبية. هؤلاء الأشخاص يفتقرون إلى المشاعر، لذا احذرن وافعلن كما يأمرون، فقد ينفجرون ويؤذونكن."

"هم مُهيؤون للقتال ولا يفهمون شيئًا سوى الضرب، وسيقومون به عندما يتم استفزازهم. ليسوا أصدقائكن، بل يحبون غرورهم أكثر من حياتهم. إذا جرحتن غرورهم، سيزرعون فيكن خوفًا لم ترينه من قبل. يجب أن تكن حذرات معهم وتحترمنهم بنفس القدر. هل فهمتن؟"

أجابت الفتيات بصوتٍ واحد: "نعم، يا سيدتي!"

أما أنا، فبقيت صامتة. كنت أعلم أن تلك القواعد لا تعنيني، فلا أحد من المحاربين سيجدني جديرة بالاهتمام. ولم يكن ذلك يؤلمني، لأني لم أكن مستعدة للوقوع في يد ألفا همجي مرَّة أخرى. فبعد ما فعله الألفا خالد بي، فقدتُ الرغبة في الاقتراب من أي ألفا برتبةٍ أعلى. تم تخصيص خيامٍ لكلٍ منا لنقوم بتنظيفها، ثم انصرفنا.

عند المساء، وبعد أن انتهيت من تنظيف خيمة سيدي الجديد، ذهبت إلى جدول الماء لأغتسل. ألقت الشمس الغاربة لمسة شاحبة من اللون الأصفر على الغيوم التي ارتفعت كالدخان فوق الجبال. كنت أحب البقاء بجانب الجدول، لأنه هادئ ويمنحني رفاهية السكون في كل مرة أكون فيها هناك. رغم أن الشائعات كانت تقول إن هناك ذئابًا مارقة تتجول في المكان وتحاول اختطاف المستذئبين الأضعف، إلا أنني كنت أجد هذا المكان منعشًا ومهدئًا. لم أواجه أي مارقٍ من قبل.

حين اقتربت من الماء، سرت في جسدي قشعريرة غريبة، نظرتُ حولي فلم أرَ شيئًا، رغم التحذير الذي تردد في ذهني بالعودة إلى القطيع، واصلت التوجه نحو الجدول. كنت متّسخة بسبب العمل، لذا رغبت في الاغتسال. لم أكن أمانع البقاء على هذه الحالة حتى أنهيت عملي، لكنني أردت أن أظهر نظيفةً لمن سيكون سيدي الجديد.

كانت الغابة المحيطة بالجدول هادئة، باستثناء تغريد الطيور، وكنت متأكدة من أن لا أحد قد تبعني إلى هنا منذ اكتشافي لهذا المكان. كان هذا المكان ملاذي الصغير، يبعدني عن أحزاني، وأستمتع بهدوئه، وأكون على طبيعتي كلما كنت هناك.

كنت أستطيع الركض عارية، والسباحة في الجدول الجاري، وكان الماء يجرف معه كل أوجاعي أثناء انسيابه. نظرت حول المكان مرة أخرى، ولم أرَ أحدًا، فواصلت رحلتي أعمق في الغابة. وسرعان ما سمعت صوت المياه تتدفق، فهدأ قلبي ودَفعت فكرة الخطر جانبًا.

وصلت إلى الجدول، وجلست بجانبه، خلعت حذائي وجواربي، وغمرت قدميّ في الماء، مستمتعةً بجمال الغابة. كان تدفق الماء على الصخور يصدر صوتًا خافتًا متسلسلًا يبعث علي السكينة. كان هذا هو معنى السلام بالنسبة لي.

