Share

الفصل 504

Author: سيد أحمد
"أبي، لا ترحل، إن غادرت، من سيحميني بعد الآن؟ سيؤذونني مجددًا، كما كانوا يفعلون حين كنت صغيرة."

"ابنتي المسكينة..."

تمسّكت سارة برجاء وهي تخاطب والدها رشيد: "أبي، لم ترَ حفيدك بعد، كيف لك أن ترحل؟ هل يطاوعك قلبك أن تتركني أعاني وحدي في هذا العالم؟ لقد فقد الطفل أباه، أما تريد أن ينشأ وله جد؟"

تغيرت ملامح رشيد قليلًا، وحدّق بها بعينين مفعمتين بالشفقة، ثم قال بنبرة حانية: "يا صغيرتي، أكثر من يوجعني فراقه... هو أنتِ."

أمسكت سارة بيده بقوة: "لهذا السبب، يجب أن تبقى، لا يمكن للطفل أن يحيا بلا جد، أبي، أعلم أنك متعب، لكن فكر فيّ، فكر في الطفل، إن رحلت، فلن يتبقى لي أحد في هذا العالم أتكئ عليه."

لم يُجب رشيد، وظل صامتًا، لا يُعرف إن كان غارقًا في أفكاره أم في حزنه، فيما كانت دموع سارة تهطل كالمطر، وها هي تركع أمامه.

"لقد فقدتُ أمي بالفعل، لا أريد أن أفقدك أيضًا، أبي، ألم تكن دائمًا تقول إنك تحبني أكثر من أي شيء؟ إذن، أرجوك، لا ترحل!"

تنهد رشيد تنهيدةً طويلة يملؤها اليأس، ثم قال: "حسنًا، لن أرحل، أبيكِ باقٍ."

"أبي!"

فزعت سارة من نومها، فتحت عينيها فجأة، وصوتها المرتجف ينادي، لتجد أحمد إلى جوار
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Locked Chapter

Latest chapter

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 508

    رغم أن قلب سارة قد امتلأ بالكراهية تجاه أحمد، إلا أن كلماته الأخيرة لم تكن خالية من المنطق.من أجل طفليها، كانت بحاجة إلى الاستعانة بقوّة أحمد.الأمر لا يتعلّق بالعواطف، فكلّ ما تريده هو العثور على مكان آمن تنعم فيه بالطمأنينة، وتتمكن فيه من احتضان هذين الطفلين.وللمرة الثانية، انتقلت سارة إلى منزل جديد، وقد شدّد أحمد مرارًا على ألا تُخبر أحدًا بمكانها، تحسّبًا لأي طارئ.البيت الجديد كان مطلًا على البحر، ما إن تفتح عينيها حتى يُقابلها مشهد البحر الأزرق الهادئ، بينما تسند الجهة الخلفية للمنزل الجبال، فتُشكّل لوحة طبيعية ساحرة تبعث على الصفاء وتناسب العزلة والتأمّل.لكن، وفي كل صباحٍ تُشرق فيه الشمس، لم يعُد ذلك الظلّ المنشغل يظهر في فناء الدار.ولم تعُد هناك يدٌ حانية تُعلّمها فنّ النحت بلطف وهدوء.فقد أُحضر والدها رشيد إلى هنا بعد أن استقرّت حالته قليلًا، وكان هناك فريق طبي يرافقه طيلة الوقت.كان مستلقيًا بصمت على سريره، وجهه الذي تحسّنت ملامحه مؤخرًا بفضل العناية، بدا هذه المرة هادئًا، وعيناه مغمضتان كأنّه غفا فقط.لكن سارة كانت تعرف، أنّ هذه المرة، لا أحد قادر على إنقاذه.إجراء عملية

