LOGINبعد أن تلقت سارة تلك الرسالة، غمرها القلق واضطرب خاطرها.ليلي باتت مع فؤاد، وربما حصلت منه على بعض الأخبار المتعلقة بأحمد، أو لعلها لا تعرف تفاصيل ما يحدث، لذلك اكتفت فقط بهذا التلميح.ماذا فعل بها فؤاد؟أرادت سارة أن تعود أدراجها، لكنها خشيت أن يفوتها أثر جلال.قضت يومًا وليلة وهي تحاول الاتصال بليلي دون أن تلقى ردًا، فزاد اضطرابها ولم تطق الجلوس مكتوفة الأيدي، لم يكن بوسعها ترك ليلي تواجه مصيرها وحدها.بعد أن أوصت مارية بتعليمات مشددة، تركتها على الجزيرة ثم استقلت مركبًا عادت به سرًّا إلى مدينة الشمال.وما إن غادرت الجزيرة حتى وصل الخبر إلى أحمد، فهو يتابع كل تحركاتها بدقة، يعرف تفاصيل كل ما تفعله، غير أنه لم يفهم لماذا غادرت فجأة، بدل أن تنتظر في الجزيرة اتصال جلال، عادت خفية إلى المدينة؟كان الجو في مدينة الشمال باردًا على غير العادة، الشوارع شبه خالية، استقلت سارة سيارة أجرة واتجهت إلى شقة ليلي.ذلك المسكن كانت ليلي قد اشترته بعد أن عملت في مجال المبيعات، شقة متواضعة من غرفتين وصالة، لكنها دافئة عامرة بالأنس، وكانت سارة تكثر من زيارتها من قبل، حتى إن الحارس يعرفها جيدًا، فتركها تد
كان وجه ليلي قد نحف كثيرًا.جاءت الممرضة تحمل العشاء محاولة استرضائها، وقالت: "آنسة ليلي، لقد مررتِ للتو بعملية إجهاض، وهذا الوقت يُعدّ نفاسًا قصيرًا، عليكِ أن تأكلي أكثر، فأنتِ ما زلتِ شابة، وسرعان ما تستعيدين عافيتكِ، ولن يكون الحمل مرة أخرى أمرًا صعبًا."قالت ببرود: "خُذيه بعيدًا."توسلت الممرضة قائلة: "آنسة ليلي، لا تُحرجيني، فأنا مجرد خادمة صغيرة هنا."وما إن أنهت جملتها حتى قلبت ليلي الصينية بما فيها، فتبعثر الطعام على الأرض.صرخت: "اخرجي."انحنت الممرضة لتلتقط بقايا الطعام وهي ترتجف، ولم تتجرأ على قول كلمة واحدة.وقفت ليلي تحدّق بثلوج كثيفة تتساقط في الخارج، وعندها فقط أدركت تمامًا ما كانت سارة تعانيه.ما أثار استغرابها أن فؤاد كان قد علم بعودة سارة إلى الوطن، ومن المستحيل ألا يُخبر أحمد بذلك.وإذا كان أحمد قد عرف أن سارة لم تمت، فبالنسبة له ستكون تلك أعظم بشرى، فكيف يمكن أن يتركها وحدها؟هل يمكن أنه غيّر رأيه أخيرًا؟لكن ليلي لم تستطع تصديق ذلك، فهي تؤمن بصدق المثل القائل إن "الذئب لا يغيّر طباعه"، حتى لو هدأ الآن، فلا بد أنه يُدبّر لمكيدة أكبر.أنهت سارة مكالمتها، ولمعت في عين
لقد كانت تعرف ذاك الخط جيدًا، ما إن وقع بصرها عليها حتى أيقنت أنّها بخط أحمد، وعلى شجرة الكرز الكبيرة، تمايلت آلاف الأشرطة الحمراء تحت هبوب الريح.قال الفتى: "سيدة سارة، هذه كلها من كتابة عمّي أحمد، أظنّه قد أحبّك إلى حد الجنون."لم تُجب سارة بشيء، بل قالت بهدوء: "سأدخل لأرى عمّة حنان."ظهرت العمّة أصغر سنًّا مما كانت عليه، فالراحة بدت على وجهها بعد أن تحسّنت الأحوال.وما إن علمت بقدوم سارة، حتى استقبلتها بحفاوة، وأسرعت إلى قنّ الدجاج فأمسكت بواحدة.قالت مبتسمة: "ها قد جاءت عزيزتي سارة، لقد طال انتظاري لكِ، ما بالكِ هكذا نحيلة؟ سأذبح لكِ دجاجة لتقوّي عافيتكِ."ولم تستطع سارة رفض كرمها، فتبعتها إلى المطبخ لتعينها.غير أنّها فوجئت أنّ المطبخ قد صار عصريًّا بالكامل، بعد أن كانت أيامهم تخلو حتى من لحم على المائدة.سألتها سارة: "عمّة حنانّ، هل عاد جلال إلى هنا مؤخرًا؟"أجابت وهي تغسل الأرز: "منذ زمن طويل لم أره بعيني، لكنّه يكلّمني كل فترة ليطمئنني أنه بخير."تألقت عينا سارة: "كل كم من الوقت تقريبًا؟"قالت: "ربما كل شهرين أو ثلاثة."سألت بسرعة: "ومتى كانت آخر مرة؟"أجابت: "في يوم مهرجان ذكر
