جميع فصول : الفصل -الفصل 800

838 فصول

الفصل 791

كانت سارة تظن أنّ حسني سيعيد إليها شمس، لكنها انتظرت حتى حلول الليل ولم يرجع بها.تمتمت في نفسها: "لا بأس."فهي أصلًا كانت تخطط قبل رحيلها أن تترك شمس في رعاية نانسي، لأنها تعلم أن قدرها لن يكون مستقرًأ بعد، فلن تستطيع أن تربيها طويلًا.بل إنها كانت تؤمن أن حظها السيئ يجلب المتاعب لكل من حولها، فالأفضل أن يبقى الآخرون بعيدين عنها.ولهذا السبب أرادت أن تبتعد سريعًا عن باسل، فهي تخشى أن يتأثر هو أيضًا بما تحمله من تعاسة.رشيد، فاتن، شمس... كانوا أمثلة حيّة أمام عينيها.لم ترد أن ترى شخصًا آخر يتأذى بسببها.فكرت أنّ حسني، رغم وحدته، كان دائمًا ودودًا مع القطة، لذا فإن تركها في رعايته قد لا يكون خيارًا سيئًا.في ذلك اليوم، اضطرت السيدة خيرية للانصراف باكرًا بسبب أمر طارئ في منزلها.فلم يتبقَّ في البيت الكبير سوى سارة وحدها.أضاءت مصابيح الطاقة الشمسية في الحديقة تلقائيًا، وانعكست أشعتها على وجهها.أما داخل المنزل فظل غارقًا في الظلام، وجلست هي عند الفاصل بين النور والعتمة، ملامحها باردة ساكنة.كانت تتذكر كيف كانت شمس تجري كل يوم في الحديقة بنشاط لا يهدأ، أو تلهو بجرس عصا اللعب الذي كان يرن
اقرأ المزيد

الفصل 792

اتكأت نانسي برأسها على كتف باسل، وعيناها تلاحقان سارة وهي تخطو خطوة بعد أخرى نحو السفينة، وقد احمرّت أجفانها من شدّة التأثر.قالت بصوت متهدّج: "لا أعرف لماذا أشعر برغبة في البكاء، دائمًا يخالجني إحساس أنّ الأخت سارة قد تحملت من المشاق ما لا يُطاق، بالكاد بدأت حياتها تستقر قليلًا، فإذا بها ترحل مجددًا، بل وتخوض رحلة طويلة فوق البحر، فماذا لو... أعني ماذا لو تعرّضت لأي مكروه وهي في عرض البحر، فكيف سيكون الحال؟"شدّ باسل على كتفها محاولًا تهدئتها: "اطمئني، فالقائد حسين قد جاب هذه البحار لأكثر من عشرين عامًا دون أن يقع له أي خطر، أما سارة، فعلى الرغم من كل ما لاقته من عذاب، فإنها ما زالت على قيد الحياة، وهذا وحده دليل أنّ القدر يحميها، لقد خبرت هذه المهنة طويلًا، ونادرًا ما ينجو شخص مثلها ويصمد حتى الآن، إن نجاتها محض عناية من السماء، وأنا مؤمن أن ما انتظرها سيكون أفضل بكثير، ألم يقولوا إن الدنيا دولاب، والدوام لا يكون على حال؟"تنفست نانسي بعمق وقالت وهي تتنهّد: "ليت الأمور تسير كما تقول، لكن ما زلت لا أفهم لماذا تخاطر بالعودة إلى مدينة الشمال مع كل ما قد يترتب على ذلك من كشف أمرها، كان ي
اقرأ المزيد

الفصل 793

كانت أول عبارة نطقت بها سارة عند لقائهما: "شمس الصغير بخير؟"ابتسم حسني وأجاب: "هو بخير تمامًا، لقد أوكلت أمره إلى صديق موثوق كي يعتني به كما يجب، اطمئني، لن يحدث له أي سوء، أما حضوري فبأمر من الدكتور باسل، فقد خشي ألّا يحسن الآخرون رعايتكِ، فأرسلني خصيصًا لأهتم بكِ."قالت سارة بهدوء: "أشكرك، أتعبت نفسك من أجلي."ثم أدارت ظهرها وعادت إلى غرفتها، وفي داخلها تساءلت هل هو مجرّد وهم؟ كان المفترض أن يكون هذا اللقاء باعثًا على الارتياح، لكن شيئًا ما في قلبها جعلها تشعر بغرابةٍ لا توصف.كأن وجود هذا الرجل هنا غير منطقي، وإن بدا ظاهرًا معقولًا ومبررًا.حدسها الداخلي تمتم لها بأن تبقى بعيدة عنه.فالبقاء طويلًا إلى جانب شخص لا تعرف أصله ولا فصله ليس أمرًا محمودًا، وهكذا بدأت تسعى لا إراديًا لتفادي حسني.خلال الأيام التالية، لزمت غرفتها في معظم الوقت، حتى في وجبات الطعام لم تغادرها.كان حسني يطرق الباب حاملًا الطعام إليها، فتأخذ الصينية منه شاكرة ثم تغلق الباب، فلا يتبادلان إلا بضع كلمات قليلة.ومع ذلك لم يبدُ عليه الضيق أو التذمّر، بل ظلّ ملتزمًا بمهمته بدقّة، يحضر طعامها في وقته، ويضيف في كل ع
اقرأ المزيد

