جميع فصول : الفصل -الفصل 590

684 فصول

الفصل581

"اخرس!" قالت نور بغضبٍ جارف: "كيف تستطيع أن تتفوه بمثل هذا الكلام؟ لقد أخطأت في نظرتي إليك!"لم يُحوِّل سمير رأسه ليتفادى الصفعة، بل تلقاها بجمود.احمرّ خدّه، وانفرجت شفتاه عن ابتسامةٍ باردة شرسة، قبل أن يعود بنظره إليها.ازداد الجليد عمقًا في عينيه، وضحك بسخرية قائلًا: "إن كان هذا كفيلًا بأن يجعلك تيأسين مني، فليكن... فلستُ أنا الرجل الصالح لك!"ارتجفت نور، وانقبض قلبها من شدّة الحزن.لم تصادف في حياتها رجلًا أكثر قسوةً منه."إن كان هدفك من كل هذا أن تُرغمني على التوقيع، فقد نجحت! هذا الزواج لستَ أنت وحدك من يريد إنهاءه... بل أنا أيضًا!" أمسكت بالقلم، وقّعت اسمها بلا تردّد على أوراق الطلاق، ثم دفعتها نحوه بعنف قائلة: "اخرج! فورًا! اغرب عن بيتي!"لم يتغيّر وجه سمير، وكأن غضبها لم يلامسه.أما المحامي فسارع إلى التقاط الأوراق كمن يُنقذ كنزًا ثمينًا.قال المحامي لسمير: "سيد سمير، لقد تم الأمر".أومأ ببرودٍ، ونهض واقفًا، جمّد ملامحه القاسية، ومضى بخطوات واسعة خارج الفيلا دون أن يلتفت إليها.حين غادروا، انهارت نور على الأريكة، تنهَج بتعبٍ وقد استنزفت كل طاقتها.قبضت بيديها حين رأت ظهره يبتع
اقرأ المزيد

الفصل582

بدأت تتخيّل.تخيّلت كيف سيكون زفافها على سمير مهيبًا.وتخيّلت نفسها العروس الأسعد في هذا العالم.وفي تلك اللحظة، سُمعت خطواتٍ تقترب، فظنّت شهد أنها خادمة البيت، فقالت: "لا حاجة لمساعدتك هنا، انصرفي".لكن الخطوات لم تتوقف.عقدت حاجبيها بضجر، ونزعت القناع عن وجهها قائلة: "قلتُ لكِ لا أحتاجك..."رفعت بصرها، وحين أبصرت القادم، ارتجفت ملامحها بالدهشة، فأزالت القناع بسرعة، ثم وقفت بجدية وهي تتمتم: "أبي".ابتسم الرجل، وعيناه تتأملانها: "شهد، لم أركِ منذ زمن، كبرتِ وصرتِ آنسة جميلة".وقفت شهد واقتربت منه راكضة، ثم ارتمت في حضنه: "أبي، أخيرًا خرجت! لقد اشتقت إليك حد الموت!"كان الرجل قد ناهزَ الخمسين من عمره، أطول من شهد قليلًا، قوي برغم سنه، مد يده يربّت على شعرها بحنان: "تعبتِ كثيرًا في هذه السنوات".قالت شهد: "لم أتعب. ما مررت به لا يُقارن بتعبك، ثم إني الآن صرتُ نجمة، أملك هالة تحميني، لا أكتفي بإعالة نفسي فقط، بل أستطيع أن أعيلك أيضًا".ابتسم بعينين عميقتين وقال: "أعرف برّك، لكنني لست بحاجة لأن تعيليني، تجارتنا لم تنتهِ بعد، خروجي هذه المرة من أجل أن ننهض من جديد".شحبت ملامحها وهي تقول بق
اقرأ المزيد