ربما كنت متوترة فقط بسبب عودة السادة الجدد. لن أكذب، كنت فضولية لمعرفة من هم. هل سيكونون صالحين أم شريرين؟ هل سيعاملني سيدي بقسوة أو يكرهني لأني أوميغا ملعونة؟ هل سينزعج من أنني أنا من تم تخصيصي لخدمته، تمامًا كما حدث مع السيدة تيريزا عندما تم تخصيصي لأكون عبدة لديها؟ هل سيعتقد أنني أجلب له الحظ السيء؟

انقطعت أفكاري على صوت زمجرة عالية. التفت بسرعة نحو اتجاه الصوت، لكن لم أرَ شيئًا. رفعت قدميّ من الماء ووقفت. كانت عيناي تتحركان من زاوية إلى أخرى من زوايا الغابة، لكن لم يكن هناك أحد، وقد توقفت الزمجرة. أمسكت حذائي وجوربي وقررت العودة إلى القطيع، لم يكن ينبغي علي أن أكون هنا أصلًا. يجب أن أعود وأنتظر سيدي الجديد.

وأثناء استدارتي للعودة إلى المكان الذي جئت منه، واجهت ذئبًا عملاقًا ذو عيون صفراء متوهجة. أظهر أنيابه نحوي وأطلق زمجرة مهددة. صرخت رعبًا، أما جوي، ذئبتي، تذمرت بخوف. تراجعت بضع خطوات، ودست على غصن شوكي اخترق قدمي، فصرخت من الألم. والآن، لم أعد أستطيع الجري.

كان الذئب أكبر مني ومن جوي. لم أستطع التحول لأن ذئبتي كانت ضعيفة بسبب السم خانق الذئاب التي كانت السيدة تيريزا وابنتها إيريكا يحقناني به عند كل خطأ أرتكبه. بالكاد أتحول هذه الأيام، ولا أشعر بذئبتي إلا قليلًا.

انخفض الذئب الكبير، مستعدًا للهجوم. علمت أنه مارق، وأن حياتي ستنتهي الآن. لم يكن هناك أحد لينقذني، وحتى لو كان، فلن يكترث أحد بإنقاذ أوميغا ملعونة مثلي. كان من الأفضل أن أموت. اندفع الذئب الضخم نحوي، وسقطت على الأرض على مؤخرتي.

لكن الذئب لم يصل إلي، إذ قفز ذئب أكبر من خلفي عليه. كان ذئبًا أبيضًا.

لم أرَ ذئبًا أبيضًا من قبل. كانوا نادرين ومميزين، ومعظمهم من المستذئبين. تجمدت مكاني، أراقب الذئبان وهما يتقاتلان. علمت أن عليّ أن أغتنم الفرصة وأعود ركضًا إلى القطيع، لكنني كنت مذهولة جدًا لأفكر بذلك.

أصبح الذئب الأبيض فوق الأسود، خفض رأسه وغرز أنيابه في عنق الذئب الأسود، وقتله، فانفجر الدم من الذئب الأسود، الذي ارتجف تحت وطأة الموت، ولطخ دمه الذئب الأبيض. وعندما تأكد من موت الذئب الأسود، انطلق مبتعدًا، تاركًا إياي أحدق بدهشة.

زالت اللعنة التي كانت تثقل كاهلي حينما ابتعد. فوقفت وصفّقت بيدي لأزيل الأوساخ منهما، لا زلت أنظر نحو المكان الذي انطلق إليه الذئب الأبيض. لماذا أنقذني؟ ألم يدرك أنني أوميغا؟

قال صوت عميق وخشن من خلفي: "لا ينبغي أن تكوني وحدك في عمق الغابة"، والتفتُّ سريعًا نحوه وفقدت توازني. اختنقت وتوتر جسدي استعدادًا للسقوط على الأرض، لكنني سقطت في أحضانٍ قوية، وانتشر عبير رجولي في حواسي. كان تلامسنا كالإعصار، شعرت بقشعريرة في جسدي كله. رفعت نظري لأجد أعينًا خضراء مثالية تحدق بي.

رفيقي.

همست جوي، وشعرت بها تقفز فرحًا. لا أعلم كم من الوقت قضيناه في ذلك الوضع. لم أستطع أن أرفع عيني عن وجه ذلك الغريب المثالي الذي كان يمسكني بثبات ويمنعني من السقوط. كان على خده شق طازج لا زال الدم ينزف منه. بعد ما بدا وكأنه أبدية، رفعني وساعدني على الوقوف بتوازن.