الفصل 794

كان معظم طعام العشاء ذو مذاق حامض، ومع أنّ سارة لا تحب ذلك، إلا أنها تذوقت من كل طبق بضع لقيمات.وفي الأيام التالية، ظلّت الأطباق ذات الطعم الحامض تُقدَّم باستمرار، حتى كادت سارة أن تتقيأ، فلم تحتمل أكثر ونادت حسني قائلة: "لقد كثر الطعام الحامض في الأيام الأخيرة، أشعر أنّني قد مللت منه."أجابها حسني على الفور: "حسنًا سيدتي، أخبريني بما تحبين من طعام، وسأدونه كي أطلب من المطبخ أن يعدّه لكِ."أخذت سارة تراقبه بدقة، ترصد تعابير وجهه وحركاته، فلم تجد في سلوكه أي شبهٍ بأحمد.حتى لو كان أحمد يعرفها جيدًا، فلن يكون هو الرجل الذي يترك كل شيء خلفه ليبقى إلى جوارها.ذلك الرئيس التنفيذي أحمد المتعالي، متى اعتاد يومًا أن يقوم على خدمة الآخرين؟وحين قضت أيامًا تراقب حسني عن قرب ولم تلحظ أي ريبة، اطمأن قلبها، وزال عنها ذلك التحفظ الذي شعرت به في البداية تجاهه.كانت الأيام فوق سطح البحر تمضي بطيئة ورتيبة، فحتى أجمل المناظر وأروع الشروق والغروب إذا تكررت تصبح عادية ويعتريها الملل.جلست سارة على سطح السفينة تتأمل الأفق، وكان الغروب في تلك اللحظة آية في الجمال.داعب النسيم المسائي شعرها برفق، لكنها لم ت
اقرأ المزيد

الفصل 795

قال حسني بجدية: "هنا أشبه بحديقة خلفية للشياطين، فقد ارتكبوا في هذه المياه أبشع الجرائم، من نهبٍ وقتلٍ وغيرها من الفظائع، وحتى وإن خفّت أعمالهم في السنوات الأخيرة، فلا يمكن ضمان أن تمرّ الأمور بسلاسة، لذا عليكِ أن تتهيئي نفسيًّا."نظرت سارة إليه في حيرة وقالت: "إذا كان في الأمر خطورة، فلماذا نسلك هذا الطريق؟"أجابها: "الناس بطبعهم لديهم عقلية المقامرة، وخاصة التجار، فإن لم يمروا من هذا المضيق واضطروا إلى الالتفاف، ستزيد مدة الرحلة نصف شهر تقريبًا، عدا أن المسارات الأخرى محفوفة بالمخاطر، فقد يرتطمون بالصخور، كما أن التكلفة ترتفع، ولأن القراصنة قلّ نشاطهم في الأعوام الأخيرة، اطمأن الجميع لعبور هذا الطريق."كان شرحه مفصلًا، لكن سارة شعرت أن الأمر ليس بهذه البساطة.قالت: "هل لكِ وجهة نظر أخرى؟"أجاب: "أنا فقط أرى أنّ على المرء أن يستعد دومًا للأسوأ، خصوصًا حين يتعلق الأمر بعصابة من المجرمين الأشداء."التفت حسني إليها ورأى ملامح الجدية على وجهها، فابتسم محاولًا التخفيف وقال: "أخفتكِ كلماتي؟ سامحيني، ما أردت إلا تنبيهكِ."ابتسمت سارة قائلة: "لا بأس، حظّنا لن يكون بهذا السوء، فالآخرون لم يواج
اقرأ المزيد