الفصل583

لم يبقَ لها سوى هذا الطريق لتسلكه....لم تعرف نور كيف قضت تلك الليلة، طويلةً، ومثقلةً بالعذاب.ظلّت على الأريكة تحدّق بعينيها المفتوحتين حتى بزغ الفجر. وحين استفاقت تمامًا كان الأفق الشرقي قد تلبّس بضباب أبيض.تعبت.تعبت كثيرًا.جرّت جسدها المنهك إلى الحمّام، وغسلت وجهها بالماء، فلمّا رفعت رأسها إلى المرآة ارتجفت من هول ما رأت.كأنّها رأت شبحًا.احمرّت عيناها كجمرٍ خامد، وشحب وجهها حتى خلا من الدم، فبدت كأنّها امرأة ينهشها المرض في آخر مراحل حياتها.لامست خدّيها بأصابع مرتعشة، غير مصدّقة أنّها صارت على هذه الهيئة.أيعني الجرح العاطفي أن تنهار هكذا؟أيعني غياب سمير أنّها لن تقدر على العيش؟لا.الجواب هو لا.ألم تكن قد عزمت منذ البداية على الانفصال عنه، وطلب الطلاق؟لا فرق الآن سوى أنه هو من بادر فقط.ستعيش، بل ستعيش أفضل من ذي قبل، وستكون أجمل بمائة مرة.استفاقت، ولم تعد أوهام الحب تتحكم بها.حسمت أمرها، ليلةٌ من الحزن تكفي، ما تبقى من الأيام لا بد أن يكون زاهرًا ومضيئًا.غسلت وجهها من جديد، وفركت بشرتها بقوة، تريد أن توقظ نفسها.فالإنسان إذا أصبح متيقِّظًا، انطفأ جنون القلب.لكنها حي
اقرأ المزيد

الفصل584

حُسبت حياتها سعيدة بمعايير السعادة.وُلدت نور في كنف عائلةٍ لطيفة، غُمرَت بالعطف من الجميع.لكن ما عكّر صفوها، لم يكن إلا في درب العاطفة.ربما لأن الاستقرار أحاط عمرها كله، فشاءت الحياة أن تضع فيها بعض الأمواج، حتى تُدرك طَعم الخيبة.لكن كلامها أضحك حازم. جلس بجوارها، يرقبها بعينيه العسليتين، وقد بدا فيهما حنانٌ مميز.لم يعد حازم يتهرَّب منها، فهناك الكثير من الأشياء عليهما أن يواجهاها معًا، فقال: "لم تقاتلي بحياتك، لكنك أنتِ من أعطيتني حياة، ستتذكرين، وحينها ستفهمين".لقد أنقذها غير مرة، وكانت تثق أنه لن يؤذيها.رغم أن هويته لم تكن بسيطة.لكن الآن، لم يبقَ بقربها سواه.لم تتمالك نور نفسها، وسألته: "هل لك أصدقاء؟""لا."سألت مرَّة أخرى: "أنتم جميعًا لا أصدقاء لكم أبدًا؟"ردّ: "لست بحاجةٍ إلى أصدقاء"."وأبواك؟"قال: "لا أعرف من هما".أشفقت نور عليه، وقالت: "لا بد أنك تشعر بالوحدة... لا أهل، لا أصدقاء، لا بد أن الحياة بلا طعم".لم ينصفه الرب. أعطاه جمال الوجه، وموهبة الطب، ثم ابتلاه بوحدةٍ قاسية.إن فرحَ لا يجد من يُشاركه فرحته.خفتت نظرة حازم.لولا أن نور ذكّرته، لربما طال به الزمن قب
اقرأ المزيد

الفصل585

ارتسمت ملامح معقّدة على وجه حازم، فلو علمت ما فعل، لما قالت هذا.لم يجرؤ على لمس يدها، فكيف له أن يبوح لها بتلك الأمور السيئة؟لم يرفض حازم بعدها، وتركها تمسك بيده.ظلّا جالسين بهدوء زمنًا طويلًا، وفي يد نور تلك السبحة، فإذا بالحمرة فيها تزداد وضوحًا، فرأت ذلك بعينيها، وسألت: "هل تغيَّر لون حبَات الخرز؟"خفض حازم بصره وقال: "أحقّا تغيَّر؟"رفعَت السبحة إلى ضوء الشمس، وتأكدت أن الحمرة ازدادت لمعانًا، وقالت: "كنتُ أظن أن الحبات قد غامت مع طول الزمن، لكن هذه الحمرة كأنها ازدادت، أليستْ سبحتك؟ ألم تلاحظ أنت هذا؟"قبض حازم على معصمه دون وعي، ثم ابتسم قائلًا: "ربما هي مزيّفة، لا أدري، لم أجرِّب التحقق منها أصلًا".حدّقت به نور وقالت: "مزيّفة؟ أكنتَ لتضعها معك كل هذا الوقت لو كانت كذلك؟ لم أقل إنها مزيّفة، أردت فقط القول إن وجود دم بداخلها أمر غريب".قرّبتها من أنفها، واستنشقت قائلة: "تفوح منها رائحة أعشاب، ومعها رائحة دم، عجيب حقًا".وسألته ثانية: "ألم تنتبه لهذا الأمر؟"لم يدرِ حازم أن حدسها قوي إلى هذا الحد، فهي رغم جهلها بكثير من الأمور، تلتقط مواطن الغرابة بسرعة. وأي تفسير يأتي لن يقنعه
اقرأ المزيد

