Share

الفصل 802

Author: سيد أحمد
كان صاحب ذلك القناع هو جلال، وقد ضيّق عينيه متفحّصًا الرجل الواقف أمامه، ذي القامة الطويلة.

كان يشبه أحمد بعض الشيء، غير أنّ جسد أحمد كان أشد قوة من جسد هذا الرجل، وعندما وقعت عيناه على وجه حسني، رآه وجهًا عاديًّا لا يثير الانتباه، ولم يسبق له أن رآه من قبل.

أيعقل أنّه ليس من جاء لقتله؟

قال بصوت مبحوح: "أتعرفني؟"

نعم، أنه صاحب هذا الصوت…

تقدّم حسني بضع خطوات، وأمسك بياقة قميصة بشدة، وقال بنظرة باردة: "تكلّم، ما الذي جاء بك إلى هنا؟"

كان تصرّف هذا الرجل غريبًا في نظر جلال، فلو كان أولئك المطاردون قد لحقوا به فعلًا، لكانوا أطلقوا النار على رأسه مباشرة بدلًا من طرح هذه الأسئلة الفارغة.

فمن يكون هذا الرجل؟

وكانت الركلة التي وجّهها حسني قد أصابت موضع جرحه تمامًا، فانفتح الجرح من جديد، وتدفّق الدم مصبغًا ثيابه.

ولم يكد حسني يواصل استجوابه، حتى دوّى صوت صراخ مرعوب في الممر: "قراصنة! القراصنة هاجموا السفينة!"

ومضت في عيني حسني نظرةً باردة، أحقًّا وقعوا في أيديهم هذه المرّة؟

يا لهم من حثالة.

وسرعان ما تعالت أصوات أقدام تركض في الخارج، ورغم أنّهم لم يكونوا سوى طاقم سفينة شحن عادية، إلا أنهم كانو
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Locked Chapter

Latest chapter

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 828

    نظر أحمد إلى خلفه، فلم يجد أثرًا لا لخالد ولا لمحمود.السبب الوحيد الذي جعله يطمئن ويشرب الخمر كان وجودهما بجواره، لكنهما غابا في هذه اللحظة بالذات، فوقع في الفخ.المرأة أمامه كانت تظن أن جمالها وقوامها كافيان لإغواء أي رجل.غير أنه حين التفت إليها، لم تجد في عينيه أدنى رغبة، بل لمحت فقط هيبةً مهيبة وبرودةً قاسية.مع أنه كان جالسًا وهي واقفة، إلا أن الفارق في الهيبة بينهما كان شاسعًا.كان يسند رأسه بيده، كملك يجلس على عرشٍ عالٍ ينظر بازدراء إلى كل ما حوله.أما هي، فلم تكن في نظره سوى نملة تافهة.في داخلها، شعرت المرأة بالغيظ، وألقت اللوم على أن مفعول الدواء لم يظهر بعد.بدأت تتمايل وتتدلل محاولةً الاقتراب أكثر من أحمد، لم تصدق أن جسدها الذي لطالما تباهت به لا يثيره قيد أنملة.لو أن سارة كانت هنا لأدركت أن الأمر انتهى، وأن النجاة لا تكون إلا بالفرار.كان أحمد إذا بلغ به الغضب أقصاه، عاد ساكن الملامح، وكلما بدا هادئًا من الخارج، كان البركان داخله أشد هيجانًا.أما هي، فلم تكن تعلم أن ما تستعرضه أمامه لم يكن في عينيه إلا لحمًا فاسدًا مقززًا.قال ببرود: "كيف تريدين أن تجربي؟"حين سمعت صوته

