مشاركة

الفصل 4

مؤلف: صائد الأحلام
"لا تذهبي غدًا لجلسة تصوير الزفاف."

نظرتُ إلى التقويم على الطاولة، فوجدت كلمة تصوير الزفاف مكتوبة أسفل تاريخ الغد بخطٍ كبير.

لا أعلم لماذا قرر إلغاء التصوير، لكنني لم أعُد أنوي الزواج على أي حال، فحتى لو لم يطلب هو ذلك، لكنت وجدت عذرًا لإلغاء الموعد. أما الآن وقد بادر هو بإلغائه، فقد سهّل عليّ الأمر.

أومأت برأسي موافقةً.

"حسنًا، سأتصل بالمصوّر لإلغاء الحجز."

تفاجأ يوسف ما إن قلت هذا، فلم يتوقع موافقتي بسهولة.

اعتقدت أنني سأسأله عن السبب في البداية، خاصة وأنني خططت لكل تفاصيل الزفاف بدقة منذ وقتٍ طويل.

بل ودفعت مبلغًا إضافيًا للمصوّر كي نتجاوز دورنا في التصوير، وكل ذلك فقط من أجل الحصول على صورة زفاف مثالية.

لكنه لم يتوقع أن أوافق بهدوء دون أن أجادله.

"لا تلغي الموعد."

"قالت ميار إنّها لن تتمكن من الزواج أبدًا، لكنها تريد صورة زفاف معي فقط لتشعر أنها تزوّجت بالفعل. لا أريد أن أندم إن لم أحقق لها هذا."

"دعيني ألتقط صورة معها غدًا، ويمكننا إعادة التقاط صوري أنا وأنت لاحقًا."

كان يتحدث ببساطة وكأننا نناقش ما سنأكله اليوم، تمامًا كما فعل حين أخبرني برغبته في إنجاب طفل من ميار قبل شهر.

كان يطلب رأيي ظاهريًا، لكنه في الحقيقة كان يخبرني بالقرار الذي اتخذه بالفعل.

أخفضت عيناي كي أخفي السخرية التي ملأتهما.

هل سنلتقط صورنا لاحقًا؟

إنه لا يعلم أنني سأغادر مدينة الرونق بعد ثلاثة عشر يومًا.

ولا يعلم أنه لا يوجد لنا وقتٌ لاحق.

همستُ بالموافقة، ثم عدتُ إلى غرفتي لأستريح.

بما أن هذا الزفاف لن يتم، فلا يهمني من الذي سيتصور معه.

راقبني يوسف وأنا أبتعد، وقد ساوره قلقٌ غريب.

كنت هادئة أكثر من اللازم، حتى أنني لم أطرح عليه أي سؤال، فباتت الحجج التي أعدها مسبقًا بلا نفع.

اتصلت به ميار، فترك الشكوك التي تساوره جانبًا، وخرج إلى الشرفة ليرد على الهاتف.

استيقظت في الصباح بينما كان يوسف على وشك الخروج.

قال وهو يرتدي حذاءه:

"أنا وميار نخطط للسفر في رحلةٍ لبضعة أيامٍ بعد التصوير، فلطالما أرادت الذهاب إلى مدينة البحر الشمالي، وسأرافقها."

"أما الزفاف، فليكن بسيطًا، لن أملك وقتًا للتحضيرات، فلتقرّري كل شيء بنفسك، ولا حاجة لاستشارتي."

ابتلعتُ لقمة التوست قائلةً: "حسنًا."

سيكون كل شيءٍ بسيطًا.

لن يكون فيه صور، ولا ضيوف، ولا مراسم.

ولا حتى عروس.

نظر يوسف إليّ وأنا أتناول إفطاري بهدوء، فبدا عليه الارتباك. بعد لحظاتٍ من التفكير، قال:

"لنذهب في شهر عسل إلى أوروبا بعد الزفاف. أذكر أنك لطالما حلمتِ بذلك."

لو كان يوسف قد عرض عليّ هذا في الماضي، لبدأت التخطيط لرحلة شهر العسل بحماس.

لطالما تمنّيت أن يسافر معي، لكنه كان يرفض دائمًا، ويتحجّج بأنه لا يحب السفر ويجده مرهقًا.

