All Chapters of اخترتَ حبَّك الأوّل… وأنا اخترتُ نفسي: Chapter 1 - Chapter 10

30 Chapters

الفصل1

مدينة أزلان. ليلًا، الساعة الثامنة. في حفل الاحتفاء بمجموعة المنير، كان الجميع يتبادلون الكؤوس ويتجاذبون أطراف الحديث ببهجة. أُحيط صاحب المناسبة شادي المنير بالناس؛ فمنذ سنواتٍ خَلَت عصفت بأسرته الشدائد، ثم نهض من الصفر حتى أعاد إدراج مجموعة المنير المنهارة في السوق، وكان لزامًا أن تُقدَّم له التهاني. قال أحدهم: "مبارك يا سيد شادي، حقًّا أنت شابّ مميّز." وقال آخر: "فلنُكثِر التعاون في الأيام القادمة." وقال ثالث: "ليس عملك وحده مزدهرًا، أسرتك كذلك سعيدة يا سيد شادي. زوجتي دائمًا تقول: من رُزق بزوجةٍ صالحة كُفي همومه. حقًّا نحسدك على زوجةٍ كهذه." وكانت الغِبطة مفهومة؛ فالسيدة يارا، وهي في مقتبل العمر، ارتضت أن تكون أمًّا بديلة وربّت الطفلين على أحسن وجه، فأيّ رجل لا يغبط؟ وما إن ذُكرت يارا حتى مسح شادي المنير القاعة بعينيه. هناك، بين الناس، كانت المرأة الأنيقة بثوبٍ أسود للمساء وحديثٍ رصين، وهي السيدة يارا زوجته. كان هذا الحفل قد تولّت يارا تنظيمه منذ شهر، وعلى انشغالها لم تُغفل رعاية الطفلين. كبر الطفلان اليوم بصحة، واستقر عمل شادي، وليارا فضلٌ لا يُنكر. وقد أقرّ شادي بهذا ف
Read more

الفصل2

لم يخطر لشادي المنير أن يكون الأطفالُ على هذا القدر من النُّفور من ليان. انفجرت ليان باكيةً بحرقة، وكادت تخرّ: "كلُّه ذنبي، كلُّه ذنبي… الخطأ خطئي أنا، لم يعرفاني منذ صغرهما…" ولم يبالِ شادي المنير بوجود يارا، فطوّق كتف ليان مواسياً: "كيف يُمكن أن نلومكِ؟ لقد كنتِ مُكرهة." "كُفّي عن الحزن، اصعدي إلى الطابق العلوي واغتسلي ورتّبي نفسك أولاً." وكانت هيئتها في تلك اللحظة بائسة تُثير الشفقة. ولما بدا على ليان من وهنٍ شديد، لم يسع شادي إلا أن يُمسك بها بنفسه إلى غرفة الضيوف. ومرّا بمحاذاة يارا كأن لا أحدَ سواهما، غير عابئَيْن بمشاعرها. لكن يارا كبحت ما خامرها من ضيق، وأقنعت نفسها بأن ليان إنما تشتاق إلى أولادها وتريد رؤيتهما، وأن شادي لا يفعل سوى واجب الأب وحفظ الموقف. وحاولت أن ترسم ابتسامة: "يا أحبابي، هيا… آنَ وقتُ الغسل والنوم." "حاضر يا ماما!" ومضى الطفلان وراء يارا في سعادة. في غرفة الضيوف. اغتسلت ليان على عَجَل، وبدّلت ثيابها مؤقتًا، وقلبها غير مُطمئن: "شادي، هل أوشك الأولادُ على النوم؟" شادي المنير: "نعم، الوقتُ متأخر." ولولا حفلةُ الاحتفاء هذا اليوم لكان الأطفالُ قد نام
Read more

