Share

الفصل 6

Author: صائد الأحلام
قبل انتهاء العد التنازلي بخمسة أيام، قدّمت استقالتي إلى المدرسة.

من أجل الزواج بيوسف، رفضت عرض أستاذي بأن أواصل العمل معه في المختبر، واخترت أن أبقى في مدرسة بمدينة الرونق كمعلمة لأبقى بجوار يوسف.

تفاجأ زملائي عندما علموا باستقالتي.

"لماذا تستقيلين يا أستاذة نادية؟"

قال بعض الزملاء ممازحين: "وزعت علينا حلوى الزفاف منذ أيامٍ قليلة، هل تنوين العودة إلى المنزل لتصبحي ربة منزل؟ الأستاذ يوسف محظوظ حقًا!"

ابتسمت وأنا أحمل أغراضي.

"لا، لقد ألغيت الزفاف."

وعندما عدت إلى المنزل وفتحت الباب، رأيت يوسف، الذي لم أره منذ أسبوعٍ جالسًا على الأريكة بجانب ميار.

حين رأى يوسف أنني أحمل أشياءً بيديّ، سألني تلقائيًا:

"لماذا تحملين كل هذه الأشياء؟"

اختلقت عذرًا، فقلت:

"إنها مجرد أشياء لم أعد أستخدمها، ولذا أحضرتها معي."

أومأ برأسه، ثم نظر في أرجاء الغرفة وقال ببعض الحيرة:

"لم أغب سوى أسبوع، لكن يبدو وكأن الكثير من الأشياء قد اختفت من المكان."

وضعت الصندوق جانبًا في غرفة النوم، وقلت بهدوء:

"تخلصت فقط من بعض النفايات غير الضرورية."

كاد يوسف يقول شيئًا لكن ميار قاطعته.

"عزيزتي نادية، لقد أتعبتُ يوسف كثيرًا هذه الأيام في السفر، ويجب أن أشكركِ لأنكِ وافقتِ على أن نلتقط صور زفافٍ لنا، فحققتِ لي حلمًا."

"ما رأيكِ أن أُعزمكما على وجبة طعام كنوع من الشكر على اهتمامكما بي؟ أخشى أنني قد أستمر في إزعاجكما لبعض الوقت، فآمل ألا تستائي مني يا عزيزتي نادية."

بدأت أفقد أعصابي قليلًا حين رأيت نظرة الغرور في عيني ميار.

منذ أن تلقيت نتيجة فحص الحمل وحتى الآن، لم أُبدِ أيّ رد فعل، ولم أسأل يوسف أي سؤال.

والآن لم أعد أرغب في خوض أي صراعات عديمة الجدوى، فبعد خمسة أيام، لن أرى يوسف مجددًا، وكل ما أريده الآن هو إنهاء الأمور بهدوء تمهيدًا لرحيلي.

تجمعت الدموع في عيني ميار حين لم أجبها.

"يا يوسف، يبدو أن نادية منزعجة مني لأنكما على وشك الزواج لكنك..."

وما إن نطقت ميار بهذه الكلمات، حتى عبس يوسف ووبخني بحدة:

"تريد ميار التعبير عن امتنانها بصدق، فما بال نظرتك تلك؟ إنها مجرد وجبة طعام، ولن تسممك، يجب أن تذهبي!"

لم أكن قد قلت كلمة واحدة بعد، لكنه بالفعل جعلني مذنبة.

وفي النهاية، أجبرني يوسف على الذهاب معهما.

حين وصلنا إلى المطعم، جاء النادل ليسألنا عن الطلب.

وقبل أن أفتح القائمة، سمعت يوسف يقول:

"لا نريد أطعمة دهنية أو حارة، ولا تضعوا كزبرة في أي طبق."

وعندما جاءت الأطباق، بدأ يوسف يضع الطعام في طبق ميار بعناية ولطف.

ثم دفع إليّ بصحنٍ كبيرٍ من الجمبري.

"لا تستطيع ميار تناول المأكولات البحرية، لذا طلبت هذا الطبق خصيصًا لكِ."

نظرت إلى الجمبري، ففقدت شهيتي تمامًا، ووضعت الملعقة جانبًا.

