LOGINيوم الاثنين.كانت سيارة مايباخ سوداء اللون تدور حول مبنى سجلّ الأحوال المدنية في مدينة الذهب، تسير دورة بعد أخرى، ببطء شديد… لكن دون أن تتوقف.في الداخل، وبعد عددٍ لا يُحصى من الدورات، رفع السائق نظره غريزيًّا إلى المرآة.كان السيد باهر جالسًا في الخلف، ببدلته الداكنة، وقامته المستقيمة، وهيبته التي لا تخطئها العين.وإلى جواره جلست امرأة.ترتدي قميصًا أزرق بسيطًا، هادئة ونقية الملامح، يكتنفها سكون جميل.منذ أن صعدت السيارة، لم تنطق بكلمة.السائق، وهو من أهل المدينة، ويعمل لدى مدير الفرع المحلي لمجموعة الدالي في مدينة الذهب، وكان يقود السيارة مؤقتًا للسيد باهر. كان أيضًا فطنًا، يعلم أنه لا يجب أن يتدخل في أمور لا ينبغي له، ولا حتى أن يفكر في أمور لا ينبغي له. وكان يعرف جيدًا أن في بيوت الكبار، لا زواج بلا مصلحة، ولا خطوة بلا حساب. ومع ذلك، جاء باهر إلى سجلّ الأحوال المدنية ومعه امرأة…!كانت سيارة المايباخ تدور حول الشارع الرئيسي أمام المبنى، حلقة بعد حلقة.أما نيرة، فقد كانت تحدّق عبر النافذة…حتى أنها أحصت أشجار الجنكة المصطفة على جانبي الطريق خارج نافذة السيارة.ضغطت المرأة على كفّها،
"لكنني مريض في المرحلة النهائية، ولن أشفى." قبض باهر على يدها، وفك زرّ معطفه عند الصدر، ثم ضغط بكفّها على جرحه بقوة."لن أشفى ما حييت، لهذا ترك لكِ القدَرُ قراره. لن يُسمح لكِ أن تتخلي عني ما دمتُ أتنفس.""هذا منطقٌ مُلتوي." حاولت نيرة سحب يدها، كانت تشعر بحرارة جلده تحرق راحة كفها، حتى إنها بدأت ترتجف بلا سيطرة.مدّ باهر يده إلى جيب معطفها، فوجد تلك العملة المعدنية.أخرجها، قلبها بنظرة واحدة، ثم رماها إلى الأعلى.وفي اللحظة التي هوت فيها على السرير، قبض عليها بمهارة."إن ظهرت الخلفية، نذهب غدًا لتسجيل الزواج. أتجرئين على الرهان؟" حدّق في وجهها، وفي الخارج كان الفجر يشقّ سماء مدينة الذهب بخيطٍ أبيض، والشمس تتقدم عبر الغيوم. وكانت نظراته حادة، لا تسمح لها بالهرب، ونَفَسه ثقيل وحاسم."وإن ظهرت الواجهة، غادري هذه الغرفة، ومن حياتي. كلٌّ يذهب في طريقه."كانت نيرة تنظر إلى يده، وكأنها تريد أن تخترق جلده لترى أي وجه للقطعة يحتجزه كفه."أنا…"تحركت شفتاها بصوت خافت."هل تضمن إن ظهرت الواجهة، أنك لن تطاردني بعد الآن؟"فقال لها، "لا، لا أقدر على الوعد. أقصى ما يمكنني فعله أن أحاول الابتعاد. سأط
كان باهر يتأمل نيرة، رغم أنه لم يكن يرى سوى محيط جسدها، فملامحها لم تكن واضحة بسبب العتمة. مد يده وأزاح خصلة شعرها السوداء من على خدها بعناية ثم رفعها ولفها ببطء حول إصبعه.وبعد منتصف الليل، عجز عن النوم.لم يشأ أن يوقظها، فظل يعبث بخصلة شعرها الطويلة.وحين أفلتها من بين أصابعه. كانت خصلة شعرها قد تموجت قليلًا بعدما لفها حول أصابعه فترة طويلة.لم يستطع في النهاية كتم سعالٍ خرج من أعماق حنجرته، وحين سعل، استدار تلقائيًا مبتعدًا عنها، كان سعاله بطيئا مكتوما، وبذل جهدًا كبيرًا ليكتمه.كان نوم نيرة خفيفًا في الأساس.لكن النعاس قد أثقل رأسها.فتحت عينها على صوت سعال باهر المكتوم، فقالت: "هل هناك ما يؤلمك؟"نهضت تريد أن تضع له وسادة إضافية، لعلَّ ذلك يخفف عنه قليلًا، لكنها لم تكد تتحرك حتى احتضنها باهر فجأة.كانت نيرة تنوي إبعاده عنها، غير أن حرارة جسده المرتفعة، وارتجاف صدره لمّا سعل، جعلاها تتردد وتقف عاجزة أمامه.ظل محتضنها.دفن خده عند كتفها وبصوت مبحوح قال إن الألم ينهشه وإن جسده كله يؤلمه.قالت نيرة إنها ستذهب إلى غرفة التمريض لتجلب له دواءً مسكنًا.فقال لها بصوت خافت وأنفاسه الحارة ت
