Share

الفصل 0004

Author: فنغ يو تشينغ تشينغ
في تمام الساعة التاسعة مساء، غادر الاثنان منزل عائلة عباس.

وأثناء ربط سهيل حزام الأمان، سأل كأنه يتحدث عرضا: "عن ماذا كنت تتحدثين مع سلام؟ بدا أن الحديث بينكما ممتع."

أجابت ورد بهدوء: "نعم، كنا نتحدث عن عشيقتك الصغيرة."

سهيل: …

بعد لحظات، أمسك سهيل براحة يد ورد بلطف، وصوته حمل لمحة نادرة من الرقة: "لم أنم معها."

أسندت ورد ظهرها إلى المقعد، وفي عينيها بريق دموع خافت.

كانت تعرف جيدا أن هذا اللين من سهيل ليس حبا، بل لأنه يعلم أنها في فترة خصوبة، ويريد فقط أن يزرع فيها نسلا.

لا علاقة له بالحب، ولا بها، ورد!

تساءلت في نفسها: لو علم سهيل أنها لم تعد قادرة على الإنجاب، فهل سيحاول الاحتفاظ بها، أم سيسرع في توقيع أوراق الطلاق والبحث عن امرأة أخرى تصلح لأن تكون "سيدة عباس" التالية.

الليل، سهيل بذل جهدا غير معتاد، اقترب منها وحاول إثارة مشاعرها الزوجية.

شعرت ورد أن ذلك محزن للغاية.

زوجها لا يحبها، يتعامل معها كآلة عمل وآلة إنجاب، لا يرغب في العلاقة معها، لكنه يجبر نفسه على ذلك كل شهر لأجل الإنجاب، أليس هذا سلوك الحيوانات؟

تجنبت ورد قبلة الرجل، وهمست بصوت مبحوح، يخالطه حزن غريب: "سهيل، عندما قلت إنني أريد الطلاق، كنت جادة. وإن كنت ترى أنني أطلب الكثير، فيمكننا إعادة التفاوض."

ساد الظلام داخل السيارة، وكان سهيل يثبت عينيه على وجه زوجته، وكأنه يفتش في تلك الملامح القليلة اللحم ليكشف حقيقتها العارية.

وبعد فترة صمت، قال بصوت بارد—

"قلت لك من قبل، نحن لن نطلق أبدا."

"ورد، لو أنجبنا طفلا، فلن تتفرغي لمثل هذه الأوهام!"

أغلقت ورد عينيها بلطف، وهمست بضعف: "سهيل، وماذا لو لم أعد قادرة على الإنجاب؟"

قطب سهيل حاجبيه وقال بلا مبالاة: "مستحيل! وقت الزواج أجرينا الفحوصات قبل الزواج وكنا سليمين."

ابتسمت ورد ابتسامة مرة.

ففحوصات ما قبل الزواج منذ أربع سنوات، لم تعد تحتسب اليوم.

تماما كما أن وعود سهيل وقت خطبته قد تبخرت، تلاشت مع ضمائر الرجال، واختفت في أحضان الفتيات الصغيرات…

وصلا إلى تلال الرفاهية قرابة الساعة العاشرة.

دخل سهيل إلى غرفة الضيوف ليستحم، وكان ينوي إقناع ورد أن تشاركه الفراش، لكن مكالمة هاتفية جعلته يخرج على عجل.

ورد خمنت أنه ذهب للقاء عشيقته.

لكنها لم تهتم، فعلى الأقل الليلة، لن تضطر لتحمل سهيل مجددا.

لم يعد سهيل طوال الليل.

وظلت أنوار تلال الرفاهية مضاءة طوال الليل، دون أن يعود سيد المنزل…

ولأسبوع كامل بعدها، لم يبت سهيل في المنزل.

أما بخصوص الطلاق، فلم يحرك سهيل ساكنا.

ترى، ماذا كانت ورد تفعل في تلك الليالي الخريفية الباردة؟

كانت كثيرا ما تقف أمام النافذة الزجاجية في غرفة النوم، تنظر إلى أوراق شجرة البولونيا التي بدأت تصفر، وتتساءل بهدوء: لو لم تترك الرسم، لو لم تتزوج مبكرا، لو لم تدخل عالم التجارة… هل كانت ستكون أكثر سعادة؟

أما سهيل، فلم تتصل به ولا مرة، ورجل كهذا يلهو في الخارج، فلترحمه السماء إن شاءت، أو لتعتبره ميتا.

