All Chapters of ضباب حالم: Chapter 41 - Chapter 50

100 Chapters

الفصل 41

رغم أنّ باهر كان يدرك تمام الإدراك أنّ نيرة وصفاء شخصان مختلفان، ولا يختلطان إلا في منامه، فإنّ صدره ظلّ يثقل كأنّ غيمة من الضباب جاثمة فيه.في داخله، تمتم باسمها ببطء، نيرة…طرقت المعلمة على الطاولة لينبّه الجميع، وقالت، "سيد باهر، تفضّل، هذه والدة سارة، تفضّلا بالجلوس لنتحدث كأولياء أمور".كان ظهر نيرة مستقيمًا بشيء من التوتّر، وأصابعها التي تدلّت طبيعيًا قبل لحظة انقبضت بلا وعي ثم ارتخت من جديد.ولم تكن تتوقّع أنّ "خال مهند" سيكون باهر.استدارت سوسو بدهشة نحو الرجل، وعيناها السوداوان الواسعتان تتلألآن كحبتَي عنب وقالت، "عمو الطبيب باهر!"أجاب بصوت منخفض وهو يقترب، "نعم".انحنى قليلًا حتى صار بمستواها، ومع ذلك ظلّ فارع الطول إلى حدّ مهيب. مدّ يده، وأصابعه الطويلة تلامس خصلات شعرها برفق وهو يقول لها، "أعتذر لكِ بالنيابة عن مهند، لم يكن عليه أن يشدّ شعرك".تردّدت الصغيرة لحظة، ثم رفعت عينيها نحو أمها، كأنّها تستشيرها.أما نيرة فبقيت في مواجه المعلمة، لم تلتفت، لم تحرّك رأسها ولا نظرت إلى باهر.ابتسمت المعلمة إذ لاحظت أنّ الاثنين يعرفان بعضهما، وقالت، "هذا جيّد، سيسهل الأمر كثيرًا. ما ح
Read more

الفصل 42

"لا بأس، لم يكن يجدر بي أن أمسك بك".رمقته نيرة بنظرة عابرة، ولم تكن قد توقّعت أن يكون الفتى الذي شدّ شعر ابنتها هو ابن شقيقة باهر. صحيح أنّها لم ترَ شيماء الدالي قطّ، لكنّ الدم حقًّا أمرٌ عجيب، ينساب في العروق فيترك تشابهًا يفضح القرابة.وربّما كان مجرّد وهم في قلبها، لكنّها شعرت أنّ ملامح مهند تحمل بعضًا من ملامح سوسو.تحت الطاولة، امتدّت ساقا الرجل الطويلتان إلى الأمام، لتلامسا ساقها.خفضت نيرة رأسها ونظرت أسفل الطاولة. كانت قد حرّكت مقعدها إلى الوراء قليلًا قبل لحظة.هل يمكن أن يكون فعل ذلك عمدًا؟لا، على الأرجح كانت تُبالغ في التفكير.ظهرت ساقاه في مجال رؤيتها، طويلتين، مكسوّتين ببنطال أسود فاخر من قماش ناعم، فاضطرت إلى التراجع أكثر في جلستها.باهر لم يكن يطيق هذه الأطعمة السريعة، وكان ينظر إلى مهند الذي تلطّخ وجهه بالزيت، ثمّ إلى سوسو الصغيرة التي تأكل بأدب، وجنتاها بيضاوان كالحليب، وعيناها كحبّتي عنب سوداويتين، بريقهما نظيف وبراءتهما آسرة.ربّما لأنّ المرض أضعف جسدها منذ الصغر، فبقيت نحيلة هكذا، لكنّها تناولت قطعة بيتزا ومدّتها إلى أمّها وقالت، "أمي، دعيني أُطعِمكِ".لم يبقَ في
Read more

