INICIAR SESIÓNبعد أن شاهدت ليان البحر، حان وقت عودتها إلى المنزل، لذلك جمعت حقائبها باكرًا، وتوجهت إلى مكتب الاستقبال لتقوم بتسجيل المغادرة."سيدتي، هل ستغادرين الآن؟""نعم."فوجود زياد هنا جعلها لا تريد البقاء لحظة واحدة."حسناً، لقد أنهينا إجراءات تسجيل المغادرة."وبعد انتهاء إجراءات المغادرة قدّم موظف الاستقبال لها ملفًا: "هذا الملف تركه لك السيد زياد قبل أن يغادر صباحًا، وطلب منا تسليمه لك عند مغادرتك."ارتجفت يدها قليلًا وهي تمسك الملف: "وأين هو الآن؟""قال إنه يعرف أنك لا تريدين رؤيته، لذا غادر على أول طائرة وعاد إلى البلاد.""شكرًا"ابتعدت ليان قليلًا وفتحت الملف، حين رأت اتفاقية الطلاق، توقفت لثواني، ثم قلبت إلى الصفحة الأخيرة، وعندما رأت توقيع زياد انهمرت دموعها.لم تكن دموع حزن، بل سعادة، سعادة لأنه أخيرًا تركها تذهب، وسعادة لأنها أخيرًا قالت وداعًا لكل ما مضى."صحيح، سيدتي، هناك رجل آخر ترك لك شيئًا أيضًا." اقترب منها موظف الاستقبال ثم أعطها بطاقة عمل، أخذتها ليان ونظرت إليها، فإذا بها بطاقة عاصم، كما توقعت، كان شخصية مهمة، رئيس مجموعة شركات."قال إنه إذا احتجتِ شيئًا يمكنك الاتصال به، وه
ما إن رآه زياد، حتى اشتعل غضبه وقال: "أنا أتحدث مع زوجتي، أنت من تظن نفسك لتتدخل؟"فأجابه الرجل: "زوجتك؟ السيدة ليان أخبرتني إنكما تُجريان إجراءات الطلاق، وبالمنطق لستم زوجين الآن. وبما أنكما لستما زوجين، فمن حقي أن أتحدث نيابة عنها.""ليان، حتى أمر الطلاق أخبرتِه به؟ من هذا الرجل؟"غضب زياد ونظر إلى ليان بعينين محمرتين: "قلتِ إنك خاب ظنك بي، وإنك جئتِ وحدك لترى البحر، هل السبب أنك وجدتِ رجلًا آخر؟ هل هو عشيقك؟ هل هذا هو الرجل الذي تخونينني معه؟"لكن قبل أن يكمل زياد كلامه، رفعت ليان يدها وصفعته بقوة: "زياد! أنا لست مثلك، ولست وقحة إلى هذا الحد"هذه الصفعة أيقظت عقله، فقد كان غاضبًا جدًا، فاندفع بتلك الكلمات الجارحة.كان يعلم أن ليان لن تفعل ذلك، لكنه ظل غاضبًا."لقد خاب ظني فيك تمامًا، لو كنت جئت إلى هنا فقط لتتهمني، فأنا فعلاً أرفع لك القبعة يا زياد! لقد كنت عمياء كل هذه السنوات لأني أحببتُ رجلاً دنيئًا مثلك!"كانت كلماتها كالسكين، تمزق قلبه مرةً بعد مرة."أنا آسف، كنت غاضبًا فقط، أنا لم آتِ لأتهمك، جئت لأطلب منك أن تسامحيني، لا أريد الطلاق، أحبك، أحبك جًدًا، ومن أجلك، يمكنني حتى الت
نظر عاصم إلى ليان وهي تمسك بالألعاب النارية بسعادة، فابتسم بلا حيلة. كانت هذه أوّل مرة يرى فيها فتاة سعيدة لهذا الحد ببضع ألعاب نارية صغيرة. وبينما كان يستعد لمشاركتها اللعب، دق جرس هاتفه: "مرحبًا؟ أمي؟""عاصم، أين اختفيت؟ رتّبتُ لك موعدًا أعمى ولم تذهب، والفتاة انتظرتك لساعات في المطعم! ولم تظهر لها حتى!" صرخت والدته غاضبةً فور اتصالها.عقدَ عاصم حاجبيه وقال: "أمي، أخبرتكِ أنا لا أحب هؤلاء الفتيات. كلهنّ يأتين الموعد لأن عائلة المهدي غنية، وأنا لا أريد أن اذهب!""وماذا تريد إذًا؟ أنت فوق الثلاثين، ولا تريد الزواج! متى سأحمل حفيدي؟""حسنًا، سأحضر لكِ امرأة مطلّقة ومعها طفلان، ونتزوج، أهذا مناسب؟"حرك عينيه بضيق، فهو لم يرتكب ذنبًا كبيرًا، فقط في الثلاثينات من عمره ولم يتزوج بعد!أجابت الأم فورًا: "لا بأس! أحضر أي امرأة! وإن لم تجد، فأحضر رجلًا، وتبنّوا طفلًا!"أغلق عاصم الهاتف بإحباط، فهو الابن الوحيد، وأمّه تكاد تجنّ من شدة رغبتها بالأحفاد.رفع عينيه نحو ليان، وسألها بفضول: "ليان، هل لديكِ حبيب؟""أنا؟"ضحكت ليان بهدوء: "لدي زوج، لكننا نُجري إجراءات الطلاق.""حقًا؟" تجهم عاصم، يا للص