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 507

    كانت سارة قد استمعت من الطبيب إلى ما آل إليه حال والدها رشيد، ولم تكن تدري إن كان ينبغي لها أن تحزن أم أن تشعر بالارتياح.فالجانب الإيجابي أن السيد رشيد لا يزال على قيد الحياة، أما الجانب السيئ فهو أنه قد غاص مجددًا في غيبوبة عميقة دون أن يستفيق.تنهدت سارة تنهيدة ثقيلة، فقد كانت تعلم جيدًا أن ما تبقى من تعلق والدها بهذه الحياة إنما هو بها وبجنينها فحسب، ولو أنها لم تكن موجودة، لكان قد لفظ أنفاسه منذ زمن بعيد.دخل أحمد بخطى سريعة واسعة، وظلّ ظله المهيب يخيّم على سارة، نادى بصوت خافت: "حبيبتي سارة".وحين رأت أنه هو، خيّم الجليد على ملامح وجهها، وصوتها الذي خرج منها لم يكن يخلو من الكراهية: "جئتَ لترى ما إذا كنتُ قد متّ أم لا؟"كانتا عيناها، اللتان كانت تنظران إليه ذات يوم وكأنهما جدولان من حب خريفي دافئ، قد امتلأتا الآن بالازدراء والبغض.كان عقل أحمد ما زال عالقًا بصورة سارة في الماضي، تلك التي كانت تحبه بصدق وتضحك له بعفوية، ولم يكن يتخيل أبدًا أن علاقتهما قد تصل إلى نقطة اللاعودة بهذا الشكل.فهي الآن لم تعد تحتمل حتى النظر إليه.تنهد أحمد في سرّه تنهيدة طويلة، ثم قال بهدوء: "حبيبتي سا

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 506

    "أأنتِ ابنة رشيد؟ إذن من هما والدا سارة؟"أطلق أحمد هذا السؤال وكأنه نبش في روحها، بينما بدا على صفاء الضيق البالغ من ذكر اسم سارة، وقالت باستياء: "وكيف لي أن أعرف شيئًا عن ماضيها! لم أكتشف الحقيقة إلا قبيل وفاة أمي."لكن الوقت الآن ليس مناسبًا للبحث عن حقيقة نسب سارة، سواء أكان رشيد والدها البيولوجي أم لا، فإن سارة لطالما اعتبرته أقرب الناس إلى قلبها."بما أنكِ عرفتِ أنه والدكِ، لماذا أسأتِ إليه بهذا الشكل؟ ألا تعلمين أنه مصابٌ من قبل؟"اتسعت عينا صفاء وهي تتظاهر بالبراءة قائلة: "وكيف لي أن أعلم؟! لم نلتقِ طيلة هذه السنين، ولم أعرف الحقيقة إلا منذ فترة قصيرة، عندما حاولت الذهاب لرؤيته، علمتُ أنه أصبح في غيبوبة وفُقد أثره، أما شكله، فلم أره إلا في صورة قديمة، وكانت ملامحه وقتها مختلفة تمامًا عما هو عليه اليوم، لم أستطع تمييزه! أحمد، لم أقصد إيذاءه! لقد تسببتُ بالفعل في موت أمي، ولا يمكنني أن أكون سببًا في أذية والدي أيضًا."كان وجهها مشوهًا من شدة الحزن والانفعال، غير أن أحمد لم يُبدِ أدنى شفقة، بل قال ببرود: "أنتِ من أرسلتِ بطاقة الدعوة بنفسك، وبالنهاية، هذه نتيجة أفعالكِ."صفاء صرخت

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 505

    امتثل أحمد لما طُلب منه، فأسرع يُحضّر بعض الطعام لسارة، وشربت قليلًا من الماء الدافئ، ثم بدأت تأكل شيئًا فشيئًا، وبعد وقت طويل، هدأ اضطراب معدتها، وخفّت حدة الغثيان الذي كان يجتاحها كعاصفة.ولما رآها بدأت تتحسن، قال بصوت حانٍ: "هل ما زلتِ تشعرين بانزعاج في معدتكِ؟ لنذهب لإجراء فحص، أنتِ ما زلتِ في شهركِ الثالث، وإن كنتِ تكرهينني، فلا تمزحي بحياة الطفل."لم تُجبه سارة، لكن صوته سُمِع بوضوح من قبل صفاء التي وصلت للتو.صرخت بصوت حاد تردد صداه في الممر: "أنتما... ماذا فعلتما خلف ظهري!"كانت سارة بالفعل متعبة إلى حدّ الإنهاك، وما إن دوّى صوت صفاء المزعج، حتى عقدت حاجبيها بانزعاج.وقالت ببرود: "هذه مستشفى، اخفضي صوتكِ.""أيتها الحقيرة، كيف تجرؤين على إغواء زوجي؟ سأقتلكِ!"صرخت صفاء بجنون، وكانت قد أتت أصلًا لزيارة السيد رشيد، لكنها ما إن وصلت حتى صدمتها هذه الأخبار الكارثية.أسرعت في خطواتها متوجهة نحوهما، ثم تعثرت بقوة وسقطت أرضًا.لكن أحمد أدرك ذلك في اللحظة المناسبة، فأسرع إليها وأمسك بها قبل أن ترتطم بالأرض، فاندفعت صفاء لتلقي بنفسها في أحضانه، باكيةً بشدة.قالت وهي تغمر وجهها بالدموع: "

