جميع فصول : الفصل -الفصل 810

838 فصول

الفصل 801

كانوا على وشك دخول منطقة بحر الشيطان، ففكّر حسني أنه قد حان الوقت للتخلّص من ذلك الشخص الدخيل.في مثل هذا التوقيت، كان واثقًا أن خصمه سيظل مُختبًأ داخل المخزن.كان قد سأل مسبقًا وتأكد أنّ المكان لا يحتوي سوى على بعض الأدوات، ولا يزوره أحد طوال شهور.دفع الباب فانبعثت رائحة كريهة في وجهه.امتزجت رائحة العفن بعبق الدماء.كان الليل قد حل، واليوم سماؤه ملبّدة بالأمطار، البحر كلّه مغطّى بظلال سوداء، ولذلك كانت هذه الغرفة السفلية غارقة في الظلام.فيما عدا صوت الأمواج تضرب بجسد السفينة بقوة، ساد الغرفة صمتٌ مخيف.تقدّم حسني خطوة بعد خطوة نحو الداخل، وإحساسه الغريزي ينبّهه أنّ الرجل يختبئ في هذه اللحظة داخل الغرفة.كأفعى سامّة تلتف في الظلال، تنتظر اللحظة المناسبة لتغرز أنيابها.ازدادت السماء قتامة، واشتدّت الرياح البحرية، مع أن النوافذ والأبواب كانت موصدة، إلا أن سارة لم تفهم من أين تسللت رياح باردة أربكت قلبها.رفعت رأسها تنظر عبر النافذة، فإذا بالريح تقوى، حاملةً الأمواج التي تثور وتعلو.بدأوا اليوم يدخلون منطقة بحر الشيطان، هذا البحر يختلف عن المياه الهادئة السابقة، كأنه شيطان غضوب، يفتح ف
اقرأ المزيد

الفصل 802

كان صاحب ذلك القناع هو جلال، وقد ضيّق عينيه متفحّصًا الرجل الواقف أمامه، ذي القامة الطويلة.كان يشبه أحمد بعض الشيء، غير أنّ جسد أحمد كان أشد قوة من جسد هذا الرجل، وعندما وقعت عيناه على وجه حسني، رآه وجهًا عاديًّا لا يثير الانتباه، ولم يسبق له أن رآه من قبل.أيعقل أنّه ليس من جاء لقتله؟قال بصوت مبحوح: "أتعرفني؟"نعم، أنه صاحب هذا الصوت…تقدّم حسني بضع خطوات، وأمسك بياقة قميصة بشدة، وقال بنظرة باردة: "تكلّم، ما الذي جاء بك إلى هنا؟"كان تصرّف هذا الرجل غريبًا في نظر جلال، فلو كان أولئك المطاردون قد لحقوا به فعلًا، لكانوا أطلقوا النار على رأسه مباشرة بدلًا من طرح هذه الأسئلة الفارغة.فمن يكون هذا الرجل؟وكانت الركلة التي وجّهها حسني قد أصابت موضع جرحه تمامًا، فانفتح الجرح من جديد، وتدفّق الدم مصبغًا ثيابه.ولم يكد حسني يواصل استجوابه، حتى دوّى صوت صراخ مرعوب في الممر: "قراصنة! القراصنة هاجموا السفينة!"ومضت في عيني حسني نظرةً باردة، أحقًّا وقعوا في أيديهم هذه المرّة؟يا لهم من حثالة.وسرعان ما تعالت أصوات أقدام تركض في الخارج، ورغم أنّهم لم يكونوا سوى طاقم سفينة شحن عادية، إلا أنهم كانو
اقرأ المزيد

