Share

الفصل 391

Author: سيد أحمد
كانت الفيلا فسيحة للغاية، وهادئة إلى حد أن خطى الأقدام كان يتردد صداه في الأرجاء.

رغم أن الوقت كان منتصف الليل، لم تكن تُضاء سوى بعض المصابيح الجدارية القديمة في الممر، بينما خيّم الظلام على معظم الزوايا.

في هذا الليل الساكن، انبعث صوت عزف على البيانو، كانت أنغامًا مألوفة للجميع، إنها مقطوعة "زفاف في الحلم".

لو كان المشهد مختلفًا، لكانت تلك المقطوعة تبعث في النفس راحةً وبهجة، غير أنها بدت الآن في هذا القصر الكئيب كأنها تصدح من أعماق قبر، فبثّت رهبةً لا يمكن تجاهلها.

تابع العم يوسف صعوده الدرج مسترشدًا بصوت البيانو.

بالنسبة له، فإن هذه الطريقة التي اختارها زعيم منظمة الحشرات السامة للقاء، لم تخلُ من الغرابة.

أما أحمد، الذي كان قد أُبقي في باحة الفيلا، فكان يختبئ بهدوء تحت السقف، وقد لاحظ وجود أجهزة مراقبة في الجوار.

بالنسبة له، تعطيل كاميرات المراقبة لم يكن بالأمر الصعب، إذ احتاج إلى بضع دقائق فقط لجعلها تتجمّد مؤقتًا على صورة ثابتة.

وبعد أن أنهى رصده لتصميم الفيلا، تَسلّل بصمت إلى الداخل من خلال أنابيب الطابق الأول.

كان يتحرك برشاقة فهدٍ في عتمة الليل.

حين سمع عزف البيانو قادمًا من الط
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Locked Chapter

Latest chapter

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 688

    أمثال هؤلاء لا يخافون من الموت، ولا يرهبون الألم، إنما يخشون شيئًا واحدًا فقط، هو أن يفقدوا وعيهم، تحت ضوء المصباح الكبير المسلَّط على وجه الثعلب الأسود، أمكن رؤية العرق يتصبب بغزارة من جبينه.حين غاصت الإبرة الباردة في جلده، كان الأمر عنده لا يتعدّى لسعة نملة، غير أنّ عروقه على ظهر كفّه برزت بوضوح، وكلا يديه انقبضتا في قبضتين شديدتين، وجسده أخذ يرتجف محاولًا المقاومة.حدّق أحمد فيه بعينين باردتين وقال: "أمامك خياران، إما أن تتكلم الآن، أو أن أُجبرك بعد قليل على الاعتراف دون ذرة كرامة، قل لي، هذه السنوات كلّها لمن كنتَ تبيع نفسك؟ ومن الذي حرّضك على إيذاء ابني وسارة؟ إن صرحتَ بالحقيقة، فبحق الزمالة القديمة، أستطيع أن أضمن لك موتًا يحفظ لك بعض الكرامة".حرّك الثعلب الأسود حنجرته بابتسامة ساخرة وقال: "انزع هذا الوهم من رأسك، حتى لو قتلتني فلن أبوح بشيء، حيلتك هذه قد تنطلي على غيري، لكنها لا تنطلي عليّ".لقد كان يملك وعيًا مضادًا عاليًا، وصلابة نفسية أقوى بكثير من عامة الناس.قال أحمد ببرود: "جيّد، لديّ ما يكفي من الوقت حتى يبدأ مفعول الدواء في جسدك".جلس مجددًا على مقعده، يتصفّح أوراق ملف

