Share

الفصل393

Author: شاهيندا بدوي
لم يمضِ على وجود نور في محطة التلفاز سوى بضعة أيام، وقد حفظت أسماء زملائها جميعًا، لكن لم تتح لها فرصة التعامل مع الجميع.

مثلاً، أميرة هذه التي تقف أمامها، لم يسبق أن تبادلت معها كلمة.

قالت نور وهي تلتقط الأوراق: "صحيح، المهمة أُسندت إليّ".

لكن أميرة أبدت امتعاضها قائلة: "لماذا أسندت رئيسة التحرير مثل هذه المهمة إليك؟ أنت لم يمضِ على وجودك هنا سوى بضعة أيام، ما الذي يجعلكِ مؤهلة لها؟"

شعرت نور بالحدّة في كلامها، وقالت: "أنا أيضًا لست واثقة من قدرتي على إنجازها". كانت مثل هذه المواقف مألوفة لديها؛ ربما كانت هذه المهمة فرصة ثمينة، فرمقتها بنظرة وقالت: "هل ترغبين أنتِ بالذهاب بدلًا عني؟"

لم ترد أميرة.

بل همهمت بتكبُّر وغادرت إلى مكتب رئيسة التحرير، وكأن التحدث مع نور يقلل من شأنها.

لم تكترث نور لغطرستها، لو أخذت المهمة بموافقة رئيسة التحرير، فسيكون ذلك أفضل لها.

التنافس في المحطة شديد، وكثيرون يمضون عشر سنوات دون أن يحققوا تقدمًا.

لكن نور قد اعتادت على مثل هذه البيئات؛ تلك المقابلة مع سمير ليست بالضرورة فرصتها الذهبية.

وهي تدرك أن مريم لم تخترها لكفاءتها، بل لأنها كانت قريبة من سمير، ما
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Locked Chapter

Latest chapter

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل402

    قالت نور: "إذًا سنرحل الآن".ردّت المديرة: "حسنًا، آمل أن أراكم في المرة القادمة".ألقى سمير نظرة على الأطفال، ولم ينسَ أن يسأل قبل أن يغادر: "هل تذكرون كيف يجب أن تنادونا؟"أجابوا جميعًا بصوت واحد: "أخ وأخت!"وبأدب جمّ.تابع سمير: "وإن لم تنادونا أخًا وأختًا، فبماذا يمكنكم أيضًا أن تُنادونا؟"ردّ الأطفال وقد فهموا: "عمّ وعمّة!"كرّر لهم هذا القول عشر مرات. حتى أصبحوا يتذكرونه.نظرت نور إلى سمير، ورأته مُرتاحًا مع الأطفال، ترتسم ابتسامة على وجهه. هتفوا ثانية بصوت واحد: "عمّ، عمّة، لتنعما بالسعادة طوال حياتكما!"أدركت نور فجأة، وسألتهم: "ماذا تعنون بذلك؟"أجابها الأطفال: "قال العم قبل قليل إنكِ زوجته، لذلك لا يجوز أن نُخطئ في الألقاب، فإن لم نناديكما أخًا وأختًا، فعلينا أن نناديكما عمًّا وعمّة، لا يمكن أن يكون أحدكما عمًّا والآخر أختًا".بهتت نور، ولم تجد ما تقوله. لم تفهم الأمر الذي يؤرقه.اتضح أنه بسبب الألقاب.كيف له أن يُعلن الآن أمام الجميع أنها زوجته؟ولمّا همّت بالرد، استبقتها المديرة ضاحكة: "آنسة نور، لم أكن أتصوّر أنكِ بهذا الشباب ومتزوجة بالفعل، ومعكِ زوج مثل السيد سمير يدع

