جميع فصول : الفصل -الفصل 830

838 فصول

الفصل 821

حسبت سارة في نفسها، لقد مضى ما يزيد على نصف عام وهي تعيش مع حسني، منذ البداية حيث كان بينهما شيء من الحذر، إلى أن صار الآن أشبه بأبٍ بديل يتكفّل برعاية طفلتها دون أن يُبدي أي تذمّر، ومع مرور الوقت أزالت ما كان في قلبها من ريبة نحوه.قالت مترددة: "أنا…" ثم سكتت، فالأمر طويل جدًا، ولا تدري من أين تبدأ.ابتسم حسني وقال بهدوء: "لا بأس، أنا أمين في حفظ الأسرار، لن يخرج مني شيء إلى أحد."نظرت سارة نحو طفلتها ثم قالت: "دعنا نؤجل الحديث قليلًا."قال: "كما تشائين."لم يكن في عجلة من أمره، فقد قضى أكثر من نصف عام حتى قبلت سارة أن تفتح له قلبها، فما الضرر في الانتظار بعض الوقت بعد؟حين نامت الطفلة في القيلولة، كان أحمد جالسًا عند حافة الحديقة منتظرًا.وما إن خرجت سارة حتى نهض واقفًا فورًا وقال: "سيدتي."قالت بهدوء: "لسنا بحاجة إلى هذا، لنجلس ونتحدث."أجابها: "حسنًا."أعدّ أحمد لها كأسًا من العصير، وجلسا تحت مظلة تحجب عنهما الشمس، والنسيم البحري العليل يهبّ من حولهما فيزيد الجو دفئًا وهدوءًا.ارتشفت سارة رشفة، فإذا هو عصير طازج من الليمون والبرتقال، طعمه منعش يختلط فيه حلاوة خفيفة مع لمسة من الحمو
اقرأ المزيد

الفصل 822

لم يكن صوت سارة مرتفعًا، غير أن كل كلمة خرجت من فمها كانت كالصاعقة تصمّ الآذان، حتى أخرست أحمد فلم يجد ما يردّ به.نعم، لقد آذاها في الماضي أيّما أذى، فكيف لها أن تعود إليه أو تلين بعد كل ما جرى؟، كان حقًا كمن يلهث وراء حلم مستحيل.وحين رأت سارة صمته، بدا على وجهها شيء من الاضطراب وقالت: "أعتذر، لقد فقدتُ أعصابي قليلًا."قال حسني بصرامة: "لا، رجل مثل زوجكِ السابق، لو مات مئة مرة لما كفّى ليمحو ما سببه لكِ من ألم."أجابت سارة بنبرة قاطعة: "كل ما أريده ألا نلتقي ثانيةً، وأن نعيش عمرنا حتى الموت غرباء لا صلة بيننا تجمعنا."أخذ أحمد نفسًا عميقًا ليستعيد رباطة جأشه وقال: "أتفهم شعوركِ، أذن ما علينا الآن هو أن نتسلل سرًا إلى مدينة الشمال دون أن يكتشف أمرنا، أليس كذلك؟"قالت سارة: "نعم، ولهذا السبب عدتُ مع القائد حسين خلسة، ووقوعنا في أيدي القراصنة لم يكن إلا أمرًا خارجًا عن إرادتي، فبانسداد هذه الطريق لم يعد أمامنا إلا البحث عن غيرها."قال حسني باطمئنان: "اطمئني يا سيدتي، اتركي هذا الأمر لي."ارتسمت الدهشة في عيني سارة، فما كانت تنتظر منه أكثر من مشورة فقالت: "أتقصد أنك تستطيع فعلًا؟"ابتسم
اقرأ المزيد

