ازدهر عمل ورد أكثر فأكثر، حتى أصبحت شخصية لامعة في عالم الأعمال، وفوق ذلك بدا أن علاقتها بجليل ليست عادية، إذ كانا يظهران معا في مناسبات عدة، وسلوكهما يوحي بالقرب والحميمية.وحين طالعت الأم تقرير التحقيق، زاد قلقها واضطرابها.لم تستطع أن تقف مكتوفة الأيدي وتشاهد وردا مع رجل آخر، كان عليها أن تعيدها إلى جانب سليم.أما جميلة، فقد لاحظت تحركات الأم، فأصبحت شديدة الحذر.كانت تعلم أن والدة سليم لا تحبها أصلا، والآن وقد بدأت تحقق بشأن ورد، فلا شك أنها تنوي جمعها مجددا مع سليم.وكان هذا أمرا لا يمكن أن تسمح به، بل عليها أن تمسك قلب سليم جيدا ليظل ملكا لها وحدها.وفي تلك الأثناء، دخل مشروع مجموعة الفخم مرحلة جديدة، فأصبحت أعمال ورد أكثر انشغالا من قبل.كانت تخرج صباحا وتعود ليلا، غارقة في العمل بلا توقف.وكان جليل يساندها بصمت، يفكر في مصلحتها في كل تفصيل. لم يكتف بمساعدتها في العمل، بل اعتنى بها في حياتها اليومية أدق عناية.فكل صباح كان يجهز لها فطورا صحيا متكاملا، ثم يوصلها إلى الشركة.وفي المساء، مهما تأخرت في عملها، كان ينتظرها ليعودا معا إلى البيت.قال لها بحنو وهو يراها منهكة: "حبيبتي، م
وفوق ذلك، فإن المرأة التي يحبها سليم الآن هي جميلة، ولا يستطيع أن يخيب مشاعرها نحوه.قال بحزم مقاطعا: "أمي، كفي عن الكلام."وحين سمعت الأم كلمات سليم، مرت في عينيها لمعة من خيبة وألم، ثم أفلتت يده ببطء واستلقت على السرير وأغمضت عينيها، ولم تنطق بعدها بشيء.نظر سليم إلى ملامحها الكئيبة، فشعر بطعنة حادة في قلبه.كان يدرك أنه جرح قلب أمه، لكنه لم يكن يملك خيارا آخر.نهض من مكانه وغادر الغرفة بصمت، تاركا والدته تبكي وحدها.في الممر، كانت جميلة تنتظر بقلق.وما إن رأت سليم يخرج، حتى أسرعت إليه تسأله بلهفة: "حبيبي سليم، هل أنت بخير؟ وهل أحرجتك خالتي بشيء؟"هز سليم رأسه، ثم جذب جميلة إلى صدره قائلا بصوت منخفض: "أنا بخير، لا تقلقي."ارتمت جميلة في أحضانه، غارقة في دفئه، وامتلأ قلبها بشعور من الحلاوة والسعادة.قالت بصوت رقيق: "يا حبيبي سليم، لا تحمل هما، سأعتني بخالتك جيدا. حالتها النفسية سيئة، فلا تستفزها أكثر."شد سليم ذراعيه حولها، ثم دفن رأسه في عنقها، يستنشق بعمق عطرها، كأنه يريد أن يحفر رائحتها في ذاكرته إلى الأبد.قال بصوت مبحوح متعب: "حبيبتي جميلة، شكرا لك."أما في الغرفة، فقد كانت والدة
ما إن سمع سليم كلمات أمه، حتى تغير وجهه إلى ملامح داكنة، وبدت نبرته أكثر ضيقا."أمي، ها أنت تعيدين الأمر مجددا! ألا يمكنك أن تكفي عن ذكر ورد؟"شعرت الأم بمرارة عميقة، فابنها يرفع صوته عليها من أجل جميلة، فزاد حزنها وغضبها.قالت بانفعال: "يا سليم، كيف تكون بهذا العمى؟ ورد امرأة عظيمة، كيف لا ترى جمالها وطيبتها؟ كم ضحت من أجلك، ومن أجل عائلة عباس! هل نسيت كل ذلك؟"وما إن سمع سليم أمه تعود إلى مدح ورد، حتى تفجر غضبه المكبوت.قاطعها بعنف، وصوته مكسو بالبرود: "يكفي! أمي، ألا يمكنك أن تسكتي؟ لقد سمعت ما فيه الكفاية!"أما جميلة، فرغم أن قلبها امتلأ نشوة لرؤية سليم يواجه أمه دفاعا عنها، إلا أنها أخفت ذلك خلف قناع من الحزن، وقالت بصوت خافت يملؤه التظاهر بالأسى: "يا حبيبي سليم، دع الأمر، لا تقل شيئا. ربما كانت خالتي على حق، أنا حقا لا أستحقك. سأرحل الآن، واترك لكما المجال لتتحدثا بهدوء."وما إن أنهت كلماتها حتى غمرت عينيها دموع، واستدارت مسرعة تغادر الغرفة.نظرت الأم إلى ظهر جميلة المليء بالشكوى وهي تخرج، ثم إلى وجه سليم المليء بالضيق، فارتجف جسدها كله من الغضب، وارتفع ضغط دمها فجأة.وضعت يدها ع
