تسير السيارة بسرعة، والانعكاس من نافذة السيارة يمر بسرعة.يضغط أسامة الناصر على أسنانه، وفكه الحاد مشدود.يعشر بالتوتر الشديد، وعيناه مثبتتان على الطريق أمامه.أريد أن أخبره أنه لا داعي للقيادة بهذه السرعة، فأنا لست مستعجلة.في اللحظة التالية تبطؤ سرعة السيارة كأنه سمع صوت أفكاري.يقول لي وهو يبتسم: "سنصل قريبا، هل تشعرين بالخوف؟"كانت عيناه تحمل مشاعر لا أستطيع فهمها.هززت رأسي إنكارا: "لا أخاف."يبتسم أسامة ابتسامة خفيفة ويقول بطمأنينة: "الحمد لله، أنت لا تخافين. أتمنى لك عدم تدمير نفسك بهذه الطريقة في الحياة الآخرة."أنا في حالة حيرة للحظة، فأفتح فمي لمحاولة نطق الكلام، فأنطق بصوت خافت: "طبعا."توقفت السيارة على جانب شاطئ البحر.لكن أسامة لم يخرج منها على الفور.هو يمسك بالمقود ويده ترتجف.كل منا نعرف أن هذا الوداع نهائي بعد نزول السيارة.أضع يدي على ظهر يده، أعلم أنه لن يشعر بها، لكنني أريد فعلها على أي حال.يبتسم أسامة ويقول: "لننزل."هو ينزع قلادة من عنقه.في طرفها زجاجة صغيرة يملأها رمادي.يمشي أسامة على الشاطئ، وأنا خلفه.يضع يديه في جيوبه، وابتسامته لا تفارق شفتيه.ألاحظ أن جس
يضح الحضور.لا إراديا، نظرت إلى المنصة.في اللحظة التالية، فتحت البوابة فجأة، ودخل عدد من رجال الشرطة.ابتسم أسامة الناصر فجأة وقال: "يبدو أن هناك شخصا لم يفقد ضميره بعد بشكل كامل، ليلى، العرض يبدأ."نظرت إلى أسامة وهو يضغط على الزر.الشاشة الكبيرة التي عرضت صور الزفاف سابقا، تظهر عليها الآن لقطات من كاميرات المراقبة.أحد الفيديوهات كان لحظة حادث المرور الذي تعرضت له.والآخر كان مشهد هروب جمانة طه من منزل عائلة محمود طه.فهمت أخيرا ما الذي كان يقصد أسامة بالهدية الكبيرة.هو سيكشف اليوم سر جمانة الشريرة.الزفاف الذي يجب أن يكون مليئا بالتهاني يتحول فجأة إلى فوضى، يهمس الجميع ويدور حديثهم في الهمسات.جمانة في حالة من الفزع، تبحث عن حماية محمود.لكنه فقط دفعها بلا مشاعر، ونظراته لها مثل نظرته إلى القمامة."جمانة، هل تعتقدين أنك قادرة على إخفاء كل ما فعلته؟""أنت تسببت في موت أمي، ثم تسببت في موت ليلى.""أنت تستحقين الموت."انهارت جمانة وهي تصرخ، ورأى محمود بنظرات فاترة الشرطة تأخذها بعيدا.تم كشف جريمتها، وأصبح هذا الزفاف مجرد مزح.يبدو أن أسامة هو مجرد متفرج يغادر هذا المكان بعد مشاهدة ه
انحنى محمود طه لمسح الأوساخ على نصب أمه، ووجهه هادئ."أمي، هناك خبر جيد أخر، سأتزوج من جمانة طه.""هي نشأت أمام عينيك، يجب أن تكوني سعيدة جدا لزواجنا.""أما ليلى خالد، فأشعر بالندامة يا أمي."انفجرت السماء بصوت الرعد، والغيوم الداكنة ازدادت كثافة.لكن كلمة محمود "الندامة" كانت أوضح من صوت الرعد، كأنها دوي قوي يكاد يصم أذني.تبعت محمود بصمت، ونظراتي فارغة.رأيته يفتح الباب بلطف لجمانة، ويختار معها تاريخ زفافهما المبارك.كأنهما زوجان محبان في عالمهما الخاص، بينما كنت أنا مجرد عائق في طريقهما. عائق يجب أن يتجاوزه في النهاية.الآن زال هذا العائق، أصبح لديهما حقا ما يتمنونه: أن يكونا معا إلى الأبد.الزفاف الذي كنت أتوقعه، قدمه محمود تماما كما كان يريد لجمانة.فستان الزفاف، الخاتم، الدعوات.لم يعد يهتم بأي شيء، ولا بالشركة، بل انغمس تماما في تحضيرات زفافه مع جمانة طه.ومن حسن الحظ.بدا أنه بإمكاني الابتعاد عن محمود أخيرا.عندما خرج في موعد مع جمانة، لم أعد أتابعه بإرادتي.أستطيع البقاء في السيارة بعيدا عنه بمسافة آلاف الأمتار، وهما يلتقطان صور فستان الزفاف.حاولت عدم متابعته.وحاولت الابتعاد