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 687

    تجمّدت عينا أحمد ببرودٍ مخيف وهو يقول بصوت عميق: "أخيرًا أمسكتُ بك."حاول الرجل غريزيًّا أن يعضّ شيئًا داخل فمه، لكن أحمد باغته، فدسّ مقبض المسدس في فمه بشراسة، وصوته قاسٍ كالحديد يخترق العظم: "تفكّر في الانتحار بالسم؟ هذا في احلامك!"وفي اللحظة التالية، رفع الرجل ذراعه فجأة، وضرب بمرفقه نحو صدر أحمد بقوة، غير أن أحمد كان قد تعلّم من المواجهات السابقة، وهذه المرة جاء مستعدًّا، فلم يترك له أدنى فرصة.هو قاسٍ، لكن أحمد كان أشدّ قسوة، وفي العتمة سُمِع صوت العظام وهي تُكسر، فقد أوقف أحمد حركته بيدٍ واحدة، ثم كسر معصمه بقبضةٍ ثابتة.بعد عدّة جولات من الاشتباك، أصبح الرجل تحت سيطرة أحمد تمامًا، وربما لم يفهم حتى لحظة موته، لماذا يتمتّع رجلٌ بمكانه رئيس تنفيذي بقدراتٍ قتاليةٍ كهذه، بتلك الهالة التي لا تصدر إلا من أمثاله… من أبناء الظلّ أنفسهم.ليس غريبًا أن يتمكّن أحمد من الهروب من ذاك الفخّ القاتل سابقًا!حاول الرجل أن يستغلّ يده الأخرى لانتشال الهاتف ليُرسل إشارة، لكن أحمد ركله بقوة على باطن ركبته حتى جثا على الأرض، وفي اللحظة التالية كان الهاتف قد صار بين يدي أحمد.بدأ الرجال يتوافدون إلى

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 686

    كان تواضع السيدة ناريمان وسارة على النقيض تمامًا من تباهي شهيرة وابنها، فقد بدت شهيرة في البداية متوترة بعض الشيء، لكنها انتهزت فرصة خلو المكان من الناس لتسأل بخفوت: "ابني، ما الطريقة التي استعملتَها حتى تُخضع الجد وجدي؟"لا أحد يعرف عناد الجد العجوز أكثر منها، فهو لا يلين أمام لينٍ ولا يقسو أمام شدّة، حتى أولاده لم يتردد يومًا في التخلي عنهم، فما الذي جعل هيثم ينجح ببضع كلمات فقط؟ابتسم هيثم ابتسامة غامضة وقال: "أمي، لديّ وسائلي، ما عليكِ سوى أن تطمئني وتجلسي مكانكِ كزوجة السيد سامر، فمنذ اليوم أنتِ سيدة هذا القصر."مع تطمينات ابنها، ازداد جرأها كثيرًا.ولتتأكد من صدق قوله أوعزت إلى الخادم إبراهيم، ذلك لأن هذا الخادم يمثّل رأي الجد وجدي. وما إن رأت انصياعه التام لأوامرها حتى اطمأنت تمامًا.فأطلقت العنان لنفسها تتصرّف وكأنها صاحبة المكان الحقيقي، تأمر فتُطاع، وتنهى فلا يُرد لها أمر.حتى السيدة ناريمان، التي كانت فيما مضى تنازعها على خاتم أو متاع بسيط، صارت الآن تتجنب المواجهة عمدًا، فلا تُبدي اعتراضًا على أي شيء، بل تنسحب إلى الظل. وبالرغم من أنهن يعشن جميعًا في الفيلا نفسها، إلا أن

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 685

    ما من أحدٍ كان أدرى من سيّد سامر بما تحمله السيدة ناريمان من مشاعر عنيدة نحوه، فما زال يذكر حتى الآن تلك اللحظة التي قدمت له فيها، وكأنها تعرض كنزًا ثمينًا، لوحاتٍ قديمةً وتحفًا خزفية جمعتها من أقاصي الأرض لتضعها أمامه.كانت يومها تحمل في ملامحها زهوًا متأصلًا، مزيجًا من كبرياء فطري وكبحٍ للذات من أجله، ومع ذلك لم تستطع شفتاها منع ابتسامتهما المرفوعة.قالت ببهجةٍ تلمع في عينيها: "انظر يا سامر، هذه لوحة للفنان شوقي، بذلت جهدًا عظيمًا حتى أظفر بها".تلك اللحظة، كانت عينُ السيدة ناريمان تحوي نجومًا، متألقةً وفخورةً كالشمس في عليائها.لكن، متى تغيّر كل ذلك؟متى تحوّلت شمسها الحارقة إلى قمرٍ باردٍ متجهم، لا يلوح في طرف عينها ولا ابتسامة شفتها أثرٌ لهيامها به؟بل وصلت إلى حدّ أن قالت له باستخفاف أنها سوف تبيعها بثمن بخس، وأنها لم تعد تُهمُها.صرخ سامر غاضبًا: "ناريمان!"لكنها رمقته ببرود وقالت: "ألم يعجبك أن أتصرف في أشيائي الخاصة؟"وقبل أن يجيب، أضافت ببرودٍ أشد: "حتى لو لم يعجبك، فلتكتم اعتراضك هذا! لقد دفعتُ مالي الخاص بها، فلا شأن لك بهذا".ثم أدارت ظهرها وغادرت دون أن تلتفت، تاركةً وراء