"لديّ حساسية من المأكولات البحرية."

كم هو مثير للسخرية!

تواعدنا لخمسة سنوات، ومع ذلك لا يعرف يوسف أنني أعاني من حساسية المأكولات البحرية، لكنه يحفظ بدقة كل ما لا تحبه ميار، حتى إنه يتذكّر أنها لا تأكل الكزبرة.

ارتبك يوسف للحظة.

وحين نظر إليّ مرة أخرى، بدا على وجهه قليل من الندم، ثم قرّب مني بضعة أطباقٍ أخرى.

لكنني لم أتناول شيئًا، واكتفيت بشرب الماء بصمت.

بعد العشاء، وما إن نزلنا من على الدرج، تلقيت اتصالًا آخر من زميلتي في المختبر.

"نادية، الأستاذ يريد التأكد من قراركِ، هل ستلتزمين بالجدول المعتاد للتجارب؟ التجربة الأولى تتطلب السرية، وقد لا يمكنك التواصل مع العالم الخارجي لمدة سنة أو سنتين."

وقعت عيناي على ميار ويوسف أمامي.

كانا يمشيان جنبًا إلى جنب، ويحتضن يوسف خصرها بحذرٍ وهما ينزلان الدرج.

أجبتها بهدوءٍ شديد:

"نعم."

تنفست زميلتي الصعداء بعد سماع إجابتي.

"هذا جيد، كان الأستاذ يخشى أن تكوني غير قادرة على مفارقة زوجكِ."

أشحت بنظري بعيدًا عنهما، واستدرت نحو الاتجاه الآخر.

"لقد ألغيت الزفاف."

"وأنا مستعدة للرحيل."

وما إن أنهيت كلامي، حتى سمعت صوتًا من خلفي متسائلًا:

"من الذي سيرحل؟"

Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 26

    وافقت، وأرسلت له مساءً دعوة الزفاف وعلبة حلوى الزفاف.أخذ قطعة حلوى ووضعها ببطء في فمه.بدا وكأنه لم يتذوق طعمًا حلوًا منذ وقتٍ طويل.في يوم الزفاف، توافد الكثير من الحضور، بما في ذلك الأساتذة وزملاء المختبر.ربّت أستاذي على كتف زيدان مبتسمًا."أحسنت! لم أتوقع أن تظفر بزميلتك الأكبر في المختبر، يا لك من محظوظ!"وانهمرت التعليقات المازحة من الزملاء.نظرت إلى الرجل الواقف بجانبي ببدلته السوداء، وامتلأ قلبي بالسعادة والرضا.عرفت معنى الحب الحقيقي أخيرًا مع زيدان.بدأت المراسم، فأمسكت بيد والدي وتقدمنا نحو زيدان.وضع والدي يدي في يد زيدان، وقال:"ابنتي أمانة لديك."أجاب زيدان بثقة:"اطمئن، سأحميها طوال حياتي."ثم تبادلنا العهود، وارتدينا الخواتم، وقبلنا بعضنا.انفجر الحضور بالتصفيق والهتاف بحرارة.كان الجميع يهنئ العروسين.في زاوية القاعة، كان يوسف يصفّق، وعيناه مثبتتان عليّ بدون أن يرمش بهما.بدا وكأنه تذكّر حفل الزفاف الذي لم يكتمل قبل عامين.كان يدرك كم كنتُ حينها أعد كل التفاصيل بحماس.بدايةً من الحفل، وصور الزفاف، والمأدبة... قارنت بين الكثير من القاعات قبل أن أستقر على واحدة.كم كان

