Share

الفصل 1079

Author: سيد أحمد
"من أنتِ حقًا؟ يا جدّي، لا أريدها أن تُعالجني بعد الآن".

كان الخوف يتملّك صفاء، فقد رأت في هذه المرأة شيئًا مرعبًا، ورأت في أعماقها كراهية موجّهة إليها، بل رأت ظلال سارة نفسها.

بعد رحيل سارة في ذلك الوقت، انقطعت أخبارها تمامًا، وقيل إنّها ماتت منذ زمن.

ومهما يكن مكانها اليوم، فلا يمكن أن تكون بهذه الهيئة الجديدة.

تكلّمت سارة ببرود هادئ: "لقد أبديتُ رأيًا فقط من خلال ما قالته السيدة صفاء قبل قليل مع السيد أحمد، فلماذا ترتجفين هكذا؟ هل تخشين فعلًا أن يُفتضح أمرٌ تخجلين من ذكره؟"

قتل الوالدين، جريمة لا تُغتفر، ومَن يفعلها يستحق أن يهوي إلى قاع الجحيم.

قال الجد رائف مهدّئًا: "يا صفاء، لا تكوني حساسة هكذا، الطبيبة مشغولة جدًا، وقد بذلنا جهدًا طويلًا لنقنعها بالمجيء، فلا تشغلي بالكِ، الألم يزول، وما دمتِ ستقفين على قدميكِ من جديد فاصبري قليلًا".

قالت بصوت مرتعش: "أصبر؟ إلى متى سأظل أصبر؟"

"ثلاثة أشهر من العلاج المنتظم، وإن تحسّنتِ بسرعة يمكن تقصير المدة، وبعد العلاج نُجري العملية".

"ثلاثة أشهر!"

قرابة مئة يوم من هذا العذاب اليومي، مجرد التفكير فيه كان كافيًا ليجعل قلب صفاء ينكمش رعبًا.

وأخي
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Locked Chapter

Latest chapter

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1082

    لم تتجه السيارة إلى المنزل، بل توقفت أمام فندق.ما إن صعدت سارة إلى المصعد حتى سألت: "إلى أين تأخذني في مكان كهذا؟".مسح أحمد طرف أنفها بإصبعه وقال: "كنتُ قليل الصحبة لكِ في الماضي، كُنّا زوجين لكننا لم نكن حتى مثل أي حبيبين عاديين، وكل ما لم نفعله آنذاك يا سارة، أريد أن أفعله معكِ الآن".انسكب الضوء المتلألئ من السقف فوق عيني أحمد المفعمتين بالحنان، وسمعت سارة دقّة قلبها بوضوح.كان يبدو مختلفًا قليلًا.وفي اللحظة التالية رأته ينحني نحو أذنها ويتمتم بصوت منخفض: "ألا تظنين أنّ الطابق المئة قد يكون… أكثر إثارة؟".قالت سارة: "....."يا له من رجلٍ وغد.جرّها بلا حياء خارج المصعد.وفور صدور "طن" خافت عند انفتاح الباب، وجدت سارة نفسها تُدفع إلى الداخل.وما إن دخلت حتى تجمّدت أمام المنظر.كان الجناح كلّه مُزيّنًا بالورود، والسجادة مكسوّة بطبقة سميكة من بتلات الورد، ورائحة الورد تملأ المكان.قالت متلعثمة: "أنت…".لكن أحمد دفعها برفق نحو الحمّام قائلًا: "أزيلي هذا الوجه، فكلما قبلتكِ شعرتُ وكأني أخونكِ".لم تستطع سارة أن تمنع ضحكتها، فهذا الرجل دقيق بشكل غريب.أزالت مكياجها واغتسلت سريعًا، ثم و