الفصل 823

هذا الطريق كان أكثر توافقًا مع شخصية حسني، فلن يثير شكوك سارة.قالت سارة بقلق: "سفينة غير مشروعة؟ وهل هي آمنة؟"أجابها: "لقد رتّبت الأمر مع صديقي مسبقًا، ما دُمنا باقين في الغرفة ولا نستفز أحدًا فلن يحدث شيء، نحن لن نشارك في أي نشاط على متن السفينة غير المشروعة، فقط نستقلها كرحلة مرور."في أعماقها لم تكن سارة تميل إلى ركوب مثل تلك السفن، فقد كانت تخشى المخاطر، غير أن هذا كان واحدًا من السبل القليلة للعودة.قالت بهدوء: "حسنًا."قال حسني: "لا تقلقي يا سيدتي، سأحميكما."أومأت سارة برأسها، وكانت ثقتها به تتعاظم شيئًا فشيئًا.قضوا الأيام الثلاثة الأخيرة على الجزيرة، وخلالها أعدّ أحمد لسارة شعراً مستعارًا وقناعًا.قال لها: "يا سيدتي، معظم من يصعدون إلى السفينة ليسوا أناسًا طيبين، وإن ظهرنا بملامحنا العادية فسنثير الريبة، لذا علينا التظاهر بأننا زوجان، وأما الآنسة مارية، فستضطر هي الأخرى إلى مواجهة بعض المعاناة."توقف أحمد قليلًا ثم أضاف بنبرة ثقيلة: "في مثل تلك السفن لا يُرى الأطفال من العائلات العادية، إلا إذا كانوا... كسلعة مستخدمة."اشتدّت ملامح سارة، وقد خمنت بعض ما يقصد، ففي الزوايا الم
اقرأ المزيد

الفصل 824

كان فم الرجل محشورًا بجورب نتن لا يدري لمن يعود، وقد غطّى الرعب ملامحه كلها.كان قد صعد إلى السفينة فقط بحثًا عن بعض الإثارة، ولأن قوام تلك المرأة وافق هواه، لم يرَ ضررًا في أن يطرح عليها اقتراحًا، فهل يستحق الأمر كل هذه القسوة؟أليست هذه السفينة مليئة بأناس قذرين مثله أو أشد قذارة؟ فما الذي يجعلهم يتظاهرون بالطهر؟حين نزع أحمد الجورب من فمه، هرع الرجل يتوسل قائلًا: "أخي، كنت أمزح معك فقط، انظر كيف أخذت الأمر بجدية، ألا يكفي أنني لن أكررها؟"أطلق أحمد ضحكة باردة، ثم مد يده وانتزع قناعه: "دعني ألعب معك على طريقتي."فالقناع لم يكن سوى ورقة التوت التي تستر عوراتهم، وبمجرد نزعه، بدا الأمر كما لو أنهم عُرّوا تمامًا وألقي بهم في الشارع.لقد كان وجهًا يعرفه أحمد، إنه أحد رجال الأعمال المشهورين في مدينة الشمال.رجلٌ لطالما روّجت له وسائل الإعلام على أنه زوج محب وأب مثالي، وأبناؤه ناجحون ومبشرون.لكن خلف هذا الواجهة كان يخفي قذارةً مقيتة، وما يفعله في الظلام كفيل بإثارة الغثيان.صرخ الرجل في هلع: "قناعي! أعده إليّ."إلا أن القناع انزلق من بين أصابع أحمد وسقط أرضًا، ثم سحقه بحذائه حتى صار شظايا.
اقرأ المزيد

الفصل 825

مدّ أحمد يده وربّت على رأس الطفلة، في الآونة الأخيرة ازدادت صلتها به حميمية، وما عدا أنها لم تناده بكلمة "أبي"، فهي لا تختلف عن ابنة حقيقية له.قال لها مبتسمًا: "لقد أُعدّ للتو، كُلي بسرعة."هزّت سارة رأسها في عجز وقالت: "لا تُدللها أكثر من اللازم، فالإفراط في الحلويات يسبّب تسوّس الأسنان."أجابها وهو يضع قطعة صغيرة بين يديه: "لا بأس، إنها مجرد قطعة صغيرة"، كان وجهه في تلك اللحظة مفعمًا باللين، مختلفًا تمامًا عن قسوته المعهودة مع الآخرين.راود سارة إحساس غامض، شعرت أنّ حسني لم يعد كما كان في البداية.لكنها سرعان ما أقنعت نفسها أن الأمر طبيعي، فمن يُظهر كل حقيقته منذ اللقاء الأول؟سألته بهدوء: "هل رتّبت كل شيء؟"أجابها: "نعم."ثم أضاف أحمد مذكّرًا: "صحيح يا سيدتي، هذه خريطة توزّع مرافق السفينة، ألقي نظرة."حين صعدت سارة إلى السفينة لأول مرة، أدركت أنها ضخمة، لكنها لم تتصوّر أن تكون بهذا الحجم المفرط.في الطابق السفلي يقع كازينو ضخم، أما الطابق الثاني، فيضم تحفًا وأنتيكات مسروقة، وأدوية نادرة، وأسلحة، بل وحتى أعضاء بشرية للتوافقات، وكل شيء قابل للبيع إذا دفعت الثمن.الطابق الثالث يعرض أر
اقرأ المزيد

