Share

الفصل 593

Author: سيد أحمد
كان هناك كفّ بيضاء اللون مبسوطة أمام فيفي، لكن راحة اليد هذه لم تكن بتلك النعومة التي تليق بامرأة، فقد بدت عليها آثار السنين واضحة للعين.

يقال إن اليد هي الوجه الثاني للمرأة.

ومن هذه اليد وحدها يمكن إدراك أن أحمد لم يعاملها كشيء ثمين، فهي يد امتلأت بالمسامير والخشونة، وكأن صاحبتها اعتادت على القيام بالأعمال الشاقة.

مدّت فيفي يدها هي الأخرى، وهي التي نشأت مدللة منذ نعومة أظافرها، تحرص على العناية بجسدها أسبوعيًا.

كانت يدها مثالًا للرقة والجمال، مفاصلها متناسقة، أصابعها طويلة، راحة كفها بيضاء وناعمة، حتى أظافرها لم يشبها أدنى خلل.

والمناكير اللامع على أطرافها كان يتلألأ كقطعة من الحلي الثمينة في واجهة عرض فاخرة.

بمقارنة اليدين، شعرت فيفي بموجة عارمة من التفوق تملأ قلبها.

وكأن النصر محسوم لها في هذه الجولة.

قالت بابتسامة وهي تضع يدها على يد سارة: "شكرًا"، متعمدة ألّا ترفض مبادرتها، بل أرادت أن تُريها الفارق بينهما.

فهي ابنة عائلة أرستقراطية عريقة تمتد أصولها لقرون، لا يمكن لابنة عائلة أفلست وسقطت مثل سارة أن تقارن نفسها بها.

لكن في اللحظة التي تلامست فيها اليدان، شعرت فيفي بوجود جسم صلب.

Continue to read this book for free
Scan code to download App
Locked Chapter

Latest chapter

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1070

    في منزل عائلة صفاء.كان كبير الخدم في انتظار الضيوف عند الباب منذ الصباح الباكر، وحين رأى المرأة التي نزلت من السيارة، بدت على وجهه علامات الدهشة.فالدكتورة فانيسا، الطبيبة الشهيرة، اعتادت أن تسافر برفقة سائقٍ ومساعد، لكن هذه المرة كانت وحدها تمامًا.كانت ملامحها عادية، غير أن الهالة التي أحاطت بها من الوقار والغموض جعلت كل من رآها يشعر أنها ليست امرأة عادية.قال كبير الخدم باحترام: "هل أنِتِ الدكتورة فانيسا؟"فأجابت ببرود: "ولِمَ، أأبدو غير ذلك؟"ارتبك وقال سريعًا: "لا لا، فقط تفاجأت قليلًا، لقد تكبدتِ عناء السفر، ونشعر بالفخر العظيم لأنكِ قبلتِ معالجة أختي."فأجابته بلهجةٍ مقتضبة: " أين هي المريضة؟"قال وهو ينحني قليلًا: "من هذه الجهة، تفضّلي."كان قصر عائلة صفاء فخمًا، غير أنه بدا كئيبًا تحت تساقط الثلج الكثيف.فاليوم لم يبقَ من هذه السلالة سوى صفاء وحدها، وهي ليست ابنة العائلة الحقيقية.الصدمة التي تلقّاها الجد كانت قاسية، فاضطرّ إلى تبنّي وريثٍ من فرعٍ جانبي للعائلة.لكن لأن صفاء قد نشأت أمام عينيه منذ طفولتها، لم يستطع طردها تمامًا، وإن حرمها من الميراث، أبقاها في القصر تعيش فيه