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل401

    تغيّر وجه سمير عندما رأى هذا المشهد، ولم يَدرِ ما الذي اقترفه.أسرعت نور إلى ضمّهم معًا، واستطردت تُطمئنهم: "حسنًا حسنًا، العمّ ليس الذئب الشرير، العمّ رجل طيب، ألم يُحضر لكم المؤن للتو؟ لا تخافوا، فالأطفال الذين يبكون ليسوا رائعين على الإطلاق!"مسح الأطفال دموعهم، وقالوا وسط بكائهم: "يجب ألّا نبكي، نحن أشجع الأطفال، لا يجوز أن نبكي!"لكن ما إن رأوا سمير حتى تجهمت وجوههم، حاولوا حبس دموعهم لكن الخوف تمكّن منهم.ألقى سمير بنظراته نحو نور، إنها رقيقةٌ للغاية في تعاملها مع الأطفال، حتى بدت كالماء في نعومتها.سعل مرتين بلا وعي، ثم اقترب من الصغار.لكن الخوف ما زال يسكنهم، فتراجعوا جميعًا إلى خلفها.اسودّ وجه سمير، إذ لم يتوقع أن هؤلاء الصغار يُصابون بالفزع بهذه السهولة، وكأنهم رأوا شبحًا."ادخلوا بسرعة، وإلّا دخل الذئب الشرير من الخارج!"وما إن سمع الأطفال حتى أسرعوا إلى الداخل.ولحقت بهم نور.أبصرهم سمير مبتعدين، ولم يُدرِ أهو شعور حسن أم سيئ، لكنه شعر أن نور تتحرّر من قيودها وهي تتعامل معهم، تفيض لطفًا وسعادة.كما لو أنه رأى وجهها الآخر، وجهًا تزهو فيه ابتسامة صافية من القلب.التفت سمير

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل400

    كان كلامه لاذعًا، لكن أفعاله لم تكن عادية، صحيح أن شركة القزعلي قامت بالكثير من الأعمال الخيرية، لكن لم يسبق لسمير أن باشر أمرًا كهذا بنفسه، قالت نور: "لم أقل ذلك، لكنني وصلت قبل لحظات، ثم جئتَ أنت وتبرعتَ بهذه المواد، أليست مصادفة تدعو للشك؟ على أي حال، إن لم تكن أنت، فلن أسأل أكثر".كانت لديها أمور كثيرة لتنجزها، ولم ترغب في أن تُضيع وقتها في الجدال معه.فضلًا عن أن ملامحه كانت تنطق بعدم رضاه عنها.عبس سمير لدى رؤيتها تتصرَّف وكأنها غير مهتمة، إذا كان في الأساس غير راضٍ عنها، وها هي الآن تزداد برودةً في تعاملها معه.وفجأة دوّى صوت عشرات الأطفال يركضون نحوهما يصيحون: "عم، يا عم!"كانوا يركضون نحو السيارة بسرعة، غير آبهين بالسقوط.عرفت أنهم ينادون على سمير.اضطرت لأن تعود إلى سيارته.أحاطوا بسيارته، عيونهم تلمع بالفضول والامتنان، وراحوا يرددون ببراءة: "شكرًا يا عم، أنت طيب القلب حقًّا!"كانت تلك أول مرة يقترب فيها سمير من أطفالٍ بهذا الشكل.وبهذا العدد الكبير.التفُّوا كلهم حول سيارته.لم يعرف أكان يحب الأطفال أم لا، لكنه لم يحب يومًا أن يكون محط أنظار أحد.كما أن هؤلاء الأطفال بدوا مت

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل399

    خرجت نور بعد أن استوضحت بعض الأمور، فرأت طفلة صغيرة في الثالثة أو الرابعة من عمرها جالسة تحت شجرة خيزران، تحتضن قطعة الحلوى التي أعطتها إياها، وتحدّق بها باستمرار.اقتربت نور منها وجلست بجوارها."أخت نور." نادتها الطفلة بعينيها الواسعتين وبصوت عذب.سألتها نور: "لماذا لا تأكلين الحلوى؟"أطرقت الطفلة رأسها، وأمسكت الحلوى بيدها الصغيرة، ثم قالت وهي تهز رأسها: "يعز علي أن آكلها.""لماذا؟"فقالت بظرافة: "سمعتهم يقولون للتو إن هذه الحلوى أطيب ما تذوقوه، أخشى أن أُنهيها سريعًا، لذلك سأحتفظ بها وألعقها قليلًا قليلًا، لأستمتع بها أطول وقت ممكن".ولعقتها بلسانها بحذر. شعرت نور بغصّة في قلبها لدى سماعها ذلك.بالنسبة لها، لم تكن سوى حلوى عادية. من تلك التي اعتادت أكلها في طفولتها.مسحت على رأسها وقالت: "أنتِ ما زلتِ صغيرة الآن، وحين تكبرين وتصبحين في مثل عمري، ستشترين ما تشائين من الحلوى، وستأكلين منها كثيرًا".أعادت الطفلة الحلوى إلى جيبها ورفعت عينيها اللامعتين وهي تقول: "حقًا؟ حين أكبر سآكل كثيرًا من الحلوى؟ أحب الحلوى كثيرًا!"أجابتها نور: "إذًا عليكِ أن تجتهدي في دراستك، وتجني الكثير من الم