حين أردت إخبار محمود طه بالحقيقة، تذكرت أنه قد أضاف رقم هاتفي إلى القائمة السوداء.قال لي إنني شريرة للغاية، ولا يريد أن يكون له أي علاقة بي.لذا، قررت أن أذهب إليه شخصيا، لكن في طريق الذهاب إليه تعرضت لحادث مرور وفقدت الحياة على الفور.الآن، أفكر في هذا الأمر، أدركت أنني كنت أتوهم كثيرا.في قلبه، كانت جمانة طه نقية وبريئة، فكيف لها أن تكون القاتلة التي تسببت في وفاة أمه؟جذبني رنين الهاتف من أفكارينظر محمود العابس إلى شاشة الهاتف بابتسامة معقدة حين رأى من يتصل."محمود، غدا هو ذكرى وفاة أمك، هل نذهب معا؟""نعم، سآتي لأخذك.""طيب."فجأة، قالت بتردد:" ماذا عن ليلى خالد؟ هل ستأتي أيضا؟"تغير وجه محمود فجأة وقال بصوت خافت: "هي قد ماتت."أغلق الهاتف، ثم فجأة غير وجهة السيارة.تبعته إلى مكان حرق الجثث.في الليلة، حتى وإن كنت شبحا، شعرت بشيء من الرهبة خوفا من هذا المكان.لكن محمود بدا وكأنه قد أغلق نفسه عن العالم من حوله، وكان يطرق الباب بعنف."أين رماد ليلى خالد؟ أحضره إلي."كان الموظف في مكانه في حالة من الارتباك، واعتقد أنه هو الشخص الذي قد قام بنثر رمادي سابقا."آسف، رماد السيدة ليلى قد
وقف محمود طه في مكانه لبعض الوقت، واستغل أسامة هذه الفرصة لضربه بلكمة على ذقنه."همم"......نهض أسامة الناصر من الأرض، ونظر من الأعلى إلى محمود المدهوش.وقال بصوت فاتر: "الآن، اخرج مع مساعديه من منزلي."بينما نهض محمود من الأرض فجأة، ودفع أسامة جانبا واندفع نحو غرفة المكتبة.كانت صوري منتشرة على المكتب.وجهي في كل هذه الصور مليء بالدماء، ولا يمكن تمييز ملامحي في بعضها.ما نظرت إلى هذه الصور إلا لحظة، ثم حولت نظري بعيدا.أعرف قبح مظهري عند وفاتي، فقد سقطت كرة العين من محجرها، وغارت الجبهة اليسرى بشكل كبير.استغرق الطبيب الشرعي وقتا وجهدا لتحديد هويتي.لكن أسامة يضع هذه الصور على المكتب هكذا.تساءلت كيف يمكنه أن يتحمل كوابيس هذه الصور.الآن، كانت تلك الصور في يد محمود، كأنه يبحث عن شيء ما، مصمما على عدم ترك أي تفصيل دون انتباه.أحد أطراف الصور تضرر بسبب قبضته القوية، بينما كان يستمع إلى تقرير مساعديه، ونقل نظره نحو شاشة الكمبيوتر بنظرة مليئة بالريب.كانت الشاشة تعرض فيديو الحادث، حيث اصطدمت سيارتان ببعضهما البعض، وسرعان ما اصطدمت سيارتي بعيدا.كانت تلك الصور مرعبة جدا.احمرت عينا محمود ف
بعد مرور نصف الشهر، عاد محمود طه إلى بيتنا.دفع باب الغرفة بعنف وقال بصوت عال:" ليلى خالد، اخرجي."هو دفع الأبواب الواحد تلو الآخر، لكن لم يجدني.ازداد وجهه العابس سودا.وجه محمود تعليماته للبحث عني، وقال بظلام:" ليلى خالد، بما أنك قررت الهروب، فمن الأفضل أن تهربي بعيدة، وإلا، عندما أمسك بك، سأكسر ساقيك."لكن، المرأة التي كان يهدد بكسر ساقها كانت تقف أمامه الآن.بعد قليل، وصل تحديد الموقع من مساعديه.بدأت تعابير وجه محمود تصبح أكثر تهديدا، ونظرت إليه ارتياب، لأكتشف أنه منزل أسامة الناصر."سيدي، إن آخر مكالمة من السيدة كانت موجهة إلى السيد أسامة، لكنه قال إنه لم يرها. نحن نشك في أنه اختطفها."قال محمود بصوت بارد:" انتظرني، سأكون إليك قريبا."وصل محمود إلى منزل أسامة بسرعة.ووجهه عابس، بدأ يركل الباب المغلق بشدة.مرة، مرتين، وفي الركلة الثالثة فتح الباب.ظهر أسامة هادئا، وعيناه مغطاة بكدمات."ماذا تريد؟"ضحك محمود ساخرا وقال:" أنت خبأت زوجتي، تعتقد ماذا أريد؟"ظل أسامة عابسا، كأنه قد فقد أي اهتمام بهذا العالم."لم أخفها، لقد ماتت، ألم تعلم أن تذهب لاستلام رمادها؟""هل هي طلبت منك مساعدته