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1069

    في مطعمٍ مطلٍّ على البحر، جلست سارة تسرد تفاصيل ماضيها بتأنٍ، فكل ما كان مجرّد كلماتٍ جامدةٍ في الملفات صار الآن نابضًا بالحياة على لسانها.وحين وصلت إلى المواضع المؤلمة من حكايتها، احمرّت عيناها، لكنها تماسكت بعنادٍ كي لا تسقط دموعها.قالت بصوتٍ مبحوح: "شكرًا لك يا نادر لأنك استمعت إليّ، لقد عشت وحدي لسنوات طويلة، لا عائلة لي ولا أصدقاء، وأحيانًا أجد نفسي عاجزة حتى عن إيجاد شخصٍ أتحدث إليه، لذا كنت أبحث عنك لأحادثك دومًا، لا بد أنك كنت تجدني مزعجة، أليس كذلك؟"أدرك كريم عندها سبب كثرة أحاديثها ورسائلها التي لم تنقطع، وفهم أخيرًا أنها سارة نفسها، المرأة التي لم يكن يتوقع أن تكون خلف تلك الكلمات.تذكّر كيف كان يجيبها دومًا ببرود، فشعر بالندم، إذ ربما كان هو المتنفّس الوحيد لها في وحدتها القاتلة.قال بهدوء وهو يحتسي قهوته: "لا بأس، فالعالم مليءٌ بالمنكسرين، ولسنا وحدنا في بؤسنا".ابتسمت سارة وقالت: "بالمناسبة، لم تحدّثني من قبل عن حياتك، تبدو في سنٍّ لا يُستهان بها، لا بد أنك تزوّجت، أليس كذلك؟"هزّ كريم رأسه نافيًا وقال: "لا، لم أفعل".ثم أضاف بنبرةٍ باردة: "شخصٌ مثلي لا يصلح للزواج، إذ

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1068

    شدّت سارة طرف كمّ كريم، وانطلقت تركض بجنون حتى وصلت إلى سيارتها الرياضية، وما إن جلست خلف المقود حتى ضغطت على دواسة الوقود وانطلقت بسرعة هائلة.ارتبك كريم وهو يراها بهذه الحال وسألها باستغراب: "ما الذي يحدث؟"مدّت سارة يدها تبحث عن دبوس شعر، فجمعت خصلاتها ورفعتها بحركة سريعة، ثم أمسكت المقود بيدٍ واحدة وأشارت بأصبعها إلى شفتيها قائلة بصوت خافت: "لا تسأل، لنهرب أولًا".اندفعت السيارة بسرعةٍ جنونية، ولم يبق في ملامح سارة أي أثرٍ من هدوئها المعتاد، بل غدت صورةً للتمرد.قادت السيارة نحو طريق البحر، تسابق الريح والثلج، وكانت سرعتها مخالفة تمامًا لطبيعتها الرصينة.الطريق الساحلي كان شبه خالٍ، فاستطاعت السيارة أن تنطلق دون قيود.وفي لحظة، كانت سيارة قادمة من الجهة المقابلة تحاول التجاوز، وكادت أن تصطدم بها وجهًا لوجه، لكن سارة لم تُبطئ ولو لحظة، بل أجبرت السائق الآخر على التراجع.وفي اللحظة التي مرّت فيها السيارتان متقاربتين، كان الرعب قد جمّد قلب الرجل في السيارة الأخرى، بينما ارتسمت على شفتي سارة ابتسامة خفيفة تنبض بالمتعة.تنهّد كريم في سرّه، يا لهذه المجنونة التي لا تبالي بحياتها.توقفت ا

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1067

    كان أحمد يدرك تلك الحقائق كلها، ويدرك أن سارة لا يمكن أن تجهلها.فخلال الأيام التي قضياها في عبور الغابة، لم تُبدِ سارة ملامح امرأةٍ ضعيفة مدللة، بل كانت شجاعةً، حازمةً، تعرف تمامًا ما تريد.لقد كان مقتل فاتن آنذاك كفيلاً بتحطيمها تمامًا، ولا يُعقل أن تكتفي بقتل كريم بهذه البساطة.قال محمود بقلق: "سيدي، ما الذي تنوي السيدة فعله بالضبط؟"أجابه أحمد ببطءٍ واضحٍ في كلماته: "إنها تريد أن تجعل كريم يقع في حبها، أن يمنحها قلبه بإرادته، ثم تُلقي بهذا القلب عند قدميها دون رحمة، ليذوق المهانة والعذاب كما ذاقتهما فاتن قبل موتها."ارتجف محمود من وقع كلامه، فليس في هذا العالم من يفهم سارة كما يفهمها أحمد.قال مذهولًا: "إذن السيدة كانت تقصد لقاء كريم، وتريد أن تجعله يحبها؟ ألا تخشى يا سيدي أن..."قاطعَه أحمد بنظرةٍ باردةٍ غامقة: "هل تظنّ أن امرأةً مثل سارة ستسمح لعدوها أن يلمسها؟ لقد رأيت بنفسك، حين غادرت، كانت تمسك بطرف سترته فقط، ولم تمسّ أصابعه."ثم أضاف بصوتٍ متهدّجٍ بنبرةٍ حادةٍ متحكمٍ فيها: "هي تكرهه حتى النخاع، لعلها تتمنى في كل لحظةٍ أن تقتله، فلا مجال للحب بينهما."لكن، رغم يقينه بذلك، فإن

