All Chapters of ضباب حالم: Chapter 51 - Chapter 60

100 Chapters

الفصل 51

كانت تشعر بثقل النظرات التي تراقبها في صمت، تلك النظرات التي تحمل شيئًا من التفكير المريب.لم تكن تدري إن كان اتصالها الهاتفي السابق قد بدا ساذجًا، ولا إن كانت رحلتها الأربعون دقيقة ستنتهي بسلام.كل ما كانت تعرفه أنّ خوفها وقلقها يجعلانها في حالة تأهّب دائم، تحدّق بعينين يقظتين في الطريق خلف زجاج النافذة.كلما انحرفت السيارة عن الطريق الذي تحفظه في ذاكرتها، كانت تشعر بجسدها يتوتر كوتر قوس مشدود.والسائق لا يكفّ عن محاولة فتح حديث معها، وكلماته تنضح بتلميحات خادشة،"يا فتاة، بشرتكِ بيضاء ناعمة، من يكون زوجكِ فهو محظوظ بكِ"."السيارة دافئة، اخلعي معطفكِ"."قلتِ إن زوجك طبيب؟ إذن لا بد أنه ثري، فكيف يعيل امرأة جميلة مثلكِ إن لم يكن كذلك؟"وبعد حوالي عشرون دقيقة، رن هاتفها، وظهر اسم باهر على الشاشة.فأجابت فورًا قائلة، "ألو".فقال لها باهر، "أنا عند مدخل المجمع الآن".ورغم أنها كانت جملة موجزة، لكنها ملأت قلبها بالامتنان.فسارعت تقول، "أنا الآن قرب شارع السلام، بقي نحو عشرين دقيقة وأصل".إنها لم تكن تتوقع أن يعاود الاتصال، لكن صوته أعاد إليها بعض الطمأنينة.ومع دخول السيارة إلى حي الصفوة و
Read more

الفصل 52

الساعة التاسعة وخمس وأربعون دقيقة، في مطعم الشرق.إن كان في المطعم زبائن، تُبقيه صاحبته مفتوحًا، وغالبًا ما يأتي إليه مَن أنهوا دوامهم ليتناولوا عشاءً متأخرًا.جلست نيرة أمام وعائها، تلتهم بضع لقيمات بشهية حقيقية. كانت جائعة، ومرتبكة بعد ما مرّت به، وزاد من وطأة الأمر برد المساء في أواخر الخريف. لكن مع أوّل لقمة من الطعام الساخن، شعرت وكأن بخاره يهدّئ ارتجاف قلبها.طلبت أن يُضاف إليه الكثير من الخلّ والفلفل الحار.ورغم أنها لا تحتمل الحار عادةً، إلا أنها اليوم احتاجت إلى تلك اللذعة؛ عرق ساخن تسلل إلى ظهرها، لكن دفء المكان وحميميّته أحاطا بها، بين أصوات الجيران المألوفين وضحكات صاحبة المطعم، والهيئة الشاهقة الباردة الجالسة أمامها.خفضت رأسها وأكلت أكثر مما اعتادت، حتى أنها وجدت طعم حشوة البيض المحفوظ مع اللحم التي لم تكن تحبها من قبل، لذيذة بشكل غريب الليلة.أما باهر فقد كان يتناول طعامه بصمت، يقطّب حاجبيه وهو يلتقط بعوديه قطع الروبيان الصغيرة ليبعدها جانبًا.قالت نيرة بخجل، "دكتور باهر، شكرًا لك على ما فعلته الليلة".أجاب بكلمة مقتضبة قائلًا، "مم". ثم تناول لقمة من الطعام، لكنه سرعان م
Read more