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 684

    كانت شهيرة قد أدركت منذ الوهلة الأولى أنّ هذه الغرفة هي الجناح الرئيسي، ومع ذلك تظاهرت بالبراءة بعد أن أنهى الخادم إبراهيم كلامه.وقالت متصنّعة: "آسفة، لم أكن أعلم أنّها غرفة ناريمان، فقط رأيت اتجاهها جيّدًا، يمكنني من رؤية بحيرة البجع المقابلة، والإضاءة ممتازة، وظننت أنّها خالية."تدخّل هيثم بابتسامة متعجرفة وقال: "لا بأس يا أمّي، المهم أن تكوني مرتاحة، من اليوم فصاعدًا أنتِ السيّدة الحقيقية لعائلة أحمد، وأينما رغبتِ في السكن فذلك من حقّكِ، أليس كذلك يا أبي؟"رفع سيد سامر حاجبيه ونظر إلى ابنه، غير أنّه هذه المرّة لم يوافق مباشرة، بل وقع بصره على الغرفة التي ما تزال كما كانت منذ سنين.تلك الغرفة كانت غرفة الزفاف التي أعدّتها السيدة ناريمان بنفسها لتوافق ذوقه، وذكريات بعيدة أخذت تطفو في عقله.قال ببرود: "الفيلا واسعة وبها غرف كثيرة فارغة، إن أردتِ رؤية بحيرة البجع فيمكنك ذلك من الطابق العلوي، أما أن نسكن في غرفة تخصّ غيرنا فذلك غير مناسب."لكن هيثم غيّر من طبيعته الخاضعة المعتادة، وأصبح متعجرفًا: "أبي، هل تظن أنّ الأمر مجرد غرفة؟ إنّه رمز للهوية، من الآن فصاعدًا، السيّدة الوحيدة لعائلة

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 683

    لم تكن السيدة ناريمان تعلم ما الذي جرى عند الجد وجدي، لكن الواضح أنّ هيثم قد بات يتصرّف وكأنّ عائلة أحمد أصبحت ملكًا خالصًا له.قال ببرود: "خالتي ناريمان، أنتِ وأبي قد انفصلتما منذ زمن، وبحسب المنطق لم تعودي تنتمين إلى عائلة أحمد، العائلة أنفقت عليكِ هذه السنين وكان ذلك منتهى الكرم، والآن وقد عادت أمي، فهي وحدها زوجة أبي الشرعية، لو كنتُ مكانكِ لابتعدتُ من تلقاء نفسي قبل أن أبدو مثيرًا للشفقة."فتدخّلت شهيرة بسرعة قائلة: "هيثم، كيف تخاطب خالتك ناريمان بهذه الطريقة؟ يا ناريمان، لا تصدّقي ما يقوله، لقد دلّلناه منذ طفولته فأفسدناه، لكن هذا بيتكِ، يمكنكِ البقاء فيه ما شئتِ، ولن يجرؤ أحد على طردكِ."كلمات شهيرة في ظاهرها تعاطف، لكنها في باطنها كانت تلمّح إلى موقعها الذي تسعى لترسيخه، فهي تعلم أنّ إن نجحت بالدخول رسميًا إلى البيت، فسوف تحظى بفرص لا تنتهي، ومن أجل ذلك لا بدّ أن تُظهر نفسها متسامحة أمام سيد سامر.أجابت السيدة ناريمان وهي تطوي ذراعيها على صدرها: "صدقت الحكمة، الابن صورة عن أمّه، إن كان الأصل معوجًّا فلا تنتظروا من الفرع استقامة، سأرى إلى متى ستبقون هنا".قالت كلمتها ثم أدارت ظه

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status