الفصل 803

لم يجد القائد حسين وقتًا ليشرح لهما أكثر، فنهض مسرعًا وغادر.نظرت مارية إلى آدم بقلق، بينما لم ينظر هو إليها، بل ظلّ يحدّق في آخر حجر وضعه القائد حسين على رقعة الشطرنج.كان يعلم أنّ أمامه مدفعًا مزدوجًا، لكنه رغم ذلك تقدّم خطوة إلى الأمام.تلك الجولة، أية حركة فيها لا بدّ أن تنتهي بالهزيمة.قالت بخوف: "أخي…"كان آدم قد سمع من جلال عن القراصنة، أولئك الوحوش التي لا تملك أدنى إنسانية، والمتخفّية بهيئة بشر.فمن أجل الاستيلاء على الموارد، لا يتورّعون عن أي شر، إنهم السادة المتسلّطون في البحر.وهذه السفينة الناقلة لمواد الخام المعدنية صارت بطبيعة الحال هدفًا لهم.يبدو أنّ الجد حسين قد وقع هذه المرّة في ورطة كبرى.كل ما عرفه آدم هو أنّ هناك خطرًا، لكنه لم يملك القدرة على منعه.لم يكن أمامه سوى أن يبحث بسرعة عن جلال، فهو وحده القادر على أن يخلّصهم قبل وقوع الكارثة.طفل لم يتجاوز السنتين والنصف، ومع ذلك كان يعرف بالفعل معنى الموت والحياة.لم يعرفا حتى الآن سبب بقائهما أحياء، بل كانا مثل النمل الصغير، مهما كانت الحياة قاسية، لم يكن أمامهما إلا الاستمرار في السير.على الأقل، لم يقفا بعد أمام قبر
اقرأ المزيد

الفصل 804

نظرت سارة إلى ساعتها في معصمها، فعادةً كان حسني في مثل هذا الوقت يحضر لها بعض الفاكهة، لكنها تساءلت اليوم، أين ذهب حسني؟تحت ضوء المصباح الأصفر الخافت، رأت خيوط المطر المائلة تصطدم بالزجاج.لقد بدأ المطر يتساقط.كانت تكره مثل هذا الطقس، فاستندت إلى السرير دون أن يغمض لها جفن، وارتدت سماعات الأذن محاولة أن تترك أفكارها في فراغ.لا تعلم كم مرّ من الوقت، لكن اهتزاز السفينة العنيف جعلها تفتح عينيها فجأة.لقد وقع حادث!أيمكن أن يكون القراصنة قد هاجموا؟خلعت سارة سماعاتها بسرعة، فأصغت إلى الضجيج القادم من الخارج.يبدو أن أمراً خطيراً يحدث بالفعل.تحلت سارة بالحذر، فهي لا تعلم ما الذي يجري خارج باب غرفتها، ولم تجرؤ على الخروج عبثاً، بل انتظرت خبرًا من حسني.لكن حسني لم يظهر كما توقعت، ولم يندفع إلى الداخل مسرعًا، فاضطرت سارة وقد عجزت عن كبح قلقها أن تفتح الباب بنفسها وتندفع خارجة.ما لفت نظرها لم يكن السفينة المشتعلة، بل صوتٌ طفولي ضعيف اخترق الضوضاء."النجدة!"كان صوت طفل صغير.من أين جاء الأطفال إلى هنا؟غلبت غريزتها الأمومية، فلم تفكر في هوية الطفل، ولا إن كان الأمر فخًا، بل اندفعت راكضة ب
اقرأ المزيد

الفصل 805

حين رأت سارة الطفلة تسقط في البحر، شعرت وكأن الدم قد تجمّد في عروقها.كيف حدث هذا؟ كانت على وشك إنقاذ الطفلة، فلماذا كان القدر قاسيًا إلى هذا الحد؟في تلك اللحظة، صرخ الصغير إلى جوارها صرخةً ممزقةً للأحشاء: "أختي!"خفضت سارة رأسها، والتقت عيناها بوجه يشبهها إلى حدٍ كبير، فاهتز كيانها كله.فكرةٌ واحدةٌ انبثقت في عقلها، لم يكن هناك وقت لتتحقق منها، فما إن ظهرت حتى اندفعت بجنون، وقفزت من فوق السور إلى البحر.كل ما دار في ذهنها كان صورة الفحص رباعي الأبعاد الذي أجرته منذ ثلاث سنوات حين كانت حاملًا، فقد رأت بوضوح أنها تحمل توأمًا، صبيًا وفتاة.الفتاة كانت تشبه أحمد، مفعمةً بالحيوية والمرح، بينما ملامح الصبي بدا أقرب إليها هي، هادئًا مطيعًا.هل يُعقل أن يكون هذان الطفلان هما ولداها؟لكن قبل أن تستشعر بهجة اللقاء المنتظر، غمرها الألم الموجع الذي يصحب هذا اللقاء.اندفعت بكل قوتها نحو الطفلة الغارقة، همست في أعماقها، صغيرتي، هل تعلمين كم اشتاقت لكِ أمكِ؟ لقد انتظرتكِ طويلًا جدًا، عليكِ أن تبقي بخير.لا بد أن تكوني بخير.صوت ارتطامها بالماء "دوم"، لم يتجاوز في صخبه أكثر من حصاة صغيرة سقطت في الب
اقرأ المزيد