الفصل 53

عادت نيرة إلى مقعدها، لتجد أن باهر غير موجود.فجلست على المقعد بجانب النافذة.وكانت نافذة قديمة من الألمنيوم، قبل أيام هطلت أمطار في مدينة الزهور، وعلى الجانب الخارجي للزجاج آثار مياه متعرجة، وقد جفت تحت أشعة الشمس وتركّت عليها طبقة من الغبار.حدّقت نيرة في الخارج، لتلمح باهر واقفًا خارج المطعم يدخن.كان رجلًا طويل القامة، يرتدي سترة رمادية داكنة خفيفة، كتفاه عريضان وخصره نحيل، وحركّت الرياح الباردة في أواخر الخريف الدخان الذي كان يخرجه، بينما كانت شعيراته القصيرة تتطاير أمام جبهته. حدّق بعينيه قليلًا، وأكمل تدخين سيجارتين بسرعة.وشعرت نيرة أنهما قد تغيرا كثيرًا في السنوات السبع الماضية.ففي السابق، لم يكن باهر يدخن بهذه الشراسة، ولم يكن يحتاج للخروج لتدخين سيجارة بعد كل وجبة. وبالتفكير في ذلك، فقد مرت سبع سنوات، لكن الزمن لم يترك أثرًا عليه، فهو أصبح أكثر وسامة ونضجًا، بينما حدقت نيرة في زجاج النافذة، لتجد أنها بقيت ذات القوام النحيل الذي كانت عليه.فكرت أنه إذا استطاعت أن تستخدم هوية نيرة لتصبح صديقة غريبة له بهذا الشكل، فسيكون ذلك جيدًا.يعيشان في نفس المدينة، قد يلتقيان أحيانًا، أو
Read more

الفصل 54

"إذا كانت علاقتكما جيدة جدًا، فلماذا اتصلتِ بي؟ ألا تعرفين أن ذلك السائق كان ينوي النزول ومتابعتكِ حتى المجمع السكني؟ أنتِ وحماتكِ وابنتكِ جميعكن نساء ضعيفات، ومنطقة السلام الصناعية بعيدة ومعزولة، هل فكرتِ في سلامتكِ عندما ذهبتِ إلى مكان ناءٍ في هذا الوقت من الليل؟"ثم نظر إليها بجدية، وظهرت على وجهه لمحة من الصرامة وسألها، "ماذا لو لم أكن هنا الليلة؟"صمتت نيرة للحظة، ثم تمتمت بصوت منخفض ، "ما حدث الليلة كان مجرد حادث، سأكون حذرة في المستقبل".فقال باهر وهو ينظر إليها، "زوجكِ في وادي السيليكون بالولايات المتحدة، يعمل مهندس تكنولوجيا براتب سنوي يبلغ مئة ألف دولار، ومع ذلك تحتاج زوجته للعمل لساعات إضافية في الليل لكسب المال، حتى عندما تمرض والدته أو ابنتها، لا يستطيع العودة."كانت المرأة أمامه ذات بشرة فاتحة وهادئة، لكنه تذكر تلك اللحظة التي بدت فيها خائفة وعاجزة حين نزلت من السيارة واندفعت نحو حضنه منذ ساعة فقط.عندما نُقلت السيدة شكرية إلى المستشفى، وحتى عندما كانت تذهب لإجراء الفحوصات لسارة، كانت نيرة وحدها. وأثناء مناوبة باهر في المستشفى، سمع من الممرضات عن حالة الجدة شكرية في السري
Read more

الفصل 55

لم تقل نيرة شيئًا، فهكذا هو عالم الكبار.لا تتوقعي من شخصٍ من الجنس الآخر لا تعرفينه جيدًا أن يتعاطف مع تجربتكِ المؤلمة الليلة الماضية.ابتسمت نيرة للحظة وتحدثت عن نوعية الأقمشة، ثم أنهت المكالمة.وسألتها ابنتها، "أمي، قالت المعلمة قالت إننا سننظم نشاطًا خارجيًا الأسبوع المقبل، هل ستشاركين معنا؟"بعد تناول الإفطار، استعدّت نيرة لإيصال ابنتها إلى المدرسة.أخرجت لها سارة من حقيبتها نموذجًا للمشاركة الطوعية. كان الطقس يوم السبت ممتازًا، وستنظم المدرسة نشاطًا خارجيًا لزيارة الحديقة الثقافية وحديقة العينات النباتية، واشترت المدرسة التذاكر جماعيًا.في البداية، لم تكن نيرة ترغب في مشاركة ابنتها، فهي تخشى أن تتعب كثيرًا، لكنها في الوقت نفسه أرادت أن تندمج سوسو مع زملائها في الصف.لم تقرر نيابة عنها، بل انحنت ولمست شعرها برفق وسألتها، "هل تريدين الذهاب يا سوسو؟"فأجابتها قائلة، "نعم، لقد اتفقت مع مهند، وسيأتي هو ووالداه أيضًا".أمسكت سارة بيد نيرة بلهفة وسألتها، "أمي، هل ستذهبين معنا؟ قالت المعلمة إنه يمكن للوالدين المشاركة".نظرت نيرة إلى ابتسامة ابنتها، وأومأت برأسها قائلة، "نعم".بعد أن أوصل
Read more

