Share

الفصل 5

Author: صائد الأحلام
لم يعد يوسف إلى المنزل خلال الأسبوع التالي.

لكنني كنت أعرف ما يفعله لحظةً بلحظة لأن ميار كانت تحب مشاركة كل لحظةٍ من حياتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فلم يكن من الصعب أن أتابعهما.

ذهبا معًا إلى الينابيع الساخنة، وإلى البحر، والتقطا صورًا معًا عند شروق الشمس...

رأيت نسخةً مختلفةً تمامًا من يوسف في منشوراتها.

اتضح أنه بإمكانه التصرف كحبيب عادي.

لكن ليس معي.

لم أعد أولي اهتمامًا كبيرًا لمكان ذهابهما أو لما يفعلونه كل يوم، بل أصبحت أتصفح الصور بسرعة.

أنا أيضًا كنت منشغلة في الأيام الماضية، فقد كان المنزل مليئًا بالأشياء التي استغرقتني عدة أيام حتى أنتهيتُ من ترتيبها.

ثم ذهبت في زيارة لمنزل العائلة، وأخبرت والدي، فؤاد وعلا السعيد، أنني سأذهب إلى المختبر، ولن أتمكن من التواصل مع العالم الخارجي إلا بعد فترة طويلة.

اندهش والدي قليلًا.

"ألن تتزوجي من يوسف قريبًا؟ هل ستعيشان بشكلٍ منفصلٍ إذن؟"

كان القلق ظاهرًا على وجه أمي، وأمسكت بيدي قائلةً:

"أرجوك أعيدي التفكير يا نادية، لقد مررت بالكثير لتصلي إلى هذه المرحلة مع يوسف. أخشى أن يرفض يوسف ذهابك إلى المختبر، وحينها زفافكما سوف..."

كنت أعرف تمامًا ما يقصدانه.

لطالما شاهد والداي تمسّكي بيوسف طوال هذه السنين، وكانا على دراية بطريقة معاملته لي. حتى قبل أن نقرر الزواج، حاولا إقناعي بلطف أن أُعيد التفكير، لأنه لم يكن يقدّرني بما يكفي.

لكنني في ذلك الوقت كنت واثقة أنني أستطيع تغييره وجعله يحبني.

فأخيرًا وافق والداي على زواجنا.

والآن مع اقتراب موعد الزفاف، كانا قلقان من انضمامي للمختبر، لأن يوسف قد يرفض ذلك حينها، بل وقد يلغي الزفاف وينفصل عني.

لذلك أرادا مني التفكير بالأمر مليًا كي لا أتعرض للأذىّ.

والآن، أنا من قررت إلغاء الزفاف.

ظل كلاهما صامتًا لبعض الوقت حين أخبرتهما.

لم أخبرهما عن حملت امرأة أخرى من يوسف، خشيةً أن يتأذيا من الحقيقة، بل أخبرتهما ببساطة إنني أريد المساهمة أكثر في مجال البحث العلمي.

تبادلا نظراتٍ صامتة، فبما أن ابنتهما اتخذت قرارًا، سيدعمانها بلا شك.

تنهد أبي أخيرًا، ثم ربّت على كتفي وقال إنه لا بأس بما أفعل طالما لن أندم عليه لاحقًا.

عدت إلى المنزل واتصلت بصديقتي المقربة لينة لتساعدني في رمي الأغراض التي جمعتها. كدّسنا كراتين كثيرة في غرفة الجلوس.

حملنا الصناديق للتخلص منها على دفعات، فبدأ الفراغ يملأ الغرفة شيئًا فشيئًا.

كان التأثر باديًا على وجه لينة.

ما زلت أذكر أنني حين عرضت على يوسف الزواج قبل شهرين ووافق، كانت متحمسة جدًا واحتفلت معي طوال الليل، وأخذت تردد مرارًا أنني أخيرًا حققتُ أمنيتي.

لم تتوقع أنني سألغي الزفاف بعد شهرين فقط.