الفصل 796

هزّت سارة رأسها قائلة: "الإكثار من المشاكل لا فائدة منه، سأبقى على السفينة أفضل".تردّد حسني قليلًا ثم سأل: "سيدتي سارة، هل أستطيع أن أسألكِ بصراحة؟ لماذا تُخاطرين بالتسلل سرًا للعودة إلى الوطن؟ صحتكِ ليست على ما يرام أصلًا، وسمعت أنكِ لا تملكين أقارب هناك، فما الذي يعيدكِ إذن؟"أجابت بهدوء: "هناك أمرٌ عليّ القيام به".أطبقت سارة شفتيها ولم تُبح بشيء، لم تُظهر أي خيط من الحقيقة.فأدرك حسني ذلك، وتصرّف بلباقة فتوقف عن الكلام قائلًا: "إذن استريحي باكرًا".عندما رست السفينة، استغرقت عمليات التموين وصيانة السفينة معظم اليوم، وسارة حتى اللحظة لم تغادر مقصورتها، بقيت فيها منذ البداية حتى النهاية.أمسكت بقلم أحمر، ورسمت خطًا خفيفًا على تقويمها، وهي تتابع بفرح كيف يقترب يوم وصولها إلى مدينة الشمال أكثر فأكثر.فقط بعض الوقت بعد، وسترى طفليها أخيرًا.لم يمر وقت طويل حتى جاء أحد البحّارة ليبلغها: "نعتذر سيدتي سارة، لقد أصاب سفينتنا عطلٌ ما، والمهندسون يُصلحوها الآن، أخشى أننا لن نتمكن من الإبحار اليوم".سألت بقلق: "كم سيؤخرنا هذا؟"أجاب البحّار: "إذا كان الإصلاح سريعًا فربما يوم واحد، وإن تأخر فس
اقرأ المزيد

الفصل 797

شعر الصبي الصغير بخوف الفتاة، فسارع إلى مدّ ذراعيه ليحتضنها، وقال بصوت طفولي حنون: "لا تخافي يا أختي".غطّى بيده أذنيها، محاولًا قدر استطاعته تهدئة روعها، فالفتاة الصغيرة لم تكن تملك شجاعته.كلما خطرت ببالها فكرة أنّ والدها قد يلقى حتفه أمام عينيها مثلما ماتت تلك القطة، انهمرت دموعها بلا توقف.كانت خائفة، بل خائفة للغاية.ففي هذا العالم لم يعد لها سوى والدها وأخيها، وإن رحل والدها، فماذا عساها تفعل؟كان نسيم البحر يعبث بالموج، والأمواج تضرب الصخور محدثة صوتًا يرنّ كأنه يتردّد عند أذنيها.ومنذ صغرهما، لم يعرفا السبب، لكنهما لم يكونا يحبان البحر، بل كانا يشعران حياله بخوف غريزي.حين سمعا أصوات أقدام تقترب أكثر فأكثر، عضّت الفتاة الصغيرة شفتيها بقوة، ولم تجرؤ على إصدار أي صوت.وعلى مكان ليس ببعيد، كان هناك مركب شحن ضخم راسيًا، وفجأة امتزج دويّ الرصاص مع هدير الأمواج، فما كان من الرجل الملقى أرضًا إلا أن نهض على الفور، ثم اندفع بسرعة إلى السور ليتفحّص ما حوله.سمعت سارة الصوت بطبيعة الحال، ومع أنّها رأت أنّ مصدره ليس قريبًا جدًا، إلّا أنّ القلق دبّ في قلبها.سألت بحدة: "ما الذي يحدث؟"ارتس
اقرأ المزيد

الفصل 798

فتحت سارة عينيها فجأة، وجلسَت مستقيمة على السرير.كانت قد دخلت في النوم للتو، لكنها لا تعرف لماذا استيقظت على نحوٍ مفاجئ.نهضت عن الفراش بلا وعي، وأخذت تتفقد المكان من حولها.لم يكن البحر مضطربًا كثيرًا، ولم يُسمع أي صوت، فكيف استيقظت إذن؟كان الوقت قد تأخر، دفعت سارة باب غرفتها، ثم وقعت عيناها مباشرة على الرجل الواقف في البعيد وهو يدخّن.طوال الفترة التي عاشاها معًا لم ترَ حسني يدخن من قبل، أما الآن فقد كان مستندًا بزاوية على السور.كان الممرّ مضاءً بإنارة خافتة، حتى إن ملامحه لم تكن واضحة، وجسده غطّته العتمة.لم يُرَ سوى بريق السيجارة المتوهّج عند أطراف أصابعه الطويلة.بدا الجوّ العام مختلفًا تمامًا عن طبيعته المعتادة، كأنّ هالةً غامضة تلفّه، مثل قمر بارد غطّته سحب سوداء.بمجرّد أن وقعت عيناه على سارة، قذف عقب السيجارة من بين أصابعه، ارتسم خط أحمر في الظلام، قبل أن يسقط في البحر.قال وهو يتقدّم إليها بسرعة: "سيدتي، ما الأمر، ألم تستطيعي النوم؟"وحين خرج من العتمة إلى النور، عاد وجهه بريئًا كعادته، حتى يخال للناظر أنّه كان يتوهّم ما رآه قبل قليل.سألت سارة بدهشة: "لماذا لم تعد إلى غرف
اقرأ المزيد

