ظهرت في الشاشة صورة ماهيتاب ممددة على الثلج، وقد تم طمس ملامح وجهها حتى لا يمكن تمييز تعابيرها.وكانت لا تزال ترتدي فستان السهرة الذي أثار ضجة في وقت سابق بعدما ابتل بالماء، أما الآن فقد غطت حواف الفستان كتل من الثلج.قبل وقت قصير فقط، كانت هذه المرأة بخير وبصحة تامة، فكيف اختفت فجأة هكذا؟تبدّد أثر النعاس من عيني سارة في لحظة، فسارعت بفتح الخبر وتفحّصه بدقة، لتكتشف أن خالد متورط في الأمر، وتذكرت أنه قبل مغادرتهما، بدا وكأن أحمد أعطى أوامر ما، وها هي ماهيتاب قد ماتت وخالد موجود في مسرح الجريمة.ارتسم القلق على ملامح سارة، فانتزعت الغطاء عن جسدها واندفعت مسرعة نحو الباب.وما إن فتحته حتى ارتطمت مباشرة بصدر رجل كان يقف في الخارج، لترفع رأسها وتلتقي نظرات أحمد المليئة بالاهتمام بها، فقال وهو يحدّق فيها: "ألا ترتدين حذاءً؟ إلى أين تذهبين في هذا الوقت المتأخر؟"قالت بصوت متوتر: "أحمد، لقد رأيت الخبر، هل خالد بخير؟"أجابها بجدية: "لقد وُجد في موقع الجريمة، والأمر معقد بعض الشيء، لكنني أرسلت من يبحث عن الأدلة بالفعل."ترددت سارة قليلًا وهي تمسك بطرف سترته بين أصابعها، ثم همست: "في الواقع… قبل
بدا محمود شديد القلق، فالأمر ليس بالهيّن، لكنه أيضًا ليس بسيطًا. فالقتلة المحترفون اعتادوا على استطلاع الموقع مسبقًا، ويخططون بدقة لأسلوب القتل والتخلّص من الجثة.ولا يتركون أي أثر يمكن أن يفضحهم، ولا حتى بصمة واحدة. أما خالد، فهو بطبيعته متهوّر قليل الحذر، ولهذا صار الآن كبش الفداء.قال محمود بلهجة متوترة: "سيدي الرئيس، ذلك الحقير كان يرتدي قفازات، لم يترك أي بصمات، ولا يوجد تصوير من كاميرات المراقبة، ثم إن خالد كان مصادفة في مكان الحادث، ولتزداد الأمور سوءًا، بدأت الشائعات تنتشر على الإنترنت".مدّ أحمد يده ليلمس خاتم زواجه، وبالمقارنة مع قلق محمود، كان وجهه أكثر هدوءًا ورباطة جأش. فسأله: "وما هي هذه الشائعات؟"أجابه محمود: "لقد نشر أحدهم على الإنترنت خبرًا يربط بين السيدة سارة وما جرى لماهيتاب، وقالوا إننا نتجبّر ونتسلّط، حتى إن خبر وفاة ماهيتاب تم تسريبه، ورغم أنها لم تكن مشهورة، إلا أن ما أثارته قبل موتها، ووجود أحد رجالنا في مكان الحادث، دفع البعض في البداية للتلميح إلى أن موتها من فعلنا، ثم ومع زيادة التفاعل، صار الاتهام مباشرًا بأننا نحن من فعل ذلك، هل نتحرك فورًا لمعالجة الأ
قبل دخولها الوسط الفني، كانت ماهيتاب معروفة بسمعتها السيئة كامرأة متسلطة منذ صغرها، لم يحدث يومًا أن تجرأ أحد على الإساءة إليها، فهي دائمًا من تبادر بالإيذاء، وليست من الذين تتعرض له.ورغم أنها في عالم التمثيل لا تتعدى كونها ممثلة مغمورة على الهامش، إلا أنها كانت بارعة في التقرب من ذوي النفوذ، وقد ارتبطت بعدد غير قليل من الرجال المؤثرين.كان كل تركيزها منصبًّا على جمع المال، أما التمثيل فكان أمرًا ثانويًا، المهم أن تدرّ عليها أي وسيلة مالًا وفيرًا، دون أن تكترث للطريقة أو العواقب.لكنها لم تكن تتخيل أن ذلك سيجلب لها نهايتها، فاتسعت حدقتاها وهي تختنق بالكلمات التي خرجت بصعوبة من حلقها: "لماذا…؟".الرجل الذي بدا في البداية ضعيفًا ووديعًا، تحوّل فجأة إلى شخص يبعث الرعب.يغمره برد قاتل ينبعث من جسده، يختلف كليًا عن أي عامل نظافة عادي.قال بصوت بارد: "آنسة ماهيتاب، لا تلومي إلا نفسكِ لأنك لم تحسني التقدير، وأغضبتِ من لا يجب إغضابه… لقد اشترى أحدهم حياتكِ".لم يسبق لماهيتاب أن واجهت أمرًا كهذا من قبل، ولم تدرك خطورة الموقف إلا الآن.كيف يمكن أن يحدث ذلك في مجتمع تحكمه القوانين؟! من هذا الذي