مضى وقت طويل دون أن يلتقيا، حتى جمعهما مجددا لقاء عمل.

[دار الصفوة]

أفخم ناد تجاري في مدينة عاصمة.

ما إن دخلت ورد قاعة الجلسة، حتى رأت جميلة ملتصقة بجانب سهيل، في هيئة فتاة دلوعة تتشبث بحبيبها كالعصفور الوادع. ولما رأت ورد تدخل، خفضت رأسها وانشغلت بهاتفها، وكأن ورد غير موجودة.

سكرتيرة ليلي كادت أن تنفجر من الغضب.

لكن ورد أوقفتها، وقالت بنبرة هادئة: "هي الآن محبوبة سهيل، فلندعها تعتاد على الدلال أولا."

لم يكن بجانب سهيل مقعد شاغر، ولم يكن لائقا أن تجلس ورد مع الفريق الآخر، فتحججت وذهبت إلى الحمام، لتمنح سهيل وقتا كافيا لحل موضوع عشيقته.

في الحمام، كانت أضواء الثريا الكريستالية تتلألأ.

كانت ورد تغسل يديها، حين سمعت خطوات امرأة تقترب خلفها…

رفعت رأسها، ورأت جميلة تنعكس في المرآة.

اقتربت جميلة منها، وقد تخلت عن أسلوبها المتواضع المعتاد، وقالت بنبرة استفزازية حادة: "لقد عدت إلى تلك الفيلا. قال سهيل إنني أستطيع البقاء فيها ما شئت."

أغلقت ورد صنبور المياه.

كانت تنظر في المرآة إلى ذلك الوجه الصغير البريء الطافح بالنقاء.

وجه ناعم، مليء بالكولاجين، لا يشبه وجهها المتعب من غمار الأعمال. أجل، الشباب جميل.

وفجأة تذكرت، أنها في الحقيقة لا تزال في السادسة والعشرين فقط.

أطرقت ورد رأسها وهي تدير خاتم زواجها ذي الستة قراريط بلطف، وقالت ببرود:"لو كنت مكانك يا الآنسة جميلة، لاكتفيت بأن تكوني محظية في قفص ذهبي إلى جوار سهيل؛ بلا ضجيج ولا صخب، فقط تعلقين ذراعيك حول عنقه لتأخذي المال، ولن أبوح بما يجري بينكما تحت الأغطية. ثم لماذا جئت لتفتعلي الفوضى هنا؟ فمثل هذا المكان لا يليق بك."

ابتسمت جميلة بافتخار: "سهيل يحمي́ني، ولا يحتمل رؤيتي أشرب الخمر."

"حقا؟"

ورد واصلت ابتسامتها الهادئة: "يا الآنسة جميلة ربما لا تعرفين أن المال يحتل المرتبة الأولى في قلب سهيل، فهو يميز جيدا بين العمل والنساء. لا تستغربي لو طلب منك بعد قليل أن تشربي السم إرضاء للشركاء."

شحب وجه جميلة: "لا أصدق ذلك."

قلت ابتسامة ورد، حتى تلاشت تقريبا.

بعد أن غادرت جميلة، وقفت ورد أمام المرآة تحدق بنفسها شاردة: لقد كانت مجرد تهديدات فارغة، حتى هي لم تصدقها. وهي تعلم أنه بقليل من الحيلة والتمسك، يمكنها أن تظل دائما سيدة عباس، لكن تلك الحياة وذلك الزواج لم يعودا يرضيانها.

لقد سئمت، وأرادت قلب الطاولة.

عندما عادت إلى الغرفة الخاصة، كان المقعد بجوار سهيل قد فرغ. جلست ورد دون تردد، تؤدي دور الزوجة المحبة كعادتها بجانب سهيل.

جلست جميلة بعيدا.

بملامح حزينة، وعينين دامعتين.

قال سهيل بنبرة لوم خفيفة: "لماذا تضايقين فتاة صغيرة؟"

ورد لم ترد عليه. لم يعلم سهيل أن كل كلمة منه دفاعا عن جميلة كانت كطعنة في قلب ورد. إذا كان يشعر بالشفقة تجاه جميلة، فماذا عن ورد التي شاركته الصعود والسقوط لسنوات؟

نعم، ماذا كانت تعني له؟

كان قلب ورد ينزف، لكن وجهها بقي جامدا كالصخر. وبابتسامة هادئة، طلبت من جميلة أن تشارك أحد شركاء العمل كأسا من الشراب، وكان من الواضح أن الرجل معجب بمظهرها البريء.