الفصل586

"هذه أوَّل مرَّة أطبخ فيها." رفعت نور حاجبها وقالت: "لا بأس به، لنجرب مهارتك في الطهو، ربما تكون لديك موهبة".وخرج حازم أخيرًا من المطبخ بعد نصف ساعة.لم يخرج معَه أي دخان أو رائحة زيت، ما يعني أنّه لم يُفجّر المطبخ.لكن حين وضع الأطباق على الطاولة، دُهشت نور دهشةً هائلة.واتسعت عيناها خوفًا وهي تحدّق فيه.خشي حازم أن تعجز عن التعرّف على الأكلة، فعرّفها بهدوء: "هذا قلب الدجاج، وهذا كبد الدجاج... من الأعضاء الداخلية، وهذا جسم الدجاج، أمّا الفخذ فهو أكثر لحمًا وغيرُ جافٍّ..."استمعت نور إلى شرحه كأنها تستمع إلى درسٍ في التشريح.صوّر لها خيالها أنّه أجرى للدجاجة عملية تشريح كاملة أثناء الطهي، ففقدت كل شهيتها من مجرد النظر إليها.بل شعرت برغبة في التقيؤ.ولمّا رآها لا تلمس الطعام، سألها: "ما بكِ؟ هل المنظر غير جميل؟ لقد تعمّدت أن أُبقيها كاملة".قالت: "ليس كذلك... لستَ مضطرًا للإبقاء عليها كاملة، أليس هناك طعامٌ آخر؟""بلى، صنعتُ لك رقائق البطاطس." إذ وجد بطاطس متبقية، ولم يشأ أن يهدرها، فهرسها وأدخلها الفرن.هنا ارتاحت نور وقالت: "سآكل رقائق البطاطس، لم آكلها منذ وقتٍ طويل، وأنا أشتهيها"
اقرأ المزيد

الفصل587

تراجع حازم خطوة، من الواضح أنه لا يريدها أن تلمسه.زاد هذا من شكوك نور، فواجهته بحدة: "لِمَ ما زلت تنزف؟"مضت فترة طويلة على إصابته السابقة، فحتى لو لم يلتئم جسده كليًا، فلا يمكن أن يبقى في حال نزيف.إلا إذا أُصيب بجرحٍ جديد.شدّ حازم كمَّه بإحكام، لكن بضع قطرات الدم كشفت الحقيقة.ابتسم ابتسامة متكلفة، وابتدع عذرًا: "جرحت نفسي أثناء الطبخ قبل قليل، ليس الأمر خطيرًا".لكن عذرًا كهذا لا يخدع نور.قالت بحاجبين مجعدين، غير مصدقة: "أنت معتادٌ على إمساك المشرط يوميًا، فكيف يعقل أن تخطئ في المطبخ؟ لا يمكنك أن تخدعني بهذا! هذا الجرح ليس بسبب الطبخ، فكيف أصبت به حقًا؟"صمت حازم، ولم ينبس بحرف.إن لم يتكلَّم، فنور لديها أعين، وتستطيع أن ترى بها، أخذت نور يده، فاكتشفت الضماد الملتف على معصمه.كان لفًا مؤقتًا على الجرح، غير محكم. وهذا قد يعني أنه هو نفسه من ضمَّده، فيدٌ واحدة لن تحسن اللف.تمتم بصوت لطيف: "جرحت نفسي عن غير قصد، أنتِ رأيتِ من قبل ندوبًا كثيرة على جسدي، وهذا الجرح لا يعد شيئًا يُذكر".أراد أن يطوي الأمر وينهيه.حتى لا تذكره نور مرَّة أخرى.لكنها لم تُرخِ له الحبل، بل استمرت في أسئل
اقرأ المزيد