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 504

    "أبي، لا ترحل، إن غادرت، من سيحميني بعد الآن؟ سيؤذونني مجددًا، كما كانوا يفعلون حين كنت صغيرة.""ابنتي المسكينة..."تمسّكت سارة برجاء وهي تخاطب والدها رشيد: "أبي، لم ترَ حفيدك بعد، كيف لك أن ترحل؟ هل يطاوعك قلبك أن تتركني أعاني وحدي في هذا العالم؟ لقد فقد الطفل أباه، أما تريد أن ينشأ وله جد؟"تغيرت ملامح رشيد قليلًا، وحدّق بها بعينين مفعمتين بالشفقة، ثم قال بنبرة حانية: "يا صغيرتي، أكثر من يوجعني فراقه... هو أنتِ."أمسكت سارة بيده بقوة: "لهذا السبب، يجب أن تبقى، لا يمكن للطفل أن يحيا بلا جد، أبي، أعلم أنك متعب، لكن فكر فيّ، فكر في الطفل، إن رحلت، فلن يتبقى لي أحد في هذا العالم أتكئ عليه."لم يُجب رشيد، وظل صامتًا، لا يُعرف إن كان غارقًا في أفكاره أم في حزنه، فيما كانت دموع سارة تهطل كالمطر، وها هي تركع أمامه."لقد فقدتُ أمي بالفعل، لا أريد أن أفقدك أيضًا، أبي، ألم تكن دائمًا تقول إنك تحبني أكثر من أي شيء؟ إذن، أرجوك، لا ترحل!"تنهد رشيد تنهيدةً طويلة يملؤها اليأس، ثم قال: "حسنًا، لن أرحل، أبيكِ باقٍ.""أبي!"فزعت سارة من نومها، فتحت عينيها فجأة، وصوتها المرتجف ينادي، لتجد أحمد إلى جوار

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 503

    حين رأَت سارة والدها رشيد يهوي إلى الأرض، شعرت وكأن عقلها قد انفجر، شهقت بفزع، وفقدت وعيها تمامًا."سارة!"أحمد اندفع والتقطها بين ذراعيه، بينما سارع محمود بحمل السيد رشيد على ظهره، وغادر الاثنان المكان بسرعة.أما صفاء، فقد وقفت مذهولة لا تكاد تستوعب ما جرى فجأة… كيف سارت الأمور بهذا الشكل الكارثي؟حين رأت أحمد يحتضن سارة ويغادر دون أن يلتفت، صرخت بأعلى صوتها حتى كادت تمزق حنجرتها: "أحمد! المراسم على وشك أن تبدأ!"أرادت أن تسرع للحاق به وتمسك بيده، إلا أنّ ضعف ساقيها وخفة جسدها جعلا قيامها المفاجئ ينتهي بسقطةٍ مؤلمة على الأرض.مهما كانت فخامة الفستان الأبيض، لم تستطع أن تُخفي بها ما بلغته من ذُلٍّ وبؤس، ولا أن تقيها ألسنة الناس وهمساتهم القاتلة.آنذاك فقط أدركت ريم مدى فداحة ما اقترفته، فأسرعت لتمد يدها إلى صفاء، محاولةً مساعدتها على النهوض."أختي صفاء، هل أنتِ بخير؟"لكن ما حصدته كان صفعة قوية نزلت على وجهها: "أنتِ حقيرة! ما الذي فعلتِ لتوكِ الآن؟!"لقد نالت ريم جزاء تطفّلها، صفعتها جاءت موجعة وقاسية، ارتبكت وهي تلهث محاولة تبرير تصرفها: "أختي صفاء، آسفة، أنا فقط… أنا فقط…"صفاء أمسكت

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status