لكن جميلة، معتدة بأنها "خاصة سهيل"، رفضت مرارا.

تحت ضوء الثريا، ارتسمت على وجه سهيل الوسيم علامات غضب مكبوت.

لقد فهم فورا أن ورد تعمدت ذلك.

رفع سهيل كأسه عاليا، لكنه تحدث موجها كلامه إلى جميلة: "مشروع الجسر يتضمن استثمارا بأكثر من عشرة مليارات دولار، لا بد أن تحترمي السيد مدير محمد وتقدري وجوده."

جميلة لم تجرؤ على الاعتراض أكثر، فهزت رأسها بصوت مرتجف بالموافقة.

وأثناء انحناءها لتناول الكأس مع مدير محمد، جلست ورد إلى جانب سهيل.

كان سهيل بلا أي تعبير، أما ورد فشعرت وكأنها زوجة شريرة تدفن بيديها قصة حب سهيل العظيمة.

لقد نسيا، أنهما كانا يوما زوجين شابين في مقتبل الحب.

ليلا، في مرآب السيارات.

ساعدت سكرتيرة ليلي ورد على الدخول إلى السيارة، وفتحت الباب الخلفي: "مديرتي، انتبهي، لقد شربت كثيرا الليلة."

وضعت ورد يدها على جبينها، وتمتمت: "مزاجي سيء."

كانت سكرتيرة ليلي تتفهمها جيدا، فسهيل تجاوز حدوده الليلة.

[مشروع الجسر] كان من بنات أفكار ورد، من التخطيط إلى العلاقات، وكل شيء كان من إنجازها، لكنه اليوم أحضر جميلة معه، فمن الطبيعي أن تغضب ورد.

على الأقل، جميلة نقلت إلى المستشفى لتغسل معدتها، وهذا أراح أعصاب الجميع.

لكن عندما همت ورد بالدخول، قبضت يد رجولية على معصمها.

ثم ارتطم جسدها بسيارة سوداء فاخرة بصوت مكتوم.

كان هيكل السيارة باردا وفاخرا، مما زاد من مظهر ضعفها أمامه.

بعد لحظة من الألم، رفعت ورد رأسها، ونظرت إلى ملامح سهيل الغاضبة وقالت بهدوء: "يا ليلي، غادري."

لكن سكرتيرة ليلي لم تكن مطمئنة. لكنها لم تجرؤ على البقاء أمام نظرات سهيل، فاكتفت بالقول بخفوت: "سيدتي ورد ليست بخير أيضا."

اغرورقت عينا ورد بالدموع.

وبعد مغادرة ليلي، انفجر سهيل أخيرا، اقترب منها وأمسك بذقنها بقوة، وسألها بحدة—

"لماذا تعمدت إذلالها؟"

"إنها في المستشفى الآن، تجري غسل معدة!"

"قلت لك سابقا، إنها فقط ابنة أحد الأقارب، وكل ما في الأمر أنني أعتني بها أكثر قليلا..."

صفعة مدوية سقطت على وجه سهيل.

ارتجفت يد ورد، واهتز جسدها بأكمله من فرط الغضب.

نظرت إليه ببرود، وابتسمت بسخرية: "هل وصلت العناية إلى السرير؟ سهيل، هل تظن أنني غبية، أم أنك فقط لا تجيد الكذب؟"

أدار سهيل وجهه بعد الصفعة.

ثم أعاد نظره إليها، ولسانه يضغط على خده من الداخل. حدق فيها وكأنه سيقتلها، لكن صوته بقي ثابتا: "هل تريدين حبي إلى هذا الحد؟ مستعدة لفعل أي شيء؟"

قلدته ورد بسخرية: "لا تغرق نفسك في أوهامك."

بدا أن سهيل استعاد هدوءه فجأة.

وبعد لحظة، مرر يده على وجهها بلطف وقال: "يا حبيبتي ورد، لم تعودي تلك الزوجة المطيعة! ألم يكن من الأفضل أن تلعبي دور سيدة عباس بهدوء، وتنجبي طفلا وتبقي في مكانك؟ لماذا تصعبين الأمور؟ لماذا دائما ضدي؟"

في برد الليل، سالت دموع ورد على وجهها، دون أن تشعر.