الفصل 43

ذلك الصباح، حملت نيرة معها فطورًا بسيطًا، عبارة عن كوبًا من حليب الشوفان وبيضة شاي.لكنّها لم تجد وقتًا لتناوله.قضت صباحها كلّه في الاجتماعات، إذ إنّ مكتب تصميم إل أند إم كان قد تلقّى عقدين كبيرين لتصميم مجموعتين من الأزياء النسائية، فجاء مسؤولان عن العلامتين التجاريتين إلى المكتب، واستدعاها السيد منير إلى مكتبه ثم رافقته على الغداء معهما.لم تكن نيرة تميل إلى موائد العمل، ومع ذلك اضطرت لتناول رشفتين من الشراب.ومضى النهار ولم تتناول شيئًا يُذكر.عند الرابعة عصرًا تقريبًا، جاءها اتصال من معلّمة سارة، تخبرها أنّ ابنتها تشاجرت مع زميلها الجالس خلفها في الصف.استأذنت نيرة من العمل على عجل وانطلقت إلى المدرسة، وهناك لم تأكل سوى قطعة بيتزا واحدة.كانت رائحة الزيت لا تزال عالقة، ووجهها شاحب، وما لبث جسدها أن ترنّح قليلًا قبل أن تجثو على ركبتيها.ذلك الهبوط في السكّر يلازمها منذ أن أنجبت ابنتها.دويّ في رأسها كأنّه طنين، وامتلأ بصرها بنقاط بيضاء متلألئة، تداخل كل شيء في عينيها.وبصعوبة، سمعت صوت سارة يناديها بقلق.قبضت نيرة بقوة على يد ابنتها محاولةً طمأنتها بأنّها ستتعافى بعد قليل.فجأة، ام
Read more

الفصل 44

"باهر، سهرٌ حتى الصباح؟"كان تحت برودة ملامحه المتزنة، يتأجج في أعماقه عبثٌ متعجرف لا يخلو من كبرياء.كان يستطيع أن يُسكت كل الألسن بكونه الأوّل على مستوى صفّه، فلا أحد قد يجرؤ على ربطه بشابٍ يدخّن، ويتهرّب من الحصص، ويقضي الليل بطوله في مقاهي الإنترنت.إنّه التلميذ المثالي في نظر جميع المعلّمين.أسندت نيرة ظهرها إلى المقعد، محاوِلة أن تسترخي.ذابت قطعة الشوكولاتة بين شفتيها تمامًا، تاركة حلاوتها تتلاشى ببطء.غير أنّ ضيق المكان لم يزدها إلا شعورًا بخدرٍ خفيف. صحيح أنّ الدوار الذي كان يثقل رأسها قد خفّ، لكن في صدرها بقيت غصّة خفيّة تشبه الغثيان، والجوّ مشبعٌ بمزيجٍ من عبير عطر رجالي فاخر، ورائحة جلد المقاعد.انعقد حاجباها دون وعي.وفجأة، انخفض زجاج النافذة إلى الأسفل قليلًا.تسلّلت نسمات المساء إلى داخل السيارة، فأنعشت أنفاسها، وأعادتها إلى وعيها شيئًا فشيئًا.لم تتمالك نفسها من النظر إليه.كان باهر يثبت عينيه على الطريق، يقود باهتمام كامل، ويده تسترخي على المقود. لمعت في معصمه ساعة من ماركة فاخرة محدودة الإصدار، وكأنّه مولع بهذا التصميم، فقبل سبع سنوات، حين أهداها ساعة في عيد ميلادها،
Read more

الفصل 45

كان مهند يمسك بسروال باهر من شدة الإحراج، وقد سمعت سارة كل شيء.كيف يمكن لرجل أن يعترف بعدم امتلاكه المال؟والأدهى أن امرأة جميلة تسمع ذلك أيضًا! يا له من عار!لكنّ شيماء كانت قد سحبت كل ما في بطاقته من نقود رأس السنة، خشية أن يشتري بها وجبات سريعة بعد المدرسة.بادرت نيرة بعرض أن تدعو مهند على العشاء، فقد تأخر الوقت قليلًا، ومع أن سارة تناولت بعض الوجبات الخفيفة، فإنها بحاجة إلى طعام مشبع. ثم إن باهر أوصلها بنفسه، وهذا العشاء سيبدو كأنه بدل أجرة السيارة.احمرّت وجنتا مهند، ورفع رأسه وقال بإصرار يدافع عن كرامته كرجل، "خالة نيرة، أنا أملك المال، لكنّ خالي يحتفظ به لي".ابتسم باهر بخفة ولم يسخر منه هذه المرة، وأشار برأسه إيماءة خفيفة.فما كان من مهند إلا أن قبض على يد سارة وجذَبها بحماس نحو المطعم.رمق باهر نيرة بنظرة عابرة، متوقفًا عند شحوب شفتيها الوردية، ثم عقد حاجبيه قليلًا وقال بصوت منخفض جاد، "انخفاض السكر خطير، عليكِ أن تلتزمي بوجباتكِ في مواعيدها، وأن توازني غذاءكِ، ولا تؤخّري فطورك، ولا تستغني عن النشويات"."حسنًا." أجابته بهدوء.تقدّم باهر بخطوات ثابتة نحو المطعم، فتبِعته نيرة ب
Read more