"لم أعتقد أنك تتحدثين بجدية يا حبيبتي! كنت أظنك تمزحين حين قلت إنك ستلغين الزفاف."

"لقد رأيتك تلاحقين يوسف لسنواتٍ طويلة، أخبريني ماذا حدث؟"

شعرت فجأة برغبةٍ في البوح بما حدث، ربما كان ذلك لأنني أوشكت على الرحيل.

أخبرت لينة بكل ما حدث خلال الشهر الماضي.

بما في ذلك حملت ميار لطفل يوسف.

كانت لينة قد شهدت كل تفاصيل علاقتي أنا ويوسف، ولذلك غضبت بشدة بعد سماعها ما قام به.

"كنت طيبة جدًا معه، لكنه رغم ذلك أنجب طفلًا من امرأةٍ أخرى قبل زواجكما، بل وطلب موافقتك على هذا، كيف يفكر ذلك الرجل؟"

هززت رأسي بألمٍ ومرارة.

"ومن يدري؟ إنه يقول إن ميار منقذته، وأن عليه أن يحقق لها كل أمنياتها."

علا الغضب وجه لينة.

"أنت أيضًا قد أنقذتيه! فكيف يعاملك بتلك الطريقة؟"

لم أعد أرغب في الكلام.

ربما كل ما بالأمر أنه لا يحبني.

لكن لا بأس لأنني سأتركه قريبًا.
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 26

    وافقت، وأرسلت له مساءً دعوة الزفاف وعلبة حلوى الزفاف.أخذ قطعة حلوى ووضعها ببطء في فمه.بدا وكأنه لم يتذوق طعمًا حلوًا منذ وقتٍ طويل.في يوم الزفاف، توافد الكثير من الحضور، بما في ذلك الأساتذة وزملاء المختبر.ربّت أستاذي على كتف زيدان مبتسمًا."أحسنت! لم أتوقع أن تظفر بزميلتك الأكبر في المختبر، يا لك من محظوظ!"وانهمرت التعليقات المازحة من الزملاء.نظرت إلى الرجل الواقف بجانبي ببدلته السوداء، وامتلأ قلبي بالسعادة والرضا.عرفت معنى الحب الحقيقي أخيرًا مع زيدان.بدأت المراسم، فأمسكت بيد والدي وتقدمنا نحو زيدان.وضع والدي يدي في يد زيدان، وقال:"ابنتي أمانة لديك."أجاب زيدان بثقة:"اطمئن، سأحميها طوال حياتي."ثم تبادلنا العهود، وارتدينا الخواتم، وقبلنا بعضنا.انفجر الحضور بالتصفيق والهتاف بحرارة.كان الجميع يهنئ العروسين.في زاوية القاعة، كان يوسف يصفّق، وعيناه مثبتتان عليّ بدون أن يرمش بهما.بدا وكأنه تذكّر حفل الزفاف الذي لم يكتمل قبل عامين.كان يدرك كم كنتُ حينها أعد كل التفاصيل بحماس.بدايةً من الحفل، وصور الزفاف، والمأدبة... قارنت بين الكثير من القاعات قبل أن أستقر على واحدة.كم كان