"تقول من قبل؟"

"هل تعي أننا لم نعد في الماضي؟"

"سهيل، هل هذا هو الماضي الذي تتحدث عنه؟ الماضي الذي لم يكن فيه عشقة صغيرة، ولا غيابك عن البيت، ولا تلك الحسابات الباردة من أجل طفل؟"

"هل أنا من تغيرت، أم أنت؟"

بعد أربع سنوات من الحياة المشتركة، تمزقت كل الأقنعة.

نظر سهيل إلى ورد بهدوء، إلى تلك الزوجة التي رافقته عبر طريق المجد والمصلحة. وبعد صمت طويل، أصبح نظره باردا، وكأن قرارا خطيرا ترسخ في لحظته تلك.

كان الليل ساكنا،

وكأنه جنازة للحب.

قال سهيل وهو يبتعد عنها: "بدءا من الغد، لن تكوني مسؤولة عن مشروع الجسر. وبخصوص منصبك، سأدعو لاجتماع المساهمين للنظر فيه."

ابتسمت ورد بهدوء—

أول ضربة بعد وصوله للسلطة، كانت لامرأة أحبها.

في الحقيقة، كلاهما كان يعرف أن خلافهما لم يكن سببه جميلة فقط. كان سهيل كمن يقطع الجسر بعد أن يعبره؛ أراد أن يجبر ورد على العودة إلى البيت كزوجته، مهمتها الوحيدة أن تنجب له الأولاد، ويقيد حياتها كلها باسم حبها له.

الحب، الأطفال…

في تلك اللحظة، بلغت أحزان ورد ذروتها.

فجأة، شعرت بأن كل شيء كان وهما من طرف واحد، وأن لقاءها بسهيل لم يكن نصيبا… بل لعنة!

لم تعد ترغب في الكتمان!

هي الآن ستقول الحقيقة، الآن ستخبر سهيل… أن ورد لم تعد قادرة على الإنجاب!

Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • بعد رحيلي شابَ شعره في ليلة   الفصل 0100

    خرج من السجن المظلم، وقلبه يعتصره ألم لا يطاق، ورأى عند زاوية الجدار ظلا أحمر قاتما.—— كانت زهرة.وكان شيخ عباس قد استعد لذلك مسبقا.اقترب منها، وبصوت خافت أجش قال:"يجب أن أشكرك لأنك أنقذت عائلة عباس بأكملها. لولا اتصالك، لكانت ورد فقدت حياتها، ولسقطت سمعة العائلة في الحضيض."وبجانبه، ناول ناصر سند ملكية منزل.رفع شيخ عباس السند، وتردد قليلا قبل أن يقول:"سلام سيدخل السجن لا محالة. أما مصيرك، فلك أن تقرريه بنفسك. لكن بصفتي كبير العائلة وعمه، فهذا تعبير عن امتناني."لقد أهداها شقة فاخرة في مدينة عاصمة، قيمتها تتجاوز عشرة ملايين دولار.لكن زهرة رفضت قبولها، والدموع في عينيها:"أنا أحب سلام بصدق، وسأنتظره حتى يخرج."اغتم شيخ عباس بشدة، وبعد صمت طويل قال بصوت مبحوح:"ذلك الحقير، لا يستحق كل هذا منك."لكن أمور العاطفة لا تحكم بالعقل.لذلك لم يجد شيخ عباس سوى التعويض بالماديات، وأصر على تسجيل الشقة باسم زهرة، ليضمن لها حياة كريمة.…في غرفة المستشفى الهادئة.جلس سهيل على الأريكة الفردية بجانب السرير، مرفقاه ملتصقان بركبتيه، وأصابعه متشابكة على شكل هرم تحت ذقنه.كان قد استحم وارتدى ثوبا نظيفا، ق