أما الآن، فكان تركيزي منصبًا على ما أتناوله، ولم أنطق بكلمة.

إذا لم يكن هناك زفاف، فكيف سيكون هناك شهر عسل؟

نظر يوسف إلي بحيرة، وبدا وكأنه على وشك قول شيء، لكنه حين رأى الوقت، أسرع بالخروج قائلًا: "سنتحدث حين أعود."

أمسكت بالتقويم الذي كان على الطاولة، وشطبت بقلمٍ عريضٍ على كلمة تصوير الزفاف.

بقي اثنا عشر يومًا.

أنهيت فطوري، وشرعت في حزم أغراضي والتخلص من الأشياء غير الضرورية بهذا البيت.

مثل ألبوم الصور الذي لا يحوي أكثر من خمس صور، جهاز العرض المغطّى بالغبار، بيجامات الأزواج المتماثلة التي لم تُلبَس قطّ...

عشنا معًا خمس سنوات، وقد اخترت كل قطعة أثاث بهذا المنزل بعناية، أضفتها قطعةً قطعةً، فأصبح المنزل الفارغ تدريجيًا منزلًا دافئًا كما هو اليوم.

لكن بعد التفكير، اكتشفت أن يوسف لم يستخدم الكثير من تلك الأشياء.

أخبرني ذات مرة أن رغم كوننا في علاقة، إلا أنه لا زال شخصًا مستقلًا، ولا يحب استخدام الأشياء التي يتشاركها الازواج، فهذا يقيده.

جمعت شتات أفكاري، وواصلت التنظيف.

ستكون هذه الأشياء بمثابة عبءٍ عليه بعد مغادرتي، لذا يجب أن أتخلص منها الآن.

وأن أمحي الذكريات التي جمعتنا.

استمر في قراءة هذا الكتاب مجانا
امسح الكود لتنزيل التطبيق

أحدث فصل

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 26

    وافقت، وأرسلت له مساءً دعوة الزفاف وعلبة حلوى الزفاف.أخذ قطعة حلوى ووضعها ببطء في فمه.بدا وكأنه لم يتذوق طعمًا حلوًا منذ وقتٍ طويل.في يوم الزفاف، توافد الكثير من الحضور، بما في ذلك الأساتذة وزملاء المختبر.ربّت أستاذي على كتف زيدان مبتسمًا."أحسنت! لم أتوقع أن تظفر بزميلتك الأكبر في المختبر، يا لك من محظوظ!"وانهمرت التعليقات المازحة من الزملاء.نظرت إلى الرجل الواقف بجانبي ببدلته السوداء، وامتلأ قلبي بالسعادة والرضا.عرفت معنى الحب الحقيقي أخيرًا مع زيدان.بدأت المراسم، فأمسكت بيد والدي وتقدمنا نحو زيدان.وضع والدي يدي في يد زيدان، وقال:"ابنتي أمانة لديك."أجاب زيدان بثقة:"اطمئن، سأحميها طوال حياتي."ثم تبادلنا العهود، وارتدينا الخواتم، وقبلنا بعضنا.انفجر الحضور بالتصفيق والهتاف بحرارة.كان الجميع يهنئ العروسين.في زاوية القاعة، كان يوسف يصفّق، وعيناه مثبتتان عليّ بدون أن يرمش بهما.بدا وكأنه تذكّر حفل الزفاف الذي لم يكتمل قبل عامين.كان يدرك كم كنتُ حينها أعد كل التفاصيل بحماس.بدايةً من الحفل، وصور الزفاف، والمأدبة... قارنت بين الكثير من القاعات قبل أن أستقر على واحدة.كم كان