الفصل 826

كان خالد يتعامل مع الأسلحة كما تتعامل النساء مع الحقائب الفاخرة والملابس الثمينة، فقال بحماس: "أخي، انظر بسرعة إلى هذا السلاح، في القتال القريب سيكون مدهشًا للغاية".ثم أضاف وهو يشير بحماس أكبر: "أخي، اشترِ لي هذا، أريد هذا وذلك أيضًا".لم يجد محمود ما يقوله، فاكتفى بالصمت: "......"أما أحمد فقد تناول مسدسًا صغيرًا مخصصًا للسيدات، فسارع البائع إلى الترويج له بحماسة: "يا لها من عين خبيرة، هذا أحدث طراز لدينا، ارتداده ضعيف، ومناسب جدًا للسيدات".قال أحمد بهدوء: "سآخذه، وأريد هذا أيضًا".وكان يشير هذه المرة إلى خنجر صغير يسهل حمله وإخفاؤه.بعد أن اختار بعض القطع، توجه إلى منطقة الأدوية.كان المكان يعج بالناس، كلٌّ منهم يتسابق لشراء الأدوية كما لو أنهم يشترون الخضار بالجملة.كثير من الأدوية محظورة في الداخل، لكن هنا لا وجود للقانون، إنما هناك المال والشهوة فقط.فإذا كان لديك ما يكفي من المال، يمكنك أن تُشبع كل رغباتك.ولأن هذه الليلة لا مزاد خاص فيها، اضطر أحمد إلى الاكتفاء بالتجول بين الأكشاك.اقترب منه أحد الباعة بابتسامة ودودة وقال: "ماذا تريد يا سيدي أن تشتري؟ بضاعتي متوفرة بكل الأنواع
اقرأ المزيد

الفصل 827

كان خالد يحدق في مؤخرة رأس أحمد، ولم يستطع إلا أن يشعر بالأسى تجاهه، فهذا الرجل بائس للغاية.فحين وافق في البداية على الزواج من صفاء، كان ذلك وفاءً لوعدٍ قديم، لكنه في الحقيقة لم يلمسها يومًا، ومن البداية حتى الآن لم يعرف امرأة غير سارة.أما هو، فمع أنه بلا صديقة، إلا أن لديه دائمًا طرقًا للتنفيس عن نفسه.بينما ظل أحمد وفيًّا لامرأة واحدة، فإن لم يستطع أن يعود إليها في المستقبل، ألن يُحكَم عليه أن يقضي عمره في عزلة كالأرامل الأحياء؟ التفكير في ذلك يجعله مثيرًا للشفقة.قال خالد فجأة: "أخي، ما رأيك أن نشتري للزعيم دمية واقعية؟ الآن صارت متطورة جدًا، ولن تُعد خيانة، أليس كذلك؟"أجابه محمود ببرود: "إن أردتَ أن تموت، فلن أمنعك".قال خالد متذمرًا: "أنا أفكر في مصلحة الزعيم فقط، ألا تخشى أن يتأذى من كثرة الكبت؟ لا يا أخي، يجب أن ترافقني لنشتري له شيئًا، لا يمكن أن نتركه هكذا مكبوتًا".كان أحمد قد ابتعد مسافة طويلة، حتى خفَّ الاحمرار الذي صعد إلى أذنيه، وهو يعترف في داخله أن ما قاله الطبيب الدجال قد أصابه في موضع حساس.في الآونة الأخيرة كان يشعر فعلًا بشيء من الاضطراب كلما تذكر سارة، لكنه ظل ي
اقرأ المزيد

الفصل 828

نظر أحمد إلى خلفه، فلم يجد أثرًا لا لخالد ولا لمحمود.السبب الوحيد الذي جعله يطمئن ويشرب الخمر كان وجودهما بجواره، لكنهما غابا في هذه اللحظة بالذات، فوقع في الفخ.المرأة أمامه كانت تظن أن جمالها وقوامها كافيان لإغواء أي رجل.غير أنه حين التفت إليها، لم تجد في عينيه أدنى رغبة، بل لمحت فقط هيبةً مهيبة وبرودةً قاسية.مع أنه كان جالسًا وهي واقفة، إلا أن الفارق في الهيبة بينهما كان شاسعًا.كان يسند رأسه بيده، كملك يجلس على عرشٍ عالٍ ينظر بازدراء إلى كل ما حوله.أما هي، فلم تكن في نظره سوى نملة تافهة.في داخلها، شعرت المرأة بالغيظ، وألقت اللوم على أن مفعول الدواء لم يظهر بعد.بدأت تتمايل وتتدلل محاولةً الاقتراب أكثر من أحمد، لم تصدق أن جسدها الذي لطالما تباهت به لا يثيره قيد أنملة.لو أن سارة كانت هنا لأدركت أن الأمر انتهى، وأن النجاة لا تكون إلا بالفرار.كان أحمد إذا بلغ به الغضب أقصاه، عاد ساكن الملامح، وكلما بدا هادئًا من الخارج، كان البركان داخله أشد هيجانًا.أما هي، فلم تكن تعلم أن ما تستعرضه أمامه لم يكن في عينيه إلا لحمًا فاسدًا مقززًا.قال ببرود: "كيف تريدين أن تجربي؟"حين سمعت صوته
اقرأ المزيد