لم يكن ذلك الفتى البسيط يدرك ما جرى خلال هذه السنوات.قالت سارة برفق: "هو مسافر في عملٍ خارج البلاد، هل كان يزورك كثيرًا في السابق؟"أجاب الفتى: "في السنة الأولى أو الثانية كان يأتي بنفسه ليسأل عن دراستي، ويتأمل رسوماتي، لكن في العامين الأخيرين يبدو أنه انشغل كثيرًا، آخر مرة رأيته كانت منذ أكثر من نصف عام، وقد هزل جسده كثيرًا."حكَّ الفتى رأسه ثم تردد قليلًا قبل أن يقول: "في الواقع… يا سيدة سارة، لا أعرف ما شعوركِ تجاه عمي أحمد، في البداية كنت أراه أسوأ رجل في الدنيا، لكن بعد أن خالطته اكتشفت أنه وإن كان قليل الكلام، إلا أنه رجل رقيق الفكر، مسؤول، وجدير بالاعتماد عليه."لم ترغب سارة في الخوض بموضوع أحمد، فذكرت سبب حضورها: "هل تواصل معك جلال مؤخرًا؟"أجاب الفتى: "الأخ جلال يظهر ويختفي على الدوام، حين بدأت الدراسة جاء لرؤيتي مرات قليلة، ثم اختفى تمامًا."سألت: "هل تستطيع الوصول إليه؟"هزّ رأسه: "لم يعد لدي سوى رقم هاتفه القديم، وقد أُلغِي منذ زمن، ولا أدري بماذا انشغل في هذين العامين، لكنه لم يزرني مطلقًا."أحسّت سارة بخيبة أمل، فبادرها الفتى بقلق: "سيدة سارة، هل حدث أمر خطير؟"قالت: "لد
عادت سارة إلى غرفتها، فوجدت الطفلة قد غطّت في نومٍ عميق، فأخذت منشفةً دافئة ومسحت جسدها الصغير برفق.وعندما همّت بالمغادرة، ألقت نظرةً إلى الخارج، فرأت عند ضوء المصباح رجلاً واقفًا هناك، كان حسني.وقف في مكانه كالأبله، يحدّق في اتجاهها، فما الجدوى من كل هذا العذاب؟منذ القدم، كان العشق الجارف يؤذي الروح، أما التعلّق بما لا يُنال، فيفتك بالنفس.اكتفت سارة بنظرةٍ عابرة ثم أسدلت الستارة، فمادامت عاجزةً عن منحه شيئًا، فمن الأفضل ألّا تترك له أي منفذٍ للأمل.اقترب مسعد بخطواتٍ بطيئة من أحمد وقال: "سيدي، السيدة قد نامت، عُد إلى المنزل."أجابه بصوتٍ منخفض: "سأبقى قليلًا."وقف أحمد وسط العاصفة الثلجية، أشعل سيجارة، وترك الريح والثلج يعصفان بجسده، ولم يغادر إلا حين انطفأت آخر جمرةٍ فيها.في صباح اليوم التالي، سلّمت سارة طفلتها إلى مسعد، وتوجّهت إلى البنك لإنهاء معاملة تحويلٍ ماليّ ضخم.كانت قد هيّأت نفسها نفسيًّا، فربما لن تتمكّن من الخروج من باب البنك حيّة.استقبلها الموظفون بغاية الاحترام، فقد أعدّوا مسبقًا الشاي والحلوى، وتولّى مدير البنك بنفسه جميع الإجراءات.وعند الوداع، انحنى لها انحناءةً
عادت سارة إلى البيت صامتةً، ولم تُفلِت من رأسها ذكرياتُ أيام الدراسة مع ليلي.تساءلت في نفسها إن كانت تلك الفتيات لو علمن مصائرهنّ المستقبلية لَضحكنَ بلا احتشامٍ أكثر مما كن يفعلن.وصلت السيارة إلى البيت، فنزلَ مسعد وعلى وَجهه ملامحُ الوداع والرِّعاية وحملَ الطفلَة أولًا.لم تَدْخُل سارة على الفور، بل توقفت تحت عمود النور، وحدّقت في رقاقات الثلج المتراقصة وكأنها تُفكِّرٌ بعمقٍ.برز من وراء عمود النور شخصٌ واحد، كان أحمد ينظر إليها من بعيدٍ.وقال بهدوءٍ: "أنا أعلمُ أنكِ هنا."تبادلا النظرات ثم قال لها: "قلت لكِ إنّي لن أزعج حياتكِ."تقابلت عيونهما، وحدّقت سارة في بؤبؤ عينيه فلم تجد فيهما أيَّ ما يُستَشفُّ على مرأى.همّت تقول: "أشكرك على ما فعلت في تلك الليلة."فَكَرَتْ في نفسها أنه لو لم يسرعَ ويُوفِّر المالَ الذي خلّصَها، لَكانت قد انتهتْ حياتها بيدِ أولئك الوحوش.أجابها وهو متكئٌ قليلًا: "إني لم أحْميكِ كما ينبغي."وقف لبعض الوقت وقد غطّى كتفيه وشَعْرَه طبقةٌ سميكةٌ من الثلج.تقدمت سارة ببطءٍ نحوه، فبدت على أحمد علاماتُ الانزعاج.لم يستطع أن يضمن إن كانت سارة قد خمنت هويته، ولا عرف كي






![زوجتي الحبيبة: [سيد عبّاد، لقد غازلتك بالخطأ!]](https://acfs1.goodnovel.com/dist/src/assets/images/book/43949cad-default_cover.png)
