Mag-log inقال محمود بوجهٍ جاد: "هوية السيد قد كُشفت، وجميع القوى التي كانت تكن له العداء في الماضي ستنقضّ عليه كما تنقضّ الذئاب الجائعة، كما جرى ليلة أمس، فالأشخاص الذين ظهروا وراءهم التنظيمات التي كانت منذ عشرة أعوام في قلب المنطقة س، أرسلوا محاربين لا يخشون الموت، غايتهم الوحيدة أن يجرّوا السيد معهم إلى الهاوية ولو على حساب حياتهم."ارتجفت سارة خوفًا وقالت: "أفلن يكون في غاية الخطر الآن؟"أجابها محمود: "هنا ما زال يُعدّ آمنًا، لكن ما إن يغادر نطاق المنطقة العسكرية حتى يغدو كل مكان مشبعًا بالمخاطر، وقد اكتشفتُ عبر الإنترنت المظلم في العالم السفلي أن هناك من نشر إعلانًا بمكافأة مجهولة الاسم، من يقتل السيد يحصل على مئة مليون، مثل هذا الثمن الباهظ لا بد أن يجذب القتلة المحترفين والمرتزقة، فالجوائز السخية دائمًا ما تجتذب المغامرين."أما أحمد فقد بدا وكأن الأمر لا يعنيه، ونصح سارة قائلًا: "في الماضي أبقيتكِ بجانبي لأنني كنت قادرًا على حمايتكِ، أما الآن فأنا نفسي صرتُ أخطر مكانٍ عليكِ، لذلك يجب أن ترحلي."كان يسدّ عنها الخطر بحياته، ومع ذلك يريد إقناعها بالرحيل.لكن سارة حسمت أمرها في قلبها وقالت: "س
لم يتكلم أحمد بعد، لكن ما إن نطق بهذه الكلمات حتى تغيّر وجه سارة فجأة.قالت بحدة: "إلى متى ستظل تختبئ خلف شعار أنّك تفعل هذا من أجلي بينما أنت في الحقيقة أناني؟"فجّرت سارة كل ما في صدرها من غضب، وقالت: "في الماضي كنتُ أحبك بجنون، وتخلّيتُ عن كل شيء من أجلك، طبيعة عملك الغامضة لم أسألك عنها، وسفرك المتكرر لم أستفسر عنه، كنتُ أظن أنّ هذا هو حبي لك، لكن ما الذي جنيتُه في النهاية؟"قال: "سارة حبيبتي." ومدّ يده ليجذبها نحوه، لكن سارة ابتعدت بسرعة.قالت: "أنت تعرف عني كل شيء، حين تكون راضيًا تغدق عليّ الهدايا وتدللني حتى السماء، وحين تغضب تسترد كل شيء وتقطع أمامي كل السبل للعودة، وتزجّ بي في الجحيم، أما أنا؟ من البداية وحتى النهاية، غير أنّي أعرف أنّك اسمك أحمد، فماذا تتوقع أن اعرف عنك أكثر من ذلك حقًا؟"قالت بمرارة: "في البداية كنتَ تعاملني كما يُعامَل الحيوان الأليف، تقول إنّ هذا لمصلحتي وذاك أيضًا لمصلحتي، لكن ما آل إليه أمري الآن، أليس كله بفضل وهمك وغرورك؟"ظلّ أحمد صامتًا يحدّق في سارة الغاضبة، ولم يدرك إلا الآن كم كانت تحمل في قلبها من استياء.قال بصوت خافت: "سارة حبيبتي... كان لي عذ
ابتسم أحمد بخفة وقال: "أعرف، سواء كنتُ نائمةً أو مستيقظةً، لا أريد أن أفلت يدكِ."كان وجهه شاحبًا للغاية، وملامحه التي اعتادت البياض بدت أكثر مرضًا.لقد مرّ للتو بتجربة التعايش بين الحياة والموت، والعملية وحدها استغرقت وقتًا طويلًا، لكنه حين استيقظ بدا وكأن شيئًا لم يحدث.قالت له: "سمعت أنّك لم تستعمل المخدّر."فأجاب بهدوء: "نعم، لم أستعمله، خفتُ إن متُّ ألا أراكِ لآخر مرة."كان جوابه متماسكًا، لكن في داخله لم يفكر إلا في أمرٍ واحد، أنّ سارة بطبيعتها تملك مقاومة ضد المخدر، لذلك كل إصابة كانت تتحملها وحدها.نزيف الولادة، خياطة الذراع، وحتى جرح المعصم، كلها كانت تواجهها صابرة من دون مسكّن.ولذلك لم يستخدم أحمد المخدر، أراد أن يحمل في قلبه وعيًا بآلام سارة التي تحملتها من قبل.والأهم من ذلك أنّه أراد أن يبقى يقظًا، ليكون أوّل ما تقع عليه عيناه هو وجهها.فلو أنّ عملية إنقاذه لم تنجح ليلة أمس، لكان فارق الحياة في نومه.حين سمعت سارة جوابه، بقيت صامتة لا تدري ماذا تفكر، وخيّم بينهما صمت يخنق الأنفاس.وكان أحمد هو من كسر الصمت قائلًا: "سأرتب أن أرسلكِ قريبًا إلى الجزيرة، فالمكان هنا لم يعد آم