الفصل 806

كانت مارية قد ابتلعت عدة جرعات من ماء البحر، وجسدها الصغير يرتجف بجنون تحت وطأة الخوف الشديد.قالت سارة محاولة تهدئتها: "لا تخافي، أمكِ جاءت لتنقذكِ."فهي لا تزال طفلة صغيرة، وفي هذا الجو المليء بالفوضى والضجيج، كانت سفينة القراصنة تقترب أكثر فأكثر، بينما كان القائد حسين قد أمر رجاله بإطلاق مدافع الماء لمهاجمة القراصنة.كانت حياة مارية على المحك، والذعر قد أفقدها السيطرة على نفسها، فأخذت تتحرك بعشوائية وجنون.كافحت سارة بكل ما أوتيت من قوة لرفع الطفلة فوق سطح الماء، لكنها كانت تناضل دون توقف، مما جعلها غير قادرة على السيطرة على الموقف، وتناقصت طاقتها بسرعة.الأمواج العاتية دفعتها مرارًا، وقد ابتلعت بالفعل عدة جرعات من الماء، لكنها مع ذلك لم تتوقف عن رفع الطفلة خوفًا من أن تختنق.لكنها شعرت أن قوتها تتسرب من جسدها شيئًا فشيئًا، حتى غدت عاجزة عن المقاومة.قالت في سرّها، الوضع خطير، إذا استمر الأمر على هذا النحو فسأهلك أنا والطفلة معًا.كم كرهت في تلك اللحظة عجز جسدها المريض، حتى إنها لم تستطع أن تنقذ طفلتها.انهمرت قطرات المطر الباردة من السماء تضرب وجهها، بينما كانت تحمل الصغيرة ويتقاذف
اقرأ المزيد

الفصل 807

لم يكد حسني يخرجها إلى اليابسة، وهو يلف جسده بمنشفة كبيرة دون أن يبدّل حتى ثيابه المبللة، حتى سارعت سارة بالسؤال بقلق عن مكان مارية.كانت شفتاها قد ازرقتا من شدّة البرد، ووجهها شاحبًا يثير الشفقة.قال لها حسني: "يا سيدتي، لقد نجونا، تلك الصغيرة نُقلت إلى البارجة الحربية، وهناك طبيب عسكري يفحص جسدها، أما أنتِ فعليكِ أن تبدّلي ملابسكِ الآن، حتى لا تُصابِي بالبرد."قالت بسرعة: "لا، أريد أن أراها."فاندفعت سارة مسرعة تنزل من السرير، وقد خرجت حافية القدمين تركض إلى الخارج.وما إن وصلت إلى الممر حتى وقعت عيناها على رجالٍ جميعهم يرتدون زيًّا عسكريًا موحّدًا، وفي أيديهم أسلحة، فاجتاحها إحساس مرعب بالهيمنة.حينها فقط أدركت أنها لم تكن على متن سفينة القائد حسين، بل على متن بارجة عسكرية مهيبة.وبمجرّد أن خرجت من الغرفة، التفتت جميع العيون نحوها في اللحظة نفسها.تجمّدت حركتها وارتسم الارتباك على وجهها، تحت ذلك الضغط المهيمن لم تعد تعرف كيف تتصرّف.لم يتكلّم أحد منهم، لكنهم ظلّوا يثبتون أنظارهم عليها، وهذا وحده جعلها تشعر بعدم ارتياح شديد.إلى أن خرج حسني خلفها وقال: "لا تقلقي، سأرافقكِ."وحين لاحظ
اقرأ المزيد