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 25

    ابتسم يوسف ابتسامة واهنة."نعم، تستحقين.""لا بد أنك شعرت بنفس هذا الألم حين أنقذتني، أليس كذلك؟"وحين رأيته يتحدث بصعوبة، طلبت منه أن يستريح وألا يجهد نفسه بالكلام.لكن يوسف هز رأسه ببطء، وبدأ يتحدث بإصرار:"لم أكن أنوي ملاحقتك، لكنني فكرت جيدًا فيما قلتِه لي البارحة، والآن بت أفهم جيدًا.""لقد أخطأت في حقك سابقًا، واستغللت مشاعرك تجاهي بحماقة.""أريد اليوم فقط أن أخبرك أنني نادمٌ على ذلك.""كنت مترددًا، ولم أعرف كيف أبدأ، لكن حين رأيت اللص خلفك يخرج سكينًا، لم يخطر ببالي سوى شيءٍ واحد، وهو ألا أدعك تتأذين."لم يخطر ببالي يومًا أنني سأسمع تلك الكلمات من يوسف.كنت سأتأثر بهذا التغيير لو أنه حدث قبل سنوات.لكن الأمور اختلفت الآن.لم أعد تلك التي كانت تحبه بعمق.لم أعد أشعر تجاهه سوى بالامتنان ولا أكثر.أدرك يوسف موقفي الحالي حين رآني صامتةً.لكنه حاول للمرة الأخيرة، قائلًا:"هل كنا لنستمر لولا ميار؟"هززت رأسي."لا."لم تكن ميار سوى القشة التي قسمت ظهر البعير.كانت مشاعري تُستنزَف خلال الخمس سنوات بسبب بروده، وعجّل ظهور ميار من استنزافها بالكامل.حتى لو لم تظهر ميار، وتزوجنا بسلاسة، لما

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 24

    لكنني لم أشعر بالألم الذي توقعته.استدرت بسرعة، فرأيت يوسف واقفًا خلفه، ممسكًا بطنه بيده، ووجهه شاحب كالأموات.استمر بالنزيف من الموضع الذي كان يغطيه بيده.وحين رأيته على وشك أن يفقد توازنه ويسقط أرضًا، أسرعتُ للإمساك به، واتصلت بالطوارئ على الفور.بدأ يوسف يفقد وعيه، وأخذ الألم يستحوذ عليه.هذا هو إذًا ألم الطعن.لا بد أن نادية أيضًا شعرت بهذا الألم حينها.حاول فتح عينيه بصعوبة، وحين رأى القلق على وجهي، لم يتمالك نفسه عن الابتسام.لكن الابتسامة زادت من ألم جرح بطنه.لم أفكر حينها إلا في إيقاف النزيف، فوضعت يدي على الجرح بسرعة.أخذت أصرخ وأنا أراه يغلق عينيه شيئًا فشيئًا."تمالك نفسك يا يوسف، ولا تغمض عينيك!""سيصل الطبيب قريبًا، عليك أن تصمد!"وقبل أن يفقد وعيه بلحظة، سمع صوت صفارة سيارة الإسعاف.سارع المسعفون بحمله إلى السيارة وأوقفوا نزيفه، وأبلغوا المستشفى بالاستعداد للعملية.كان آخر ما رآه يوسف هو وجهي المذعور بجانبه، ثم فقد وعيه تمامًا.وبعد ثلاث ساعات من الجراحة الطارئة، استقرت علاماته الحيوية.قال الطبيب إن الطعنة لم تصب عضوًا حيويًا، لكنها كانت عميقة وتسببت في نزيف حاد.تنفست

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 23

    لم يفهم يوسف الغرض من سؤالي.فأكملت حديثي:"إن كنت تحبني، فلماذا لم تبادر قط بشراء هدية عيد ميلاد لي؟ إن كنت تحبني، فلماذا لا ترغب في السفر معي؟ إن كنت تحبني، فلماذا جعلت امرأة أخرى تحمل منك، بل والتقطتَ معها صور الزفاف؟""أنا أيضًا لي قلبٌ وأتألم.""إن كنت تحبني بتلك الطريقة، فمعذرةً، لكنني لا أقبل بهذا الحب."كان وجه يوسف يزداد شحوبًا مع كل جملة أقولها.أخذت ذكريات الماضي تتدفق بعقله.أراد أن يدحض كلامي، لكنه اكتشف أن ذكرياته تطابق ما قلته تمامًا.أخذ يفكر بكل شيءٍ حدث، وكل ما فعله في الماضي، ولم يجد سبيلًا لدحض ما قلته.وفي النهاية، لم يجد ما يقوله سوى أن يعيد الحديث عن ميار بتلعثم."السبب الوحيد في معاملتي الجيدة لميار هي أنني أخطأت كونها منقذتي، لو كنت أعرف أنك من أنقذتني منذ البداية، لما...""كفى!"قاطعت حديث يوسف.هل كان يظن أن أكبر مشكلةٍ بيننا هي مشكلة ميار؟لم يكتشف أكبر مشكلةٍ بيننا بعد، رغم مرور عامين على ذلك."حتى لو لم تكن ميار موجودة، فقد كان هناك ياسمين ونغم.""بل وحتى لو كانت هي حقًا من أنقذت حياتك، فهناك العديد من طرق رد الجميل، فلماذا أصررت على أن تقوم بكل شيء بنفسك؟