الفصل3

ليان بدت كمن فُزِعَت، غير مصدّقة وقالت: "يا ابنتي… كيف تتّهمين أمَّك بهذا الافتراء؟" ولمّا رأى شادي المنير الجرحَ في عيني ليان، ظنّ أن ابنته تكذب. رأى أنها تفعل ذلك لتُدافع عن يارا، فتعمّدت الإساءة إلى ليان. فهل تؤذي أمٌّ أولادها؟ قال شادي مؤنّبًا: "ربى، لا يجوز للصغار أن يكذبوا. ثم إنها ليست امرأةً غريبة، هي أمُّكِ البيولوجية وأمُّ أخيكِ، ولولاها لما وُجدتما." قالت ربى: "لم أكذب!" وابتسمت ليان بين الدموع تُهدّئ شادي: "لا بأس. الأطفال لا يكذبون، وإنما يحتمون بمن يألفون. لا مشكلة، حبُّهما للسيدة يارا دليلٌ على أنها تُحسن إليهما، وهذا يُسعدني." نعم، الأطفال لا يكذبون… إذن فَيَارا هي التي حرّضت ابنتها على هذا القول. ولمّا رأى شادي في عيني ليان مرارةً ومظلوميةً ازداد غضبُه وقال: "أين الخادمات؟" فدخلت المُربّية على عَجَل. حدّق شادي في يارا وقال: "خُذي الطفلين وابتعدي بهما." أي إنه يريد إبعاد الطفلين عن يارا! وبعد أن حملت المُربّية الصغيرَين، خرج شادي غاضبًا مع ليان. وبقيت يارا واقفةً وحدها في مكانها. هما: أبٌ بيولوجي وأمٌّ بيولوجية. فبأيّ حقٍّ تتكلّم هي؟ نظرت إلى أعواد القطن ال
Read more

الفصل4

مستشفى الأطفال، قسم الطوارئ. قالت يارا وهي تلهث جريًا: "ما الأمر؟!" قال شادي المنير بلهفة: "حازم تناول شيئًا خاطئًا وأصيب بحساسية." اشتعل قلب يارا قلقًا: "حساسية؟ ألم أكتب لكم الأطعمة الممنوعة بوضوح؟ ألم تنتبهوا؟" قالت ليان معتذرة على عَجَل: "الخطأ خطئي. لم أتوقّع أن يأكل بعض المانجو فيتحسّس. آسفة… آسفة…" قال شادي: "ليان كانت حسنة النيّة. ثم إن الورقة التي كتبتِها ضاعت من غير قصد، وربما لم تكتبيها بوضوح أصلًا." قالت يارا وقد فاض غضبها: "لم أكتبها بوضوح؟!" كان كلُّ ما لا يجوز للطفلين من طعام حاضرًا في ذهنها، وقد راجعت القائمة قبل تسليمها لهم. كيف لا تكون واضحة؟! ثم فوق ذلك ضاعت؟! قال شادي وقد شمّ رائحةً خفيفة: "هل شربتِ؟ الطفل على هذه الحال وما زال عندك متّسعٌ للشرب؟" قالت يارا بحرقة: "الأطفال خرجوا معكما، والآن تلوم…" قال شادي بصوتٍ حادّ: "يارا!" ثم رماها بنظرةٍ غائرة وقال: "ما يجب أن تفعليه الآن هو الاطمئنان على الطفل، لا التهرّب من المسؤولية. زوجة الأب تبقى زوجة أب." خفق قلب يارا خفقةً موجعة. لم تُصدّق أن هذه الجملة خرجت من فم شادي. هي لا تدّعي الكمال، لكنها أفرغت قلبها
Read more

الفصل5

شدّت يارا شفتيها وقالت وهي تعضّ على أسنانها: "اذهب إذن." وقضت ليلتها كلّها في المستشفى مع ابنتها، ترعى ابنها، لا تبرحهما خطوةً واحدة. أمّا شادي المنير وليان، اللذان قالا إنهما "سيعودان سريعًا" فلم يُرَ لهما أثر.تجرّعت يارا مرارةً لا توصف. كانت صورُ رسائل الواتساب بين شادي وليان تُظهر أنه في البيت، يسألها عن كلّ غرضٍ واحدًا واحدًا أهو الصحيح. لم يعد هذا تعاملَ مضيفٍ مع ضيفةٍ، ولا تعاملَ والدٍ مع أمٍّ بيولوجية فحسب… أترى، هل ما زال قلبُه معلّقًا بليان؟ بادئ الأمر ظنّت أن شادي يُعوّض ليان لأنها أنجبت له توأمًا، وقد قال ذلك بلسانه، لكن نبرته اليوم: "زوجة الأب تبقى زوجة أب"، جعلتها ترى ستّ السنوات كأنها عقدُ تشغيل: صلاحُها وذمُّها مشروطان بالطفلين، ووظيفتها لا تعدو "رعاية الطفلين". إن أحسنا كانت زوجةً صالحة، وإن حصل خللٌ صارت "زوجةَ أبٍ تهرب من المسؤولية". ومهما بلغتْ كفاءتها، لا تُداني صفة "الأمّ البيولوجية" التي تحوزها ليان ولو لم تفعل شيئًا.الساعة التاسعة والنصف مساءً. قال حازم بعد أن أنهى المصل الوريدي: "ماما، أنا بخير، هيا نعود إلى البيت؟" فكّرت يارا وقالت: "حسنًا. سأُنجز إجراء
Read more