الفصل 46

واصل باهر القيادة، متجاهلًا تمامًا ثرثرة مهند طوال الطريق.حتى عندما وصل إلى منزل عائلة الدالي، تمتم مهند ساخرًا وهو ينزل من السيارة، "أنتم الكبار لن تفهموا، لكنني أضفتها على واتساب، وأنا متأكد أن لدي فرصة".أمسك باهر سيجارة بين أصابعه، تردّد قليلًا، ثم كتم رغبته في إشعالها. ثم قال بصوت مبحوح قليلًا وهو يلتفت إلى الصغير الجالس بجانبه، "إنها امرأة متزوجة، وأنت في عمر ابنتها"."وما ذنبي أنا أنني صغير؟ الآن الجميع يحبون الشبان الأصغر سنًا! خالي، أنت لا تفهم كم الخالة نيرة جميلة، عندما أعطتني قطعة البيتزا أمسكت بشعري برفق، كانت رائحتها رائعة وبشرتها ناصعة وابتسامتها رقيقة، أشعر أنها معجبة بي فعلًا..."ابتسم باهر بفتور وقال، "أول مرة ترى طفلًا بهذا النهم".فقال له مهند، "أنت فقط من تسخر مني، لكن الخالة نيرة قالت إنني لطيف!"ثم تجاهله تمامًا بعدها، وأخرج ساعته الهاتفية ليشحنها في السيارة قبل أن تنطفئ.وبينما يشحنها، فتح واتساب ورأى أن نيرة أرسلت له رسالة صوتية تقول فيها، "شكرًا لك، أنت أيضًا لطيف".رفع الصوت إلى أقصى درجة وشغّلها لباهر ليسمعها.ضحك باهر بسخرية خافتة وثال، "أتصدق مجاملات النس
Read more

الفصل 47

في منتصف نوفمبر، انتشرت الإنفلونزا في المدرسة، وكما هو الحال دائمًا، يكفي أن يمرض طفل واحد حتى يُصاب الفصل بأكمله.فالأطفال مناعتهم ضعيفة، وكانت نيرة تخشى أن تصاب ابنتها سارة، فقلقها مضاعف لأن قلب الصغيرة ضعيف، وإذا مرضت ستكون العواقب مزعجة.لذلك طلبت إجازة أسبوع كامل لابنتها من المدرسة.لكن لم تتوقع أن تكون هي أول من أصيب بالحمى.خشيت أن تنقل العدوى للسيدة شكرية ولابنتها، فهما الطرف الأضعف في هذا البيت لأنها سيدة عجوز وطفلة صغيرة.فطلبت من السيدة شكرية أن ترتدي كمامة، لكن السيدة ضحكت قائلة، "يبدو أن صحتكِ أضعف من صحتي وصحة سوسو".حصلت نيرة على إجازة من العمل، وذهبت إلى عيادة صغيرة قرب المجمع السكني، أخذت محاليل لثلاثة أيام متواصلة، لكن الحمى لم تهدأ، بل كانت تعود كل مرة أشد.عند الظهيرة جاءت السيدة شكرية تحمل الطعام، وأصرت أن تذهب نيرة إلى مستشفى كبير لتجري فحص دم.كانت نيرة تنوي الذهاب فعلًا غدًا، فجسدها متعب للغاية من الحمى المستمرة، لكنها عندما رأت سارة واقفة عند باب الغرفة، عيناها متورمتان من البكاء، تملؤهما نظرة قلق صادقة، شعرت نيرة برغبة قوية أن تضمها إلى صدرها، لكنها تراجعت خشي
Read more