الفصل 56

عندما سمع مهند أن جدته سترافقه، تأوه قليلًا ونزل عن المرحاض، وفتح الباب ليخرج.لكن شهقاته لم تتوقف بعد، فسأل متأثرًا، "أين نودلز الديك الرومي؟"أسرعت هويدا لمسح دموعه وقالت، "أليست هذه مسألة تافهة؟ سأرافقك غدًا، و نودلز الديك الرومي في المطبخ، كما أعدّت لك العمة أميرة فخذ دجاج مقلي مع صوص العسل والخردل الذي تحبّه".كانت الجدة تشفق على حفيدها كثيرًا.في المنزل يوجد اثنان فقط من الأبناء الصغار.إحداهما يسرا ابنة الابن الأكبر.لكن الابن الأكبر، يزيد، كان ابن صديق مقربويسرا أيضًا رغم أنها تربّت تحت رعاية عائلة الدالي، إلا أنها متبناة.لأنه بعد أن تزوج يزيد وولاء، لم يرزقا بالإنجاب، فتبنيا فتاة من دار الأيتام وأطلقا عليها اسم يسرا.والابن الأصغر، باهر الدالي، لم يكن لديه حتى امرأة بجانبه.كانت الجدّة هويدا تشعر أنه حتى في يوم وفاتها لن ترى حفيدًا أو حفيدة لها.لذا كانت عادةً تُدلل مهند كثيرًا، وتطعمه حتى أصبح طفلًا سمينًا، وكانت تُكنّ له محبة كبيرة جدًا.وفي تلك اللحظة، أمسكت بيد حفيدها وذهبت معه إلى المطبخ لتناول وجبة إضافية. في صباح اليوم التالي، ارتدت الجدة ملابس مريحة خفيفة، لكنها بسب
Read more

الفصل 57

حدقت الجدة هويدا بباهر بعينين صارمتين، لأن نبرته كانت تشبه تمامًا نبرة والده سالم الدالي!حقًا، الابن والوالد متشابهان.وقالت هويدا، "لقد التوى كاحلي، هل أنت مشغول اليوم؟ عملك عادةً متعب، فهذه فرصة لمرافقة مهند للخروج والترويح عن النفس".ابتسم باهر بهدوء وقال، "أنا مشغول جدًا، لدي لقاء مع مراد وجمال اليوم".تنهدت هويدا، وقالت، "مراد على وشك الزواج، أليس كذلك؟ لقد وصلتني الدعوة منذ أيام. انظر إليهما، مراد أصغر منك بعام واحد فقط، وجمال يبدو مقربًا مؤخرًا من ابنة عائلة الشناوي، ويبدو أن الأمور تتجه للأفضل لديهم".أمسك مهند بذراع جدته وهزه برفق، محاولًا إبعادها عن هذه الأحاديث، مؤكدًا أن أهم شيء هو أن يرافقه خاله إلى النشاط المدرسي.فسعلت هويدا سعالًا خفيفًا، ونظرت إلى مهند نظرة طمأنينة، ثم وجهت تحديقًا حادًا إلى باهر، "فلتأخذ مهند معك إذن، لن أتمكن من إقناعك بخلاف ذلك!"ابتسم باهر وقال، "حسنًا، كما تأمرين".صفّق مهند بفرح، خشية أن يتراجع باهر عن كلامه، ثم ركض متقدمًا ليجلس في السيارة التي كانت تنتظرهما في الخارج.صعد باهر إلى الطابق العلوي ليغير ملابسه، مرتديًا سترة سوداء خفيفة مع كنزة بن
Read more

الفصل 58

توقفت عدة حافلات مدرسية أمام مدرسة النخبة الابتدائية، موزعة حسب الصفوف.جلست نيرة مع ابنتها سارة في إحدى الحافلات. عند الثامنة وعشر دقائق، بدأ المعلمون عملية النداء على الطلاب، مُنبهين على بعض التعليمات، وعند الثامنة والربع، وصل باهر مع مهند متأخرين، فكانا آخر من وصل إلى الحافلة. لم تمتلئ الحافلة اليوم، إذ غاب بعض الأطفال، فكانت هناك مقاعد شاغرة.توجه باهر مباشرة مع مهند إلى المقعد خلف نيرة وجلسا هناك.قال مهند بحماس وهو يلوح بيده، "خالة نيرة!"ثم أضاف، "سارة، لقد أحضرت لكما هدايا، كما أحضرت الكثير من الألعاب الممتعة كي نلعب بها سويًا".نظرت سارة إلى والدتها، وقالت، "أمي، هل يمكنني الجلوس بجانب مهند؟"ابتسمت نيرة ابتسامة خجولة، ورأت عيني ابنتها اللامعتين، فنهضت من مقعدها.ألقت نظرة خاطفة على باهر، وجدته يحني ساقيه قليلًا ليتيح لمهند الخروج.وفي لمحة خاطفة، لمحت وجهه أيضًا.لم تجلس نيرة في مقعد مهند، الحافلة المدرسية كانت تحتوي بالفعل على عدة مقاعد فارغة، فاختارت لنفسها مقعدًا شاغرًا.لكنها شعرت أن تصرفها هذا كان متعمدًا ومتكلفًا، فلم يسعها إلا أنها أطلقت تنهيدة خفيفة، محاولة تهدئة قلبه
Read more