  • بعد رحيلي شابَ شعره في ليلة   الفصل 0099

    المستشفى المركزي الأول لمدينة عاصمة.في الفجر، كانت ورد مستلقية في غرفة نظيفة، ولم تستيقظ بعد. كان وجهها وجسدها مليئين بالكدمات والخدوش، وعلى أسفل ظهرها كدمة كبيرة أرجوانية مزرقة.ولحسن الحظ، لم يكن هناك أي إصابة داخلية خطيرة.قال الأطباء إن الأمر معجزة.رتب سهيل كل شيء، وجلس بجانب السرير ينتظر أن تستيقظ ورد.دخل شيخ عباس متكئا على عصاه، ولما رأى هيئته تلك لم يتمالك نفسه وسخر ببرود:"تتصنع هذا المظهر العاطفي العميق، لكن للأسف لا أحد سيقدره! هيا، اخرج معي."نظر سهيل إلى ورد، ومسح وجهه بيده، ثم تبعه إلى الخارج.في الخارج، نظر شيخ عباس إلى حفيده الأثير بصرامة شديدة:"سهيل، بصفتك رئيس مجموعة عائلة عباس، فأنت لم تخطئ حقا، فالتخلي عن توقيع العقد كان سيؤدي إلى فقدان آلاف الأشخاص وظائفهم.لكن تذكر، يا سهيل، أنك إلى جانب كونك رئيس المجموعة، فأنت أيضا زوج ورد.أنا أعلم أن لديك حكمتك، وأنك اعتقدت أن سلام لن يرتكب حماقة، ولكن دائما هناك احتمالات لم تخطر ببالك.لو كنت تحب ورد حقا، لما ترددت لحظة واحدة، ولما كنت قبلت المجازفة ولو بجزء ضئيل.""ضع نفسك مكانها، لو كنت أنت في خطر، فأنا متأكد أن ورد كانت ستخت

  • بعد رحيلي شابَ شعره في ليلة   الفصل 0098

    بعد ساعتين، عاد سهيل مسرعا إلى مدينة عاصمة.في الظهيرة هطلت الأمطار، وكان موقع الانفجار مليئا بالأنقاض والفوضى.أكثر من مئة فرد من فرق الإنقاذ يعملون بلا توقف، ومعهم عشر كلاب مدربة، لكن رائحة المكان الثقيلة أثرت على حاسة شم الكلاب.ما إن نزل سهيل من السيارة، حتى رأى سلام مكبل اليدين بالأصفاد الفضية، يقتاده رجال الشرطة وهو شارد يحدق أمامه.صرخ سهيل غاضبا:"يا ابن القذر، يا سلام!"ووجه له لكمة قوية.لقد استخدم كامل قوته، فانفجر أنف وفم سلام دما غزيرا، لكنه لم يرد بكلمة، بل تراجع خطوة وبقي مذهولا وهو ينظر إلى جهة المخزن المتهدم.الوقت أثمن من أن يهدر، فلم يشأ سهيل أن يضيعه في تصفية الحساب.غاص في الوحل، وبدأ يناقش مع قائد فرق الإنقاذ، وطلب شخصيا ترتيبات جديدة، فأضاف ثمانين منقذا آخر، وجلب أجهزة استشعار متخصصة للبحث عن الحياة.اشتد هطول المطر، وكان سهيل بلا معطف مطري، مغطى بالوحل من رأسه حتى قدميه.حفر بيديه العاريتين جدران المخزن المهدمة، ومع رجال الإنقاذ رفع عوارض الأسمنت الثقيلة، حتى امتلأت كفاه بالدماء، لكنه لم يشعر بأي ألم.— ورد تحت الأنقاض.عروسه ورد تحت الأنقاض، وكل حجر يزيحه يزيد ا

  • بعد رحيلي شابَ شعره في ليلة   الفصل 0097

    كان سهيل يراهن، يراهن أن سلام لن يجرؤ على فعل شيء متهور.لقد خاض هو وأخوه صراعات لا تحصى، ولم يخسر سهيل مرة واحدة، لكن هذه المرة خسر أمام حدث غير متوقع.أعطى سهيل سكرتيرة ياسمين نظرة ذات معنى.ترددت سكرتيرة ياسمين لحظة، ثم فهمت مقصده فورا، فسارعت لترتيب إرسال فريق لإنقاذ ورد.هدأ سهيل نبرته وقال ببرود عبر الهاتف:"لن أتنازل عن التوقيع. سلام، أطلق سراح ورد الآن، ولن أحاسبك. لكن إن تماديت، فاعلم أن ورد بالنسبة لي ليست سوى أداة في صراع السلطة. أنت تعلم، في عائلة عباس لم يكن هناك حب قط. أنا لا أحبها، فلا تحاول استخدامها لابتزازي."جاءه ضحك ساخر من الطرف الآخر:"حقا، هذا هو سهيل! قاس بلا رحمة."تجمد سهيل لحظة.ثم أدرك أن سلام قد خضع قليلا، فأغلق الخط فورا، عازما على إنهاء التوقيع ثم العودة إلى مدينة عاصمة لمعالجة الأمر.…داخل المخزن المهجور.خفض سلام رأسه نحو الهاتف، ثم رفع نظره نحو ورد:"سمعت ما قال، أليس كذلك؟ أم تريدين أن أعيد لك كلامه؟"لم تكن بحاجة لإعادته، لأن كلمات سهيل ظلت تتردد في عقلها بلا توقف.[ليست سوى أداة لصراع السلطة.][في عائلة عباس لم يكن هناك حب.][أنا لا أحبها، فلا تحاول ا