ظهر عدو جديد لم يُعثر عليه من قبل، وأسلوبه يختلف كليًّا عمّن سبقوه.فأخذت تُحاسب نفسها، هل قدَرها أن تظل طوال حياتها مختبئة تحت جناح الآخرين؟مشهد موت فاتن، وصور مَن أصيبوا من أجل إنقاذها، ظل حاضرًا في ذاكرتها لا يفارقها.تلك الليلة الماطرة القاسية تحولت إلى كابوس يطارد سارة بلا انقطاع.فإن لم تُصبح قوية، فلن يحالفها الحظ كل مرة لتنقذ حياتها.ظلت تفكر وتفكر، حتى كاد الفجر يطلع، وحين استقرت مؤشرات أحمد، أغمضت عينيها لترتاح قليلاً.ساد في الغرفة صمت مخيف، واغتنمت ندى تلك اللحظة لتنظر إلى وجه أحمد عن قرب.ففي مهماته السابقة كان يخفي وجهه خلف القناع، ولم يعرف أحد ملامحه الحقيقية، حتى هي نفسها كانت تتوق لرؤيته ولم تستطع.وفي تلك اللحظة غمرها شعور بالغيرة من سارة، فهي الوحيدة التي تنعم بقربه، وتستيقظ كل صباح على صوته وهو يلقي عليها تحية الصباح، يا لها من سعادة.لكن بينما كانت تحدّق فيه باهتمام، إذا بعينيه تنفتحان فجأة، فتملّكها الارتباك وأرادت أن تُبعد نظرها، وقد اجتاحها شعور بالذنب وكأنها ارتكبت خطأ جسيمًا.غير أنّها لم تدرِ أنّ قلبها وعينيها ممتلئان به، بينما هو لم يلحظ وجودها أصلًا.فأول
شعرت سارة في البداية أن ذلك قد يُظهر الأمر بصورة غير لائقة.ثم غيّرت رأيها، فالناس عادةً يكوّنون انطباعًا أوليًّا يصعب تغييره، وقد تركت لديهم من قبل صورة سيئة.حتى لو وقفت اليوم تحرس أحمد بصرامة كتلك التي لدى الجنود، فإن من يزدريها سيظل يزدريها.فلماذا تهتم إذن بنظرات الآخرين؟كانت تعاني أصلًا من ضعف جسدي، ومع وقوفها الطويل بدأت ساقاها تؤلمانها.ولو أنها واصلت الاستناد إلى حافة السرير، لأصابها وجع أشد في ظهرها وخصرها.قالت بهدوء: "حسنًا، يمكنك الانصراف."خلعت سارة حذاءها وجواربها، ثم همّت بالصعود إلى السرير، بينما كانت ندى تراقبها بغيظ شديد.صرخت ندى: "أنتِ... أيتها الوقحة، ماذا تفعلين؟"رمشت سارة بعينيها في براءة وقالت: " كما ترين، الفاتنة المتعبة بحاجة إلى قليل من الراحة."هتفت ندى غاضبة: "كيف تجرؤين على النوم بجانبه في سرير واحد؟"تنهدت سارة باستسلام وقالت: "صدقيني، لم أرغب بذلك، لكنه يتمسك بي ولا يتركني."ثم استدارت بجسدها وتمددت بجانبه وقالت ببرود: "وما الذي يثيركِ كل هذا القدر يا آنسة ندى؟ دعكِ من النوم في سرير واحد، لقد جمعنا أكثر من ذلك بكثير، فما شأنكِ أنتِ؟"فانقطعت أنفاس ندى
بعد ساعات طويلة من العملية، أُزيلت جميع شظايا الزجاج من جسد أحمد.لم يستطع سوى الاستلقاء على بطنه مؤقتًا.أي إنسان عادي لو تعرّض لمثل هذه الإصابات لكان قد لجأ إلى التخدير، أما هو فآثر أن يتحمل الألم بصبر.كانت تلك الساعات أشبه بالجحيم.أصرّ على البقاء وهو بكامل وعيه، منتظرًا اللحظة التي يرى فيها سارة أول مرة بعد خروجه.تقدمت ندى بخطوات سريعة نحوه، وقالت بقلق: "أخي أحمد، هل أنت بخير؟"كان أحمد قد أسند ذقنه على ظهر كفيه المتشابكين، وقد استنفد قواه كلها، يتصبب عرقًا من شدة الألم.كان على حافة الانهيار منذ وقت طويل، ومع ذلك حين فُتح الباب تماسك بصعوبة ووجّه بصره نحوه.وأول من وقعت عيناه عليه لم تكن ندى، بل كانت سارة.تجاهل تحية ندى، ونادَى بصوتٍ واهن: "سارة حبيبتي..."اقتربت سارة بخطوات بطيئة، فمد يده المرتجفة نحوها، فأمسكت بها بلطف.كانت راحة كفه مبللة بعرق لم يجف بعد.قال بصوت متقطع: "لقد وعدتُكِ، أن أخرج من غرفة العمليات حيًّا."وما إن أنهى كلماته حتى أغشي عليه، غير أنّ يده الممسكة بيد سارة لم تفلتها.كان هذا الموقف كصفعة قاسية نزلت على وجه ندى.فانحيازه الواضح لسارة هو ما يمنحها قوتها