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 22

    انفعل فجأة قبل حتى أن أجيبه."يمكنني أن أشرح لك الأمر: في البداية، اعتقدت أن ميار هي من أنقذتني، ولم يكن لدي أي مشاعر تجاهها أبدًا، ولم يحدث بيننا أي شيء على الإطلاق.""وبعد رحيلك... بعد رحيلك فقط أدركت أنني..."بدأ يوسف في النحيب، وانهمرت الدموع من عينيه.استطاع أن يهدأ بعد لحظات، وأكمل حديثه:"أدركت أنك أنت من أنقذني في ليلة رأس السنة قبل ست سنوات، وقد كنت مخطئًا طوال تلك الفترة."نظر إليّ بعينين حمراوين يملؤهما مزيجٌ من الندم والذنب والغيظ، وكذلك بصيصٌ من الأمل.كان يأمل أن أسامحه بعد أن عرفت الحقيقة، وأن نعود كما كنا.لكنه للأسف كان مخطئًا.لقد تفاجأت حقًا حين سمعت أن تلك المنقذة التي يتحدث يوسف عنها أنقذته قبل ست سنواتٍ في ليلة رأس السنة.فعندما قدم لي يوسف ميار لأول مرة، لم يخبرني بوقت إنقاذها له بالتحديد.وبعد أن استفقت في المستشفى بذلك الوقت، رفضت ذكر تلك الليلة مجددًا أمام يوسف.وهكذا حدث سوء الفهم.وها أنا اليوم قد طويت صفحة الماضي منذ وقتٍ طويل، لا أستطيع إلا أن أتعجب من سخرية القدر.سأل يوسف بتوجسٍ حين لم أنطق بكلمة:"لم أدع ميار تنجب هذا الطفل يا نادية، لقد أجهضته. الآن بت

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 21

    جلس والداي، السيد فؤاد والسيدة علا بالجوار بوجوه حائرة.حين قررت إلغاء حفل الزفاف قبل عامين، لم أخبرهما بالسبب الحقيقي، واكتفيت بإخبارهما إنني أريد الاستمرار في أبحاثي العلمية.لذلك كانوا يعتقدون أننا المسؤولون عن إلغاء الزفاف.حتى وإن كانا يريان دائمًا أن مشاعر يوسف تجاهي لم تكن عميقة، إلا أنهما ما زالا يشعران بأننا قد قصرنا في حقه.رغم عدم عودتي إلى المنزل طوال العامين الماضيين، إلا أن يوسف كان يأتي من حينٍ إلى آخر، ويتردد على الطابق السفلي.ورغم أنه لم يصعد أبدًا لزيارتهما، إلا أن والديّ كانا يشعران بأنه جاء بحثًا عني.خصوصًا منذ نصف عام، إذ أصبح يأتي كل يومين تقريبًا.حاول والداي ثنيه عن المجيء مجددًا.فعلى أي حال، كانت ابنتهما حازمة للغاية حين قررت إلغاء الزفاف.كما أنني حينها كنت بالمختبر ولم أكن بالمنزل أصلًا، ولذا فلا جدوى من مجيئه.لكنهما رغم ذلك قد شهدا على إصراره طوال العامين الماضيين، حتى أن انطباعهما عنه في السابق بكونه شخصًا باردًا قد تحسن.حتى أنهما ناقشا سرًا محاولة إقناعي بالعودة إليه مجددًا حين أعود من المختبر، فقد أمضيت مع يوسف خمس سنوات، ولم يتبق لنا إلا أن نتزوج.ل

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status