INICIAR SESIÓNلم تكن سارة قد استوعبت ما يحدث بعد، حين جذبها الرجل بقوة ليمضي بها بعيدًا، بينما تبعه من الخلف جمعٌ من الفتيان طوال القامة.قالت باعتراض: "اتركني!"أجابها وهو يسرع أكثر: "هذا المكان خطر، وأنتِ فتاة شابة، بقاؤكِ هنا غير آمن."في الطريق ارتطم بخادم يحمل صينية، فانسكب الشراب على الأرض، وصار المكان فوضى عارمة.لقد لحق حُرّاس فؤاد هم أيضًا، فازدادت الفوضى اضطرابًا.كان الرجل يقبض على يد سارة بقوة حتى آلمها، فتجهمت قائلة ببرود: "قلتُ لكَ اتركني!"ابتسم ابتسامة باردة وقال: "فتاة شابة، إنما أفعل هذا من أجلكِ، سأقودكِ إلى مكان آمن."ثم جرّها إلى زقاق ضيق، وهناك بدأت سارة تشعر بالخطر.لقد كان قوي البنية، ولو حاولت مجابهته فلن تنتصر.لكن عينيها وقعتا على مجرفة صدئة ملقاة في الزقاق، فانتزعتها في لحظة خاطفة، وانهالت بها بكل قوتها على رأسه.كان رد فعله سريعًا، إذ أفلت يدها وتراجع بضع خطوات.قال مبررًا: "سيدتي، لا تفهمي خطأ، لم أرد إلا مساعدتكِ."أجابته بوجه بارد: "ابتعد عني."وفجأة، انبثقت من خلف حاوية القمامة القريبة ظلال سوداء، وانقضّ شخصان نحوها بضراوة.أسرعت سارة بمراوغتهما بجانب جسدها، ولوّحت ب
تجمّد أحمد قليلًا وهو يردد بدهشة: "هو من رجال منظمة أكس السوداء؟"ردّ فؤاد بهدوء: "الأدق أن نقول إنه خائن؛ قبل عامين تمرّد وترك التنظيم، فصار اسمه على قوائمهم السوداء ورأسه مطلوبًا، لذلك يعيش منذ ذلك الحين مطاردًا يهرب من مدينة إلى أخرى، ومن الصعب تعقّب مكانه الآن".صبّ فؤاد لنفسه كأسًا أخرى وقال: "لقد أخبرتُ أخي الثاني بالأمر، وطلبتُ منه أن يبقى متيقظًا، فإن وصل أي خبر فسيكون أول من يبلّغك، أما أنت، فإلى متى ستبقى أسيرًا لامرأة تدور في فلكها؟"قال أحمد وهو يمرر أصابعه على إحدى الصور، حيث بدا وجه سارة ظاهرًا بوضوح وعينيه غارقتين بالحنان: "لقد تذوّقت مرارًا مرارة فقدانها، كل ما أريده الآن أن أحميها جيدًا".استهزأ فؤاد: "يا رجل، حبك هذا لا أراه إلا ذلًّا، لقد فقدتَ كل ما كان يميزك في الماضي".ابتسم أحمد بخفة وقال: "الأفضل ألا تقع يومًا في حب امرأة"، ثم فجأة تجمّد وكأنه لمح أمرًا مريبًا: "هذه الصور..."سأله فؤاد متعجبًا: "ما بها الصور؟"اختار أحمد صورتين من بين الرزمة، ورغم أنّ بطلتها كانت سارة، إلا أن إصبعه لم يكن يشير إليها، بل إلى رجلين في خلفية الصورتين.قال بحدة: "هذا الشخص نفسه!"تم
تقلّبت سارة طوال الليل، عاجزة عن النوم، لا تدري بأي وسيلة يمكنها أن تُنقذ ليلي.هل كانت ليلي راضية بالبقاء إلى جانب فؤاد؟أم أنها مثلها، تحاول الهرب من واقعٍ يؤلمها؟أرهقتها الهواجس، لكنها لم تجد حلًا سوى أن تسأل ليلي وجهًا لوجه عمّا تريد حقًا.في اليوم التالي شرعت سارة في تتبّع تحركات فؤاد، وواصلت على ذلك أيامًا متتالية دون كلل.كانت ليلي قد فقدت جنينها منذ وقت قصير، وظلّت في منزله تعالج ضعف جسدها، لا تخرج من باب ولا تتجاوز عتبة.أما مسؤولية شراء الحاجات والطهو والتنظيف، فكانت تتولاها خادمة مسنّة، لزمت الصمت وكأن لسانها عقد، حاولت سارة التقرّب منها أكثر من مرة، لكنها لم تنتزع منها شيئًا.مضى أسبوع كامل، وبحساب الأيام، فقد مرّ على فقدان ليلي لجنينها نصف شهر تقريبًا، وبما تعرفه عن طبيعتها، رأت أن وقت خروجها قد اقترب.في اليوم السادس من مراقبته، دعا فؤاد صديقه أحمد لشرب الكؤوس معه.دلك صدغيه متأففًا، وقال: "ألا تظن أنّ زوجتكِ تظن نفسها بارعة في التخفي؟"ثم ألقى أمامه رزمة صور، كلّها التُقطت لسارة وهي تتعقّبه.كان رأسها الصغير المتلصّص في الصور يبدو غاية في الطرافة.قال ساخرًا: "أو لعلّكم