الفصل 48

حتى لو جاءت السيدة شكرية مع سارة لتبحثان عن نيرة، فلن يسهل العثور عليها وسط هذا الزحام.وفعلًا، في اللحظة التالية جلست لينا وباهر بجانب نيرة.كانت نيرة تشعر أن رأسها يثقل كأنه مغمور في الضباب، لكن عقلها انتبه فجأة واستعاد صفاءه فورًا.أخفضت رأسها قليلًا، ودّست ذقنها في ياقة سترتها، وأدارت وجهها إلى الجهة الأخرى متظاهرة بعدم المبالاة.كان الهواء في المكان خانقًا وذو رائحة كريهة، لكن برودة حضور الرجل الجالس بقربها امتدت كخيط خفي يلتف شيئًا فشيئًا حول أعصابها ويشدها.أنفها المسدود وحلقها المتعب جعلاها تشعر بالألم، ومع ذلك صارت فجأة قادرة على تمييز رائحة عطره البارد، كأن حواسها كلها تتنبه له وحده.وكأن جسدها كله صار حساسًا بشكل مفرط لكل ما يخصه.رفعت نيرة بصرها إلى زجاجة المحلول المعلقة، وراحت تدعو في سرّها أن تنتهي بسرعة.لكنها كانت قد استبدلت الزجاجة قبل قليل، ولأن رأسها كان يؤلمها فقد وُصف لها محلول مانيتول يقطر ببطء شديد.ألقى باهر نظرة سريعة على هاتفه، كانت والدته هويدا قد أرسلت له رسالة تسأله عن حال لينا.في الصباح جاءت لينا برفقة والدتها الخالة تيسير إلى منزل عائلة الدالي لزيارة الس
Read more

الفصل 49

ابتسمت الممرضة الشابة قائلة، "آه، دكتور باهر، أنت هنا أيضًا".وجه باهر في هذا المستشفى يكاد يكون أيقونة معروفة، لا أحد يمر دون أن يلتفت إليه.ألقت الممرضة نظرة على المرأة الجالسة إلى جواره، أنيقة المظهر، ترتدي سترة من الصوف من دار شانيل، وفوقها معطف كشمير بلون بيج مزدان بنقوش مربعات ناعمة.إطلالة ثرية تنطق بأنها من بنات العائلات الكبيرة.التفتت لينا نحو نيرة ، عقدت حاجبيها قائلة، "نيرة؟"أومأت نيرة برأسها، ورفعت قبعتها قليلًا وقالت، "المديرة لينا!"ضحكت لينا وهي تستمع إلى نبرة نيرة المبحوحة، "يا إلهي نيرة، ما الذي حدث لصوتكِ؟ لقد بدوتِ مختلفة تمامًا، حتى أنني لم أتعرف عليكِ في البداية".ثم التفتت إلى باهر قائلة بنبرة لطيفة، "باهر، هذه إحدى موظفات قسمي. تذكر آخر مرة تناولنا العشاء في مطعم الحساء الساخن؟ كانت معنا وقتها".كانت لينا تعرف أن باهر لن يتذكر أمرًا بهذه التفاهة، لكنها قالت ذلك بخفة، فهي ونيرة ليستا صديقتين، ودوائرهما مختلفة تمامًا، لكن موهبة نيرة في التصميم لافتة للنظر، حتى أن السيد منير يعلّق عليها آمالًا كبيرة.ومع ذلك تبقى فتاة عادية، مطلّقة، وأمّ لطفلة صغيرة.كانت لينا تري
Read more

الفصل 50

جلست نيرة متكئة على باب السيارة الأيمن، ضاغطةً بذراعها عليه، مع علمها أن هذا لا يفيد بشيء لأن الباب كان مغلقًا.حاولت أن تطرد عن ذهنها الأفكار السوداء، لكن الطريق خارج النافذة بدا خاليًا إلا من سيارات قليلة تمرّ أحيانًا. المكان هنا ما يزال في أطراف حي الصفوة، على جانبي الطريق مصانع متباعدة، والهدوء ثقيل يخنق الأذن.ضاق صدرها، لكنّها جاهدت لتبدو طبيعية وهي تتمتم لنفسها بصوت خافت، "الوقت ما يزال الثامنة والنصف... ليس متأخرًا كثيرًا".ابتسم السائق، ونظر إليها في المرآة وقال بنبرة مريبة، "فتاة جميلة مثلكِ، وزوجكِ يسمح لكِ بالخروج للعمل؟ لو كنت زوجكِ لما تركتك تخرجي من المنزل".وقع بصره على عنقها الأبيض، ثم لعق شفتيه بخفة.التقت نيرة بعيني السائق، وجهه يبدو عاديًا، بل أقرب إلى ملامح رجل بسيط، لكن عينيه تفضحان شيئًا دنيئًا، فخفق قلبها بقوة.مدّت يدها إلى حقيبتها تتحسس بخاخ الدفاع عن النفس، وفي اليد الأخرى أمسكت هاتفها. نظرت عبر النافذة إلى الطريق المظلم الخالي، ثم ضغطت على رقم تامر لتبلغه بمكانها وما يحدث معها، فهي خرجت للتو من المصنع الذي يشرف عليه.لكن المكالمة لم تكتمل. كان مشغولًا على ال
Read more
PREV
1
...
34567
...
10
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status