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 25

    ابتسم يوسف ابتسامة واهنة."نعم، تستحقين.""لا بد أنك شعرت بنفس هذا الألم حين أنقذتني، أليس كذلك؟"وحين رأيته يتحدث بصعوبة، طلبت منه أن يستريح وألا يجهد نفسه بالكلام.لكن يوسف هز رأسه ببطء، وبدأ يتحدث بإصرار:"لم أكن أنوي ملاحقتك، لكنني فكرت جيدًا فيما قلتِه لي البارحة، والآن بت أفهم جيدًا.""لقد أخطأت في حقك سابقًا، واستغللت مشاعرك تجاهي بحماقة.""أريد اليوم فقط أن أخبرك أنني نادمٌ على ذلك.""كنت مترددًا، ولم أعرف كيف أبدأ، لكن حين رأيت اللص خلفك يخرج سكينًا، لم يخطر ببالي سوى شيءٍ واحد، وهو ألا أدعك تتأذين."لم يخطر ببالي يومًا أنني سأسمع تلك الكلمات من يوسف.كنت سأتأثر بهذا التغيير لو أنه حدث قبل سنوات.لكن الأمور اختلفت الآن.لم أعد تلك التي كانت تحبه بعمق.لم أعد أشعر تجاهه سوى بالامتنان ولا أكثر.أدرك يوسف موقفي الحالي حين رآني صامتةً.لكنه حاول للمرة الأخيرة، قائلًا:"هل كنا لنستمر لولا ميار؟"هززت رأسي."لا."لم تكن ميار سوى القشة التي قسمت ظهر البعير.كانت مشاعري تُستنزَف خلال الخمس سنوات بسبب بروده، وعجّل ظهور ميار من استنزافها بالكامل.حتى لو لم تظهر ميار، وتزوجنا بسلاسة، لما

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 24

    لكنني لم أشعر بالألم الذي توقعته.استدرت بسرعة، فرأيت يوسف واقفًا خلفه، ممسكًا بطنه بيده، ووجهه شاحب كالأموات.استمر بالنزيف من الموضع الذي كان يغطيه بيده.وحين رأيته على وشك أن يفقد توازنه ويسقط أرضًا، أسرعتُ للإمساك به، واتصلت بالطوارئ على الفور.بدأ يوسف يفقد وعيه، وأخذ الألم يستحوذ عليه.هذا هو إذًا ألم الطعن.لا بد أن نادية أيضًا شعرت بهذا الألم حينها.حاول فتح عينيه بصعوبة، وحين رأى القلق على وجهي، لم يتمالك نفسه عن الابتسام.لكن الابتسامة زادت من ألم جرح بطنه.لم أفكر حينها إلا في إيقاف النزيف، فوضعت يدي على الجرح بسرعة.أخذت أصرخ وأنا أراه يغلق عينيه شيئًا فشيئًا."تمالك نفسك يا يوسف، ولا تغمض عينيك!""سيصل الطبيب قريبًا، عليك أن تصمد!"وقبل أن يفقد وعيه بلحظة، سمع صوت صفارة سيارة الإسعاف.سارع المسعفون بحمله إلى السيارة وأوقفوا نزيفه، وأبلغوا المستشفى بالاستعداد للعملية.كان آخر ما رآه يوسف هو وجهي المذعور بجانبه، ثم فقد وعيه تمامًا.وبعد ثلاث ساعات من الجراحة الطارئة، استقرت علاماته الحيوية.قال الطبيب إن الطعنة لم تصب عضوًا حيويًا، لكنها كانت عميقة وتسببت في نزيف حاد.تنفست

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 23

    لم يفهم يوسف الغرض من سؤالي.فأكملت حديثي:"إن كنت تحبني، فلماذا لم تبادر قط بشراء هدية عيد ميلاد لي؟ إن كنت تحبني، فلماذا لا ترغب في السفر معي؟ إن كنت تحبني، فلماذا جعلت امرأة أخرى تحمل منك، بل والتقطتَ معها صور الزفاف؟""أنا أيضًا لي قلبٌ وأتألم.""إن كنت تحبني بتلك الطريقة، فمعذرةً، لكنني لا أقبل بهذا الحب."كان وجه يوسف يزداد شحوبًا مع كل جملة أقولها.أخذت ذكريات الماضي تتدفق بعقله.أراد أن يدحض كلامي، لكنه اكتشف أن ذكرياته تطابق ما قلته تمامًا.أخذ يفكر بكل شيءٍ حدث، وكل ما فعله في الماضي، ولم يجد سبيلًا لدحض ما قلته.وفي النهاية، لم يجد ما يقوله سوى أن يعيد الحديث عن ميار بتلعثم."السبب الوحيد في معاملتي الجيدة لميار هي أنني أخطأت كونها منقذتي، لو كنت أعرف أنك من أنقذتني منذ البداية، لما...""كفى!"قاطعت حديث يوسف.هل كان يظن أن أكبر مشكلةٍ بيننا هي مشكلة ميار؟لم يكتشف أكبر مشكلةٍ بيننا بعد، رغم مرور عامين على ذلك."حتى لو لم تكن ميار موجودة، فقد كان هناك ياسمين ونغم.""بل وحتى لو كانت هي حقًا من أنقذت حياتك، فهناك العديد من طرق رد الجميل، فلماذا أصررت على أن تقوم بكل شيء بنفسك؟