كانت سارة بدورها أمًّا، وقد اختبرت مرارتين متتاليتين بفقدان طفلين، لذلك، حين عرفت بما جرى مع ليلي، لم يغمرها سوى الحزن عليها والخوف من أن تنهار تحت وطأة ما تمر به.فطبيعة ليلي لا تسمح لها بأن تُخفي أمرًا كهذا لو كان ارتباطها بفؤاد علاقة طبيعية مشروعة، حتى لو فقدت جنينها لكانت أخبرتها.إذن، صمتها لا يفسَّر إلا بأن علاقتها بفؤاد علاقة غامضة لا تحتمل الظهور للعلن.وأي علاقة غير متكافئة، ما الذي يمكن أن تجلبه سوى الخراب والخذلان؟اشتد قلق سارة، ولم تعد تطيق صبرًا، كل ما أرادته هو أن تجد ليلي فورًا.كان المنتزة أرقى مجمع سكني في مدينة الشمال، لا ينازعه مكان آخر في الرفاهية وغلاء الثمن.والصدفة أن أحمد كان قد اشترى هناك شقة فاخرة وأهداها من قبل لسارة. لم تشأ أن تفكر طويلًا، فمثل هذه الأماكن يستحيل دخولها ما لم يكن المرء من الملاك، أو على الأقل برخصة منهم، أما هي، فبصفتها المالكة، كان دخولها أمرًا يسيرًا.استقبلها مدير العقار بوقار شديد، وقال لها بابتسامة متملقة: "مرحبًا بعودتكِ إلى بيتكِ، سيدتي المالكة".تحججت سارة بعذر بسيط، وسرعان ما حصلت على رقم شقة فؤاد.وكانت المفاجأة أن شقته تقع في نف
بعد أن تلقت سارة تلك الرسالة، غمرها القلق واضطرب خاطرها.ليلي باتت مع فؤاد، وربما حصلت منه على بعض الأخبار المتعلقة بأحمد، أو لعلها لا تعرف تفاصيل ما يحدث، لذلك اكتفت فقط بهذا التلميح.ماذا فعل بها فؤاد؟أرادت سارة أن تعود أدراجها، لكنها خشيت أن يفوتها أثر جلال.قضت يومًا وليلة وهي تحاول الاتصال بليلي دون أن تلقى ردًا، فزاد اضطرابها ولم تطق الجلوس مكتوفة الأيدي، لم يكن بوسعها ترك ليلي تواجه مصيرها وحدها.بعد أن أوصت مارية بتعليمات مشددة، تركتها على الجزيرة ثم استقلت مركبًا عادت به سرًّا إلى مدينة الشمال.وما إن غادرت الجزيرة حتى وصل الخبر إلى أحمد، فهو يتابع كل تحركاتها بدقة، يعرف تفاصيل كل ما تفعله، غير أنه لم يفهم لماذا غادرت فجأة، بدل أن تنتظر في الجزيرة اتصال جلال، عادت خفية إلى المدينة؟كان الجو في مدينة الشمال باردًا على غير العادة، الشوارع شبه خالية، استقلت سارة سيارة أجرة واتجهت إلى شقة ليلي.ذلك المسكن كانت ليلي قد اشترته بعد أن عملت في مجال المبيعات، شقة متواضعة من غرفتين وصالة، لكنها دافئة عامرة بالأنس، وكانت سارة تكثر من زيارتها من قبل، حتى إن الحارس يعرفها جيدًا، فتركها تد
كان وجه ليلي قد نحف كثيرًا.جاءت الممرضة تحمل العشاء محاولة استرضائها، وقالت: "آنسة ليلي، لقد مررتِ للتو بعملية إجهاض، وهذا الوقت يُعدّ نفاسًا قصيرًا، عليكِ أن تأكلي أكثر، فأنتِ ما زلتِ شابة، وسرعان ما تستعيدين عافيتكِ، ولن يكون الحمل مرة أخرى أمرًا صعبًا."قالت ببرود: "خُذيه بعيدًا."توسلت الممرضة قائلة: "آنسة ليلي، لا تُحرجيني، فأنا مجرد خادمة صغيرة هنا."وما إن أنهت جملتها حتى قلبت ليلي الصينية بما فيها، فتبعثر الطعام على الأرض.صرخت: "اخرجي."انحنت الممرضة لتلتقط بقايا الطعام وهي ترتجف، ولم تتجرأ على قول كلمة واحدة.وقفت ليلي تحدّق بثلوج كثيفة تتساقط في الخارج، وعندها فقط أدركت تمامًا ما كانت سارة تعانيه.ما أثار استغرابها أن فؤاد كان قد علم بعودة سارة إلى الوطن، ومن المستحيل ألا يُخبر أحمد بذلك.وإذا كان أحمد قد عرف أن سارة لم تمت، فبالنسبة له ستكون تلك أعظم بشرى، فكيف يمكن أن يتركها وحدها؟هل يمكن أنه غيّر رأيه أخيرًا؟لكن ليلي لم تستطع تصديق ذلك، فهي تؤمن بصدق المثل القائل إن "الذئب لا يغيّر طباعه"، حتى لو هدأ الآن، فلا بد أنه يُدبّر لمكيدة أكبر.أنهت سارة مكالمتها، ولمعت في عين