الفصل6

"ماذا؟" خُيّل إليه أنه سمع خطأ. أدرك شادي المنير أيضًا أنّه قصّر فعلًا في حق يارا خلال اليومين الماضيين. لكن كيف تُلوّح بالطلاق بهذه السهولة؟ قال مُبرّرًا: "ليان لا أبَ لها ولا أمّ ولا أهل، ولم يبقَ لها غير هذَين الطفلين. هي الآن في مأزق، ولا أجد مبرّرًا لأن أقف متفرّجًا." ابتسمت يارا بسخرية: "إذًا لا بُدّ أن تُساعِدها أنت بنفسك؟ الخدم كثيرون والحُرّاس جماعة، تبكي فتضمّها. والأهم أنت… في قلبك مكانٌ لها. فماذا أكون أنا؟" أدار شادي ظهره: "أسأتِ الفهم. قلتُ إننا زوجان. كلمة الطلاق لا تُردَّد مجدّدًا. نامي باكرًا." "زوجان" مرةً أخرى… أفيكون الزواجُ إذن جوازًا لتجاهل الطرف الآخر؟ قال ذلك ثم مضى، ولم يُتح ليارا فرصةً لتُكمل. في الأسفل. كان العم ليث قد فرغ للتوّ من ترتيب السفرة. قال: "سيدي." فكّر شادي قليلًا: "مُر الطاهي غدًا بطبق سمكٍ مطهوٍّ على البخار." تحبّه يارا، لكنه لا يحبّ المطهوّ على البخار، لذا نادرًا ما أُعدّ في هذه السنين. في الغد. خرج شادي باكرًا إلى الشركة؛ عمله مزدحم، ولا يمكنه المكث في البيت كل يوم. لمّا نزلت يارا من غرفتها، رأت ليان بثوب نومٍ جديد اشترته حديثًا،
Read more

الفصل7

انطلقت السيارة سريعًا. ركب شادي المنير وليان سيارتهما. قال ماهر نصّار وهو يقترب: "السيد شادي." ظنّ شادي أنه يحمل خبر تعاون، فابتسم: "تفضّل يا سيد ماهر." قال ماهر بضيق: "عذرًا يا سيد شادي، شركات مدينة جلان تبدو غير راضية عن مجموعة المنير." استغرب شادي: "وما وجه عدم الرضا؟ نحن في أزلان والأقاليم الثلاثة أكبر مورّد للأجهزة الطبية." لولا أنّ مجموعة صفوان احتكرت التصدير في سنوات سابقة لما خشيهم شادي. نظر ماهر من دون قصد إلى ليان داخل السيارة. كان مغتاظًا، فقد ظنّ أنه سيصل شادي بالعاصمة فيربح هو أيضًا. لكن ما دامت تلك الجهتان لم تنظرًا حتى إلى مجموعة المنير، فغيرهما أولى بالرفض، لقد ضاع كل شيء. فقال بلهجة أشد: "السيد سليم قال إنك حضرت بصحبة امرأة أخرى إلى مناسبة كهذه وادّعيت أنها زوجتك، فلا ضمان للصدق. ثم إن قرب هذه السيدة منك طوال الوقت غير لائق. التجارة تقوم على الأمانة، والأمانة هي الواجهة." سوءُ السمعة وعدم اللياقة يسيئان إلى صورة الشركة. والجملتان الأخيرتان أضافهما ماهر من عنده. ارتبكت نظرات ليان، أتراه بسببها. غادر ماهر غاضبًا. ساد الصمت في السيارة، وثقُل مزاج شادي. همس
Read more