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 25

    ابتسم يوسف ابتسامة واهنة."نعم، تستحقين.""لا بد أنك شعرت بنفس هذا الألم حين أنقذتني، أليس كذلك؟"وحين رأيته يتحدث بصعوبة، طلبت منه أن يستريح وألا يجهد نفسه بالكلام.لكن يوسف هز رأسه ببطء، وبدأ يتحدث بإصرار:"لم أكن أنوي ملاحقتك، لكنني فكرت جيدًا فيما قلتِه لي البارحة، والآن بت أفهم جيدًا.""لقد أخطأت في حقك سابقًا، واستغللت مشاعرك تجاهي بحماقة.""أريد اليوم فقط أن أخبرك أنني نادمٌ على ذلك.""كنت مترددًا، ولم أعرف كيف أبدأ، لكن حين رأيت اللص خلفك يخرج سكينًا، لم يخطر ببالي سوى شيءٍ واحد، وهو ألا أدعك تتأذين."لم يخطر ببالي يومًا أنني سأسمع تلك الكلمات من يوسف.كنت سأتأثر بهذا التغيير لو أنه حدث قبل سنوات.لكن الأمور اختلفت الآن.لم أعد تلك التي كانت تحبه بعمق.لم أعد أشعر تجاهه سوى بالامتنان ولا أكثر.أدرك يوسف موقفي الحالي حين رآني صامتةً.لكنه حاول للمرة الأخيرة، قائلًا:"هل كنا لنستمر لولا ميار؟"هززت رأسي."لا."لم تكن ميار سوى القشة التي قسمت ظهر البعير.كانت مشاعري تُستنزَف خلال الخمس سنوات بسبب بروده، وعجّل ظهور ميار من استنزافها بالكامل.حتى لو لم تظهر ميار، وتزوجنا بسلاسة، لما

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 24

    لكنني لم أشعر بالألم الذي توقعته.استدرت بسرعة، فرأيت يوسف واقفًا خلفه، ممسكًا بطنه بيده، ووجهه شاحب كالأموات.استمر بالنزيف من الموضع الذي كان يغطيه بيده.وحين رأيته على وشك أن يفقد توازنه ويسقط أرضًا، أسرعتُ للإمساك به، واتصلت بالطوارئ على الفور.بدأ يوسف يفقد وعيه، وأخذ الألم يستحوذ عليه.هذا هو إذًا ألم الطعن.لا بد أن نادية أيضًا شعرت بهذا الألم حينها.حاول فتح عينيه بصعوبة، وحين رأى القلق على وجهي، لم يتمالك نفسه عن الابتسام.لكن الابتسامة زادت من ألم جرح بطنه.لم أفكر حينها إلا في إيقاف النزيف، فوضعت يدي على الجرح بسرعة.أخذت أصرخ وأنا أراه يغلق عينيه شيئًا فشيئًا."تمالك نفسك يا يوسف، ولا تغمض عينيك!""سيصل الطبيب قريبًا، عليك أن تصمد!"وقبل أن يفقد وعيه بلحظة، سمع صوت صفارة سيارة الإسعاف.سارع المسعفون بحمله إلى السيارة وأوقفوا نزيفه، وأبلغوا المستشفى بالاستعداد للعملية.كان آخر ما رآه يوسف هو وجهي المذعور بجانبه، ثم فقد وعيه تمامًا.وبعد ثلاث ساعات من الجراحة الطارئة، استقرت علاماته الحيوية.قال الطبيب إن الطعنة لم تصب عضوًا حيويًا، لكنها كانت عميقة وتسببت في نزيف حاد.تنفست

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 23

    لم يفهم يوسف الغرض من سؤالي.فأكملت حديثي:"إن كنت تحبني، فلماذا لم تبادر قط بشراء هدية عيد ميلاد لي؟ إن كنت تحبني، فلماذا لا ترغب في السفر معي؟ إن كنت تحبني، فلماذا جعلت امرأة أخرى تحمل منك، بل والتقطتَ معها صور الزفاف؟""أنا أيضًا لي قلبٌ وأتألم.""إن كنت تحبني بتلك الطريقة، فمعذرةً، لكنني لا أقبل بهذا الحب."كان وجه يوسف يزداد شحوبًا مع كل جملة أقولها.أخذت ذكريات الماضي تتدفق بعقله.أراد أن يدحض كلامي، لكنه اكتشف أن ذكرياته تطابق ما قلته تمامًا.أخذ يفكر بكل شيءٍ حدث، وكل ما فعله في الماضي، ولم يجد سبيلًا لدحض ما قلته.وفي النهاية، لم يجد ما يقوله سوى أن يعيد الحديث عن ميار بتلعثم."السبب الوحيد في معاملتي الجيدة لميار هي أنني أخطأت كونها منقذتي، لو كنت أعرف أنك من أنقذتني منذ البداية، لما...""كفى!"قاطعت حديث يوسف.هل كان يظن أن أكبر مشكلةٍ بيننا هي مشكلة ميار؟لم يكتشف أكبر مشكلةٍ بيننا بعد، رغم مرور عامين على ذلك."حتى لو لم تكن ميار موجودة، فقد كان هناك ياسمين ونغم.""بل وحتى لو كانت هي حقًا من أنقذت حياتك، فهناك العديد من طرق رد الجميل، فلماذا أصررت على أن تقوم بكل شيء بنفسك؟