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1066

    تجمّد وجه أحمد وتصلّب صوته البارد قائلًا: "ماذا قلت؟"لو أن هذا الكلام صدر من أي شخصٍ آخر لما صدّقه، فقد كانت سارة هذا الصباح بين ذراعيه، دافئةً وهادئة، وكأن شيئًا لم يتغير.لكن فؤاد ليس من النوع الذي يختلق الأكاذيب لمجرد اللهو، لا بدّ أنه رأى شيئًا بعينيه.قال فؤاد بنبرةٍ متلاعبة: "خمن ماذا رأيت اليوم؟"قال أحمد بصرامةٍ تنذر بالعاصفة: "قل ما عندك بسرعة."قال فؤاد: "لست في مزاجٍ يسمح لي بالكلام الآن، مزاجي سيّئ."ردّ أحمد ببرودٍ قاطع: "إذن لا تتوقع أن تعرف مكان ليلي أبدًا."دوّى صوت ارتطام الطاولة في الجهة الأخرى من الهاتف، ثم صاح فؤاد بغضب: "كنت أعلم أنك تخفيها عني أيها اللعين!"قال أحمد بحدةٍ ثابتة: "تكلم، ماذا رأيت؟"ردّ الآخر: "سأخبرك بشرطٍ واحد، أن تخبرني أين هي."قال أحمد ببرودٍ حاسم: "اتفقنا."أرسل فؤاد تسجيل المراقبة من المطعم الذي كان فيه.لم تُخفِ سارة عنه أنها ذاهبةٌ للقاء رجلٍ ما.لكن ما ظهر في التسجيل أدهش الجميع، فقد كان الرجل مجهول الملامح تمامًا، وبدت سارة أمامه غريبة الأطوار، تبتسم تارةً وتبكي تارةً أخرى.وحين وصلت اللقطة إلى المشهد الذي أطعمته فيه قطعة من الحلوى، اسود

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1065

    انفجرت سارة بالبكاء حتى فقدت السيطرة على نفسها، تتقطع أنفاسها بين شهقةٍ وأخرى.كانت ملامحها الجميلة تزداد رقّةً وهي تبكي، فالدموع على وجه الجميلة تُثير في النفس شفقةً لا تُقاوم.أما كريم، فبدت على ملامحه علامات الارتباك، إذ إن مثل هذا الانفعال الصادق لا يمكن افتعاله مهما كان الممثل بارعًا، فقال بصوتٍ منخفضٍ مرتبك: "توقّفي عن البكاء رجاءًا، لا فائدة من الحزن، من مات لا يعود، خالص تعازي لكِ."مسحت سارة دموعها بمنديل، وهي تهمس بكلمات اعتذارٍ خافتة، تحاول التماسك قدر استطاعتها.قالت بصوتٍ متهدّج: "لم أقصد أن أفسد الأجواء، لكن حين أتذكر صديقتي تلك... لا أملك نفسي."ناولها كريم بضع مناديل أخرى محاولًا تهدئتها، وبعد قليلٍ بدأ نحيبها يهدأ تدريجيًّا، رفعت يدها تلامس رأس الفأر الصغير المعلّق في سوارها وقالت بهدوءٍ حزين: "المستقبل ما زال طويلًا، وسأواصل طريقي حاملةً هذا السوار، لأُكمل الوعد الذي قطعناه معًا."ثم قال لها كريم مترددًا: "قلتَ قبل قليل إنك رزقت بطفل، إذًا أنت متزوّج، أليس كذلك؟ أترى أنه من اللائق أن نلتقي وحدنا هكذا؟"أظلمت عينا سارة أكثر وقالت بمرارةٍ مكتومة: "لم يعد هناك طفل... ولا

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status