الفصل8

"هذه الكلمات جعلت شادي المنير يتجمّد قليلًا، وقال: "ليان، أنتِ…" قالت ليان مسرعة: "شادي، لا تسئ الظن، قلتُ لهم الحمد لله أنّ يارا ليست مثل زوجة الأب الشريرة في قصة بياض الثلج، وكلّما زاد مَن يحبّ طفليَّ فرحتُ أكثر، كيف يمكن أن أقول غير ذلك؟" ثم نظرت إلى الطفلين وقالت: "أعرف أنّكما تحبّان ماما يارا، لكن لا يصحّ أن تفتريا على أمّكما." كان شادي يعلم أنّ الأطفال لا يكذبون، لكن قد يقولون كلامًا مُلتبسًا بمنتهى الجِد، فلا يؤخذ بقولهم كلّه. وربما وقع سوء فهم، غير أنّ حمل ربى للمقص أمرٌ لا خلاف فيه. انهمرت دموع ليان وقالت: "أعرف أنّ غيابي عنهم هذه السنين جعلهم لا يألفونني، لكن لم أظنّ أنّ مَن حملتهم عشرة أشهر سأفشل معهم هكذا…" تذكّر شادي ما قاستْه ليان في الحمل، فقال معتذرًا: "لا تُعاتبي الصغار، ومع الوقت سيتقبّلونك." رفع بصره فرأى يارا تغادر وفي يدها الطفلان، فشعر بوخزةٍ في صدره. لقد دفع ابنته فسقطت قبل قليل، وكان ذلك خطأه. قال: "ارتاحي قليلًا، سأذهب إلى الطفلين." ولمّا همّ بالمغادرة، التفت قائلًا: "ليان، يارا أدّت واجبها مع الطفلين على أكمل وجه، فلا تذكري كلمة زوجة الأب أمامهما."
Read more

الفصل9

"أمتأكدة أنّكِ ستبيتين عندي الليلة ولن تعودي؟" استغربت جمانة. كانت يارا، التي طالما اعتبرت التوأم حدقتَي عينيها، قادرةً على تركهما هكذا هذه المرّة. جلستا أمام طاولة صغيرة، أعدّت جمانة صنوفًا من العشاء المتأخر، لكن يارا كادت لا تأكل، واكتفت بمصافحة الكؤوس مع جمانة بصمت. لا تدري منذ متى صارت تتّكل على الخمر لتسكين الهمّ. تعلم أنّه ليس حسنًا، لكنها لا تقوى على الكفّ. وما إن تصحو حتى يقفز إلى ذهنها وجه شادي المنير الذي غدا غريبًا عنها. "أفكّر في الطلاق." قالتها يارا بصوت منخفض. صُدمت جمانة: "حقًا؟ أهذا قرار نهائي؟ لستِ تمزحين؟ لا تعودي بعد يومين لتندمي." هزّت يارا رأسها وابتسمت ابتسامة خفيفة: "لا أندم على زواجي منه. ولن أندم على قراري بالطلاق." بادرتها جمانة بمصافحة الكأس: "أضعتِ أجمل سنينك، لكن عقلك باقٍ، اخرجي من هذا الزواج واعملي كما ينبغي، ستتألّقين." يقال دائمًا: انصح بالصلح لا بالفراق. لكن جمانة، وهي صديقة يارا، كانت ترى أنّ ما يحدث لا يستحقّ. لو كان بينهما حبّ لكان الأمر مختلفًا، لكن الحقيقة غير ذلك. "أنتِ ابنة بيتٍ عريق، وحيدة والديك المدللة، كان يمكنكِ أن تعيشي في بحب
Read more

الفصل10

"قال وائل صفوان كاذبًا: أخوكِ هنا أيضًا، ولذلك طلب منّي أن أحمل لكِ بعض الأشياء." حين علمت يارا أنّ أخاها يهتمّ بأمرها، كتمت دموعها. تأمّلها وائل، وشعر أنّ هذه الفتاة تغيّرت. كانت قديـمًا حدّةُ العزم والثقة في عينيها لافتتين. "سأبقى في أزلان هذه الفترة، إن احتجتِ شيئًا فاتصلي في أيّ وقت." أطرقت يارا قائلة: "شكرًا لك، وائل." نزلت يارا من السيارة وودّعت وائل صفوان، ثم حملت الأغراض وحدها ورجعت إلى البيت. كان جسدها الرقيق يرفع ذلك كلّه بسهولةٍ مدهشة. قال السائق بعد أن صعد إلى السيارة: "الآنسة يارا قوية فعلًا." وما درى أنّ يارا منذ ستّ سنوات تحمل طفلًا على كلّ ذراع. وتلك الأغراض لا تزيد على عشرات الكيلوغرامات، فلا مشقّة فيها. ثم إنها هدية من أخيها، فلا ترضى أن يلمسها غيرها. ظلّ وائل ينظر إلى ظهرها وهي تمضي. وكلّ هذا لا يستطيع أن يخبر به سليم. فذاك الذي يعشق أخته، إن اندفع غضبُه لا يُدرى ما يفعل، وعاقبتُه ربما لا تطيقها هذه الفتاة. "هيا نذهب إلى مجموعة الهاشمي." فمع أنّه لم يستثمر في مجموعة المنير في المرة السابقة، فقد اختار مجموعة الهاشمي. وهي الخصم اللدود لشادي المنير. ..
Read more
PREV
123
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status