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 827

    كان خالد يحدق في مؤخرة رأس أحمد، ولم يستطع إلا أن يشعر بالأسى تجاهه، فهذا الرجل بائس للغاية.فحين وافق في البداية على الزواج من صفاء، كان ذلك وفاءً لوعدٍ قديم، لكنه في الحقيقة لم يلمسها يومًا، ومن البداية حتى الآن لم يعرف امرأة غير سارة.أما هو، فمع أنه بلا صديقة، إلا أن لديه دائمًا طرقًا للتنفيس عن نفسه.بينما ظل أحمد وفيًّا لامرأة واحدة، فإن لم يستطع أن يعود إليها في المستقبل، ألن يُحكَم عليه أن يقضي عمره في عزلة كالأرامل الأحياء؟ التفكير في ذلك يجعله مثيرًا للشفقة.قال خالد فجأة: "أخي، ما رأيك أن نشتري للزعيم دمية واقعية؟ الآن صارت متطورة جدًا، ولن تُعد خيانة، أليس كذلك؟"أجابه محمود ببرود: "إن أردتَ أن تموت، فلن أمنعك".قال خالد متذمرًا: "أنا أفكر في مصلحة الزعيم فقط، ألا تخشى أن يتأذى من كثرة الكبت؟ لا يا أخي، يجب أن ترافقني لنشتري له شيئًا، لا يمكن أن نتركه هكذا مكبوتًا".كان أحمد قد ابتعد مسافة طويلة، حتى خفَّ الاحمرار الذي صعد إلى أذنيه، وهو يعترف في داخله أن ما قاله الطبيب الدجال قد أصابه في موضع حساس.في الآونة الأخيرة كان يشعر فعلًا بشيء من الاضطراب كلما تذكر سارة، لكنه ظل ي

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 826

    كان خالد يتعامل مع الأسلحة كما تتعامل النساء مع الحقائب الفاخرة والملابس الثمينة، فقال بحماس: "أخي، انظر بسرعة إلى هذا السلاح، في القتال القريب سيكون مدهشًا للغاية".ثم أضاف وهو يشير بحماس أكبر: "أخي، اشترِ لي هذا، أريد هذا وذلك أيضًا".لم يجد محمود ما يقوله، فاكتفى بالصمت: "......"أما أحمد فقد تناول مسدسًا صغيرًا مخصصًا للسيدات، فسارع البائع إلى الترويج له بحماسة: "يا لها من عين خبيرة، هذا أحدث طراز لدينا، ارتداده ضعيف، ومناسب جدًا للسيدات".قال أحمد بهدوء: "سآخذه، وأريد هذا أيضًا".وكان يشير هذه المرة إلى خنجر صغير يسهل حمله وإخفاؤه.بعد أن اختار بعض القطع، توجه إلى منطقة الأدوية.كان المكان يعج بالناس، كلٌّ منهم يتسابق لشراء الأدوية كما لو أنهم يشترون الخضار بالجملة.كثير من الأدوية محظورة في الداخل، لكن هنا لا وجود للقانون، إنما هناك المال والشهوة فقط.فإذا كان لديك ما يكفي من المال، يمكنك أن تُشبع كل رغباتك.ولأن هذه الليلة لا مزاد خاص فيها، اضطر أحمد إلى الاكتفاء بالتجول بين الأكشاك.اقترب منه أحد الباعة بابتسامة ودودة وقال: "ماذا تريد يا سيدي أن تشتري؟ بضاعتي متوفرة بكل الأنواع

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 825

    مدّ أحمد يده وربّت على رأس الطفلة، في الآونة الأخيرة ازدادت صلتها به حميمية، وما عدا أنها لم تناده بكلمة "أبي"، فهي لا تختلف عن ابنة حقيقية له.قال لها مبتسمًا: "لقد أُعدّ للتو، كُلي بسرعة."هزّت سارة رأسها في عجز وقالت: "لا تُدللها أكثر من اللازم، فالإفراط في الحلويات يسبّب تسوّس الأسنان."أجابها وهو يضع قطعة صغيرة بين يديه: "لا بأس، إنها مجرد قطعة صغيرة"، كان وجهه في تلك اللحظة مفعمًا باللين، مختلفًا تمامًا عن قسوته المعهودة مع الآخرين.راود سارة إحساس غامض، شعرت أنّ حسني لم يعد كما كان في البداية.لكنها سرعان ما أقنعت نفسها أن الأمر طبيعي، فمن يُظهر كل حقيقته منذ اللقاء الأول؟سألته بهدوء: "هل رتّبت كل شيء؟"أجابها: "نعم."ثم أضاف أحمد مذكّرًا: "صحيح يا سيدتي، هذه خريطة توزّع مرافق السفينة، ألقي نظرة."حين صعدت سارة إلى السفينة لأول مرة، أدركت أنها ضخمة، لكنها لم تتصوّر أن تكون بهذا الحجم المفرط.في الطابق السفلي يقع كازينو ضخم، أما الطابق الثاني، فيضم تحفًا وأنتيكات مسروقة، وأدوية نادرة، وأسلحة، بل وحتى أعضاء بشرية للتوافقات، وكل شيء قابل للبيع إذا دفعت الثمن.الطابق الثالث يعرض أر