الفصل 829

استغل أحمد فارق طوله، فمدّ يده ليغطي زر الإضاءة ويمنع سارة من تشغيله.لم يكن يريد لها أن ترى حالته المرهقة في تلك اللحظة.قال بصوت منخفض: "يا سيدتي، لا تقلقي، أنا بخير فعلًا، اذهبي ورافقي ابنتكِ مارية."لكن كلما ازداد تستره، ازداد قلق سارة، فأيقنت أن إصابة ما لحقت به، وأنه يخفي الأمر كي لا يقلقها.ومع أنه كان يحول بينها وبين تشغيل الضوء، إلا أنها في لحظة توتر مدّت يدها تتحسس جسده.كان أحمد يزداد كبتًا وضيقًا حتى كاد يجن، فخفض صوته قائلًا: "لا تلمسيني."قالت بحدة: "إذن قل لي ما الذي حدث لك بالضبط؟"أجابها باقتضاب: "لا شيء."لكن سارة لم تصدقه، فقد كان يتصبب عرقًا، ولا بد أن إصابته خطيرة، وإلا لما سال منه العرق بهذا الشكل من شدة الألم.لكن أين موضع الجرح؟راحت تتحسس بعشوائية، فلم يصبر هو أكثر، وفجأة أمسك بها بعكس حركتها وضغطها على السرير الفردي المجاور.سقطا معًا، وشعرت سارة فورًا أن السبب ربما أنه فقد الكثير من الدم ولم يعد قادرًا على الوقوف بثبات، ولم يخطر ببالها اتجاه آخر مطلقًا.قالت بلهفة: "يا حسني، أين أصبتَ؟ قل لي بسرعة."انسكب صوتها القلق قرب أذنه، يثير بداخله قشعريرة خفيفة.ظل أح
اقرأ المزيد

الفصل 830

كانت تلك المرأة الملعونة قد خشيت أن يرفض الانصياع، فزادت من جرعة الدواء، ظن أحمد أنه لو صبر قليلًا لانتهى مفعوله.لكن العكس هو ما حدث، إذ أخذ أثر الدواء يتضاعف بسرعة أكبر، والإحساس يشتد بقوة، حتى شعر أن عقله يطفو، وجسده يحلّق وكأنه عالق فوق الغيوم.أنفاسه الحارة انسابت قرب أذن سارة، فجعلتها ترتجف باضطراب.قالت وهي تحاول المقاومة: "لا، هذا لا يجوز، أنا..."لكنها لم تكمل، فقد باغتها الرجل، والتصقت شفتاه بشفتيها بلا أي إنذار.دوم دوم دوم.خفق قلبها بعنف، وصداه يتردد في صدرها.صحيح أنها لم تُحب إلا أحمد، ورغم أنهما مطلّقان الآن وهي امرأة حرة، لا يقيّدها شيء.إلا أنها لم تفكر يومًا أن تربطها علاقة برجل آخر.كان ذلك القبلة المفاجئة كالصاعقة، أغضبتها وأذهلتها، وبعد لحظة من الصدمة بدأت تفيق وتقاومه.قالت باضطراب وهي تحاول التملص: "يا حسني، أفق قليلًا، أنا..."لكن جسده كان أشبه بفرن مشتعل، يطوّقها تمامًا، مانعًا إياها من الإفلات.تمتم بصوت خافت مبحوح: "فات الأوان."ثم أضاف قرب أذنها: "لم أعد أستطيع التوقف... سامحيني."منذ البداية، حين لم تكن سارة قريبة، كان قادرًا على كبح نفسه.لكن وصول الأمور
اقرأ المزيد
السابق
1
...
798081828384
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status