الفصل 808

أجاب حسني بهدوء دون استعجال: "يا سيدتي، عندما أنقذونا وجرّونا إلى هنا، كنتُ أنا من قال ذلك".قال الطبيب: "نعم، أنه… السيد حسني من قال ذلك، حسنًا، سأخرج الآن".لا تدري لماذا شعرت سارة وكأن ذلك الطبيب كان يفرّ من الغرفة فرارًا، إذ خرج مسرعًا كمن يهرب.قال حسني بهدوء: "يا سيدتي، غيّري ملابسكِ أولًا، سأذهب لأحضر لكما حساء الزنجبيل".قالت: "حسنًا".لم يبقَ في الغرفة سواها هي والطفلة، ثم جلست سارة بحذر تساعد طفلتها على خلع ملابسها، لقد أصبح طولها الآن مساويًا تقريبًا لأطفال في مثل عمرها، ولم يعد هناك أثر لكونها وُلدت قبل أوانها.كان جسدها ناصع البياض نقيًّا، باستثناء جرح صغير في يدها، ما يدلّ على أنّ جلال قد اعتنى بهما عناية فائقة.أخذت سارة قميصًا رجاليًا واسعًا فلفّت به الصغيرة، ثم بدّلت ملابسها هي الأخرى.كانت الملابس التي أُحضرت لها عبار عن قميصًا رجاليًا مماثلًا في الحجم، بدا أطول من اللازم على جسدها، متدلّيًا ليغطي فخذيها حتى أعلى الركبتين.ثم سارعت لترتدي بنطالًا رجاليًا آخر، ورغم أنه كان فضفاضًا ومترهّلًا، إلا أنه أفضل بكثير من أن تبقى بلا شيء.بعد دقائق قليلة، سُمِع صوت طرق على البا
اقرأ المزيد

الفصل 809

ثم رفع ببطء القناع الرقيق الملتصق بوجهه، لتنعكس في المرآة ملامح دقيقة واضحة القسمات، وبشرته التي لم ترَ الشمس منذ شهور ازدادت شحوبًا فوق شحوبها، فبدت أكثر بياضًا وهدوءًا تحت ياقة قميصه المفتوحة قليلًا.هيئته أشبه بمصاص دماء من عصور القرون الوسطى، أنيقًا، متعاليًا، وملامحه تنضح بالهيبة.خطا حافي القدمين إلى داخل بخار الحمام الكثيف، فانهمر ماء الدش على جسده، ليجرف معه سائلًا أسود ينساب على جلده.وحين خرج من الحمام مجددًا، لم يعد بإمكانه إخفاء ذلك الجو المهيمن الذي يفرض نفسه دون غضب.ارتدى قناعه مجددًا، ولبس بدلته العسكرية، وسار مباشرة نحو غرفة القيادة.وكلما مرّ من مكان، تنحّى الجنود عن طريقه، واصطفوا وقوفًا يؤدّون التحية العسكرية قائلين: "سيدي القائد".دخل أحمد بخطوات واثقة، بينما كان خالد قد تخلّى عن أسلوبه العفوي المعتاد، ملامحه متجهّمة وهو يقول بجدية: "سيدي، سفينة القراصنة قد أُغرقت، وبعضهم ركب قوارب النجاة هاربين في كل اتجاه".قال أحمد بصرامة: "لا تتركوا أحدًا منهم".أجابه خالد: "حسنًا".قال أحمد: "ما وضع سفينة الشحن؟"أجابه خالد: "أخي صعد إليها مع رجاله منذ قليل، لا تقلق، سيضمنون س
اقرأ المزيد

الفصل 810

حين عاد مسرعًا إلى السفينة الحربية، كانت سارة قد غابت في هذيان الحمى، جسدها يحترق بحرارة عالية، فيما كانت شفتاها تتمتمان بكلمات مبعثرة تطلب فيها الدفء وهي تردد أنها تشعر بالبرد.اقترب الطبيب العسكري بوجه متوتر وقال: "سيدي، لقد أعطيتُ السيدة سارة الدواء بالفعل، لكن حالتها الجسدية فريدة للغاية، فإذا استمرت الحمى بالارتفاع فالأمر سيكون في غاية الخطورة".ولحسن الحظ، كانت موارد العلاج في السفينة الحربية وافرة، فجلس أحمد بجانبها، لا يملك إلا أن ينتظر حتى تنخفض حرارتها من تلقاء نفسها.لم يكن الفجر قد أطل بعد، والبحر في الخارج يزمجر بقوة، وصوته يتردد في السكون الرمادي الباهت.تمدّد أحمد على مقربة من سارة وهو ما يزال مرتديًا ثيابه، ينظر إليها بعينين ممتلئتين بالشفقة والقلق.طوال هذه الفترة كانا يعيشان معًا ليلًا ونهارًا، ومع ذلك كان مضطرًا أن يخفي هويته خلف قناع رجل آخر، حتى إنه لم يكن يجرؤ أن ينظر إليها مباشرة أكثر من مرة، خوفًا من أن تكتشف أمره، خصوصًا بعد أن ساورها الشك مرارًا.لكن قوته في التحمل وقدرته على ضبط نفسه جعلته يخفي الحقيقة حتى النهاية.مدّ إصبعه بخفة يلامس وجهها المرهق، ملمس بشرت
اقرأ المزيد
السابق
1
...
798081828384
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status