الفصل الثامن

بعد أن خطا زياد بضع خطوات، التفت لينظر إلى التي ما تزال واقفة في مكانها، جسدها الهزيل ووقفتها المنعزلة تبدو مثيرة الشفقة، في تلك اللحظة أدرك زياد أنه وعدها ألّا يهملها بعد الآن من أجل نيرمين، لكنه، كما في كل مرة، لم يفِ بوعده.

عقد العزم في نفسه أنه سيعود بعد هذه المرة ليعوض ليان عن كل ما فاتها منه.

بعد مغادرتهما، جلست ليان مجددًا في مكانها، جاء النادل يحمل كعكة عيد ميلادها ذات الطابقين: "سيدتي، عيد ميلاد سعيد، هذه الكعكة أعدها السيد زياد من أجلك."

ألقى نظرة حوله، فلم يجد السيد زياد في أي مكان، فقد تركها جالسة بمفردها.

"ضعها هنا، شكرًا لك."

أشعل النادل الشموع، وقدّم لها دمية صغيرة كهدية رمزية، وأغمضت ليان عينيها، وتمنت أمنية، تمنت أن يُبعث طفلها من جديد، ويولد في بيت يملؤوه الحب، ليعيش حياةً سعيدة.

وحين فتحت عينيها، تناولت لقمة من الكعك، طعمه حلو، لكنه في فمها كان مُرًّا كالعَلْقم، وبعد لحظات من انتهائها من تناول الكعكة، رنّ هاتفها، كان المحامي يخبرها بأن عقد الطلاق جاهز، ويمكنها الحضور للتوقيع في أي وقت.

ذهبت إلى مكتب المحامي، تصفحت الأوراق سريعًا، وحين تأكدت من سلامتها، وقّعت دون تردد.

"سيدة عائلة المنصوري، أنتِ وزوجك لديكما طفل، والجميع يعلم كم تحبينه، لماذا قررتِ الطلاق فجأة؟" سألها المحامي وهو يراقبها باستغراب.

"نادِني السيدة ليان من فضلك، فلم يعد بيني وبين زياد أي علاقة."

ابتسمت ليان ولم تجب على سؤاله

"أرجو منك يا أستاذ شريف، أن تسلم عقد الطلاق للسيد زياد بنفسك غدًا، وبعد أن يوقعه، اخبرني، وسأعطيك عنواني لترسلها لي بالبريد."

"آنسة ليان، هل أخبرتِ السيد زياد بأمر الطلاق؟ ماذا لو رفض التوقيع على اتفاقية الطلاق؟".

ضحكت ليان: "لن يرفض. بل أظنّه ينتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر، لكن إن حدث ورفض، سأطبع نسخًا أخرى، ودعه يختار ما يشاء."

"حسنًا سيدة ليان، سأهتم بالأمر شخصيًا."

"شكرًا لك."

بعد أن أنهت ليان كل شيء، عادت إلى المنزل، كان المنزل فارغًا، ولم يعد زياد بعد، بدأت تجمع أغراضها، رأتها الخادمة وهي تملأ الحقيبة فتعجبت: "سيدتي، لماذا تجمعين أمتعتك فجأة؟"

"سأغيب لبضعة أيام."

لم تشرح ليان الكثير، كانت قد حجزت بالفعل تذكرة سفر إلى جزر المالديف، ستذهب لترى البحر الذي وعدها بها زياد ولم يفِ، الوعد ستحققه لنفسها هذه المرة.

"هل يعلم السيد؟"

"لا داعي لأن يعرف."

ثم جمعت كل تقارير الحمل السابقة، وصور الموجات فوق الصوتية، وتقرير الإجهاض ووضعتها في صندوق صغير.

كانت هذه هديتها الأخيرة لزياد.

أرادت حقًا أن ترى رد فعله عندما يرى هذه الأشياء - ندم؟ شعور بالذنب؟ حزن؟ أم يأس؟ ولكن ما الفائدة؟ لقد مات الطفل.

أخذت الصندوق وسلمته للخادمة: "أعطي هذا الصندوق للسيد زياد صباح الغد."

اخذته الخادمة وسألت في حيرة: "سيدتي، لماذا لا تنتظرين عودته وتسلمينه له بنفسك؟"

أجابت بابتسامةٍ حزينة:

"أنا سأغار."

اكتفت ليان بالابتسام، لماذا؟ لأنها لم تعد تريد رؤية زياد، لا تريد رؤيته مرة أخرى في هذه الحياة.

صعدت على متن الطائرة المتجهة إلى جزر المالديف. في اللحظة التي أقلعت فيها الطائرة، شعرت ليان براحة وفرح لم تشعر بهما من قبل، اتضح أن مغادرة شخص لا يحبك هو أمر في غاية السعادة