الفصل 799

كان على وجه الصبي الصغير بضع خدوش، وقد امتلأت أصابعه كلها بالندوب، ويداه الصغيرتان كانتا مضرّجتين بالدماء، مما يبعث في النفس ألمًا شديدًا.حين مسح القائد حسين جراحه ووضع الدواء عليها لم يتحرك الطفل ساكنًا، كانت دموعه تدور في محجريه، لكنه ظلّ متماسكًا ولم يبكِ.تأمله القائد حسين طويلًا، إذ شعر أنّ ملامحه مألوفة له بعض الشيء، كأنه يشبه شخصًا ما.وبعد أن انتهى من تنظيفهما، طرح عليهما بعض الأسئلة مجددًا، لكنه لم يتلقَ أي إجابة.أما الطفلة الصغيرة فقد أكلت حتى شبعت، ثم غلبها النعاس، فمال رأسها كعصفور صغير ونامت بعد دقائق، بينما بدا واضحًا على الصبي أنّه مرهق، لكنه قاوم النوم وهو يحدّق فيه بيقظة.قال القائد حسين بلطف: "لا داعي لأن تخاف مني، لن أؤذيك، ما اسمك؟ هل ضللت عن والديك؟"لكنه ظلّ صامتًا، ولم ينطُق حتى بكلمةٍ واحدة.ابتسم القائد حسين بأسى وقال: "لم أرَ طفلًا بمثل حذرك قط، حسنًا، لن أسألك بعد الآن، إن كنت متعبًا فاسترح، سنبقى هنا ليومٍ آخر، وغدًا سأبحث لك عن والديك".وبينما كان يتحدث أفسح لهما السرير ليناما عليه، ثم تمدد هو على الأريكة المقابلة.ظلّ الصبي يقاوم حتى منتصف الليل قبل أن ي
اقرأ المزيد

الفصل 800

المطبخ لم يكن في هذا الطابق، والسفينة لم تكن تنقل لحومًا أو أشياء طازجة، فمن أين إذن جاء هذا الأثر الواضح لرائحة الدم؟وما إن تذكر حسني ما جرى ليلة أمس من إطلاق نار، حتى ازدادت حذره، ولم يشأ أن يفوّت أي احتمال قد يشكل تهديدًا على السيدة سارة.بعد أن جهّز لها الإفطار، أسرع حسني نحو غرفة المراقبة، فقد كان يعلم أن الكاميرات ستكشف له كل شيء.وجد الحارس حلمي مستغرقًا في النوم، فتولّى هو البحث بنفسه، وبدأ يعرض المشاهد المسجّلة قبل نصف ساعة.كانت أصابعه تتحرك بسرعة على لوحة المفاتيح، غير أنّه فوجئ بأن النظام معطّل، ولم يُظهر أي تسجيل.حينها أدرك أنّ هناك من عبث بأجهزة المراقبة.وهذا لا يعني سوى أمر واحد، لقد تسلّل جرذ خفي إلى السفينة.حتى لو لم يكن هدفه المباشر هو السيدة سارة، فلن يسمح بتركه يسرح بحرية.كان عليه أن يعثر على هذا الجرذ بأسرع وقت.في الجهة الأخرى، كان القبطان حسين قد أرسل رجاله للبحث طوال اليوم، لكن لم يُعثر في الجزيرة على أي أسرة فقدت أطفالًا.تساءل القبطان بدهشة، كيف يعقل أن يُترك طفلان صغيران مثخنان بالجراح عند حافة منحدر؟ أي والدين طبيعيين قد يرتكبان أمرًا كهذا؟كلما سأل الط
اقرأ المزيد
السابق
1
...
7879808182
...
84
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status