قال: "لا تأتي إلى هذه الغابة وحدك أبدًا. أنا متأكد أنك سمعت أنها مكان للصيد".

أومأت كالغبية، لا أزال أحدق فيه. كانت عضلات ذراعه قوية، وبدأت أشعر بالاهتمام تجاهه. تساءلت إن كان مارقًا أيضًا، لأني لم أرَه في القطيع من قبل. وكتعبير عن امتناني، مزقت قطعة من حافة فستاني وناولتها له.

قلت: "شكرًا لإنقاذك لي"، وأخذ القطعة من يدي. تلامست أصابعنا، فشعرت بالقشعريرة في جسدي. هل يعرف أننا رفقاء؟ هل سيرفضني أيضًا؟

مسح خده بالقطعة وقال: "عليك العودة إلى القطيع، فالمكان هنا غير آمن".

سألته: "ما اسمك؟"

أجاب: "كريم".

مددت يدي: "تشرفت بمقابلتك يا كريم، أنا..."

قال: "لا يهمني. فقط عودي إلى القطيع"، وابتعد، تاركًا يدي ممتدة في الهواء. انهارت روحي كما انهار حذائي وجواربي.

أمسكت كفي بيدي الأخرى.

أكملت جملتي: "أنا لايكا".
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • خروف في ثياب ذئب   الفصل30

    (لايكا)استيقظتُ عندما تم رُشّ الماء على وجهي. شهقتُ بقوة وسعلتُ بعدما تسلّل الماء إلى أنفي. كانوا قد توقفوا عن ضربي الآن، لكنني كنت مقيّدة بالسلاسل. جاء المحاربون وبعض الشيوخ، وأمروا بالهدوء والنظام، ولم أرَ السيدة زورا على الأرض حيث كانت قبل أن أفقد وعيي. كل ما بقي مكانها هو دمها الذي غمر الأرض، كتذكير خفيّ بأنني لا أجلب سوى المصائب.لم يعد هناك ما يقنعني بأنني لست ملعونة. حياتي كلها سلسلة من الشقاء والألم والحزن، وكل ما يتبعني هو الخراب. ربما كان سيكاني مخطئًا، فأنا أوميغا ملعونة، الوحيدة الباقية على قيد الحياة، وموتي سيكون نفعًا للعالم أكثر من حياتي.لقد حذرني الألفا كريم أن أبقى بعيدة عن المشاكل، لكن يبدو أن المشاكل هي ظلي، يرافقني أينما ذهبت. أعلم أنني سأموت هذه المرة، لأن الألفا كريم ليس هنا لينقذني.إنه في أرض بعيدة، لا يعلم شيئًا عمّا يحدث في مملكته.رأيت السيدة تيريزا وإيريكا من زاوية عيني. دخلت السيدة تيريزا إلى خيمة داخلية، ربما كانت السيدة زورا هناك، بينما تقدمت إيريكا نحوي، وعلى وجهها ابتسامة نصرٍ باردة. كانت تسخر مني، تذكّرني بأنني لم أتحرر منهن بعد، وأن القبول لي