الفصل588

أدارت نور بصرها نحو حازم، فنظر إليها بنظرة عادية جدًا.لم يكن هذا غريبًا بالنسبة له.فهمت نور أن المكان الذي كان فيه سابقًا لم يكن أبدًا مكانًا مشرقًا أو شريفًا.وكما قال هو، هم يعيشون في الظلام، بعيدًا عن النور.ومع ذلك، كانت نور مذهولة، لا تستطيع تخيل لماذا يعيش البشر بشكل مختلف رغم كونهم جميعًا بشرًا.قالت نور في قلبها رافضة: "كيف يمكنك أن تمنحني هذا؟ لقد أغمي علي، وكنت سأستفيق، ولا حاجة لأن تجرح معصمك لتمنحني الدم، فهذا يُضر بجسدك، لا أحتاج منك أن تفعل ذلك".ابتسم حازم بهدوء، ربما كان هذا أسهل شيء فعله على الإطلاق: "لا بأس، قليل من الدم لن يقتلني".اعترضت نور بحزم: "لا يجوز قول ذلك، ولا أسمح لك أن تفعل هذا مرة أخرى! عندما تكون معي، فأنت شخص يستحق الاحترام، لست حيوانًا، ولا تحتاج لأن تبيع حياتك لأحد، أنت حر، فلا تقيّد نفسك".قالت نور هذه الكلمات لتخبره ألا يعود إلى أفعاله السابقة.أرادت له أن يعود إلى الحياة الطبيعية.فهم حازم أيضًا أنها قلقة عليه، وكان ذلك كافيًا له، فقال: "فهمت، لا تقلقي كثيرًا عليّ".قالت نور: "تذكّر كلامي، نحن سنكون أصدقاء من الآن فصاعدًا، وإذا أردت مني مساعدة ف
اقرأ المزيد

الفصل589

ظنّت سالي نفسها في حلم، فثقل رأسها من الصدمة. رأت بعينها أن نور وسمير يحبان بعضهما بصدق، فكيف ينتهي بهما الأمر بالطلاق بهذه السهولة؟ قالت بغضب: "ما الذي حدث؟ كيف تغيَّر سمير بهذه السرعة؟ لا، لا بد أن أذهب إليه وأحاسبه!"لكن نور التي تقبَّلت الأمر بالفعل قالت: "لا داعي، من الجيد أن الطلاق وقع. والآن أملك المال والبيت، صرتُ كالغنية الصغيرة، حتى لو لم أعمل طوال حياتي فلن أجوع، هيا باركي لي"."وهكذا تنعم تلك العشيقة بكل شيء بلا ثمن!" إن وضعت سالي نفسها في مكان نور، فلم تكن لتتحمّل الأمر.أجابت نور: "وأي نعيم ستنال؟ دعكِ من هذا الأمر، لقد مضى وانتهى"."فهمت، لكنني قلقة عليكِ أن تبالغي في الحزن، لم أعلم إن كنت تريدينني أن أكون بجانبكِ أم لا، حاولت الاتصال بك ولم تجيبي، لا أعلم ماذا كنتِ تفعلين، فمزّقني القلق." كانت سالي قلقة عليها بصدق، لكنها عرفت طبيعة نور، فهي امرأة قدرة تحملها عالية، لولا قوتها لما عاشت بجوار سمير كل تلك السنين، صامدة كصرصار لا يموت.أما سالي، فلو صادفت رجلًا كهذا، لتطلَّقت في أول لحظة."أنا بخير، أحتاج فقط أن أستريح قليلًا، ثم أعود إلى عملي." كان على نور أن تعود إلى حيات
اقرأ المزيد

الفصل590

"حسنًا."وتابعها حازمُ نور بعينيه وهي تغادر.ركبت نور دراجتها وغادرت المنزل، متجهة نحو مركز المدينة.لم يكن بعيدًا كثيرًا.ترك سمير لها أفضل فيلا من حيث القيمة.ازدحم الطريق بالمارة في هذا الوقت، فتوقفت نور عند إشارة المشاة.وحين أضاء اللون الأخضر، دفعت دراجتها لتعبر، فإذا بصوت خلفها يقول: "دعيني أساعدك".التفتت نور، فإذا بشاب يدفع مؤخرة دراجتها. وكأنه شعر أن الأمر سيكون شاقًا عليها لكونها حبلى.كانت نور اليوم ترتدي ثيابًا بسيطة، وربطت شعرها في ضفيرة، ووضعت على رأسها قبعة قش، كان ما ترتديه فستانًا فضفاضًا، يُظهر بروز بطنها قليلًا.لكن، باستثناء طريقتها في ارتداء الملابس التي تشبه الحوامل، لم تبد كحامل.لم يصل بها الضعف لتلك الدرجة، لكنها لم تشأ نور أن تدع لطفه يذهب هباءً، فقالت بلطف: "شكرًا".وحين بلغت الجهة الأخرى من الشارع، تابع الشاب طريقه عكس اتجاهها.استمرت نور تقود دراجتها، وسارت في المسار المخصص.ولم تدرِ لماذا، لكنها لاحظت خلو الطريق من المركبات أمامها.خاليًا تمامًا تقريبًا.نظرت في الجهة المقابلة، فكان الطريق ممتلئًا بالدراجات الكهربائية والعادية.بينما كان الطريق الذي تسير
اقرأ المزيد
السابق
1
...
5758596061
...
69
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status