الفصل 59

"لا بأس يا والدة سارة، لم أقصد أبدًا أن أقول إنكِ تتصرفين بجنون".رفعت نيرة رأسها، وألقت نظرة سريعة عليه.غطّت يدها بكفّه الجاف، فأحكم باهر قبضته عليها، شعرت وكأن تيارًا ساخنًا انتقل بسرعة بين جلدهما ويدها.تجمدت نيرة للحظة، ثم جذبها قليلًا للأمام، فتعثرت خطوة، وكادت تقع في حضنه.كان أحد أولياء الأمور يرافق طفلته، فتحدث مع وليّ أمر يقف أمام نيرة في الطابور، ثم اندسّ بينهما، فقال، "عفوًا، اسمحوا لي بالمرور، آسف على الإزعاج". وكان هذا الشخص يعرف نيرة أيضًا، فقد التقيا من قبل في اجتماع التعارف عند بدء الدراسة.أما سوسو فقد حيّت الطفل الذي مع الطرف الآخر.ثم ابتسم ولي الأمر وقال بابتسامة، "نيرة، أهذا والد مهند؟ هل تعرفان بعضكما؟" ثم وقعت عيناه على يدي نيرة وباهر المتشابكتين، وفهم العلاقة من تلك اللمسة.عندما انتبهت نيرة، سحبت يدها بسرعة وقالت، "لا... لسنا مقربين."ولكن شعرت بثقل النظرات خلفها، وكان صوته منخفضًا، هادئًا، وهمس في أذنها، "كنتِ تدعينني زوجكِ الليلة الماضية، واليوم تقولين لسنا مقربين."تجمدت نيرة تمامًا، بينما اكتفى ولي الأمر بالابتسام، وابتسمت نيرة بخجل، محاولة التغطية على إح
Read more

الفصل 60

منذ طفولته، تربّى مهند على يد سليم وشيماء، وتلقّى تربية صارمة وحسنة. كما أنه نشأ في منزل عائلة الدالي، حيث غمره سالم وزوجته هويدا بمحبّة لا حدود لها، وكرّسا اهتمامهما لتربيته.وعلمّوه أنه حين يساعده أحد، ينبغي أن يردّ الجميل بمساعدة ذلك الشخص.هذا ما اعتاد سماعه منذ صغره، يسمونه "ردّ المعروف بالمعروف"."آه، لا... لا داعي لذلك"تردّدت نيرة، شاردةً، قبل أن تتمّ هذه العبارة، فإذا بـ باهر يقترب منها. وكان مهند قد مدّ يده ليستدعي سارة، ثم التفت نحوها مبتسمًا وقال، "سألتقط صورة لكِ مع خالي أيضًا!"كان يرى أن العدل يقتضي أن يملك كل واحد منهم صورة تذكارية. شعر مهند بالفخر كأنه اكتشف فكرة عبقرية.فابتسمت سارة وقالت، "حسنًا!"لم يخطر في بال نيرة أنها ستجد نفسها يومًا واقفة بجوار باهر في صورة واحدة.وقف الرجل شامخًا، إحدى يديه في جيبه، بينما تدلّت أصابع يده الأخرى بشكل طبيعي، حتى لامست أصابعه أصابع نيرة للحظة خاطفة.أحسّت نيرة ببرودة أطراف أصابعه ولمعة ملمسها، فحاولت أن تسحب يدها في ردّة فعل غريزية، تنفست بهدوء، ونظرت للأمام بجمود.رفع مهند الهاتف عاليًا، جادًا في مهمته وقل، "خالي، ابتسم قليلًا".
Read more
PREV
1
...
45678
...
10
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status