أسرع أحمد بخطواته حتى وصل إلى سارة، وجذبها على الفور إلى احضانه قائلًا بقلق: "هل أنتِ بخير؟"اجابت سارة قائلة: "لا، لم يحدث شيء، فقط صادفتُ شخصًا يعتدي على مجموعة من الضعفاء، فتدخّلت لمساعدتهم."ثم التفتت نحو ماهيتاب قائلة: "بإمكاني أن أقدّم ما يثبت أنني اشتريتُ هذه الفستان، وصورًا له وهو معلق في خزانة ملابسي في منزلي، أخبريني يا آنسة ماهيتاب، ما الدليل الذي يمكنكِ تقديمه أنتِ؟"تظاهرت ماهيتاب بالتماسك، رغم أن ملامحها فضحت ارتباكها، وقالت بصوتٍ متصلب: "هذا الفستان استعارته لي وكيلة أعمالي، والأدلة عندها."ردت سارة ببرود: "جيد، إذن اتصلي بوكيلتكِ، واسأليها من أيّ مشغل فساتين استعارته، حتى تحصلي أنتِ أيضًا على حقكِ."تلعثمت ماهيتاب: "هي... كانت لديها بعض الأمور فغادرت للتو، من أين سأجدها الآن؟"ردت سارة بلهجة حازمة: "إذًا أنتِ بلا دليل، ومع ذلك تتهمين الآخرين اتهامًا باطلًا، وتختلقين أسعارًا وهمية، وهذا أقرب للاحتيال، أليس كذلك؟"ارتبكت ماهيتاب وهي تقول مسرعة: "أيّ احتيال هذا؟! لا تتهميني بما ليس فيّ، حسنًا، لا بأس، أنتِ زوجة أحمد وصاحبة نفوذ، ولا أريد الدخول في صراع معكِ، فلنعتبر أنني خ
بدأ الحاضرون يتبادلون الهمسات والتعليقات.قال أحدهم باستهجان: "لم أكن أتوقع أن تكون زوجة أحمد بهذا القدر من التعاطف المفرط، أهي تعتقد أنه لمجرد أن عامل النظافة من الفئة الضعيفة فإن ارتكابه خطأ يعفيه من العقاب؟! بهذا المنطق، إذا خرجتُ غدًا إلى الشارع وصدمتُ سيارة رولز رويس ثم قلت إنني لا أملك المال، فهل سيُعفى عني؟"وأضاف آخر: "طالما أن زوجة أحمد ثرية لهذه الدرجة، فخمسون ألفًا مبلغ تافه بالنسبة لها، كان بإمكانها دفعه وحل الأمر بدلًا من إحراج ممثلة صغيرة هنا باسم الأخلاق!"وتابع ثالث بسخرية: "بالضبط، في السابق على المسرح كنت أظنها وأحمد مثالًا للتناسق والكمال، لكنني الآن أرى أنها لا تختلف عن غيرها، نحن كفنانين لا نحصل على أموالنا من الهواء، مثل هذه الفساتين نادرًا ما تُعطى للإعارة، والآن بعد أن تبللت أصبحت تالفة تمامًا، التعويض المادي أمرٌ واحد، لكن الضرر الأكبر أننا سنوضع على القائمة السوداء ولن نستطيع استعارتها ثانية، وهذا ليس أمرًا يُمحى بكلمة."وأضاف آخر: "لا تقل خمسين ألفًا، حتى لو كان التعويض مليونًا فلن يكفي، فالممثلة ماهيتاب حددت مبلغًا يعتبره الكثيرون رحيمًا."عند سماع هذه التعل
عندما رأت فيفي ملامحها تتغير، كانت سارة تمسح يديها بهدوء بمنديل ورقي، ثم أخذت تدهن كفيها بكريم العناية ببطء متعمّد.قالت بنبرة ثابتة: "آنسة فيفي، لستُ أدري ما الذي تحاولين إثباته أمامي بالضبط، أهو لعبكِ الطفولي الذي لا يتجاوز عمره الثلاث أو الخمس سنوات، أم نسبكِ الذي تفخرين به؟ ما أعلمه أنّه في عالم الحب، الطرف الذي لا يُحبّ هو الخاسر، فضلًا عن أن مشاعر أحمد تجاهكِ... بل دعيني أكون صريحة، أظن أنّه حتى بائع البطاطا المشوية عند ناصية الشارع يحظى عنده بعاطفة أعمق منكِ".وضعت سارة علبة الكريم جانبًا وأضافت: "لو كنتُ مكانكِ لشعرتُ من فرط الإحراج أنني أختفي عن الأنظار، بدلًا من أن أهرع إلى الواجهة كي أُثير الانتباه".ردّت فيفي بحدة: "سارة، سنرى في النهاية من ستكون الخاسرة، وسنلتقي قريبًا مجددًا".كانت تنوي إطلاق تهديدها بثقة، لكن كلمات سارة باغتتها وجعلتها تتلعثم.أجل، ما كانت تفخر به لم يكن شيئًا سوى حبّ أحمد لها.من دون أحمد، لا تساوي شيئًا.لكن بوجوده، تمتلك سارة العالم بأسره.في الحقيقة، لم تكن سارة ترى في تهديدها شيئًا مؤثرًا، فهي تعرف أن الرجل إن أحبّكِ، لن يقدر أيّة امرأة أخرى على انت