"العمّ باهر مرض وأُدخل المستشفى، وذهبت لتعتني به.""أعرف يا ماما، لا داعي لشرح ذلك." هزّت سوسو رأسها في إشارة إلى أنها تتفهم الأمر، ثم تابعت: "إن لم تتمكّني من العودة، فسأسخّن شطيرتي في الميكروويف صباحًا، ثم أشرب كوب الحليب."قرصت نيرة أنف ابنتها، ولم تتمالك نفسها من الضحك: "أنتِ صغيرة لا تفهمين شيئًا."قالت سوسو: "عمري عشر سنوات، إنني أعرف كل شيء،" ثم أردفت: "أعرف أن العم باهر يلاحقك، وأعرف أيضًا…أنكِ تحبينه.""ومن قال لكِ إنني أحب العم باهر؟ لا تطلقي الأحكام هكذا يا صغيرتي،" مسحت نيرة على شعر ابنتها، ثم نهضت لتفتح باب شقّة باهر، فهرع نيمو إلى الخارج، وأخذ يحك جسده بسوسو.كانت سوسو تحب نيمو كثيرًا، فأخذت بدورها تمسح على وجهه الأبيض.وقبل أن تدخل نيرة المصعد، همست إليها سوسو قائلة:"أنتِ حتى تنادي باسمه وأنت نائمة."-أخذت نيرة تراقب المصعد وهو يهبط.كانت وحدها داخل المصعد.فأسندت ظهرها إلى الجدار، فانعكس وجهها على الجدار الفولاذي اللامع في الجهة المقابلة.كانت نادراً ما تثمل إذا شربت، وإذا ثملت، لا تفقد اتّزانها. على عكس شهيرة، التي ما إن تثمل، لا تفتأ تردد اسم منير.أما نيرة، فلا.لم
"يمكنه تناول الدواء مع رشفة ماء دافئ، فجرح المريء كبير بعض الشيء، لذا من الأفضل أن يتناول السوائل والأطعمة الطرية هذه الأيام، فمعدته أيضا تحتاج وقتا كي تتأقلم."سكبت نيرة كأسًا من الماء الدافئ.وأسندت باهر إلى رأس السرير، ثم ناولته الكأس.وكان في كفها أربع حبات دواء.فانتظرت أن يمدّ يده ليأخذها منها…لكنه أمسك بمعصمها فجأة، ودنا بشفتيه الجافتين من راحة يدها، وابتلع الحبات الأربع، ثم قبّل كفّها.كانت أنفاسه حارّة.وشفتاه كذلك.شعرت نيرة بتلك الحرارة في راحة يدها.فارتجفت أصابعها بشكل لا إرادي.راقبته وهو يتناول جرعة الماء ويبتلعها بصعوبة، ولحسن الحظ أنه لم يتقيأ كما فعل صباحًا.وحين تأكدت من أنه تناول الدواء، طلبت له بحلول الظهيرة عصيدة اليقطين والدخن.طلبت طبقين، واحد له والآخر لها.وحينما كانت تتناول العصيدة، لاحظت أن أصابعه ترتجف وهو يمسك بالملعقة؛ بدا كأنه عاجز عن رفعها إلى فمه، ثم غرف ملعقة أخرى، فكادت تُسكَب على الفراش…تنهدت نيرة في سرّها، لكن مظهره الشاحب الضعيف منعها من قول شيء، رغم علمها بأنه يتصنّع ذلك!ولما كاد يسكبها ثانية، أخذت منه الملعقة، وأمسكت بالطبق وجلست عند حافة السر
انتظرت الممرضات حتى غادرت نيرة.ثم أطللن برؤوسهن إلى الداخل."لو كانت لديّ حبيبة مثلها وتريد تركي، كنت سأفقد صوابي أيضاً."وصلت نيرة إلى جناح المرضى.فلمحت القلادة الموضوعة على منضدة السرير، وكانت شمس الصباح صافية، فانساب الضوء عبر الماسات المرصعة فوق القلادة، فتلألأت بوميضٍ حاد انعكس في عيني نيرة، فتنهدت في سرّها…حين اتصلت بها الممرضة قبل قليل، كانت تخشى أن يكون باهر قد أقدم على شيءٍ متهوّر ثانية.أخذت القلادة ووضعتها في حقيبتها.ثم ألقت بالكيس الذي كانت تحمله فوق منضدة السرير.وراحت تضبط تنقيط المحلول.كان باهر مستيقظا وقتها.لكنه مغمضٌ عينيه من التعب.وقد شعر بنيرة حين دخلت.فرائحتها تختلف عن الجميع.وصوت خطواتها لا مثيل له.مع هذا لم يجرؤ على فتح عينيه، لكنه عندما سمع ارتطام ذلك الشيء بمنضدة السرير، ارتجف جفناه الرقيقان قليلا.أحضرت نيرة حاسوبها المحمول.ولما رأته لا يزال نائما.جلست على كرسي المرافق ووضعت الحاسوب على ركبتيها.تذكّرت أن دفتر الرسم خاصتها ما زال هنا.مرّت الدقائق ونيرة مركزة على شاشة الحاسوب، وأصابعها ممسكة بقلم الرسم. وبعد لحظات، تململ باهر في السرير، فرفعت بصرها ن