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل398

    هي ليست غبية. فقد سمعت عن أميرة وطباعها من الآخرين.تريد دائمًا أن تكون الأقوى، ولا تسمح لأحد من الوافدين الجدد أن يسرق الأضواء منها.وحين فضحتها نور بهذا الوضوح، شعرت أميرة بالحرج والغضب، فصرخت: "كفى كلامًا فارغًا، يجب أن ترافقيني!"لكن نور أجابت: "لديّ أمر آخر، سأرحل الآن!"وتجاوزتها من فورها، عازمة على ألّا تجعلها تتحكَّم بها.ارتجفت أميرة غضبًا، وراحت تدوس الأرض بقدمها وهي تصرخ: "نور!"لكن نور لم تلتفت إليها.ولم يتجرأ أحدٌ على أن يتكلَّم.فنور أول من أظهر ازدراءه لأميرة بهذا الشكل.خرجت نور من المحطة، واستقلت سيارة أجرة نحو عنوان الميتم.كان الوضع هناك طارئًا؛ فالمكان في منطقة نائية خارج المدينة، والطرقات وعرة، ولا يلحظه أحد بسهولة.وعند وصولها، نزلت من السيارة أمام بوابة الميتم الحديدية الصدئة، وخلفها غابة صغيرة من الخيزران، ومبانٍ قديمة لا تليق بمدينة مزدهرة مثل العاصمة."هل أنتِ الآنسة نور؟" قالت مديرة الميتم بعدما رأت نور تقف خارجًا.كانت امرأة في الأربعين من عمرها، شابَ شعرها مبكرًا، فزادها عمرًا على عمرها، ترتدي ثيابًا بسيطة وحذاءً قماشيًا مرقّعًا.حياتها قاسية للغاية.أومأ

  • إثر مغادرة زوجته، انهار السيد سمير بالبكاء بعد اكتشاف حملها   الفصل397

    "أخت أميرة." اقتربت إحدى الفتاتين من أميرة بعد أن خطرت لها فكرة، وهمست لها: "أتدرين أن الموظفة الجديدة كانت تعمل سابقًا في شركة القزعلي؟"رمقتها أميرة مستفهمة: "من تقصدين؟""نور، سمعت أنّ السيد سمير كان مديرها السابق، ربما تتمكن من مساعدتنا".بدت الدهشة على أميرة. فهي لم تكترث يومًا لخلفيات زملائها في المحطة.إذ لا ترى فيها نفعًا لعملها، لذا لم تر هناك ضرورة لمعرفتها.وفوق ذلك، لم يبرز أحد خلال أربع سنواتها في المحطة أكثر تميّزًا منها. فقدرتها على حلّ المشكلات جعلت رئيسة التحرير تقدِّر قدراتها، وإن نجحت في اقتناص مقابلةٍ مع سمير، فلن تجد عائقًا في طريق ترقّيها.ولم تستغرب إذن أن توكل رئيسة التحرير مهمّة كهذه لنور.هذا لأنها عملت سابقًا في شركة القزعلي، ولا يمكن الاستهانة بها....في اليوم التالي، هرعت أميرة فور وصولها المحطة إلى مكتب نور.كانت نور تستعد للخروج، فقد علمت مؤخرًا من أحد معارفها على الإنترنت أنّ ميتمًا على وشك الإغلاق، سيجد خمسون طفلًا أنفسهم بلا مأوى.وأرادت استغلال منصة المحطة لنشر مقال قد يُنقذهم.وبينما كانت تهمّ بالمغادرة بعد أن رتَّبت أغراضها، اعترضتها أميرة، فرفعت

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status