  • خروف في ثياب ذئب   الفصل29

    (لايكا)هززت رأسي نفيًا. تقدّم سيكاني ووقف أمامي ثم قرفص. نظرت إليه بعينين خاويتين، فالتفت نحوي يحثّني على أن أركب على ظهره، لكنني هززت رأسي من جديد. لن أعتلي ظهره، ولن أضعه في موقف حرج مرة أخرى. فبما أن الناس رأونا معًا في العلن، سيصبح من الطبيعي أن يظنوا أنه والد طفلي، إن كنت أحمل واحدًا في أحشائي بالفعل. وأعلم أنه إن وصلت هذه ا لإشاعات إلى الألفا كريم، فلن يرى سيكاني ضوء النهار مجددًا، وأنا لا أريد أن يحدث ذلك.وعندما رفضت، وقف سيكاني، وظننت أنه قد استسلم، لكنه فاجأني حين أمسك بي فجأة وقلبني على ظهره. شهقت بدهشة. بدا سيكاني ضعيفًا في ظاهره، لكنه لم يكن كذلك أبدًا. كان قويًا كأي محارب في القطيع، وإلا لما استطاع حملي بهذه السهولة. حاولت الاعتراض، لكنه أحكم قبضته على ساقيّ بذراعيه، وأدركت أن أي محاولة للمقاومة ستوقعنا أرضًا معًا. فاستسلمت، وتحملت نظرات الكراهية التي كانت تلاحقني من كل اتجاه.وعندما اقتربنا من خيمة السيدة زورا، لم أستطع إلا أن أفتح الموضوع الذي كنت أخشاه. اقتربت من أذنه وهمست: "ماذا لو كنتُ فعلًا حاملًا؟ ألا تزعجك الشائعات؟" كنت أعلم أن خبر ما حدث لي سيتناقل في القط

  • خروف في ثياب ذئب   الفصل28

    (لايكا)غادر الألفا كريم وبعض نبلاء القطيع في مهمة اجتماع، وتركوا أمر القيادة لعدد من المحاربين والشيوخ الذين لم يكن يهمهم ما يجري في حياتي. عدت أرتدي ثوبي القديم الممزق. لم أعلم من مزّق فساتيني الجديدة، لكنني كنت أعلم أن أحدهم عاقد النية على إبقائي ألبس الخِرَق، لأن الثياب الجميلة لا تليق بي في نظرهم. لا أدري إن كان ذلك نابعًا من غيرتهم أو من حقد دفين، لكن من فعلها لا يريد لي أن أبدو جميلة، لأن جمالي يشكّل تهديدًا لهم. ولم يخطر ببالي سوى اسمٍ واحد، السيدة تيريزا.حزنت على فساتيني كما يُحزن على موت طفل، كما حزنت على نفسي منذ وفاة والدي. لم أقترب يومًا من أحد لدرجة أن أحزن عليه حين يموت، بل كنت أشعر بالارتياح أحيانًا، لأن موت أحدهم كان يعني أن عدد معذّبي قد نقص.بدأ الضعف يتسلّل إليّ مع مرور الأيام. كنت دومًا قوية في العمل، رغم أنني ضعيفة في أمور أخرى، لكن هذه الأيام بالكاد أنهي مهامي. رأت السيدة زورا أنني لا أستحق أن آكل من أطباقها وقدورها، فبدلًا من إطعامي، كانت تعطيني بعض النقود لأشتري طعامي من السوق. تعطيني عملات معدودة في الصباح وأخرى في المساء لأتناول طعامي. كنت ممتنّة لأن

  • خروف في ثياب ذئب   الفصل27

    (لايكا)كان هذا الفستان حقًا خرقة. كانت السيدة تيريزا قد رخت الحزام، وكان فيه الكثير من الثقوب التي خطتها معًا، مما جعله بلا شكل على الإطلاق، لكنه لا يزال أكثر فستان مريح لي. لا أعلم إن كان تمسكي بالفستان بسبب كونه أقدم ممتلكاتي، لكني كنت أكره أن أستغني عنه، لكن هنا، كل ما يقوله الألفا يُعتبر قانونًا.لم يقل الزوجان شيئًا لي عندما اقتربت منهما. قادني الرجل إلى خيمة داخلية حيث كانوا يُعدون وجباتهم، وأشار إلى زاوية مظلمة."لم نكن مستعدين لاستقبال شخصٍ يصبح تحت وصايتنا، ستبقين هنا حتى نجد طريقة."نظرت إلى الزاوية المظلمة. لم يكن هناك فراش، بل كانت تنتظرني فقط الأرض الباردة، لكن من أنا لأختار؟ إذا لم أبقَ مع وصي، سأموت جوعًا. رحل دون أن ينطق بكلمة. ذهبت إلى الزاوية وجلست هناك، واستمعت إلى الرجل وهو يتحدث مع زوجته."لن تبقى هنا، طالما أنا موجودة." قالت المرأة بصوت مليء بالغضب والعزم."سمعتِ كلام الألفا، أم تريدين رأسي على طبق؟""إنها ملعونة، ولدي طفلٌ ينمو بداخلي، لا أريد أن يولد طفلي وسط لعنة.""أعلم أنك لا تشعرين بالارتياح حيال هذا، أنا أيضًا لست مسرورًا، لكنك تعلمين أن الألفا كريم