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 22

    انفعل فجأة قبل حتى أن أجيبه."يمكنني أن أشرح لك الأمر: في البداية، اعتقدت أن ميار هي من أنقذتني، ولم يكن لدي أي مشاعر تجاهها أبدًا، ولم يحدث بيننا أي شيء على الإطلاق.""وبعد رحيلك... بعد رحيلك فقط أدركت أنني..."بدأ يوسف في النحيب، وانهمرت الدموع من عينيه.استطاع أن يهدأ بعد لحظات، وأكمل حديثه:"أدركت أنك أنت من أنقذني في ليلة رأس السنة قبل ست سنوات، وقد كنت مخطئًا طوال تلك الفترة."نظر إليّ بعينين حمراوين يملؤهما مزيجٌ من الندم والذنب والغيظ، وكذلك بصيصٌ من الأمل.كان يأمل أن أسامحه بعد أن عرفت الحقيقة، وأن نعود كما كنا.لكنه للأسف كان مخطئًا.لقد تفاجأت حقًا حين سمعت أن تلك المنقذة التي يتحدث يوسف عنها أنقذته قبل ست سنواتٍ في ليلة رأس السنة.فعندما قدم لي يوسف ميار لأول مرة، لم يخبرني بوقت إنقاذها له بالتحديد.وبعد أن استفقت في المستشفى بذلك الوقت، رفضت ذكر تلك الليلة مجددًا أمام يوسف.وهكذا حدث سوء الفهم.وها أنا اليوم قد طويت صفحة الماضي منذ وقتٍ طويل، لا أستطيع إلا أن أتعجب من سخرية القدر.سأل يوسف بتوجسٍ حين لم أنطق بكلمة:"لم أدع ميار تنجب هذا الطفل يا نادية، لقد أجهضته. الآن بت

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 21

    جلس والداي، السيد فؤاد والسيدة علا بالجوار بوجوه حائرة.حين قررت إلغاء حفل الزفاف قبل عامين، لم أخبرهما بالسبب الحقيقي، واكتفيت بإخبارهما إنني أريد الاستمرار في أبحاثي العلمية.لذلك كانوا يعتقدون أننا المسؤولون عن إلغاء الزفاف.حتى وإن كانا يريان دائمًا أن مشاعر يوسف تجاهي لم تكن عميقة، إلا أنهما ما زالا يشعران بأننا قد قصرنا في حقه.رغم عدم عودتي إلى المنزل طوال العامين الماضيين، إلا أن يوسف كان يأتي من حينٍ إلى آخر، ويتردد على الطابق السفلي.ورغم أنه لم يصعد أبدًا لزيارتهما، إلا أن والديّ كانا يشعران بأنه جاء بحثًا عني.خصوصًا منذ نصف عام، إذ أصبح يأتي كل يومين تقريبًا.حاول والداي ثنيه عن المجيء مجددًا.فعلى أي حال، كانت ابنتهما حازمة للغاية حين قررت إلغاء الزفاف.كما أنني حينها كنت بالمختبر ولم أكن بالمنزل أصلًا، ولذا فلا جدوى من مجيئه.لكنهما رغم ذلك قد شهدا على إصراره طوال العامين الماضيين، حتى أن انطباعهما عنه في السابق بكونه شخصًا باردًا قد تحسن.حتى أنهما ناقشا سرًا محاولة إقناعي بالعودة إليه مجددًا حين أعود من المختبر، فقد أمضيت مع يوسف خمس سنوات، ولم يتبق لنا إلا أن نتزوج.ل

فصول أخرى
استكشاف وقراءة روايات جيدة مجانية
الوصول المجاني إلى عدد كبير من الروايات الجيدة على تطبيق GoodNovel. تنزيل الكتب التي تحبها وقراءتها كلما وأينما أردت
اقرأ الكتب مجانا في التطبيق
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status