أما ابنها سليم، فقد انهار تماما بعد رحيل ورد، وأصبحت الشركة تواجه أزمة غير مسبوقة.تمتمت الأم قائلة بمرارة يملؤها الغيرة وعدم الرضا: "هذه المرأة تزداد قوة يوما بعد يوم."تناولت جهاز التحكم وأغلقت التلفاز، فيما زاد اضطرابها الداخلي أكثر فأكثر.وفي تلك اللحظة، فتح باب الغرفة بهدوء، ودخلت جميلة تحمل وعاء من الحساء الساخن يتصاعد منه البخار. قالت بصوت رقيق مليء بالعطف، وابتسامة حانية على وجهها: "خالتي، لقد استيقظت، لقد أعددت لك بعض الحساء، تفضلي واشربي قليلا منه."رفعت الأم عينيها نحو جميلة، ونظرتها ببرود قبل أن تقول بلهجة قاسية: "من طلب حساءك؟ خذيه بعيدا!"تجمدت ابتسامة جميلة للحظة، لكنها سرعان ما استعادت ملامحها الرقيقة.اقتربت من السرير، وضعت الوعاء على الطاولة الجانبية وقالت بخفوت: "خالتي، أعلم أنك ما زلت غاضبة مني، لكنني أريد فعلا العناية بك. هذا الحساء أعددته خصيصا لك، وهو مفيد لصحتك، جربي أن تتناولي قليلا منه."قهقهت الأم بسخرية، وفي عينيها امتلأت نظرات احتقار ونفور."تهتمين بي بصدق؟ أتظنين أنك شيء يذكر؟ هل تظنين أنك تستحقين أن تقارني بورد؟"شحب وجه جميلة فجأة، وارتعشت يدها وهي تمسك
جلست ورد في مكتبها الفسيح المضيء، وأشعة الشمس تتدفق من النوافذ الزجاجية الكبيرة الممتدة إلى الأرض، لتضيء الأوراق الموضوعة أمامها.وقف جليل بجانب مكتبها، ممسكا بخطة مشروع، يتحدث بثقة وبلاغة.قال بصوت هادئ رزين يحمل قوة تبعث على الاطمئنان: "يا حبيبتي، فيما يخص الترويج اللاحق لمشروع مجموعة الفخم، لدي بعض الأفكار الجديدة. يمكننا تجربة الدمج بين النشاطات الإلكترونية والميدانية؛ فعلى الإنترنت نطلق سلسلة من الفعاليات التفاعلية، مثل تصويت المستخدمين لاختيار تصميم مجتمع المستقبل، أو فتح نقاش بعنوان: (وطني المثالي)، مما يعزز شعورهم بالمشاركة ويزيد ولاءهم."كانت ورد تستمع باهتمام، تهز رأسها بين الحين والآخر، وفي عينيها بريق إعجاب. فأفكار جليل دائما ما تأتي من زاوية مبتكرة، وتفتح لها آفاقا جديدة.ابتسمت قائلة: "فكرة النشاط التفاعلي عبر الإنترنت رائعة، ستزيد من شهرة المشروع وتأثيره. وماذا عن الفعاليات الميدانية؟ هل لديك خطط لها؟"تابع جليل حديثه: "بالنسبة للأنشطة الميدانية، يمكننا التعاون مع بعض العلامات التجارية الشهيرة في مجال الأثاث، لتنظيم معرض ضخم بعنوان (تجربة حياة المستقبل). ندمج فيه مفهوم م
تأثرت مشاعر ورد، إذ لم يخطر ببالها أن يكون سيف صريحا إلى هذا الحد وهو يواجه عاطفته بنفسه.نظرت في عينيه العميقتين وقالت: "أيها الأخ الصغير، شكرا لك. أنت أعز أصدقائي، وأوثق شريك عندي. نحن الاثنان، سنبقى دائما صديقين."مرت في عيني سيف لمحة حزن خافتة، لكنه أسرع في إخفائها. ابتسم قائلا: "ورد، لا تقلقي، لن أحملك أي عبء. سأبقى دائما إلى جانبك، أساندك وأحميك.""أخي الصغير..." لكنها لم تكمل كلامها، إذ قاطعها سيف.قال سيف: "يكفي، لا داعي لمثل هذا الحديث. لدي بعض الأمور، سأرحل الآن. لكن تذكري، أيا يكن ما سيحدث، فلست وحدك في هذه المعركة."ثم استدار وغادر المكتب، تاركا ورد وحدها غارقة في تفكير عميق.في المستشفى، حين استيقظت والدة سليم من جديد، وجدت نفسها في غرفة غريبة عليها.تلفتت حولها، وأدركت أن هذا ليس هو الجناح الذي اعتادت عليه.سألت بحدة: "أين أنا؟ كيف جئت إلى هنا؟"جاء صوت جميلة من عند الباب: "خالتي، لقد استيقظت! كيف تشعرين؟ هل يؤلمك شيء؟"لكن والدة سليم لمحت وجه جميلة المليء بالتكلف، فاشتعل في قلبها النفور.قالت بغضب: "أنا أسألك، أين هذا المكان؟ وكيف وصلت إليه؟ وأين ابني سليم؟ دعيه يدخل فور