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1081

    بدأت سارة تُدرك قليلًا ما كان يشعر به أحمد، فرفيق طفولته الأقرب مات بسببه، وترك له قبل رحيله وصيّة يحمّله فيها مسؤولية رعاية صفاء.وكانت صفاء امرأةً تعرف كيف تُثقل على الآخرين وتلوّح بالمَنّة كلما سنحت لها الفرصة، ومع ذلك فلو وضعت سارة نفسها مكانه لما كانت واثقة بأنها ستتصرف خيرًا منه.فلو لم تكن قد استنزفت صبر أحمد حتى آخر قطرة، فهل كان سيتخلى عنها ويتركها لنفسها؟وحين ذُكر ذلك الاسم، ضحك أحمد بسخرية باردة قائلًا: "حين يخرج هذا الاسم من فمكِ أشعر بالغثيان، فالذي له فضل عليّ هو سالم، وليس أنتِ يا صفاء، وفضله عليكِ أنتِ قد استهلكتِه حتى آخر رمق".وأردف وهو يحدّق مباشرة في عينيها: "منذ اليوم الذي دفعتِ فيه سارة من فوق السفينة، كنتِ تستحقين الموت".ثم أغلق النافذة، وانطلق محمود بالسيارة فورًا.هوت صفاء بكل ما بقي فيها من قوة نحو الأمام، وسقطت على الثلج، ومدّت يدها تستجدي: "أحمد، لا تتركني، أنا أرجوك، أنا أعترف بخطئي، حقًا أعترف".تقدّم توفيق خطوة بعد خطوة حتى وقف خلفها، ثم انحنى رافعًا إياها بين ذراعيه، وهمس في أذنها بنبرة مُنخفضة: "لماذا يا تُرى ألا تتعلمين الدرس أبدًا؟"صرخت: "لا، ابتعد

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1080

    كانَت الشخصية الأقل حضورًا دائمًا هو توفيق، لكنه في الواقع الأعمقُ غموضًا بينهم جميعًا، ثبتت سارة نظرها على وجه توفيق وقالت: "ما إذا كنتُ من مدينة الشمال أم لا، فهذا لا يبدو ذا صلةٍ بك يا سيد توفيق."منذ البداية كانت سارة تفعل ذلك عن قصد، مُتعمدةً أن ترسم صورة الشخص الصعب المراس الذي لا يَسمح للغرباء بالاقتراب.هكذا تُعفي نفسها من الاضطرار إلى مجاملة الآخرين، وأقصى ما سيُقال عنها أنها سيئة الطبع.لكن طالما ليست هي من تطلب شيئًا من أحد، فلماذا تُجبر نفسها على ملاحظة مشاعر الآخرين؟ابتسم توفيق بحرجٍ قليل: "صحيح، لكن ما زال أمامنا ثلاثة أشهر من التعامل معًا، وظننتُ أنه كلما عرفتُكِ أكثر ربما نصبح صديقين."قالت سارة بنبرة باردة: "سيد توفيق يبدو أنك فهمت الأمر خطأ، لقد جئتُ هنافي زيارةٍ طبية، لا لأكون صداقات."كانت تلك الكلمات فظة إلى حدٍّ كبير، فمهما كانت عائلة صفاء أسرةً نافذة، فبأي حق تتحدث طبيبةٌ بهذه الطريقة؟اتضح أن لسان هذه المرأة حادٌّ مع الجميع، ورؤية سارة تُحرج توفيق جعلت صفاء تشعر بسعادةٍ خفية.كانت تلك الوجبة غارقةً بالحرج، وحده الجد رائف كان يبدو طبيعيًا في المجلس.ما إن وضعت س

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1079

    "من أنتِ حقًا؟ يا جدّي، لا أريدها أن تُعالجني بعد الآن".كان الخوف يتملّك صفاء، فقد رأت في هذه المرأة شيئًا مرعبًا، ورأت في أعماقها كراهية موجّهة إليها، بل رأت ظلال سارة نفسها.بعد رحيل سارة في ذلك الوقت، انقطعت أخبارها تمامًا، وقيل إنّها ماتت منذ زمن. ومهما يكن مكانها اليوم، فلا يمكن أن تكون بهذه الهيئة الجديدة.تكلّمت سارة ببرود هادئ: "لقد أبديتُ رأيًا فقط من خلال ما قالته السيدة صفاء قبل قليل مع السيد أحمد، فلماذا ترتجفين هكذا؟ هل تخشين فعلًا أن يُفتضح أمرٌ تخجلين من ذكره؟"قتل الوالدين، جريمة لا تُغتفر، ومَن يفعلها يستحق أن يهوي إلى قاع الجحيم.قال الجد رائف مهدّئًا: "يا صفاء، لا تكوني حساسة هكذا، الطبيبة مشغولة جدًا، وقد بذلنا جهدًا طويلًا لنقنعها بالمجيء، فلا تشغلي بالكِ، الألم يزول، وما دمتِ ستقفين على قدميكِ من جديد فاصبري قليلًا".قالت بصوت مرتعش: "أصبر؟ إلى متى سأظل أصبر؟""ثلاثة أشهر من العلاج المنتظم، وإن تحسّنتِ بسرعة يمكن تقصير المدة، وبعد العلاج نُجري العملية"."ثلاثة أشهر!"قرابة مئة يوم من هذا العذاب اليومي، مجرد التفكير فيه كان كافيًا ليجعل قلب صفاء ينكمش رعبًا.وأخي