انسابت قطرات الماء الدقيقة على جسد الرجل تتشبث به، ويلمع جسده تحت أشعة الشمس كحبات الفضة المنثورة على البلور. رمشت ليان بعينها تحدق بذلك الرجل الوسيم، عرفته في لحظة، إنه ذلك الرجل الذي أهداها بطاقة الهاتف في ذلك اليوم.كادت أن تلقي عليه التحية، لكن اندفعت إليه مجموعة من الفتيات الشقراوات ذوات العيون الزرقاء، كأنه قد سحر أعينهم.قالت احداهن له: "مرحبُا، أيها الوسيم، هل أنت هنا وحدك؟ ما رأيك أن نشرب معًا؟"وقالت أخرى: "ما رأيك أن نسبح معًا؟"خرج عاصم من الماء، وارتدى رداءً قطنيًا يخفي جسده الذي أثار كل تلك النظرات، فعادت الفتيات تنظر لوجهه وغابت نظرات الدهشة.أجابهم معتذرًا: "أعتذر، لكنني لست وحدي".وسار نحو ليان بخطوات ثابتة هادئة، وقال بصوت عالي لكي تسمعه الفتيات من حوله: "رفيقتي هنا".قالت الفتيات بدهشة تنتابها بعض الخيبة: "يا للحظ! لديه صديقة".تبادلن نظرات الخيبة فيما بينهن وانسحبن بهدوء تام.تجمدت ليان للحظة، ثم أشارت إلى نفسها بإصبعها وقالت متعجبة له: "هل تقصدني أنا؟!"ابتسم قليلًا وقال: "لا تتوتري! أردتكِ فقط أن تحميني منهن!"علت شفتاها ابتسامة وقالت في خجل: "حسنًا، لا أمانع!"جل
قال مساعده محاولًا أن يُعيده إلى أرض الواقع: "سيدي، لا يمكننا أن نغفل عما يقع بالشركة هذه الأيام، فعليك أن تفكر فيما ينبغي أن تفعله".فأجابه زياد بصوتٍ خافت: "أريد أن أعود إلى البيت… إلى بيت أمّي".مدّ يده وأمسك بطرف المكتب، ونهض مترنحًا، وطلب من مساعده أن يُعيده إلى دياره القديمة.قد رحل أباه قبل سنوات، وبقيت شؤون البيت كلّها بين يدي أمّه، تقرر هي ما تفعله.وحين رأته يدخل البيت وحالته هكذا، تفوح منه رائحة الشراب وترتسم على وجهه الخيبة، تجهّم وجهها غضبًا وقالت وهي ترمي ما بيدها: "ما هذا؟ لما وصلت إلى هذه الحال ولما أتيت إلى هنا؟ أين زوجتك؟ لما لم تأت معك؟"كانت تجهز عدة أشياء اشترتها لأجل ليان، مقويات غذائية، أدوية، وأطعمة صحية. بالرغم أنها لم تحب ليان يومًا، لكنها منذ حملت بحفيد لعائلة المنصوري، ارتفعت مكانتها لديها وأصبحت تحمل في داخلها طفلًا من دم العائلة.قال زياد لها ويغلب صوته الوهن: "أمي، أريد أن أخبرك بشيء".قالت وهي تعقد حاجبيها: "ما الأمر؟ لا تخبرني أن ابن ليان أصيب بمكروه...إن حفيدي هو أغلى ما لدى العائلة، إن حدث له أي شيء، فلن يمرّ الأمر بسلام، وسأجبرك على تطليقها!لو علم
قالت ليان بصوت هادئ قليلًا لكنه لا يخلو من البرودة: "هل هناك أمر ما؟"فأجابها المساعد متوسلًا: "إن حالة السيد زياد سيئة للغاية، هل يمكنكِ أن تأتي هنا مرة واحدة؟"فرددت ببرود وصوتها لا يحمل ولو ذرة لين: "هذا ليس من شأني، إننا سنتطلق، لا تخبرني بأي شيء يخصه من الآن فصاعدًا!"فتوسل إليها يناشدها أن تعود: "اعتبريه رجاء مني أنا، أرجوكِ، لقد أدرك السيد زياد خطأه إن الشركة في مأزق، على مشارف الإفلاس. ذهب إلى الناس يستعطفهم، فجعلوه يشرب زجاجتين من الشراب قسرًا، ثم كسروا زجاجة على رأسه وينزف رأسه بغزارة الآن، ويرفض الذهاب للمشفى وينادي باسمكِ. سيدتي، أرجوكِ رأفة برباط الزوجية الذي كان بينكما، أرجوكِ...تعالي".سمعت كلّ ذلك لكن قلبها لم يتحرّك قيد أنملة. لقد جنى على نفسه، لا يعنيها أمره بعد الآن!إذا قارنت جراحه الآن وما يعانيه هو بمعانتها ومعاناة طفل مات قبل أن يرى العالم فلن تأتي ولو قطرة في نهر، أليس كذلك؟فقالت بحدة وصارمة: "سأعيد ما قلته ثانية، هذا ليس من شأني، فلا تتصلوا بي بعد الآن...!"لم تُكمل عبارتها، وخطف زياد الهاتف من مساعده، جاءها صوته ضعيفًا منكسرًا: "ليان، هل هذا أنتِ حقًا؟ اشتقتُ