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 22

    انفعل فجأة قبل حتى أن أجيبه."يمكنني أن أشرح لك الأمر: في البداية، اعتقدت أن ميار هي من أنقذتني، ولم يكن لدي أي مشاعر تجاهها أبدًا، ولم يحدث بيننا أي شيء على الإطلاق.""وبعد رحيلك... بعد رحيلك فقط أدركت أنني..."بدأ يوسف في النحيب، وانهمرت الدموع من عينيه.استطاع أن يهدأ بعد لحظات، وأكمل حديثه:"أدركت أنك أنت من أنقذني في ليلة رأس السنة قبل ست سنوات، وقد كنت مخطئًا طوال تلك الفترة."نظر إليّ بعينين حمراوين يملؤهما مزيجٌ من الندم والذنب والغيظ، وكذلك بصيصٌ من الأمل.كان يأمل أن أسامحه بعد أن عرفت الحقيقة، وأن نعود كما كنا.لكنه للأسف كان مخطئًا.لقد تفاجأت حقًا حين سمعت أن تلك المنقذة التي يتحدث يوسف عنها أنقذته قبل ست سنواتٍ في ليلة رأس السنة.فعندما قدم لي يوسف ميار لأول مرة، لم يخبرني بوقت إنقاذها له بالتحديد.وبعد أن استفقت في المستشفى بذلك الوقت، رفضت ذكر تلك الليلة مجددًا أمام يوسف.وهكذا حدث سوء الفهم.وها أنا اليوم قد طويت صفحة الماضي منذ وقتٍ طويل، لا أستطيع إلا أن أتعجب من سخرية القدر.سأل يوسف بتوجسٍ حين لم أنطق بكلمة:"لم أدع ميار تنجب هذا الطفل يا نادية، لقد أجهضته. الآن بت

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 21

    جلس والداي، السيد فؤاد والسيدة علا بالجوار بوجوه حائرة.حين قررت إلغاء حفل الزفاف قبل عامين، لم أخبرهما بالسبب الحقيقي، واكتفيت بإخبارهما إنني أريد الاستمرار في أبحاثي العلمية.لذلك كانوا يعتقدون أننا المسؤولون عن إلغاء الزفاف.حتى وإن كانا يريان دائمًا أن مشاعر يوسف تجاهي لم تكن عميقة، إلا أنهما ما زالا يشعران بأننا قد قصرنا في حقه.رغم عدم عودتي إلى المنزل طوال العامين الماضيين، إلا أن يوسف كان يأتي من حينٍ إلى آخر، ويتردد على الطابق السفلي.ورغم أنه لم يصعد أبدًا لزيارتهما، إلا أن والديّ كانا يشعران بأنه جاء بحثًا عني.خصوصًا منذ نصف عام، إذ أصبح يأتي كل يومين تقريبًا.حاول والداي ثنيه عن المجيء مجددًا.فعلى أي حال، كانت ابنتهما حازمة للغاية حين قررت إلغاء الزفاف.كما أنني حينها كنت بالمختبر ولم أكن بالمنزل أصلًا، ولذا فلا جدوى من مجيئه.لكنهما رغم ذلك قد شهدا على إصراره طوال العامين الماضيين، حتى أن انطباعهما عنه في السابق بكونه شخصًا باردًا قد تحسن.حتى أنهما ناقشا سرًا محاولة إقناعي بالعودة إليه مجددًا حين أعود من المختبر، فقد أمضيت مع يوسف خمس سنوات، ولم يتبق لنا إلا أن نتزوج.ل

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status