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1078

    "لا تذهبي، سأُعالج، وسأسمع كلامكِ".نظرت صفاء نحو سمر وقالت: "تعالي وضَعي لي الدواء".نظرت سمر إلى قدميها المملوءتين بفقاعات مائية لامعة، وتلعثمت قائلةً: "أنا… لا أجرؤ، الأفضل أن يتولى السيد توفيق ذلك".تدخل الجد رائف من تلقاء نفسه دون أن يعرف ما يحدث: "صحيح، ليتولَّ توفيق الأمر، فهو جريء ودقيق".في نظر الجد، كان توفيق أخًا عطوفًا، ورغم أنّ صفاء ليست أخته من الدم، إلا أنّه كما يراه الجد كان يحسن إليها أكثر من أخته الحقيقية.ومنذ أن تولّى شؤون العائلة، لم يُقصّر معها بسبب أصلها، بل كان يعاملها بزيادة من اللطف والرعاية.ولهذا كان الجد رائف مطمئنًا إليه كل الاطمئنان.عضّت صفاء شفتها دون أن تدري كيف تعبّر، بينما كانت سارة تراقبهما بعين خبيرة، وكأنها ترى مشهدًا مسليًا، وقد أدركت أن الأيام المقبلة لن تكون مملة على الإطلاق.كانت الفقاعات على قدمي صفاء مؤلمة من مجرد لمسها، فكيف والأمر يتطلب تفجيرها قبل وضع الدواء كما أمرت سارة؟حتى توفيق نفسه بدا مترددًا، ثم قال بصوت خافت: "تحمّلي قليلًا".أقدم على الأمر بحزم، فانفجرت صفاء بالبكاء من شدة الألم.وبعد معاناة، تفجّرت الفقاعات جميعها، ثم دهن موضعه

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1077

    كانت تدرك تمامًا أنّ "الفحص" الذي قصده أحمد ليس فحصًا بالمعنى الحرفي، فزفرت في سرّها بغيظٍ مكتوم، بينما حافظت على ثبات ملامحها، وقالت ببرودٍ مدروس: "الوقت أوشك على النفاد، سأدخل الآن لأُعالج ساق الآنسة صفاء".هربت بخطواتٍ سريعة كأنّها تفرّ من ساحة معركة، الأمر الذي جعل ابتسامة أحمد تتسع، سارة… وأنا الذي أحبك بهذا القدر، إلى أين تظنين أنّك ستهربين؟كانت قدم صفاء قد تحوّلت إلى اللون الأحمر القاني بعد أن أُخرجت من الماء المغلي، وامتلأت ببثورٍ كثيرة، حتى إنها لم تعد قادرة على حبس دموعها.قال توفيق محاولًا تهدئتها وقد بدا عليه التأثر رغم كل شيء: "اصبري يا أختي، ستهدأ الآلام قريبًا".لكن صفاء لم تُعره أي اهتمام، وحدّقت بدموعٍ متواصلة نحو أحمد: "أحمد… أنا أتألّم كثيرًا".كان كلامها هذا كصفعةٍ قاسية على وجه توفيق، فشحَبَت ملامحه، وازدادت نظرته سوادًا وحقدًا.كانت سارة تراقب المشهد بنظرة العارف بكل التفاصيل، ورغم قسوته فقد وجدته جانبًا مثيرًا للسخرية.فهي ابنة السيد رشيد والسيدة نور، وقد ورثت منهما أفضل ما فيهما، وكان جمالها حقيقة لا جدال فيها، عيناها تشبهان عيني والدها حدّ التطابق، أما شفتيها

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status