  • خروف في ثياب ذئب   الفصل26

    (لايكا)استيقظت من حلم فيه الألفا خالد. أطلقت صرخة وانتفضت، لكن ذراعان عضليين احتضنتاني بسرعة وسحبا جسدي إلى حضن مطمئن. استغرقت بضع ثوانٍ لأتذكر أنني نمت في خيمة ألفا كريم. كان الحلم واقعيًا جدًا وأعاد تأجيج مخاوفي وانعدام أمني.بكيت على صدر هذا الرجل الضخم، وسمعت دقات قلبه تتسارع. تساءلت لماذا كانت دقات قلبه هكذا، هل كان خائفًا بسببي؟ رفض أن يتركني حتى هدأت. وعندما استعدت نفسي، لاحظت أنه كان مرتديًا ملابسه، وأن حقيبة قد وُضعت بالفعل بجانبه.تضاءلت روحي مرة أخرى. كان فعلًا سيتركني هنا وحيدة. لم يجلس على الفراش بينما كنت أهدأ، بل وقف وأخذ أسلحته ولبسها حول خصره كحزام. وعندما أنهى ارتداء ملابسه، مدّ يده فأمسكتها دون تردد."سآخذك إلى سيدك الجديد الآن."لم يترك يدي ونحن نسير عبر القطيع، ولم يخبرني من هو سيدي الجديد، وكنت أموت من الفضول لمعرفة من يكون. لا يزال القطيع نائمًا، وتساءلت إن كان وصيي الجديد مستيقظًا وينتظرني. وصلنا إلى خيمة في وسط القطيع، أبعد قليلًا عن خيم السيدة تيريزا والسيدة لينا. لم يرد أن أكون بالقرب منهم. نادى، فدهشت عندما كان الصوت لرجل.خرج الرجل من خيمته، كان في من

  • خروف في ثياب ذئب   الفصل25

    (لايكا)"هل لديك أحد في بالك؟" هز رأسه ودفع ملعقة أخرى من الطعام إلى فمي."أعلم أنك لا تريدنني بالقرب منك، لذا لن أزعجك، لكن يجب أن تبتعدي عن المشاكل، لأنني لن أكون دائمًا موجودًا لإنقاذك."كنت أريد أن أخبره أنني أريده بالقرب مني. لا أعلم ما أريد بالضبط، كل ما أريده هو أن أكون غير مرئية وأن أموت بسلام، ولن يهمني إذا لم يتذكرني أحد بعد موتي. لكنني كنت سألعب بمشاعره إذا فعلت ذلك، لأنني لا زلت غير واثقة جدًا من نفسي بسبب ما تعرضت له في الماضي. اتسعت عيناي عندما نظرت إلى الوعاء ورأيت أن الطعام قد شارف على الانتهاء. كيف انتهيت من مثل هذا الطعام الثقيل؟ وعندما قدم لي الملعقة التالية، هززت رأسي رفضًا."هل شبعتِ؟" أومأت برأسي رغم أنني لم أكن كذلك. لم يكن قد أكل بعد، وكنت أعلم أن المحاربين يأكلون كميات وفيرة. أكمل يسأل: "أم أنكِ تراعين أمري؟"كان ذكيًا وينتبه لتعابير وجهي. لا بد أنه تعهد بأن يولي اهتمامًا خاصًا لي بعد أن خدعته."لقد تناولت وجبةً اليوم، أنتِ لم تأكلي شيئًا، فلتأكلي." نظرت إليه فأومأ لي. فتحت فمي، ووضع الملعقة في فمي وسلّمني الوعاء. "سأذهب في رحلة".توقفت يدي، وتوقفت عن ا

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status