  • بعد رحيلي شابَ شعره في ليلة   الفصل 0096

    نهاية الشهر.مدينة السحاب، فندق السحاب.عشية توقيع الاتفاق بين مجموعة عائلة عباس ومجموعة الجسر، أقيم حفل ضخم حضره كبار مسؤولي الشركتين وطاقم الإدارة العليا.دخل سهيل مرتديا بذلة كلاسيكية بالأسود والأبيض، وسيم وأنيق، فأصبح محط أنظار كثير من النساء.لكن سهيل كان يضع خاتم الزواج، وتصرف ببرود، فلم تجرؤ أي امرأة على دس بطاقة غرفتها له.تقدم سيد ياسر برفقة زوجته سيدة بسمة، وقال وهو يلاحظ نظرات الإعجاب من النساء:"في المرة القادمة، من الأفضل أن تحضر زوجتك معك، فهذه العيون المفترسة قد تلتهمك!"ابتسم سهيل بخفة:"سيدي ياسر يمازحني ثانية."ربت سيد ياسر على يد زوجته مشيرا أن لديه ما يقوله على انفراد، فابتسمت سيدة بسمة بأدب، ثم ذهبت لمجالسة الحضور.وحين ابتعدت، تكلم سيد ياسر بجدية مع سهيل:"بخصوص أمر سليمان، لا تأخذه على محمل الجد. فالشباب قد لا يستطيعون كبح مشاعرهم أحيانا، ومع مرور الوقت، سيستعيد سليمان رشده. ثم أنتم كنتما مقربين في الماضي، وهناك أمور لا يمكن الاطمئنان عليها إن أوكلت إلى الغرباء."أعطاه سهيل بعض الوجه:"بحسب ما أراه من سليمان، ليس لدي مشكلة من ناحيتي."أبدى سيد ياسر إعجابه:"كرم أخلاق!

  • بعد رحيلي شابَ شعره في ليلة   الفصل 0095

    اشترت ورد منه عشرين لوحة جاهزة، ووقعت شيكا بقيمة ثلاثين ألف دولار، فبدت عليه علامات الرضا.ابتسمت ورد ابتسامة خفيفة.وبعد أن غادر الرجل، التفتت إلى سكرتيرة ليلي التي لم تخف حيرتها، وقالت:"أعرف أنك تتساءلين، لماذا أعطيته سعرا منخفضا هكذا؟ أنا لا أريد أن يفسد المال موهبته سريعا، فلوحاته بين هذه المجموعة من الفنانين الشباب هي الأكثر وعدا في نظري، بل وأفضل حتى من صلاح في أيامه الأولى. حين يحين الوقت المناسب وأقدمه، ستكون لوحاته غالية الثمن، ولن يقل ثمن أصغر لوحة عن مئة ألف دولار."كانت سكرتيرة ليلي دائما تثق برأي ورد.بعد إنهاء الأمر، خرجتا من النادي، وفي موقف السيارات تودعتا.فتحت ورد باب سيارتها، لكنها سمعت من خلفها صوتا مألوفا يسخر:"هل تصالحت مع ابن عمي؟"التفتت ورد ببرود نحو سلام وقالت:"وما شأنك أنت؟"قهقه سلام ساخرا:"لا شأن لي. لكنني نبهتك من قبل، ابن عمي ذاك مثل الذئب، يفترس دون أن يترك عظما. في نهاية هذا الشهر سيوقع مع مجموعة الجسر، فهل تظنين أنه حين تفقدين قيمتك بالنسبة له، سيظل يحتفي بك ويطيعك؟"تغير وجه سلام إلى القسوة:"حينها، ستصبحين مجرد حجر عثرة مزعج تحت قدميه."لكن ورد ظلت غي

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status