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 824

    كان فم الرجل محشورًا بجورب نتن لا يدري لمن يعود، وقد غطّى الرعب ملامحه كلها.كان قد صعد إلى السفينة فقط بحثًا عن بعض الإثارة، ولأن قوام تلك المرأة وافق هواه، لم يرَ ضررًا في أن يطرح عليها اقتراحًا، فهل يستحق الأمر كل هذه القسوة؟أليست هذه السفينة مليئة بأناس قذرين مثله أو أشد قذارة؟ فما الذي يجعلهم يتظاهرون بالطهر؟حين نزع أحمد الجورب من فمه، هرع الرجل يتوسل قائلًا: "أخي، كنت أمزح معك فقط، انظر كيف أخذت الأمر بجدية، ألا يكفي أنني لن أكررها؟"أطلق أحمد ضحكة باردة، ثم مد يده وانتزع قناعه: "دعني ألعب معك على طريقتي."فالقناع لم يكن سوى ورقة التوت التي تستر عوراتهم، وبمجرد نزعه، بدا الأمر كما لو أنهم عُرّوا تمامًا وألقي بهم في الشارع.لقد كان وجهًا يعرفه أحمد، إنه أحد رجال الأعمال المشهورين في مدينة الشمال.رجلٌ لطالما روّجت له وسائل الإعلام على أنه زوج محب وأب مثالي، وأبناؤه ناجحون ومبشرون.لكن خلف هذا الواجهة كان يخفي قذارةً مقيتة، وما يفعله في الظلام كفيل بإثارة الغثيان.صرخ الرجل في هلع: "قناعي! أعده إليّ."إلا أن القناع انزلق من بين أصابع أحمد وسقط أرضًا، ثم سحقه بحذائه حتى صار شظايا.

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 823

    هذا الطريق كان أكثر توافقًا مع شخصية حسني، فلن يثير شكوك سارة.قالت سارة بقلق: "سفينة غير مشروعة؟ وهل هي آمنة؟"أجابها: "لقد رتّبت الأمر مع صديقي مسبقًا، ما دُمنا باقين في الغرفة ولا نستفز أحدًا فلن يحدث شيء، نحن لن نشارك في أي نشاط على متن السفينة غير المشروعة، فقط نستقلها كرحلة مرور."في أعماقها لم تكن سارة تميل إلى ركوب مثل تلك السفن، فقد كانت تخشى المخاطر، غير أن هذا كان واحدًا من السبل القليلة للعودة.قالت بهدوء: "حسنًا."قال حسني: "لا تقلقي يا سيدتي، سأحميكما."أومأت سارة برأسها، وكانت ثقتها به تتعاظم شيئًا فشيئًا.قضوا الأيام الثلاثة الأخيرة على الجزيرة، وخلالها أعدّ أحمد لسارة شعراً مستعارًا وقناعًا.قال لها: "يا سيدتي، معظم من يصعدون إلى السفينة ليسوا أناسًا طيبين، وإن ظهرنا بملامحنا العادية فسنثير الريبة، لذا علينا التظاهر بأننا زوجان، وأما الآنسة مارية، فستضطر هي الأخرى إلى مواجهة بعض المعاناة."توقف أحمد قليلًا ثم أضاف بنبرة ثقيلة: "في مثل تلك السفن لا يُرى الأطفال من العائلات العادية، إلا إذا كانوا... كسلعة مستخدمة."اشتدّت ملامح سارة، وقد خمنت بعض ما يقصد، ففي الزوايا الم

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status